من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق، إذًا فما المشكلة التي تستدعي العلاج؟! لا توجد مشكلة إذا شعر الإنسان بالقلق من حين لآخر لوجود سبب حقيقي لهذا القلق، أما إن كان إحساس الإنسان بالقلق مستمرًا ولا يرتبط بوجود مشكلة أو سببٍ ما، وإنما هاجس القلق والتوتر والخوف ظلال تتبعه حيثما وأينما وجد، بل ولا يستطيع التحكم بالقلق الذي ينتابه، فهذا هو يُسمى بالقلق المرضي، والذي نحن بصدد التحدث عنه اليوم.
استكشف هذه المقالة
كيفية التحكم بالقلق
القلق هو شعور غامض ينتاب الإنسان المصاب به، فيشعر بدون سبب بأن هُناك خطر قادم يتوجب القلق منه، ويكون هذا الشعور مُصاحب له طوال الوقت لا ينفصم عنه مطلقًا، بل ويضيف إليه حركات جسدية لا إرادية تنطق بما يشعر به من قلق. ولكن كلنا نقلق، فكيف نُميز بين القلق المرضي والقلق العادي أو القلق الطبيعي؟
فمن الممكن أن يكون لدي سبب للقلق، ولكن فعليًا لا يستدعي كل هذه الأحاسيس السلبية، وقد يكون لدي سبب وترتب عليه تلقائيًا أن أكون قلقًا، فكيف أعرف أن ما ينتابني قلقًا مرضيًا أم قلقًا طبيعي؟
الإجابة، أن القلق المرضي مثله مثل أي مرض آخر، له أعراض ظاهرة من خلالها تستطيع أن تعرف إن كُنت مريضًا بالقلق وعليك البحث عن علاج، أم ما لديك ما هو إلا قلق عادي لا يستوجب العلاج. فيما يلي نستعرض أهم أعراض القلق المرضي:
- عدم القدرة على التركيز ومشتت معظم الوقت إن لم يكن كل الوقت.
- التنفس السريع وزيادة التعرق وخاصةً في اليدين.
- أن يكون لديك مشكلات اجتماعية مع الآخرين دومًا.
- إحساس دائم بعدم الراحة.
- قد يتطور القلق فيصل للهلع والاضطراب والوسواس القهري.
- دائمًا ما يتذكر الشخص المريض بالقلق التجارب المؤلمة والتحدث عنها كخلفية لتفكيره.
- عدم القدرة على النوم بعمق.
- سرعة نبضات القلب.
- عدم القدرة على التحكم بالقلق .
- عدم القدرة على الثبات في مكان واحد لفترة طويلة.
- الإحساس بالغثيان.
فإذا توافرت هذه الأعراض أو معظمها في الشخص عليه اللجوء لطبيب نفسي للتأكد من حقيقة مرضه، وهل هو مُصاب بالقلق المرضي أم لا. وعند ذكر القلق وأعراضه نتساءل، ما الذي يجعل شخص طبيعي فجأة يتحول لشخص يقلق بشكل مرضي ولا يستطيع التحكم بالقلق ؟!
الأسباب المؤدية للإصابة بالقلق المرضي
المشكلات الاجتماعية
تُعد المشكلات الاجتماعية من أهم أسباب القلق المرضي؛ فزيادة الضغوط الاجتماعية وعوامل التنشئة إما أن تولد شخصية دائمة الشعور بالقلق ومتوترة، أو شخصية لديها ثقة بالنفس، عندها اليقين الدائم بأنها قادرة على مواجهة ما يعترضها من مشكلات.
العوامل النفسية
العوامل النفسية التي يتعرض لها الإنسان خلال مراحل عمره سواء بالإيجاب أو بالسلب من أهم أسباب القلق المرضي؛ فتجارب الإنسان في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب قد تؤثر عليه وعلى شعوره وتترسخ في ذاكرته إيجابيًا أو سلبيًا.
عدم الشعور بالأمان
من يفتقد للأمان منذ صغره يترسخ لديه عدم الثقة الكافية في تصرفاته، ويصبح دائم الشكوك في ذاته، والذي ينعكس على قدرتها على مواجهة واقعها ومشكلاتها، ويصبح غير قادر على حل أبسطها.
عدم الثبات في نوع المعاملة مع الطفل في صغره
عدم ثبات نوع المعاملة من أهم أسباب القلق الغير طبيعي أو القلق المرضي؛ حيث أن تقلب القائمين على تربية الطفل في طريقة التعامل معه قد تُسبب له حالة من التشوش والقلق، فيصبح العالم بالنسبة لهذا الشخص منذ الصغر حالة من الحوادث المخيفة التي سوف تقع بالتأكيد.
