من منا لم يسمع عن الثقب الأسود، أو قرأ عنه ربما بدافع الفضول، فقد تشاهد فيلم عن الخيال العلمي، وترى الثقب الأسود أحد تلك المصطلحات الأساسية في الفيلم، ناهيك عن كمية المعلومات الغريبة عن الثقب الأسود، والتي ترتبط غالبًا بالسفر عبر الزمن، أو الزمكان، أو الهلاك المحتم ما إن يمر من خلاله شيء ما، والتي لا تستطيع تمييز من بينها الخيال من الحقيقة، خاصةً أن هناك نظريات علمية تتحدث عن هذا الشيء، ربما تعتقد أن هذا الثقب محض اختراعٍ أو أسطورة تذخر بها أفلام الخيال العلمي، كما تفعل عادةً، فهو خيال لا محالة، ولكن الغريب أنه بالفعل موجودًا بالفضاء! ولكن هل ما يدور حوله من أفكار أفلام الخيال العلمي حقيقي؟ أم أنه محض خرافات سينمائية؟
الثقب الأسود : ما هو وكيف أصبح ذو دور هام في أفلام الخيال العلمي؟
ما هو الثقب الأسود ؟
هو التطور الأخير، أو التحول الذي يطرأ لنجم عظيم الكتلة، وهو عبارة عن منطقة في الفضاء، وهو ليس بمعناه السطحي الذي قد يوحي بأنه ثقب، أو فارغ أيضًا، ولكنه عبارة عن الجسميات التي تتمركز في حيز صغير، وتحتوي على كتلة هائلة من الطاقة، ذات كثافة عالية جدًا، وهذا الأمر بسبب شدة تماسك ذراته، لدرجة أن المسافات البينية بين تلك الجسميات منعدمة، ولهذا فإن الثقب قادر على امتصاص كل شيءٍ حوله، مهما بلغ حجمه، أو سرعته، فقد يقوم بابتلاع نجومٍ أو مجرات، حيث أن الجاذبية في هذا المكان تكون عالية لدرجة لا تمكن الضوء أو أي شيء من الإفلات منها، فلا نرى منه ضوءًا قط، ومن هنا جاء اسم ” الثقب الأسود ” لأنه يبدو هكذا في الفضاء. ويتراوح حجم الثقوب السوداء بين ثقوب صغيرة جدًا، ولكنها بالطبع ذات كثافة عالية، وبين ثقوب هائلة والتي قد تصل إلى 20 مرة من كتلة الشمس، وهناك بعض الثقوب تصل إلى مليون مرة من كتلة الشمس.
رؤية الثقوب السوداء في الفضاء
ولا نستطيع رؤية أي من هذه الثقوب السوداء كما يمكننا أن نرى القمر مثلًا، فلا يتم رصده إلا عن طريق تليسكوب خاص فضائي عملاق، وأجهزة خاصة جدًا بهذا الأمر، ولكن يغض النظر عن بعدها، ولكننا لا يمكننا أن نراه أيضًا لأنه لا يوجد ضوء ما يخرج منه لأنه معتم، ولكن يمكن التعرف عليه من خلال نشاطه الذي يجذب إليه كل شيء حوله، فعندما تنجذب الأشياء من حوله بسرعة عالية، فإن حرارتها تزادا بدرجة كبيرة جدًا، وتطلق أشعة سينية، نتيجة لهذا التحطم أو الانجذاب، والتي عندما يتم الكشف عنها عن طريق الأجهزة بواسطة الفلكيون، يتم استنتاج مواقع الثقوب السوداء، كما أنه طبقًا لآينشتاين ونظريته النسبية، فإنه يرى أن شدة جاذبية الثقب الأسود تجعل الفضاء حوله يبدو مقوسًا، وبالتالي فإن أشعة الضوء التي حوله تسير بشكل منحنى، عوضًا عن سيرها في خطٍ مستقيم.
الثقوب السوداء في مجرتنا
يوجد ثقب أسود في مجرة درب التبانة، وقد تم التحقق منه، حيث يبلغ كتلته حوالي ثلاثة ملايين من كتلة الشمس، كما أنه يبعد عن الشمس بحوالي أو ما يقارب 24000 سنة ضوئية، وبهذا فإنه بعيد جدًا عن الأرض، بحيث لا يمكن أن يشكل خطرًا على الأرض، كما يوجد العديد من الثقوب السوداء في المجرات الأخرى، والتي قد تم التحقق من بعضها أيضًا.
الثقب الأسود ، أو منطقة الزمكان!
