عادة ما نقع في هذا الانبهار الوهمي بالأشخاص بمجرد ما نرى شخصًا حتى ننبهر به بغير عقلانية ونفعل الأعاجيب حتى نستطيع التقرب إليه ولفت نظره ولكن حينما نقترب منه نجده شخصًا عاديًا جدًا ولا يستحق هالة الانبهار التي كنت تضعها حوله منذ البداية، فكيف يمكنك الترفع عن مثل هذه الحالات من الانبهار الوهمي والتعامل مع الواقع الموضوعي بأدواته الموضوعية العقلانية؟ ربما سيكون هذا جوهر موضوعنا في هذا المقال:
استكشف هذه المقالة
لماذا ننبهر بالأشخاص بشكل غير عقلاني؟
قبل أن نتحدث عن كيفية تفادي الانبهار الوهمي بالأشخاص في البداية نجيب على السؤال لماذا ننبهر بالأشخاص بشكل غير عقلاني، ولهذا عدة أسباب نورد أهمها في النقاط التالية:
الافتقار إلى المثال في حياتنا
دائمًا هناك هوس بالمثاليات والحياة المثالية والأشخاص المثاليين ولما لا يوجد أصلا أمثال مثل هذه الأشياء في حياتنا ولأن البحث أعيانا في البحث عن الشخص المثالي الخالي من العيوب وهو غير موجود على أرض الواقع أصلا، نبدأ في تلبيس المثال الغائب على أول نموذج واقعي يقابلنا ونحن نعي في داخلنا أن هذا الشخص ليس المثال الذي نفتقده ولكن بدافع الارتياح الذي يسببه فكرة وجود شخص مثالي نحاول إقناع أنفسنا بأن هذا هو المثال الذي نفتقر إليه في حياتنا وهذا يكون أكبر دافع نحو الانبهار الوهمي بالأشخاص والذي تكون آثاره النفسية سيئة حينما نفشل في مقاومة وعينا بعدم أحقية هذا الشخص بصفة المثالية مما يجعلنا ننقم على الواقع أكثر وأكثر.
عدم رؤيتهم عن قرب
ربما يكون المرء ساذجا جدا إذا دفعته خيالاته إلى الانبهار الوهمي بشخص عن بعد وما أكثر ذلك في عصرنا هذا وخصوصًا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وكيف أن هناك أشخاص يمتلكون حسابات على هذه المواقع يصورون أنفسهم على أنهم أصحاب المبادئ والشعارات الزاعقة والمناضلين والمثاليين والمقاومين لموجات الاستغلال وطوفان الاستبداد وللأسف هناك من يصدق تلك الأقنعة التي يصدرها هؤلاء عن أنفسهم، ولكن للأسف نحن لا نراهم في حياتهم العملية ولا نرى كم هم مخادعون ومنافقون ومحابون، كيف هم وصوليون ومتملقون، للأسف لا نرى أيًا من هذه الأمور لذلك نصدق تلك الأوهام التي يصدرها لنا البعض على أنها حقيقة.
الانخداع بالمظاهر
ولا ينطبق الوضع على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، بل أن هناك العديد من الأشخاص الذين يدفعهم حب الظهور إلى اختلاق صفات ليست حقيقية على الإطلاق وتصدير صورة عن أنفسهم لا تطابق الواقع تدفع بعض الأشخاص للثقة فيه وإلى الانبهار الوهمي بهم وللأسف هؤلاء يعيشون في مثل هذه الأوهام حتى يصدقوا أنفسهم وخصوصًا أنهم يجدون من يصدق مثل هذه المظاهر الخداعة والمختلقة ولكن يأتي يوم وينكشف هؤلاء فتكون الآثار النفسية سيئة جدًا حيث يتكشف لنا الجوهر الحقيقي لهؤلاء وأنهم لم يكونوا أسمى من هؤلاء المنبهرين بهم بل ربما يكونوا أحط وأكثر ضعة منهم بكثير.
كيف نتفادى الانبهار الوهمي ونرى الأشخاص بموضوعية؟
والآن نصل للنقطة الهامة، كيف نتفادى الانبهار الوهمي ونرى الأشخاص بعين العقل ومن خلال النظرة الموضوعية للأمور، وهذه النقطة تتحقق من خلال أمور عدة نذكر أهمها في النقاط التالية:
الثقة في الواقع
عليك أن تثق في الواقع أكثر من ذلك لأن الانبهار الوهمي خارج بالأساس من انعدام ثقتك في الواقع مما ترتب عليه أنك تحاول البحث عن مثال غائب بدل التأقلم مع الواقع وتعاطيه مما نتج عنه أنك تبحث عن أشخاص تلبسهم صفة المثالية وتنبهر بوجودهم ثم تصاب بالصدمة عندما يظهرون على حقيقتهم وأنهم أشخاص بهم عيوب مثلهم مثل الآخرين لذلك من الأفضل أن تقوم بالتأقلم مع الواقع والثقة فيه وأن الواقع قادر على إبهارك ولكن في حدوده الواقعية أما عوالمك الخيالية التي تعيش فيها والتي تريد مقاربة الواقع بها فهذا ما سيصيبك بالاكتئاب ويجعلك منزعجًا منه بعد فترة لذلك من أجل تفادي الانبهار الوهمي بالأشخاص عليك أن تثق في الواقع وتتعامل بآلياته وأدواته.
