يأتي رمضان ويأتي معه ذلك الخوف المتكرر من الجوع في رمضان بشكل قد لا نتحمله بسهولة. ويزداد هذا الخوف أكثر عندما ندرك أن رمضان هذا العام سيكون في أشد أيام الحر وأطول نهار في العام. يربط الكثيرون منا الجوع في رمضان بالإرهاق والتعب والمعاناة ويشعر أنه في حاجة ماسة إلى التقوقع في المنزل وعدم التعرض لأي مجهود بأي شكل لكي يحافظ على الطاقة الموجودة بداخله وأن يمضي معظم وقته في النوم لكي يهرب من هذا الإحساس. فهل كل هذه المخاوف والتخيلات حقيقة فعلا؟ وهل الجوع في رمضان يستحق منا كل تلك المخاوف والحسبة؟ وهل هناك طريقة من أجل أن نتعامل بشكل أفضل مع الجوع في رمضان؟ كل هذه أسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال، وسنحاول إيجاد بعض الخدع والنصائح من أجل تقليل الإحساس بهذا الجوع.
حيل مختلفة للتغلب على مشكلة الجوع في رمضان
ماذا يحدث أثناء الصيام؟
عند تناول وجبة السحور وبدء الإفطار، فإن جسدك يستغرق من ست إلى ثمان ساعات حتى تمام عملية الهضم وبدء مرحلة الشعور بالجوع. شعور الجوع في رمضان يحدث نتيجة أن مصادر الطاقة في جسدك قد قاربت على النفاد. مصادر الطاقة يستمدها جسدك من الطعام الذي تتناوله والذي يمثل الوقود لعملياته الحيوية متمثلا في عملية الهضم. عندما ينتهي جسدك من الطعام الموجود بداخله ويبدأ في احتياج دفعة جديدة من الطعام، يبدأ في إرسال رسائل عصبية إلى عقلك أنك بحاجة إلى تناول الطعام. هذه الرسائل العصبية تتمثل في إحساس الجوع الذي يدفعك إلى تناول الطعام. ما يحدث في رمضان هو أننا لا نستجيب إلى نداءات الاستغاثة تلك. فما الذي يحدث عندها إذا؟
ما يحدث عندما تتجاهل نداءات جوعك المتتالية هو أن جسدك يبدأ في التحويل إلى مصدر الوقود الاحتياطي وهو الدهون المختزنة في الجسد. الدهون هي عبارة عن سعرات حرارية يختزنها الجسد من أجل استعمالها في أوقات الجوع أو ندرة مصادر الطاقة القادمة إليه.
لماذا قد يفرض علينا الله الجوع في رمضان ؟
لم يفرض الله علينا الصيام من أجل تعذيبنا أو إصابتنا بالأمراض والأذى. لقد فرض الله علينا الصيام لحكم بالغة منها التقرب إليه وتحقيق التقوى وإعانتنا على أنفسنا والتحكم في غرائزنا. بالإضافة إلى الحمية الغذائية الصحية التي تعيد التوازن إلى أجسادنا وصحتنا. فما الفائدة التي يمكن أن ننتظرها من الجوع؟
الجوع في رمضان يعلمك التحكم في النفس
أحد أهم حكم الصيام البالغة هي تعريفنا مدى قدرة أنفسنا على التحكم في غرائزنا البشرية. فغريزة تناول الطعام هي إحدى أساسيات الحياة والتي نجدها في داخلنا منذ لحظة ولادتنا ودون حتى أن نملك أيه قدرة على التفكير أو الإدراك. فعندما نتمكن من التحكم في غريزة الطعام والامتناع عن الأكل مع وجوده وإتاحته أمامنا التزاما لأمر إلهي وحكمة ربانية، فهذا كفيل بأن يعلمنا درسا رائعا في قدرتنا على التحكم في مناحي الحياة المختلفة لدينا. وأننا لا يجب أن نستسلم إلى ما ترميه الحياة لنا وأن نعي جيدا أن لدينا الاختيار الدائم بين أن نتحكم في أنفسنا من أجل فعل ما نريد.
الجوع يعلمك الكثير عن طعامك
في حياتنا العادية ومع ضغط الحياة المستمر والمسئوليات الكثيرة، أحيانا ما نحاول الهرب من تلك الضغوطات بتناول الطعام بكميات كبيرة أو غير منطقية. وقد نشعر بالرغبة في تناول أطعمة بعينها قد تكون أطعمة مليئة بالسكر أو الدهون أو تلك غير الصحية عموما. عندما تجبر نفسك على الابتعاد عن تلك الأطعمة لمدة طويلة من الوقت كما يحدث في الصيام، فإن جسدك يبدأ في الإدراك أنه ليس بحاجة إلى كل تلك الأطعمة التي كان يتناولها سابقا وأن بإمكانه القبول بأقل القليل منها دون حدوث أية مشاكل. الجوع في رمضان إذا يجعل نظامك الغذائي أكثر انتظاما بعد رمضان ويساعدك في التقليل من كمية الوجبات التي تتناولها أو نوعها حتى.