لقد ذكرنا أن الثقب الأسود سمي بهذا الاسم لأنه بسبب جاذبيته العالية يقوم بابتلاع كل شيءٍ حوله، حتى النور لا يستطيع الإفلات منه، فلا يصلنا منه أي نقطة نور، وفي نفس الوقت يتوقف داخله الزمن، وتختفي القوانين لكل شيء، ولهذا فإنه طبقًا للنظرية النسبية لآينشتاين بأن الثقب الأسود هي عبارة عن منطقة الزمكان.
كيف يتكون الثقب الأسود ؟
لكل شيء في الكون نهاية، ونهاية بعض النجوم في الفضاء يؤدي إلى تطورها، أو تحولها إلى ثقب أسود، ولكن ليس بالطبع كل النجوم، فالفيصل في هذا الأمر هو كتلة وحجم النجم، فمثلًا لا يتحول النجم إلى ثقبٍ أسود طالما لم تصل كتلته إلى 1.4 من كتلة الشمس، وبهذا فإن النجم إن لم تبلغ كتلته هذا المبلغ، فإنه في هذه الحالة يتحول إلى قزم أبيض، أو نجم ميت. في الطبيعي لا تنهار النجوم بسبب الضغط الهائل الذي يستطيع النجم توليده باتجاه الخارج، مما يمنعه من الانهيار، ولكن عندما يقل الهيدروجين داخل النجم فإن الضغط يكون داخل النجم، وتبدأ تفاعلات اندماج العديد من العناصر، مثل: الليثيوم، والكربون، والنيتروجين، والحديد، وحينها لا يستطيع النجم مج عناصره الأساسية مرة أخرى حتى يصل إلى الضغط الذي يمنعه من الانهيار، حيث أن النجم يتكون من قوتين قوة ناشئة عن كتلته والتي تتجه نحو المركز، وهي قوة جاذبة، وقوة ناشئة عن ضغط الغاز وتلك التي تتجه نحو الخارج، وعندما لا يحدث خلل في القوتين، يحدث الانهيار، حيث أن القوى الجاذبة للداخل قد زادت عن القوة الخارجية للغاز، وعندما ينهار يطلق طاقة عظيمة، ويتكون الثقب الأسود حينها، وبهذا فإنه في النهاية يتكون من انهيار نجم تكون كتلته أضعاف كتلة الشمس.
كيف بدأت ظاهرة الثقوب السوداء؟
في عام 1790م قام العالم الإنجليزي “جون ميشيل”، والعالم الفرنسي “سايمون” بتصور أنه يوجد في الفضاء نجومًا مخفية، وفي عام 1915م، ظهرت النظرية النسبية لآينشتاين والتي تقول بوجود هذه الثقوب وتأثيرها على الزمان والمكان، أو ما يعرف بمنطقة “الزمكان” -كما ذكرنا-، وفي عام 1967م، ظهرت نظرية تكون الثقب الأسود نتيجة انهيار النجم عن طريق العالم الأمريكي “جون ولير”، وفي عام 1994م، قد تم رصد جسم غير مرئي يلتف حوله الغاز في دوامة في مركز المجرة، وقد تم رصده عن طريق مرصد هابل، وتم تقدير وزن هذا الجسم الغير مرئي بحوالي ثلاثة آلاف مليون وزن كتلة الشمس، كما تم التحقق بهذا عن طريق الأشعة السينية التي حول الثقب.
الثقب الأسود والقرآن الكريم
ربما قد ذكر العلم حديثًا مصطلح الثقب الأسود ، ولكن القرآن الكريم قد تحدث عنه، فقد ذكر في القرآن مصطلحات: حيث أقسم الله تعالي في كتابه العزيز بـالخنس، الجوار، الكنس، وبالنظر إلى معنى تلك الكلمات، فنجد أن “الخُنَّس”: هي التي لا ترى، وتختفي، وهذا هو ما عليه الثقب الأسود ، وكلمة “الجوار”: لأنها متحركة، وتجري في الفضاء بسرعة هائلة، وهذا ما عليه الثقوب أيضًا، وكلمة “الكُنَّس”: أي تبتلع كل ما يقابلها، ويصادفها، وتكنسه، وبهذا فقد أتم القرآن الكريم صفات الثقب الأسود الأساسية، أنه لا يري، ويتحرك، ويبتلع كل شيء أمامه. سبحان الله!
