تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » كيف اخترع الإنسان بعض وسائل التبريد قديما دون الحاجة للكهرباء؟

كيف اخترع الإنسان بعض وسائل التبريد قديما دون الحاجة للكهرباء؟

تغيرت حياتي بمعرفة وسائل التبريد قديما ، فقط تصورت صيفا بلا كهرباء، حينها كان التبريد أكبر مشكلة، فكيف تمكن الأجداد من حلها؟ بالإبداع استطاعوا تبريد الطعام والشراب والمنازل، تأمل معي كيف نجحوا بأبسط الأدوات وأعد النظر بمشكلاتك.

التبريد قديما

كانت عملية التبريد قديما مشكلة حقيقية، إذ لا يستطيع الإنسان العيش في درجات الحرارة المرتفعة، حينها لا يكون الماء مستساغا، ويفسد الطعام سريعا، ويصبح النوم حلما بعيدا، ويجلس الإنسان منهكا في مزاج سيء، وتلك كانت الحياة قبل اختراع الكهرباء والثلاجات ومكيفات الهواء فيما بعد، ويخبرنا البنك الدولي في تقريره العام الماضي عن مليار نسمة يعيشون نفس الحياة بلا كهرباء إلى الآن! كانت مشكلة كبيرة حقا، لعلها أكبر من أغلب المشكلات التي نقابلها في حياتنا اليومية، ورغم كل ذلك لم يكن التبريد قديما بالشيء المستحيل، فاستطاع الأجداد مواجهة تلك المشكلة العويصة، ولم يكن سلاحهم في ذلك سوى الإبداع وحسن استغلال الطبيعة، فتمكنوا من ابتكار الوسائل لتبريد الماء والطعام والمنازل، واستطاعوا توفير وسائل التبريد في الطرق العامة، وباستعراض تلك الوسائل يمكننا استلهام بعض الاستراتيجيات الفعالة في حل المشكلات، وتطبيقها في جميع نواحي الحياة، تأمل معي كيفية التبريد قديما وسوف تتغير حياتك أيضا.

طريقة تبريد الماء قديما

التبريد قديما طريقة تبريد الماء قديما

كان تبريد الماء ضرورة ملحة في حياة البشر ومازال، فبدون تلك العملية ترتفع درجة حرارة الجسد، مما يؤدي لزيادة التعرق وفقدان السوائل، وهو ما يعرض الإنسان للجفاف وللكثير من المخاطر الأخرى، واعتمدت الطريقة المتبعة قديما على استغلال الطبيعة نفسها بالأساس رغم ارتفاع درجة الحرارة، وعلى عدة أدوات أخرى تمكنوا من إيجادها، وهذه هي أهم وسائل تبريد الماء قديما:

استغلال الظلال

تعد الظلال من أهم وسائل التبريد قديما بشكل عام، فقد ساعدت في تبريد الماء والطعام وبعض الأدوات المعدنية، بل وساعدت في تخفيض درجة حرارة الإنسان نفسه، إذ تنخفض درجات الحرارة في الظل، وبوضع الماء في الظل تزيد برودته تلقائيا.

الأسقف والمرتفعات

من المعروف أن درجات الحرارة تنخفض بالارتفاع، فدرجة الحرارة أعلى الجبل أو فوق هضبة ما وحتى عند السقف تختلف عن الأماكن المنخفضة، لهذا كانوا يحتفظون بالماء قديما في الأماكن المرتفعة، ولعلك تذكر عزيزي القارئ كيف كان عنترة ابن شداد يضع الحليب في الظل فوق صخرة عالية حتى يقدمه لعبلة باردا، كانت تلك طريقة بدائية شائعة لكنها فعالة.

جلد الماعز والقربة

يتميز جلد الماعز بسمكه وقدرته على العزل الحراري، فبتنظيفه وخياطته من الجوانب تمكنوا من التبريد قديما، فوضعوا الماء والحليب والسوائل المختلفة فيه، لتحتفظ بدرجة حرارة منخفضة نسبيا، وهو الشيء الذي تطور فيما بعد ليصبح القربة المعروفة للجميع.