الجوع يجعلك تفرق بين التوتر أو الجوع الحقيقي
كما هو موضح في النقطة السابقة، فإن ضغوطات الحياة المختلفة تخلق وهما أمام عقولنا فتجعلنا نشعر بالجوع والرغبة في تناول الطعام، بينما كل ما نشعر به هو بعض القلق، وهذا القلق يمكن تجاوزه ببعض الراحة أو التأمل. وهناك أيضا الإحساس الخاطئ بالجوع عندما نشعر بالعطش أو الجفاف. الدراسات العلمية أثبتت أن هناك أسبابا كثيرة غير الجوع قد تشعرك بالجوع والرغبة في تناول الطعام. عندما تمتنع عن الطعام لمدة طويلة كما في الصيام، فأنت تقوم بمثابة إعادة تنظيم مسارات عقلك وإعادة تعريف معنى الجوع الحقيقي الناتج من الرغبة في تناول الطعام وليس لأسباب أخرى. فأنت عندما تبدأ في شعور الجوع في رمضان بعد انقضاء ساعتين فقط من اليوم، فتتجاهل هذا الصوت ولا تتناول الطعام، ستنسى بعد فترة هذا الجوع، فيفهم عقلك أن هذا النوع من الإشارة ليس جوعا حقا وإنما هو لسبب آخر. وهكذا وفي كل مرة تتجاهل فيها إحساس الجوع، يقوم عقلك بإعادة حساباته وفهم الإشارات القادمة إليه. حتى تأتي تلك اللحظة –والتي غالبا ما تأتي قرب انتهاء الصيام بساعتين على الأقل- التي تشعر فيها بالجوع ولا يتوقف هذا الإحساس رغم تجاهله، حينها يبدأ عقلك في فهم أن تلك الإشارة هي الوحيدة التي كانت تعني الرغبة في تناول الطعام. فالتعرض للجوع الحقيقي إذا هي فرصة عظيمة من أجل تعليم عقلك متى يخبرك أن تتناول الطعام أو لا.
الجوع يجعلك تخسر بعض الوزن
إذا كنت تريد أن تخسر بعض الوزن في هذا الرمضان، فإن الجوع سيساعدك في هذا جدا بالإضافة إلى الالتزام بنظام غذائي صحي بالطبع. فكما ذكرنا سابقا، عندما يبدأ الجسد في المشارفة على الانتهاء من مصدر الطاقة لديه ولا يجد سبيلا آخر، فإنه يقوم بالاتجاه إلى الدهون المختزنة ويقوم بحرقها من أجل الحصول على الطاقة. الأمر المميز في الحصول على الطاقة من الجوع هو أنه لا يقوم سوى بتحطيم الدهون الزائدة، في حالات الدايت العادي فإن الجسد قد يقوم بالحصول على الطاقة من السكر والكربوهيدرات التي نتناولها في أطعمتنا عوضا عن تحطيم الدهون فقط. فالجوع الناتج من الصيام المنظم كالذي فرضه علينا ديننا الحنيف هو وسيلة متبعة عالميا من أجل خسارة الوزن والحصول على حياة صحية جسديا وعقليا.
كيف تتغلب على الجوع في رمضان ؟
حسنا، الجوع الناتج من الصيام هو أمر مفيد جدا، لكنه لا زال أمر مرهق ومزعج كثيرا. وقد يجعل الشخص عصبيا ومتوترا ولا يفكر في أي شيء سوى الطعام. في هذه الحالة قد تكون تجني كل فوائد الصيام تلك –أو ربما لا، الأمر يتوقف على مدى إدراكك لتلك الفوائد-، ولكنك لا زلت تحظى بيوم سيء. فكيف تقوم بمواجهة الجوع في رمضان ومحاولة تخفيف آثاره أو التقليل منه من أجل الحصول على يوم بسيط وهادئ؟ إليك بعض هذه النصائح التي نتمنى أن تكون مفيدة لك:
اشرب القدر الذي تحتاجه من الماء
أحد أسباب الجوع الشهيرة والتي تعطي ذلك الإحساس الخاطئ بالجوع دائما هو العطش. عندما تعطش، فإن عقلك يترجم تلك الإشارة إلى الجوع. لذلك، إحدى أهم النصائح ستكون أن تهتم بإعطاء جسدك ما يحتاجه من سوائل في وقت الإفطار حتى يستفيد بأكبر قدر منه في وقت الصيام. وكما نعرف جميعا أن الشخص البالغ يحتاج من لترين إلى ثلاثة لترات من الماء أو ما يعادل 8 أكواب على الأقل من أجل التأكد من تمام حصول جسدك على الترطيب اللازم. لا تقلل من شأن الماء إذا واجعله عادة صحية لديك طوال الوقت.
