تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف تتوقف عن الاعتماد على الحظ ؟ إليك السبل بطرق علمية

كيف تتوقف عن الاعتماد على الحظ ؟ إليك السبل بطرق علمية

هل الاعتماد على الحظ وحده كفيلًا لتحقيق النجاح دون سعيٍ أو تخطيطٍ أو بذل جهد كما نرى مع الكثيرين في مجتمعنا على شاكلة الفشلة اللذين لعب الحظ دورًا في حياتهم ليصبحوا من كبار بل من صفوة الصفوة في المجتمع؟ نستعرض لكم الإجابة عن هذا التساؤل هنا.

الاعتماد على الحظ

الاعتماد على الحظ من المُعتقدات التي لها تأثيراتها الإيجابية والسلبية على أنماط التفكير، فقد عدّه البعض أحد أهم سبل النجاح، وظنه آخرون السبب الأوحد للإخفاقات والفشل، تُعبّر الأفكار والمُعتقدات السائدة عن ثقافة الناس ومنهجهم الفكريّ، ولإصلاح تلك الثقافة وتطويرها يجب تصحيح بعضًا من تلك الأفكار والمُعتقدات، وهو ما سينعكس حتمًا على الأداء المُجتمعي المعيشي.

ما هو الحظ؟

الاعتماد على الحظ ما هو الحظ؟

قيل في الحظ أنه حدث عارض بالجيد أو القَمِئ لا دخل للإنسان فيه نيةً وإرادةً ونتيجةً، أي أنه حدث غير مُتوقع لا رغب الإنسان فيه ولا سعى إليه ولا خطط له مُسبقًا. ولكل ثقافة من الثقافات على تعددها في المجتمع الواحد نظريات وآراء ومُحركات عملية فيما يتعلق بالحظ، فمنها ما يصور الحظ على أنه فرصة عشوائية مُفاجئة تحدث للإنسان، ومنها ما يربط بين الاعتماد على الحظ وبين مجموعة من التفسيرات العقدية الإيمانية، ومنها ما يشطح بفكره حول الحظ ناسجًا خُرافات وأساطير.

وجدير القول إن مفهوم الحظ تعددت صوره الفلسفية، فالحضارة الرومانية القديمة قد ربطته بالآلهة ومدى رضاها عن الإنسان وخصوصًا الإلهة فورتونا، بينما “دانيال دينيت” فقد أكد على كونه مفهوم مُجرد من التعريف؛ فطالما أنه حدث خارج عن الإرادة فلا حظ بشري في تعريف الحظ، أما “كارل يونغ” فأكد ألمح إلى أنه صدفة يتزامن مغزاها مع معنى واقعي يصنع الإنسان بداياته.

وسواءً اتفقنا أو اختلفنا على ما سُرد من مُحاولاتٍ لتوضيح مفهوم الحظ، إلا أن المؤكد لنا جميعًا أن الحظ مُتغير؛ فلن يستقيم حظ شخص ما على جودته المُستدامة، ولن يستقيم على تعثره وسوئه إلى ما لا نهاية.

كما أننا بشيء من العقلانية لابد وأن نتفق على أن الاعتماد على الحظ هو الجزء المُتبقي بعد بذل كل المجهود المطلوب أملًا في النجاح، وإلا أصبح متكأ وحجة للفاشل.

هل النجاح ضربة حظ؟

الإجابة عن هذا السؤال الملغوم بكثير من المفخخات والألغام يحتاج لكثيرٍ من التفصيل والشرح والتوضيح، إلا أن تبسيط الإجابة يعتمد بشكلٍ أو بآخر على توضيح المقصود من كلمة نجاح.

فحقيقة الأمر أصبح النجاح في عالمنا المعاصر يحمل مدلولين اثنين، الأول هو النجاح المقصود به ذيوع الصيت وربح الأموال، والثاني وهو النجاح الحقيقي يُقصد به تحقيق الطموح والوصول إلى الأهداف البعيدة وفق خطٍ مُستقيم وأسلوبٍ صحيح وتخطيطٍ علمي ومبادئ أخلاقية.

فإن كان مقصود السؤال النجاح بمدلوله الأول، فنعم النجاح ضربة حظ ويكفيه الاعتماد على الحظ وهذا لا يعدمه قليلًا من المجهود، فهب أن بيننا فتاة جميلة المظهر بارعة في اقتناص الفرص، وهي في ذات الوقت عديمة الكفاءة معدومة الثقافة والخبرة، ففي عصر النيوليبرالية بما فيها من رأسمالية متوحشة قد يلعب مظهرها الجميل وميوعتها دورًا رئيس في نجاحها من حيث الشهرة وجنيّ الأموال، حتى إنه مع الوقت يُصبح النجاح عندها تحصيل حاصل، فكيف لا وقد تحقق مُنذ اللحظة الأولى لاقتناص الفرصة الأولى المُستغِلة لبريق مظهرها دون حاجة لتفحص اضمحلال باطنها الأجوف؟!