جرة الفخار والقلة

التبريد قديما جرة الفخار والقلة

بصناعة الفخار أضحت عملية تبريد الماء أفضل وأكثر سهولة، إذ يتسلل الماء عبر مسامه، ويصبح هناك فرق في الضغط بين جدار الفخار وبخار الماء في الهواء خارجه، يسمح بصناعة محيط هواء أكثر برودة، حتى ينتهي الأمر بالتوازن في الضغط ولا يحدث تأثير على الماء، فيحتفظ دوما بدرجة حرارة منخفضة عما حوله، كما أن لاختراع القلة مثلا فوائد في تنقية الماء، إذ تترسب الشوائب أسفله فيزيد نقاءً، ولهذا نراها في حياتنا حتى الآن، هي والزير الفخاري ذو الحجم الأكبر، كما أن هناك طريقة أخرى يتم استعمالها في نفس السياق؛ وهي وضع الخيش المبلل بالماء حول الأواني الفخارية، فيقوم ببعض التبريد عبر المزيد من العزل.

طريقة تبريد الطعام قديما

عند الحديث عن التبريد قديما -قبل اختراع الكهرباء- لابد من الالتفات لحقيقة نقص الطعام، سواء كان ذلك في أوقات الاعتماد على الصيد أو بعد الزراعة والحبوب، في جميع الأحوال كان فساد الطعام بفعل ارتفاع درجات الحرارة يمثل خطرا كبيرا، فقد يؤدي ذلك للمجاعات، ومن المعلوم ارتباط الزراعة بالمناخ والمياه، وهو ما لا يتيح المحاصيل الغذائية طوال العام، بل يتيحه بعض الوقت ويجب الاحتفاظ به لباقي السنة، وهو ما دفع القدماء لابتكار الطرق التي تسمح بإبقاء الطعام لأطول وقت ممكن، وهذه هي بعض الوسائل المستخدمة قديما لتبريد الطعام وحفظه، وما زالت قيد الاستخدام لمن لم تصلهم الكهرباء بعد، ويستعملها أيضا من لا يملكون الثلاجات “البراد”.

التجفيف

تعتمد فكرة التجفيف على إزالة الرطوبة وبخار الماء من الطعام، وهو ما يؤدي لزيادة مدة الاحتفاظ به، فكانوا يضعون الطعام المراد حفظه في الهواء حتى يجف، ويعرضونه للشمس في درجة حرارة متوسطة، ليست عالية جدا فيفسد الطعام، وليست منخفضة بما لا يسمح له بالتخلص من الرطوبة به، بل درجة حرارة متوسطة حتى يجف، ويحفظونه فيما بعد داخل غرف مغلقة لا تصلها الشمس.

الدفن في الأرض من أهم طرق التبريد قديما

دفن الطعام هو الطريقة البدائية للاحتفاظ بالطعام، بالطبع ليست مضمونة ولا تنقذه للكثير من الوقت لكنها فعالة كوضع مؤقت، فكانوا يضعون الطعام المراد حفظه داخل حفرة كبيرة تتسع له، ويقومون بالردم عليه، فتصنع تلك الحفرة مناخا باردا، يحافظ على الطعام من الفساد لفترة، على الأقل حتى موعد المغادرة.

غلي الطعام

يعمل غلي الطعام على قتل البكتيريا التي تؤدي لتلفه، هي طريقة ذكية بالطبع وتؤدي لحفظ الطعام لفترات معقولة، لكن لهذه الطريقة بعض المشكلات، فمثلا لا تموت كل البكتيريا عند نفس درجات الحرارة، فبعضها يحتاج لدرجة حرارة أعلى من غيرها وبعضها لدرجات أقل، لكن غلي الطعام أفضل من عدمه، وساهمت تلك الطريقة في حفظ الكثير من الطعام حينها.

تمليح الطعام

من المعروف علميا أن الملح يقوم بامتصاص الرطوبة، وكما أوضحنا سابقا فالرطوبة تؤدي لفساد الطعام سريعا، فإضافة الملح لبعض الطعام المخزن يؤدي للمزيد من التجفيف، ويبقيه متاحا للاستخدام لفترات طويلة، ويعد تمليح الطعام من أكثر طرق حفظ الطعام شيوعا في الماضي، ولعلك لاحظت كيف تقوم فكرته على التبريد وخفض درجة الحرارة بالتجفيف.

طرق تبريد المنازل قديما

التبريد قديما فنون العمارة

لو قمنا بحساب الوقت الذي نقضيه في المنزل لوجدنا أنه يعادل ثلثي الحياة تقريبا، ذلك أن النوم وحده يمثل ثلث العمر، وعليه لا أحد يستطيع النوم أو الجلوس في درجات الحرارة المرتفعة، ومجرد تصور صيفا بدون مكيفات الهواء حاليا يثير الرعب في قلوبنا جميعا، انقطاع الكهرباء في عالمنا لا يعني فقط توقف العمل، بل يعني درجة حرارة لا تحتمل، بالنسبة للكبار والصغار على السواء، خاصة إن لم تكن من ملوك الماضي الذين كان لديهم من يقف خلفهم لتهويتهم فقط! ولك أن تتصور عزيزي القارئ حياة قديمة العمل فيها لا يبتلع يوم الإنسان ووقته، وحيث لم يكن هناك أماكن خروج كثيرة للترفيه وقضاء الوقت خارج المنازل، حينها سيكون السؤال الرئيسي لديك؛ ما هي وسائل التبريد قديما ؟ وإليك الإجابة بوسائل تبريد المنازل قديما.