تناول كوبا من القهوة أو الشاي الأخضر
قم بتناول كوب من الشاي الأخضر أو القهوة بعد انتهاء وجبة سحورك أو انتهاء تمرين ما قبل السحور. هذه المشروبات بالإضافة إلى أنها تساعد في ترطيب الجسد وتوفير بعض السوائل له، فهي تقوم بتحفيز الجهاز العصبي وتعمل كمثبط للجوع لاحتوائها على مادة الكافيين التي تعطي شعورا بالشبع والامتلاء. اجعل كوب الشاي الأخضر إحدى عاداتك أثناء الصيام من أجل إحساس أقل من الجوع في رمضان .
اجعل يومك مليئا بالأعمال المختلفة
هل مررت بأحد تلك الأيام حيث كنت مستغرقا في أعمال كثيرة طيلة الوقت حتى أنك لم تملك وقتا لتناول الطعام أو الشعور بالجوع حتى؟ هذا هو بالضبط ما عليك فعله في نهار رمضان. قم بجدولة كل الأعمال التي تود إنجازها في نهار رمضان وخصوصا تلك الأعمال التي تجعلك مستغرقا فيها حتى النخاع. اترك تلك المكالمة التليفونية حتى الصباح واجعل اجتماع العمل هذا في وقت الظهيرة واجعل مساعدة أختك الصغيرة في وسط النهار …الخ. اجعل اليوم مليء بما يكفي أن لا تتذكر الطعام أو أنك جائع.
قم بتعلم المهارات التي أردت تعلمها منذ زمن
بإمكانك شغل الكثير من أوقات نهار الصيام والتخلص من الجوع في رمضان عن طريق البدء أخيرا في تعلم إحدى تلك المهارات التي لطالما قلت أنك ستبدأ في تعلمها في الإجازة القادمة. هذا العام سيأتي رمضان في الإجازة الصيفية وسيصبح لديك متسع من الوقت من أجل تحقيق ذلك الوعد أخيرا. تتميز الهوايات الجديد التي تشعر بالرغبة في تعلمها بانها تشغل حيزا كبيرا من وقتك في التعلم ومحاولة فهمها، مما سيشغل حيزا كبيرا من عقلك فلا تملك الوقت الكافي للتفكير في الجوع في رمضان .
تمش قليلا
أحد الطرق المشهورة جدا في التخلص من الإحساس بالجوع أو القلق أو التوتر هو أن تذهب في نزهة لبعض الوقت خارج المنزل تقوم فيها بمشاهدة الأشجار أو الأطفال وهم يلعبون، أو الذهاب لنزهة مع أختك الصغرى أو أطفالك الصغار. المشي سيقوم بإشراك جسدك في وظائف حسية أخرى كالسمع والنظر واللمس والشم وسيجعل تركيزه على الجوع أقل من ذي قبل.
قم بالتمرين قبل وقت الإفطار
بإمكانك القيام ببعض التمارين الرياضية التي تتميز بقصر مدتها وشدة فعاليتها قبل وقت الإفطار تماما. هذه التمرينات القصيرة المركّزة تجعلك تشعر بالطاقة والقوة كما أنها تقوم بتثبيط الجوع وتقوية العضلات. هذه التمارين تتميز أيضا بأنها تكون قبل موعد الإفطار تماما فتتمكن من تعويض الماء أو الضعف الناتجين دون التعرض لأخطار الجفاف أو غيرها.
هل فكرت في التأمل؟
ربما لا يكمن السر في التخلص من الجوع في رمضان في أن تمضي الوقت في التأمل، ولكن التأمل يعلمك أن تبقى ساكنا مع التحكم في تيار أفكارك ومشاعر القلق والضيق التي بداخلك. فبعد بعض التمرين والتمرس، قد تصبح قادرا على تقبل مشاعر الجوع لديك وعدم التسبب في مشاكل لك، وأيضا ستقلل التوتر والضغط الذي ينتج عنها إحساسا بالجوع الخاطئ نفسيهما.
هناك أيضا بعض الأطعمة التي يمكنك تناولها في السحور والتي تقوم بإمدادك بالطاقة والشعور بالامتلاء لفترة طويلة، ولكن هذا ستجده في مقال آخر. نتمنى لك صوما مقبولا وإفطارا شهيا، ولا تنس أن تفكر في الجوع على أنه هبة من الله وفوائد جمة.