ما الذي يحدث عن الدخول في الثقب الأسود ؟
في البداية إذا أردت أن تعرف ما بداخل الثقب الأسود كما يرى الدكتور “مصطفى محمود” فإن عليك أن تعبر إلى المركز مباشرة، حيث تتلاشى القوى تمامًا، دون أن تلمس الحواف أو المحيط، لأنك في هذه الحالة ستتلاشى تمامًا، ولكن يجب أن يكون هذا الثقب من نوع الدوار، أو ما يعرف بـ”الثقب الأسود الدوار”، فعند الدخول فإن النظريات عديدة، فما سيحدث لك قد تعدد الحديث عنه، وغالبًا فهي رحلة ذهاب بلا عودة، فمثلًا يفرض الدكتور “مصطفى محمود” أنه بمجرد الدخول إلى مركز الثقب فإنه يتم الانتقال إلى سماء أخرى، وعند مصادفة ثقب آخر يستطيع نقلك إلى سماء ثانية، وهكذا، ولنفترض أنك نجوت من كل هذا وأرد الرجوع فحينها ستجد نفسك مرةً أخرى في كل ثقب أسود، أو في كل سماء تركتها، وهذا لأن الثقب الأسود تتلاشى داخله القوانين، ويقف عنده الزمن, ولكن هناك فرضيات أخرى تقول أنك بمجرد الاقتراب منه يتمدد جسمك، لتصبح مثل المعكرونة، والذي يؤدي في النهاية إلى انفصال رأسك عن جسمك، ومن ثم تتلاشى تمامًا، ولكن علماء النسبية، والذي يسيرون وفق نظرية آينشتاين يرجحون أن الإنسان عند دخوله هذه النقطة من الكون لا يشعر بشيء، فهو يطفو في الفضاء،
كيف أصبح الثقب الأسود بطلًا في أفلام الخيال العلمي؟
بالنظر إلى الثقب الأسود كبابٍ عظيم من العلم لم نذكر منه إلا القليل جدًا، فإنه يحتوي على فائض كبير من المعلومات الشيقة، والتي هي زاد جيد جدًا لروايات، وأفلام الخيال العلمي، فعندما يوجد المجهول، فإنه من السهل جدًا أن يسرح خيالك بعيدًا بحيث يمكنك أن تضع فرضيات، وأحداث تمكنك من اختراع روايةٍ جيدة، فمثلًا، الثقب الأسود قد يكون وحش الفضاء الذي يبتلع سفينتك الفضائية، وقد يكون ممرًا على كونٍ آخر، أو فجوة زمنية تنقلك إلى زمنٍ آخر في نفس عالمك، والعديد جدًا من الأفكار الشائعة التي قد تجعل الثقوب السوداء مادة ثرية بأفكار الخيال العلمي الجامحة.
فيلم Interstellar
هو من الأفلام المعقدة للغاية، والذي كان دور الثقب الأسود واضحًا جدًا فيها، عندما استطاع أحدهم أن يعبر إلى داخل الثقب الأسود، ليستطيع أن يرى حياة ابنته كاملة، ويتواصل معها منذ الصغر إلى أن تكبر، فالذي يرى هذا الفيلم من بدايته يعرف أن تلك الفتاة الصغيرة كانت تحسب أن لها شبحًا يخبرها العديد من الأمور الغريبة، كما أن وجوده كان الشيء الغريب أيضًا، وعند نهاية الفيلم يتبين أن هذا الشبح هو والدها الذي كان يرشدها منذ البداية عندما استطاع أن يعبر داخل الثقب الأسود، ليرى حياة ابنته كاملة ويقوم بإرشادها إلى ما تفعله، آملًا أن تمنعه من السفر إلى الفضاء، بعد أن اكتشف أنه لا طائل من هذا السفر، وأن سفره محض تضييع للوقت الذي كان من المفترض أن يقضيه مع أبنائه، وأن الغرض من السفر ما هو إلا محض كذبة. ففكرة انعدام الزمان، والمكان وغيرها من الأمور قد وجدت جلية في هذا الفيلم، وهذا ليس فقط في هذا الفيلم، فهناك العديد من الأفلام التي تناقش فكرة السفر عبر الزمن، مثل فيلم Back to the future ، وفيلم Time Crimes، وفيلم Triangle ، وغيره من الأفلام الكثيرة جدًا والتي تناقش فكرة السفر عبر الفضاء عمومًا.
لا يمكنك أبدًا وضع قوانين في الفضاء، لأن عقلك بالطبع لا يمكنه أن يضع حدودًا لشيء لا يمكنه إدراكه، سيظل العلماء في بحثٍ دائم عن قواعد، وحدود لكل شيء، ولكن هذا الأمر لن يحدث، وأيضًا ستظل عقول، أو خيال رواد أفلام، وروايات الخيال العلمي في وضع قصص وفرضيات ربما تصادف أحدها الحقيقة، وربما تظل كما هي محض خيال كاتبٍ خصب، وفي جميع الحالات لا يسعنا سوى أن نقول سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، سبحان الله!
أضف تعليق