خدعة تتوارثها الأجيال، ومع ذلك لا يزال كثير من الآباء والأمهات يقعون فيها حتى هذه اللحظة رغم أن بعضهم كثيرًا ما فعلها مع أهله، ولكن ربما لم يتخيلوا أن يفعلها معهم أطفالهم أيضًا. إنها خدعة التظاهر بالمرض من أجل الغياب عن المدرسة. فإن كان طفلك يتغيّب عن المدرسة كثيرًا بحجة المرض وأنت لا تعلم أمرضه حقيقي بالفعل أم أنه مُفتعل، ولا تعلم أيضًا ما السبب وراء ذلك ولا كيف تمنعه عنه، تابعنا خلال الموضوع التالي وستعلم.
استكشف هذه المقالة
أسباب التظاهر بالمرض عند الأطفال
هناك عدة أسباب قد تدفع الطفل إلى التظاهر بالمرض سواء من أجل الغياب عن المدرسة أو لأغراض أخرى، وقد ترتبط هذه الأسباب بالعائلة أو بالمدرسة أو بمشاكل لدى الطفل نفسه، ونذكر منها:
- التعلق والارتباط الشديد بالأم وعدم الرغبة في البعد عنها نتيجة تدليلها الزائد للطفل، وتزداد المشكلة حينما تقع الأم فريسة لخداع طفلها فتُصدّقه في تمارضه وتقبل تغيّبه المُتكرر عن المدرسة بحجة المرض، فيأخذها الطفل كعادة لا يتخلى عنها.
- الخلافات العائلية بين الأم والأب أو الانفصال والطلاق، فيلجأ الطفل إلى التمارض ظنًا منه أنه بذلك يجمع شمل عائلته من جديد أو ينال عطفهم واهتمامهم ويبعدهم عن جو مشحون بالمشاكل والخلافات.
- تدخل الأجداد والجدات مع الأب والأم في تربية الطفل بشكل فج قد يؤدي إلى إفساد الطفل واعتياده الكذب وعدم تحمل المسئولية نتيجة الدلال الزائد الذي لا يقل سوءًا عن الدليل الزائد له من قِبل الأم.
- الخوف من المعلم لعدم إنهاء الطفل لواجباته المدرسية مثلًا، فيلجأ إلى التظاهر بالمرض للتغيُّب عن المدرسة خوفًا وهربًا من العقاب.
- تعرُّض الطفل للعنف داخل المدرسة سواء بالضرب من قِبل الزملاء في نفس المرحلة أو الأكبر سنًا أو المدرسين أو العمال، مما يجعل الطفل يصمت خوفًا وصدمة أو تحت التهديد ويتظاهر بالمرض كي لا يذهب إلى المدرسة ويتعرض للإساءة نفسها.
- قد يكون طفلك أيضًا انطوائي لا يميل إلى الانخراط والاندماج والتواصل الجيد مع زملائه فيشعر بالملل من التواجد بالمدرسة، أو تكون المواد الدراسية وطريقة عرضها من قِبل المعلم مُملة وغير مُشجِّعة أو مُلفتة لانتباه الطفل، وخاصةً إن كان شديد التعلق بأمه ومنزله وألعابه أو كان يعاني من إحدى صعوبات التعلُّم.
- أن يكون الطفل كسول لسبب مرضي كالإصابة بالضعف والأنيميا أو لأن طبيعته أو طبيعة العائلة هكذا.
- مُعاناة الطفل من توتر وضغط نفسي بسبب خلافات عائلية أو مشاكل بالمدرسة وتحصيله الدراسي خاصةً أثناء الاختبارات، وعادةً ما يظهر هذا التوتر النفسي في صورة آلام جسدية.
كيفية كشف التظاهر بالمرض عند الأطفال
ولكن هل كل شكوى مرضية تخرج من الطفل صباحًا تكون من باب التظاهر بالمرض لعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة؟
بالطبع لا، قد يكون الطفل مريض بالفعل خاصةً في مواسم انتشار الأمراض المُعدية ومع ضعف مناعة بعض الأطفال، ولكن هل يُمكنك كأم كشف حيل التظاهر بالمرض عند طفلك؟ من الأفضل حينما يشكو طفلك من شعوره بالإعياء أن تصحبيه لزيارة الطبيب لاستبعاد أي احتمالات لمرض الطفل فهو وحده القادر على تحديد ما إذا كان طفلك مريض بالفعل أم أنه يتظاهر بالمرض، ولكن يُمكنك ببعض الملاحظات البسيطة أن تُحددي ذلك.