الإهمال
قد يكون إهمال الشخص منذ طفولته عاملًا أساسيًا في فقدانه الثقة بذاته وخوفه المستمر مما يحيط به، مما يدفعه إلى القلق الدائم والذي ينتج عن خوفه وعدم القدرة على التحكم بالقلق .
النقد المستمر
كما يؤدي النقد المستمر والزائد أحيانًا إلى الإصابة بالتوتر والخوف من أن يكون الشخص موقع تقييم من قبِل الأشخاص الآخرين.
الشعور بالذنب
قد يشعر بعض الأطفال بالذنب الشديد من فعل بدر منهم بشكل غير مقصود، يجعلهم يكبرون مع هذا الشعور والذي يكبر بدوره معهم، مما يجعلهم ينظرون دائمًا لأنفسهم بأنهم من الأشخاص الذين لا يحسنون التصرف، وبالتالي يفقدهم الثقة بذاتهم. ويجعلهم دائمون الخوف من مجتمعهم.
عدم القدرة على تحقيق الذات
عدم قدرة الإنسان على تحقيق أحلامه، تجعله يشعر بالعجز عن تحقيق الذات التي طالما حلم بها، فيشعر بالقلق من المستقبل. وقد يتولد الخوف أيضًا من إحباط المحيطين بالشخص له دائمًا ووصفه بالفاشل.
والآن وبعد أن تعرفنا على أسباب وأعراض القلق المرضي يبقى السؤال الأهم هُنا، وهو كيف أتحكم في قلقي؟
طرق العلاج و التحكم بالقلق المرضي
هُناك بعض النصائح الهامة التي ستجعلك تستطيع السيطرة على ذاتك والتحكم بالقلق والتوتر، دون اللجوء إلى العلاج طبيًا أو نفسيًا، ومن تلك النصائح:
- الابتعاد والتوقف عن استخدام الموبايلات لفترة كافية؛ حيث أثبتت العديد من الدراسات أن الإفراط في استخدام الإلكترونيات يؤدي للشعور بالقلق والاكتئاب.
- النوم ساعات كافية خلال الليل، من أفضل طرق علاج القلق والضغوط النفسية.
- تقليل تناول الأطعمة المشبعة بالدهون، وكذلك الأمر بتقليل السكريات.
- ممارسة أحد رياضات الاسترخاء وفي مقدمتها اليوجا؛ فهي تحسن المزاج وتنظم إفراز الموصلات العصبية ونشاط الأعصاب، مما يعمل على تهدئة الجهاز العصبي للإنسان.
- تمارين التنفس ببطء خاصة في أوقات القلق الشديد، وهو الأمر الذي يساهم في تحفيز العصب الحائر، ويترتب عليه شعور الجسم بالاسترخاء.
- كتابة المشاعر السلبية التي مررت بها باستخدام أقلام ملونة، كشكل من أشكال إطفاء البهجة ومكافحة هذه المواقف السلبية.
- استبدال مشروبات الكافيين بمشروبات الأعشاب التي تعمل على تهدئة الجهاز العصبي، وهي الأعشاب التي تحتوي على مواد طيارة مثل: أوراق التليو، فهو يعمل على انبساط العضلات وتهدئة الجسم وتخليصه من آثار القلق، أو عشبة الشمر.
- الحرص على تناول وجبة الإفطار، فهي تزيد من نسبة السيراتونين التي تخلصك من أعراض القلق.
- تناول الفواكه الغنية بالماغنسيوم والبوتاسيوم لرفع نسبة السيراتونين المضاد للاكتئاب مثل: الموز والخرشوف والبطاطا والأفوكادو.
- تناول الشوكولاتة الداكنة يعمل على تحسين الحالة المزاجية.
- إكليل الجبل من أهم الأعشاب الطبية التي تزيل توتر عضلات الجهاز الهضمي وتنشط التركيز.
- تعمل عشبة الخزامى على تهدئة الجهاز الهضمي، وذلك بغلي كوبين ماء وإضافة أربع قطرات من زيت اللافندر النقي إليهم، ثم استنشاق البخار.
كيفية التخلص من التوتر والخوف
الخوف هو وليد الشعور بالخطر والتهديد، وقد يكون له أسباب قريبة الحدوث، كما قد يرجع لأسباب قديمة منذ الطفولة، وينتج عن الخوف تغير في عمل الوظائف الأيضية والعضوية، وبالتالي ينعكس ذلك لا إراديًا في سلوك الإنسان الخائف، كالثبات في مواقف تتطلب الحركة لمعالجتها.
وتتشابه أعراض الخوف مع أعراض القلق في حدوث: جفاف الفم والحلق وتسارع نبضات القلب والانطوائية، أما عن كيفية التخلص من هذا الشعور السلبي فيكون بعدة طرق وأساليب منها:
- الوعي بأسباب الشخص الخائف، والأضرار التي قد تنجم عن خوفه المرضي.
