الانتحار عند الحيوانات ؟ هل الحيوانات تنتحر! فكرة الانتحار تنبع من يأس الإنسان من حياته أو بعد قصة حب أو عمل فاشلة وخسارته كل شيء. ولكن ماذا يمتلك الحيوان حتى يخسره فينتحر؟ أو هل هو يمتلك مشاعر وإحساس وإدراك كافي تجعله يعي ماذا يفعل؟ هل لو رأت حيواناً أمامك يحاول الانتحار ستحاول جاهداً أن تنقذه أم ستترك له حريته للقضاء وإنهاء حياته؟ قد تبدو فكرة الانتحار عند الحيوانات أمراً غريباً عليك عزيزي القارئ ولكن ماذا لو قلت لك إنك بعد هذا المقال لن تجد هذه الفكرة غريبة أبداً.
الانتحار عند الحيوانات : أسبابه ودوافعه
الانتحار عند الحيوانات: حقيقة أم خيال؟
حين نتكلم عن محاولات الإنسان للانتحار فنحن نتكلم عن تجارب واقعية وملموسة ومنها ما قد يحصل أمامنا، لذلك لو كان الانتحار عند الحيوانات حقيقة بالفعل فيجب أن نرى دليلاً، ويجب أن يكون الأمر برغبة واضحة من الحيوان وإلا سيكون الحادثة مجرد صدفة أو خدعة. بالفعل توجد قصص تؤكد فكرة الانتحار عند الحيوانات أذكر منها:
في عام 1845 في مجلة أنباء لندن، ستجد مقالة تتحدث عن انتحار كلب أسود من نوع النيو فاونلاند، أي إنه كلب جميل وثمين ومدلل ولا يمتلك مشاكل في الحياة حتى يفكر في الانتحار. على الرغم من ذلك كان قد فقد حيويته المعتادة قبل تلك الوقعة بأيام، ثم في ذلك اليوم المشؤوم جرى الكلب قاصداً بركة المياه وهناك رمى نفسه في الماء ومع إن بعض الكلاب تستطيع السباحة إلا إن هذا الكلب لم يحاول المقاومة حتى بل استسلام ووضع رأسه تحت الماء بشكل مقصود. عندما لاحظوه الناس من حوله حاولوا إنقاذه وبالفعل انتشله من الماء ولكن في كل مرة حاولوا فيها منعه كان يجري مرة أخرى إلى الماء ليغرق نفسه، وكان المنقذون يعيدون الكرة مرة أخرى حت تعبوا تماماً، وفي أخر مرة كان بالفعل قد لفظ أنفاسه الأخيرة وأخرجوه ميتاً.
يبدو أن الانتحار عند الحيوانات لم تقتصر على العصر الحديث، لأن أرسطو نفسه ذكر قصة لحصان انتحر لأنه اكتشف أن البشر أجبروه على تلقيح أمه. ويذكر أيضاً أن بغلاً لمجموعة من البيشمركة كان يمر معه على طريق جبال وعرة وهم يجبروه على حمل أثقال كبيرة، وعند أحد المنعطفات ألقى البغل بنفسه من فوق الجبل ليسقط ويتخلص من عناءه بسبب البشر.
مجلة “تيم سينس” نشرت قالاً تحكي فيه عن ريتشارد أوباري الذي كان حاضراً في عرض من عروض الدلافين للتسلية، وللعلم فإن الدلافين تمتلك أكثر عقل متطور قريب من الإنسان، كان هناك دلفين يسمى فليبر الذي نظر إلى الحاضرين وفي عينه نوع من الحزن تشعر به أنت كإنسان من بعيد، وحينها نزل الدلفين تحت المياه وتوقف عن التنفس حتى مات. بالطبع الدلافين تعيش تحت الماء والشيء الوحيد الذي قد يقتله هو إراداته هو بعدم التنفس. يبدو أن الدلفين قد تعب من العروض اليومية ورغم محاولات الشركة أن تثبت أن الواقعة لابد أن تكون صدفة وأن الدلفين لا يعرف الانتحار من الأساس، إلا إن أحداً لم يصدقهم.
في الحقيقة هناك ألاف القصص الأخرى التي تثبت فكرة الانتحار عند الحيوانات وأنهم بسبب ما يعانوه من الإنسان يقدمون على الانتحار. الأسباب تكون غالباً من معاملة الإنسان كصغر القفص أو الإهمال لإشارات التعب الواضحة على الحيوان وتحميله فوق طاقته باستمرار، هذا كله بالإضافة إلى القسوة والضرب والأذى. إن كان الإنسان جاحد لهذه الدرجة فالحيوان يريد توصيل رسالة ليس إلا وفي يوم ما قد تنقلب الطبيعة فوق رأس الإنسان إذا استمر في جحوده. فتجد بعض العصافير التي لا تريد سوى الحرية تنتف ريشها داخل أقفاصها، وبعض الحيوانات الأخرى تعض نفسها أو تمتنع عن الأكل. أو يكون الانتحار بهدف نبيل حين يجلس الكلب بدافع الولاء بجانب قبر مالكه الطيب حتى يموت هو الأخر دون محاولة لإنقاذ نفسه إذ لم يعد يريد الحياة.