النظر للأشخاص عن قرب
عليك ألا تحكم على أحد طالما معرفتك به سطحية لا بالإيجاب أو بالسلب، لا عن طريق الانبهار الوهمي به أو عن طريق الشيطنة السطحية له، وفكر في نفسك، سلوكياتك هذه التي تقوم بها ممكن أن تفسر بشكل آخر ويمكن أن يفسرها شخص على أنها ناتجة عن صفات طيبة وآخر يفسرها على أنها ناتجة عن صفات خبيثة للشخص لذلك لا يمكنك أن ترى تصرف من شخص وتحكم عليه عليك أن ترى الأشخاص من قرب لأن هذا هو ما سيجعلك تقيمهم بشكل صحيح وذلك من أجل ألا تنبهر بأحد من مجرد موقف واحد، لأنك لا تعرف ظروف هذا الموقف وملابساته ولا دوافع الشخص في تصرفه.
تذكر مرات الانبهار السابقة
إن كنت ستقدم على الانبهار الوهمي بالأشخاص ففكر في مرات الانبهار السابقة، هل أحببت شخصًا من قبل؟ هل العلاقة انتهت؟ هل كنت منبهرًا به في أول العلاقة؟ هل كنت تراه المثال بل النموذج للإنسان الحقيقي؟ حسنًا هل تبدل رأيك عندما عرفته عن قرب؟ هل ظل كما هو؟ هل ظلت هالة النور من حوله تظلله؟ أم رأيته إنسانًا عاديًا مثلنا جميعًا؟ عليك إذًا عندما تقدم على الانبهار بأي شخص أن تتخيل هذا الشخص إن دخلت معه مثلا في علاقة أو اشتركت معه نشاط ما أو أصبحت زميلا له في عمل ما فهل سيظل انبهارك به بنفس القوى؟ هل سيظل هو الشخص المثالي الذي تبحث عنه؟ عليك ألا تندفع في انبهارك إذًا وتزن الأمور بميزان العقلانية وتعرف أنه ما من إنسان يستطيع أن يحوز على الصفات المثالية لأنه بذلك سيصبح نبيًا معصومًا.
ليس مهمًا الصفات المبهرة بل الحقيقية
نقولها وسنظل نقولها، ليس مهما أن يكون لدى الشخص ما يبهرك به، المهم أن يكون لديه الصفات الأصيلة والحقيقية وما يميز الإنسان حقًا هو ذلك المزيج الجذاب من الطيبة والشر، من اللؤم والبراءة، ذلك الخليط الذي يجعل البشر يحاولون مقاومة طبيعتهم الشريرة هذه باستمرار ويجنحون نحو طبيعتهم الأخرى، ذلك الشعور بالذنب الذي يغلف أفعالنا الشريرة وذلك الشعور برضا الضمير الذي يرافق أفعالنا الطيبة، كل هذه الأمور أصيلة لدى الإنسان وطالما أن الإنسان لا يدعي شيئًا فهذه هي النقطة، أن يكون الشخص حقيقيًا، حقيقيًا حتى وهو يعرف عيوبه ونقائصه.
الانبهار الوهمي بالمظهر أسوأ انبهار
أخيرًا وليس آخرًا قد ترى فتاة جميلة فتعجب بها إعجابًا لا حد لها وتصبح هي مثالك للجمال ولكن للأسف هذا إن دل فإنما يدل على سطحيتك في الحكم على الناس، فالحكم بالمظاهر ليس له أي قيمة على الإطلاق بل يكاد يكون وبالا على صاحبه لا سيما وأن هذه الفتاة الجميلة لن تكون بنفس الجمال عندما تصرخ في وجهك أو عندما لا تبالي بمشاعرك أو عندما تسحق أحاسيسك، عندما تشعر أن جمالها ميزة يجب أن تتميز بها عليك وتتفوق بها على أقرانها بينما لا يكون لديها من الصفات الجوهرية ما يسمو بها فوق المظاهر الخداعة، من أجل هذا نقول أن الانبهار الوهمي المبني على المظهر فحسب هو الأسوأ لأنه يدل على عقلية سطحية مراهقة تفتقر للكثير من النضج.
خاتمة
يجب أن نعرف أن الانبهار الوهمي بالأشخاص ناتج بالأساس من بحثنا المستميت على الصفات النموذجية للبشر والتي هي أصلا من هواجسنا الذاتية ولا يوجد أصلا مقياس مطلق لها، لذلك عليك أن تتعاطى الواقع وتدع الواقع يبهرك بدلاً من أن تبحث أنت عمن تنبهر به.
أضف تعليق