- تحفيز الإنسان الخائف على أن يكون فضوليًا حتى نكسر فكرة الانطوائية والهروب من المشاكل لديه.
- اللجوء للعلاج بالتنويم المغناطيسي لبرمجة الدماغ على التفكير الإيجابي، والابتعاد عن المعتقدات السلبية.
- كتابة ما يخيفنا في دفتر يومي (مذكرات شخصية)، ومحاولة تحليلها بمعرفة أسبابها وطرق علاجها.
- الفضفضة مع صديق عما يعترينا من خوف، مع مراعاة أن يكون هذا الصديق أهل للثقة وكاتم للأسرار.
- في حالات الخوف المرضي الشديد يفضل اللجوء للعلاج النفسي.
- قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام التي تتعرض لمرض الخوف وكيفية علاجه
- مصاحبة شخص كان يعاني من الخوف المرضي والاستفادة من تجربته في العلاج.
- عدم إغفال الجانب الديني في حياتنا؛ فالتقرب إلى الله يُريح القلب.
- ممارسة تمارين رياضية مثل اليوغا، المشي ولو لنصف ساعة يوميًا.
- التنفس بعمق عند الشعور بالخوف والبعد عن مصدر الخوف أو القلق.
علاج التوتر
يتفق القلق مع التوتر في عدة جوانب؛ فهما وجهان لعملة واحدة، ومن أوجه التشابه بينهما:
- في كلا النوعين يشعر الفرد بوجود خطر قادم يهدده.
- شعور الفرد بحالة انفعالية وضغط شديد.
- إحساس الفرد بضرورة خلق آليات وقائية لحماية ذاته دائمًا.
أما الاختلافات بين الخوف والقلق:
- التوتر هو جهد عقيم يستنزف الشخص لا يعود بالنفع عليه دون التطرق للحلول الممكنة، أما الخوف فينتابه حيال مسألةٍ ما والتفكير في حلولٍ لها.
- القلق يؤدي للتخلي عن المشكلة، بعكس التوتر الذي يجعل الشخص يدور حول المشكلة ولا يستطيع أن يبعد بتفكيره عنها دون المقدرة على إيجاد حل لها.
كيفية التحكم بالقلق والتوتر
- الاسترخاء مثل: إغماض العينين والتنفس ببطء، وتخيل مكان جميل يعطي الشعور بالاسترخاء.
- سماع موسيقى هادئة.
- يُعد تنظيم الوقت وجدولة الأعمال من أفضل عوامل التخلص من القلق والتوتر، بل سيؤدي إلى شعور الإنجاز والثقة بالنفس.
- ممارسة نشاط رياضي أو هواية كالقراءة أو الرسم أو السباحة وغيرها من الهوايات والرياضيات التي تجدد النشاط وتكسر الروتين الرتيب.
- إتباع حمية غذائية صحية غنية بالخضروات والفواكه والألياف، واجتناب مشروبات الكافيين وغيرها من العادات غير الصحية التي تزيد من حدة التوتر.
- الصحبة التي تساعدك على تفريغ شحنات التوتر والقلق بالاستماع إليهم.
- العلاج الكيميائي الدوائي لحالات القلق والتوتر الشديدة بمراجعة طبيب متخصص.
- العلاج النفسي والسلوكي للحالات الشديدة.
- تغير الطبيعة العصبية مثل: تعديل وضعية الجلوس والاسترخاء في حالة الشعور بالتوتر، وتجنب المثيرات العصبية.
- الشعور الدائم بالمنافسة الإيجابية، والبعد عن المنافسات الشرسة مع الآخرين والتي تزيد من حدة القلق والتوتر.
- تحويل المشاعر السلبية لمشاعر إيجابية، بالقيام بأنشطة خيرية على سبيل المثال، ومساعدة المحتاجين، وهو ما يولد شعور بالراحة النفسية والسلام الداخلي.
وأخيرًا وليس آخرًا لا تقلل من شأن وقدر نفسك في مواجهة الآخرين، بل عليك التعرف على قدراتك وحجم إنجازاتك، وهو ما يولد طاقة إيجابية لديك، وتصالح مع النفس وثقة بها، ولكن حذار من المبالغة التي قد تؤدي للغرور.
وبذلك نكون قد عرضنا أسباب القلق والخوف والتوتر والفرق بينهم، وكيفية علاجهم للوصل في النهاية إلى كيفية التحكم بالقلق المرضي، يبقى الأمر الأكثر أهمية وهو الصدق مع نفسك في اختبارها، هل حقًا هي تُعاني من مثل هذه الأعراض أم لا؟ وإن كانت لا تُعاني فكيف أحمها من القلق وتوابعه؟ وهل تستطيع علاج نفسك بنفسك ودون اللجوء إلى الأطباء؟ للإجابة على كل هذا فقط كُون صادقًا مع نفسك وأبدأ باختبارها.
أضف تعليق