فنون العمارة

العمارة هي أهم الفنون بالنسبة للقدماء، فقد برعوا فيها براعة غير مسبوقة، ولو تأملنا الحضارات القديمة لوجدنا مكانة خاصة للمهندسين والمعماريين، والأمر لم يكن فقط من ناحية جمالية بالنسبة لتصميماتهم الرائعة للمنازل والمعابد وكل شيء، فقديما كان على المهندس أو المعماري أن يضع في الحسبان مسألة درجة الحرارة في الصيف والشتاء، وأن يراعي في تصميماته ملائمة البناء للطقس. فاستطاعوا من خلال العمارة تبريد المنازل، فيختار المهندس الأماكن ذات الطقس الأفضل للبناء، وأحيانا يقوم بحساب اتجاه الريح وأي الأماكن تجلب الهواء وأيها لا يفعل، لكن بشكل عام اعتمدوا جميعا على بناء الجدران السميكة، فكلما زاد سمك الجدار قل تأثره بدرجة الحرارة خارجه، إذ يعمل سمك الجدار على تقليل التبادل الحراري مع الجو خارج المنزل، ولذلك تجد تلك المنازل أكثر دفئا في الشتاء أيضا.

النوافذ

كانت النوافذ كبيرة للغاية وعالية كثيرا، وعلو النافذة هو ما يسمح للهواء الساخن بالخروج، فمن المعروف أن الهواء الساخن تقل كثافته ويرتفع لأعلى، لذا فغياب النوافذ العالية يبقيه بالمنزل وينتج عنه الكثير من الحرارة، أما اتساع النوافذ فيسمح لمزيد من الهواء بالدخول للمنازل، وتقابل نافذتين يؤدي لتيار هوائي مضاد يعمل على تلطيف درجة الحرارة.

ملقف الهواء “البادكير”

ملقف الهواء هو أحد وسائل التبريد قديما ، وتنتمي فكرته لفن العمارة، ولحسن استغلال الطبيعة، وملقف الهواء يشبه المآذن الإسلامية شكلا، فهو بناء مرتفع بشكل مثلث، ويقوم هذا البناء باستغلال الفرق في الضغط الجوي، ويسحب الهواء الحار من الداخل عبر نوافذه، ويسمح بدخول الهواء البارد لساحة المنزل، فيتجدد الهواء باستمرار داخل المنزل، وتزيد برودته.

العاقول أو عشبة الجمل

العاقول هو عشبة شوكية ارتبط وجودها بالإبل، إذ تنطلق الأخيرة في محيط هذا النبات، واستعمله القدماء لتبريد المنازل، فكانوا يبللون العاقول وسط لوحين من سعف النخيل، ويضعون كل هذا أمام النوافذ، مما يبرد الهواء قبل دخوله للمنزل.

السرداب

تنتمي السراديب لذكاء وروعة فن العمارة، وهي عبارة عن غرفة أسفل المنزل، تختلف عن القبو المستعمل حصرا للتخزين، فتعتمد فكرة السرداب على ابتعادها كليا عن الشمس، وتعتمد أيضا على نوافذ تصنع بعناية شديدة يدخل من خلالها الهواء الشرقي البارد، والبعض يتعمد إضافة قنوات مائية للجدران المحيطة به مما يؤدي للمزيد من التبريد، فكانت السراديب قديما من أهم الأماكن الباردة داخل البيوت.

تبريد وتلطيف الجو في الشوارع العامة

ما دمنا نتحدث عن الماضي قبل الكهرباء والسيارات والقطارات، فنحن نتحدث عن طرق طويلة ارتفاع درجة حرارتها يعرض البشر للمخاطر، أبسط تلك المخاطر هي ضربة شمس قد تؤدي للوفاة، ولهذا اعتمدوا على إتاحة المياه في الشوارع والطرق، بتصميم أشبه بحمامات السباحة والآبار الصغيرة، فيمكن للمارة غسل وجوههم وتبريد أنفسهم قليلا، كان هذا قبل النافورة بالطبع، واتخذ البعض من بيع الماء في الطرقات عملا، فكانوا يبيعونه للمارة للشراب وغسل الرؤوس، واعتمدوا أيضا على صناعة أكبر قدر ممكن من الظلال، فتجد الأشجار بطول الطريق، وهو ما يتيح الظلال للجلوس والاستمتاع بالهواء اللطيف، فيمنح المارة بعض الراحة والهواء النقي، لما للنبات من دور في إنتاج الأكسجين بالنهار.