رأي العلماء في الانتحار عند الحيوانات
لو سألت أي مفكر ديني ستكون الإجابة أن الانتحار حرام وضد شريعة الله، وسيكذبون الأمر بكل بساطة إذ إن الطبيعة لا تقتل نفسها. ولكن إذا توجهنا لعلم النفس ستجد عندهم إجابة أخرى. السيكولوجي توماس من جامعة فلوريدا، لديه اعتقاد كبير في إن الحيوان يشعر ويتألم وتدفعه الغرائز لإنقاذ نفسه من الألم، ومع البيئة القبيحة التي يفرضها الإنسان عليه يقرر أن لا حل سوى الموت، قد لا يكون الأمر تماماً كما يحدث مع البشر ولكنه علامة قوية على تعب الحيوان من الإنسان. أما رامسدين من القرن التاسع عشر يقول إن الانتحار بصفة عامة هو درب من الجنون وما يحدث مع الحيوان هو جنون من نوعاً ما أو اختلال في الأعصاب عند الحيوان.
العالمة مريام ويبستير تعتقد أن الانتحار هو عمل واعي، وهو التسبب في القتل للنفس بشكل إرادي كامل، ولذلك لا يصلح أن يكون هناك انتحار عند الحيوانات لأنها بدون وعي وإرادة كاملة. ولكن العلم النفسي الحديث ينظر للانتحار على أنه ليس بالضرورية ليكون فعل واعي بل هو انعكاس عن الظروف المحيطة الصعبة.
تجارب تثبت أن الانتحار عند الحيوانات أمر نفسي وليس مجرد صدفة
إن كنا نريد أن نتأكد بأن الحيوانات لديها دوافع نفسية تدفعها للقيام بعمل مثل الانتحار فيجب أن نراقب تصرفاتها وندرسها كما ندرس تصرفات الإنسان النفسية. في تجربة للباحث جون كالهوين سنة 1962 أثبتت أكثر من مجرد الادعاءات. قام هذا الباحث بحبس مجموعة من الفئران في قفص وتوفير كل شيء من طعام وشراب، الشيء الوحيد الناقص كان المساحة لأن عدد الفئران أكبر مما قد يحتويه القفص. أمام الفئران حلين إما الهرب وهذا ليس متاح أو القتال على المكان للبقاء الأمر الذي فعلوه. على مر الأيام التالية بدأت الفئران تقتل بعضها وتأكل بعضها ولاحظ العلماء أن الأمر بدأ وكأنه هلوسة لأن الفئران أخذت تمارس الجنس بشكل هستيري وكأنه اغتصاب بمفهومنا البشري، حتى الجنس المثلي كانت الفئران تمارسه. في الأخير لم يبقى من الفئران سوى القليل وظهر عليهم حبهم للعزلة، وحين تم نقلهم لقفص فئران أكبر ورحب أخذوا ركناً لأنفسهم ولم يتعاملوا مع أي فأر حتى الموت. نستطيع أن نسمى هذا الفعل بلغتنا نحن البشر “الندم والاكتئاب”.
الانتحار عند الحيوانات لا يتوقف عند الحيوانات الكبيرة
لا يتوقف الانتحار عند الحيوانات عند الأحصنة والكلاب أو الدلافين بل تجدها أمر واقعي وملحوظ في الكائنات الدقيقة والحشرات. الاختلاف هنا أن الأمر لا يكون للإنسان دخل فيه بل الطبيعة نفسها لأن سبب الانتحار هنا هو حماية باقي المجموعة وكأنه موت بطولي، وكأن الأمر مكتوب في الجينات ويأمرهم بالضحية لحماية الأغلبية. فتجد بعض النحل يحمون الملكة والعش من الدب رغم إن بعد اللسعة سيموتون هم ولكن دفاعاً عن وطنهم. ونلاحظ أيضاً الحشرات من نوع Pea aphids تفجر نفسها عند اقتراب الحشرات الأخرى المهاجمة لتحمي بقية أخواتها وصغارها. وبكتريا السالمونيلا تدمر نظامها المناعي رغم أنها بذلك تنتحر في سبيل حماية باقي المستعمرة من البكتريا أو الفيروسات المنافسة. أما في قبيلة الجرذان العاري تجد بعض الأفراد يقفون أمام الممر ليمنعوا الأفاعي من العبور ليحموا القطيع ويموتوا هم تضحية عنهم. حتى إن هناك انتحار جماعي عند حيوانات الليم الجبلي والتي تضحي مجموعة منها لينجو الباقيين في الشتاء القارص الذي يمر بهم وعدم توفر المواد الغذائية.
الانتحار عند الحيوانات يساعد الباحثين في انتحار الإنسان
بعد التسليم وتصديق الفكرة يبحث الآن بعض العلماء النفسيين عند ربط السبب البيولوجي الذي يدفع الحيوان للانتحار بمثيله عند الإنسان. هل الأمر هو حتمي ومكتوب في الجينات أم إن البيئة لها يد في الأمر. أياً كانت الإجابة فلا أعتقد أن الإنسان ينتحر لأهداف نبيلة لإنقاذ البشرية كالحيوان وإنما تدفعه المشاكل النفسية واليأس من الحياة إلى الانتحار، وقد تنتج الأبحاث يوماً إجابة عجيبة أخرى، فلا أحد يتوقع قدرة العلم هذه الأيام.
أضف تعليق