أو هب أن شخصًا قد ورث عن عائلته الراقية منبرًا إعلاميًا كجريدة أو قناة تلفزة، وقرر ذلك الوريث أن يخرج علينا في ثوب المثقف أو رجل البر أو صاحب الصناعة الخبير، فما سيحققه هذا الشخص من نجاح مؤكد الحدوث، فهو نجاح لعب فيه الاعتماد على الحظ كل الدور، فقد وجد هذا الشخص دون مجهودٍ منه من يفتح له الأبواب ليُطل علينا صباح مساء نابشًا رؤوسنا بآرائه وتنظيره وإن كانت هرطقات، وما أكثرهم على شاشاتنا العربية، بل إن بعضهم يزيد الطين بِلة مزورًا شهادةً للدكتوراه من هنا أو من هُناك.

والشاهد مما صيغ من أمثلة أن الاعتماد على الحظ قد لعب دوره مع هؤلاء البلهاء، في حين أن من يفوقونهم علمًا وأدبًا وخبرة قد لا تُتاح لهم مقدار ذرة مما أُتيح لهم. وفي قناعتنا الراسخة أن ما حُقق من نجاح هنا هو نجاح وهمي، ولولا اختلال معايير التقييم في وقتنا الحالي لتخلصنا من كثير من الصفوة الزائفة التي تعُج بها المجتمعات وبخاصة العربية.

بينما النجاح بمدلوله الثاني فهو النجاح الحقيقي الباقي في الأرض والنافع للناس، ولأنه حقيقي فهو يقوم على أعمدةٍ راسخة ثابتة من الجد والاجتهاد والتعب والجهد، وهو ما لا شك في أن يتزامن معه توفيق الله وحُسن القَدَر (الحظ).

ويمكننا القول إن النجاح الحقيقي قد لا يصل إليه الإنسان إلا بعد عدة تجارب ومُحاولاتٍ اعتراها الفشل بل والفشل الذريع، هذا إلى جانب أن تحقيق هذا النجاح البعيد في تسعة أعشاره عن الاعتماد على الحظ قد يتحقق بعد تخطي عراقيلٍ صعبة وظروف مُحيطة سيئة وبيروقراطية مُجتمعية مُتعفنة.

والأدلة البشرية على أن النجاح الحقيقي لا علاقة له بالحظ كثيرة، فلا أكثر من أن نتذكر بعضًا من المُخترعين الذين أثروا الحياة الإنسانية باختراعاتهم ذات الأثر البالغ على القاصي والداني وهم في الأساس فشلوا في الحصول على الشهادة الثانوية، فمن “ستيف جوبز” صاحب ماركة آبل الأغلى عالميًا إلى “مارك زوكربيرغ” صاحب أشهر تطبيقات التواصل الحديثة فيس بوك وواتسآب، وغيرهما كُثر لمن أراد الاستزادة فليطلع.

فهؤلاء الناجحون عزموا وصمموا واجتهدوا وأداروا أوقاتهم ومواردهم الفكرية والعلمية والنفسية، كما أنهم تحدوا الصعاب وتجاوزوا العقبات، بالإضافة إلى أنهم اعتبروا الفشل حافزًا للتقدم، كما أنهم لم يعتبروا كل ربحٍ نجاح ولا كل خسارةٍ فشل، وها هم الأكثر شهرةً ومالًا على وجه البسيطة، بل إن لهم ذكر في التاريخ سيبقى بقاء الإنسانية على الأرض.

هل الاعتماد على الحظ وحده يكفي؟

الاعتماد على الحظ هل الاعتماد على الحظ وحده يكفي؟

نأسف إذا قلنا إن المُعتمد على الحظ وحده كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالنجاح الوظيفي والاجتماعي والمالي والمعنوي الدائم والمُتواصل يلزمه الكثير والكثير من العرق والبذل، ويبقى قدر الله فيه جزء لا يحوزه إلا المجتهد القابض على الأخذ بالأسباب.

فلكي ننجح نجاحًا حقيقيًا علينا رفض فكرة الاعتماد على الحظ ، ثم تنظيم الحياة من حولنا، أي أن نضع الخطة والبدائل، وقبلها علينا ممارسة ما نحبه من أعمالٍ وأفعال، والتي بالضرورة لابد وأن تتناسب مع الموهبة والإمكانات، مع إلزامية تحسين المعرفة وتوسيع المدارك وتحديث التصورات والمعلومات حول ما نفعله، ومن ثَم صقل المهارات، مع اليقظة للدقائق والتفاصيل وما يتبعها من تحليل المواقف واستخلاص العِبرات، إلى جانب توسيع دائرة المعارف والمساعدين أصحاب الباع والخبرة في التخصص، وهو ما يتزامن معه التحلي بالقابلية للانفتاح على آراء الآخرين وتقبل رؤيتهم وطريقة تفكيرهم المُختلفة بشيء من المرونة، وغلافًا لكل ما سبق من الضروري وجود كثير من الإصرار والثقة والتفاؤل ونبذ اليأس والتردد. بينما العشوائية والفوضوية أو الاعتماد على الحظ وحده لن يصنع ناجحًا، وإن صنعه سيخفت تأثيره سريعًا.

بمقدور الإنسان أن يصنع حظه بيده، فما يميز العاقل عن غيره هو التخطيط والسعي والبذل والجهد أولًا، ليأتي الحظ ليُصيب مرة كنقطة انطلاق للأمام، لكن الركون للحظ وحده فإنه سيدفع للخلف لا محالة ولو أصاب على الدوم وهو ما لا يُتوقع حدوثه.

الكاتب: وفاء السمان

إبراهيم جعفر

أضف تعليق

عشرة − تسعة =