استلهام استراتيجيات حل المشكلات من تجربة التبريد قديما

التبريد قديما استلهام استراتيجيات حل المشكلات من تجربة التبريد قديما

دفعني الفضول ذات يوم للبحث عن كيفية التبريد قديما ، وحينها كانت لدي عدة مشكلات تنغص علي يومي وحياتي، بالطبع لا تخلو الحياة من المشكلات، لكني أذكر نظرتي السلبية لتلك المشكلات، فقد ظننت حينها أنها غير قابلة للحل، وسبب لي هذا الكثير من الضغط والامتناع عن مجرد المحاولة، وعند البحث في موضوع التبريد قبل الكهرباء وجدت أنها مشكلة كبيرة جدا، وأنها لا تخطر على بال الكثيرين في هذا الزمان، فتصور الأمر بحاجة لإعمال الخيال وبذل الجهد، فليس سهلا أن نتصور الحياة بلا كهرباء وقد ولدتنا أمهاتنا بعد الثورة الصناعية، وعندما أغمضت عيني وجلست أتصور صيفا بلا كهرباء؛ أدركت حجم مشكلة التبريد قديما ، وعندما تذكرت مشكلاتي وجدتها هينة وضئيلة، وبمعرفة كيف استطاعوا التبريد في الماضي علمت أن المستحيل وهما، وأن لكل مشكلة -مهما بلغ حجمها- حل. بتأمل وسائل التبريد قديما نجد بداية عقلية لا تعرف المستحيل، ترى المشكلات مجرد حواجز ورقية إما نعبرها أو نهدمها، وهي طريقة التفكير الأكثر نجاحا في مواجهة الحياة، ونجد بمعرفة الوسائل نفسها عقولا إبداعية ذات مهارات تحليلية عالية، فتراهم يبحثون الأسباب ويلاحظون الظواهر بدقة، فعند ملاحظة ارتفاع الهواء الساخن لأعلى صنعوا له النوافذ العالية، وبذلك أمكنهم التخلص منه واستبداله، ولتقليل التبادل الحراري جعلوا جدرانهم سميكة، وللاستفادة من الظلال عملوا على زيادة عدد الأشجار، وبمزيد من الفهم للضغط صنعوا ملاقف الهواء، ولتخزين الطعام والحفاظ عليه أعدوا القباء، واستعدوا للصيف بالسراديب، واستغلوا النباتات الشوكية التي تحتفظ بالحرارة، وكل تلك الحلول يجمعها شيء واحد مهم وهو الإبداع عزيزي القارئ، فالإبداع وحده هو الذي يحفز عقلك على العمل، الإبداع هو الذي ينتشلك من سجون الضغوط، فتبتكر الحلول كمن يلعب لعبته المفضلة، وتزيد قدرتك على استغلال ما لديك، حتى لو لم تكن تعيره الاهتمام في السابق.

في النهاية سواء كان يشغلك التبريد قديما أو لا يهمك على الإطلاق، سواء كنت من هؤلاء الذين يجدون المتعة في طرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها أو لا تشغلك البتة، في جميع الحالات وما دمت تحيا معنا في هذا الزمان فمن المؤكد أن لديك مشكلاتك، والتي تظنها أحيانا عصية على الحل، ولهذا فقط جلبت لك مشكلة التبريد قديما ، وهي كبيرة بلا شك، فقد رأيت معي كيف مثلت خطورة على طعام الأجداد وعلى حياتهم، كيف مثلت صعوبة في الجلوس والنوم والحياة كلها لو لم يجدوا لها الحلول، رأيت معي كيف أنهم تجاهلوا المستحيل تماما، واستطاعوا التأقلم، لعلك الآن شاهدا على قدرة الإنسان على المقاومة وتطويع الظروف من أجل حياة أفضل له ولأبنائه، وهي المهارات التي لا بديل عن اكتسابها للإنسان المعاصر، فالأمر ليس فقط تبريد الماء والطعام والمنازل على أهمية كل ذلك، بل أنه عن الحياة والإبداع واستغلال قدرات الإنسان وظروف الطبيعة والمواجهة، كي نحيا حياة أفضل ونشكر الله.

الكاتب: أحمد ياسر

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

ستة + عشرة =