فمثلًا يُمكنك من خلال توقيت الشكوى ومدة الشعور بالأعراض أن تُفرّقي بين المرض والتظاهر بالمرض لدى طفلك، فإن كان طفلك يشكو من العرض في الصباح في توقيت الذهاب إلى المدرسة ولكن سرعان ما يختفي شعوره بالألم بعد تعاطفك معه وعدم ذهابه أو بعد إصرارك على ذهابه إلى مدرسته على أية حال، فهذا يعني أنه يتمارض؛ فألم المرض مستمر لا يرتبط بتوقيت. وإن لاحظتي نسيان طفلك لألمه عند انشغاله بلعبة أو ببرنامج تليفزيوني أو بجواله أو نسى ألمه أمام طعام الإفطار أو أمر يُحبه فاعلمي أنه يتظاهر بالمرض.
بعض الأعراض لا تمنع الطفل من الانتظام في مدرسته مثل الصداع الصباحي الذي سرعان ما يشفى خلال ساعة على الأكثر أو بحبة دواء فلا يعوق تحصيله الدراسي، نزلات البرد مع اتخاذ تدابير النظافة والتعقيم اللازمة، بعكس أعراض قد تعوقه عن ذلك كألم المعدة المُصاحب لقيء أو ضيق تنفس مُصاحب لنزلة برد أو مرض بالجهاز التنفسي أو ارتفاع حرارة حقيقي. وأخيرًا، هل تسبّب العرض الذي يشكو منه الطفل في استيقاظه خلال النوم أم أنه لم يظهر إلا عند إيقاظه للمدرسة كل صباح فقط؟ ولكن في جميع الأحوال تظل كلمة الطبيب هي الفيصل في تحديد المرض من التظاهر بالمرض لدى الطفل.
كيفية التغلب على التظاهر بالمرض عند الأطفال
استخدامك للقسوة والعنف والإجبار مع طفلك لن يُجدي نفعًا ولن يكون أبدًا هو الأسلوب الأمثل لحل المشكلة، بل سيُزيد الأمور سوءًا ويُزيد طفلك كراهية نحو الدراسة وزملائه ومُدرسيه بل من المؤكد أنه سيوّتر الأمور فيما بينكما، ولكن ماذا عساك أن تفعل، هل تتركه يتمارض ويغيب من مدرسته يوم تلو الآخر حتى يصبح الأمر عادة بالنسبة إليه ويفشل دراسيًا؟ بالطبع لا، ولكن لا بد من التعامل مع الأمر بحكمة واتخاذ عدة تدابير لمقاومة التظاهر بالمرض عند طفلك نذكر منها:
- عرض الطفل على الطبيب المُختص للتأكد من سلامته وإن كانت شكواه مرض بالفعل أم من باب التظاهر بالمرض، صاحب طفلك، اجعله يشعر باهتمامك، استمع لتفاصيل يومه باهتمام، فربما لديه ما يحكيه لك ولكنه خائف منك أو لا يشعر لأنك ستهتم بما يقول.
- اسأل طفلك بأسلوب هادئ يتناسب مع سنه وإدراكه عن أسباب عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة، وفر له أمانًا نفسيًا بأنك موجود لمساعدته وحل كل ما يزعجه، اطلب منه أن يُعبّر لك عن مشاعره ومخاوفه بدون تردد، واشرح لطفلك بما يتناسب وسنه ومستوى إدراكه أن التظاهر بالمرض كذب وأن الأمر يجعلك تتضايق منه.
- حل الخلافات الأسرية أو ضمان عدم تأثيرها على نفسية وسلوك الطفل في حال وصولها حد الطلاق، والاتفاق مع الجد والجدة في حال السكن في منزل يضم عائلة الزوج على أسلوب تربية واحد للتعامل مع الطفل.
- عدم التدليل الزائد للطفل وعدم التعاطف معه عند التظاهر بالمرض وتغييبه عن المدرسة، وفي الوقت نفسه منحه من الحب والحنان والاهتمام “الإشباع العاطفي” ما يجعله ليس بحاجة إلى التظاهر بالمرض لكسب اهتمام وتعاطف الآخرين.
- التواصل مع إدارة المدرسة وأخصائيها الاجتماعيين للتعرف على مشاكل الطفل في التحصيل الدراسي، مع الزملاء والمعلمين، وما قد يظهر من مشاكل أساسها المدرسة.
- تشجيع الطفل في بداية الأمر بهدايا بسيطة لحثه على الذهاب إلى المدرسة، وتعزيز ثقته بنفسه وبقدراته.
- فحص الطفل والتأكد من عدم وجود أية إصابات بجسده تُعبّر عن أي شكل من أشكال العنف. واستشارة خبير نفسي سلوكي مُتخصص في شئون الأطفال في حال الشك أن للأمر بُعد نفسي.
متلازمة مانشاوسن حينما يكون التظاهر بالمرض
التظاهر بالمرض عند الأطفال ليس دائمًا من باب الشقاوة أو التهرُّب من أشياء يملّون منها بحثًا عن مزيد من الترفيه واللعب، قد يكون الأمر أكثر خطورة مما يبدو عليه؛ ففي بعض الحالات يكون التظاهر بالمرض مرض نفسي خطير قد يدفع الطفل لإيذاء نفسه للحصول على اهتمام الآخرين وهو ما يُعرف بمُتلازمة مانشاوسن أو اضطراب المرض الافتعالي أو المرض المُفتعّل. ويُعبّر اضطراب المرض المُفتعّل لدى الأطفال عن التظاهر بالمرض أو إيذاء النفس وإصابتها بالمرض عمدًا إلى الحد الذي يُصعِّب على الأطباء أمر التفرقة بين التظاهر بالمرض والمرض الحقيقي.
وللوصول لغايتهم يلجأ الأطفال المُصابون بمثل هذا المرض إلى التظاهر بأعراض المرض الحقيقي، خداع الأطباء والتلاعب بنتائج الفحوصات من خلال تناول مشروب ساخن أو وضع مقياس الحرارة في كوب المشروب الساخن لإظهار أعراض الحمى، أو تناول شيء يجعل نتائج الفحوصات المعملية تأخذ سيرًا مُختلِفًا تمامًا عن الواقع، تناول أدوية أو أطعمة تُسبب آلامًا بالمعدة. ولم يُحدّد الأطباء سببًا واضحًا للإصابة بمُتلازمة مانشاوسن، وإن كانت بعض الأبحاث ربطتها باضطرابات الشخصية، مشاكل عائلية كانفصال أو طلاق الوالدين، فقدان الثقة بالنفس، التعرض لإيذاء بدني أو نفسي بالمنزل أو المدرسة، التأثر بموت أو مرض شخص عزيز، رغبة في كسب التعاطف والاهتمام ولفت انتباه المحيطين إليه.
ولأن الطفل المُصاب بالمرض المُفتعّل مُمتن جدًا لحالته تلك فلن يقبل بالعلاج النفسي بسهولة فهو غير مُقتنع بأنه مريض نفسي من الأساس، وعليه سيُعاني الوالدان في إقناعه بالتعاون مع الطبيب.
ادعاء المرض للفت الانتباه
قد يدفع إهمال الأب والأم للطفل أيضًا أو انشغالهما عنه برعاية مولود جديد أو التفرقة بينه وبين إخوته إلى دفع الطفل إلى فعل أي شيء لكسب اهتمامهم ورعايتهم، وبالطبع فإن أسهل الطرق وأقربها إلى عقله البريء الصغير هي حيلة التظاهر بالمرض. فقد تكوني كأم ووسط زحام مسئولياتك التي لا تنتهي لا تُلاحظين مدى تراجع اهتمامك بطفلك الكبير لصالح المولود الجديد، أو لا تُلاحظين مُقارناتك المُستمرة بين حُسن سلوك إخوته وسلوكه السيئ، إلا أن طفلك يُلاحظ ذلك بوضوح ويُظهره لكِ في تصرفاته التي تُطالبك وتُعاتبك للحصول على اهتمامك السابق به أو بعض التحفيز والتشجيع، فماذا عليكِ أن تفعلي كي لا يُصبح التظاهر بالمرض عادة قد تتحول لمرض نفسي خطير عند طفلك بسببك؟
أحيطِ طفلك بمزيد من الاهتمام والحب، لا تجعليه يشعر بأن المولود الجديد سرق منه الأضواء التي كانت مُسلّطة جميعها عليه في السابق، مُهمة صعبة ولكن منذ متى كانت الأمومة سهلة، احتضني طفلك وقبّليه في أوقات غير مُعتادة بالنسبة إليه.
اشركيه في تجربة تربية أخيه الأصغر وكأنه رجل كبير قادر على تحمل المسؤولية ولكن بالطبع اجعلي ما تطلبيه منه يتلاءم مع سنه الصغير، مثلًا اطلبي منه مساعدتك في شراء ملابس لأخيه أو الانتباه إليه أو اللعب معه، مهدي لطفلك وبنبرة وحديث إيجابي قدوم طفل صغير إلى العائلة سيُحبه وسيُحب اللعب معه، وعند شراء حاجيات للصغير، احرصي على شراء أشياء لطفلك يحبها. ولا تقارنيه بإخوته أو توبخيه أمامهم أو أمام الآخرين فهذا يُزعزع ثقته بنفسه، وابحثي عن هوايات أو مهارات طفلك ونمّيها.
وختامًا، التظاهر بالمرض عند الأطفال ليس دائمًا من باب الدلال والشقاوة، ففي بعض الأحيان يُعبّر عن مشكلة خطيرة لا بد من علاجها حرصًا على نفسية الطفل ومستقبله.
كل ما عليكم كأب وأم وعائلة هو فهم تفسيرات وأسباب تظاهر طفلكم بالمرض وما يُعانيه من مشكلات تدفعه إلى ذلك والعمل على حلها بحكمة واحتواء؛ فتلك هو دوركم.
أضف تعليق