الاختلاف في التربية بين الأب والأم هو أمر شائع في كل العالم، وليس فقط في عالمنا العربي. حيث تجد الأب يتعامل بطريقة والأم تتعامل بطريقة أخرى بعيدة كل البعد، وفي الأخير الذي يتحمل النتيجة هما الأطفال، والذين يكبرون غير متزنين لأن التربية التي تربوها هي تربية متناقضة. ومن ضمن الأمثلة: نجد الكثير من الأمهات تدلل طفل معين، في حين أن الأب يتعامل بجدية مفرطة مع نفس الطفل، فتجد الطفل يكره أبيه ويعشق أمه. وهذا في حد ذاته يجعل المشاكل تكبر بين الجميع، والولد سيصاب بعقدة من أبيه وسيتعلق كثيرًا وزيادة عن الحد بأمه. ومن هذا المثال نعرض عينة من المشاكل التي تواجه الأسرة بسبب الاختلاف في التربية بين الوالدين. ولذلك في هذا المقال قررنا أن نرشدكم لكيفية التعامل سويًا بطريقة صحيحة ومن ثم ستتعاملون مع الأطفال أيضًا بطريقة صحيحة.
دليل حل مشاكل الاختلاف في التربية بين الزوجين
النقاش لحل مشاكل الاختلاف في التربية
يجب أن تعلم عزيزي القارئ أن أول شيء يسبب الاختلاف في التربية هو عدم النقاش بين الأبوين. فتصير التربية مجرد تنفيس عن المشاكل التي تحدث من الأساس بين الوالدين. ومن هنا ننصح جميع الآباء بالنقاش والحوار فيما بينهم بما يخص أطفالهم، فلا يصح أن تفعل الأم شيء والأب يفعل شيء آخر. فيظهر أمام الأطفال عدم التفاهم بين الأب والأم الذي سيسرب لهم سوء العلاقة من الأساس ويجعلهم غير محايدين في مشاعرهم تجاه الآباء. ولذلك النقاش فيما بينكم يقرب وجهات النظر جدًا ويجعلكم متفقين على ما تفعلونه وعلى دراية كاملة بما يفكر فيه الأخر. أيضًا النقاش أمام الأولاد يجعلهم يشعرون بالتفاهم الذي يعم بينكم ومن ثم يتعلمون هم منكم كيفية النقاش لتجدهم تطوروا بسرعة جدًا وتعلموا النقاش البناء. فتجدون أنهم يتحاورون معكم مثلما تتحاورون أنتم مع بعض، مما سيسهل مهمتكم جدًا في التربية لأن الأمور ستصبح عقلانية ومبينة على الاتزان والتفاهم. وأخيرًا النقاش في أمور التربية يجعل التربية مبنية على المشاركة بين الزوج والزوجة مما يجعل الاثنان متحملين للمسئولية. وعندما يفعل الولد خطأ لن يلوم أحدهم على الأخر ويقول له “هذه نتيجة تربيتك”، بل النقاش سيلغي هذه الكلمة ويجعل الزوجين متحملين تمامًا للمسئولية.
الصراحة
الاختلاف في التربية يجعل أحد الآباء أحيانًا يكذب على الأخر لأنه يعرف أن ردة فعله تكون جنونية. وهذا أمر ليس بالصواب لأن الكذب على شريك حياتك من الأساس خطأ فادح فما بالك فيما يخص أطفالك. ولذلك على الجميع أن يتوخوا الحذر في الكذب في مثل هذه الأمور. فالطفل هو مسئولية مشتركة ولذلك على شريك حياتك أن يعلم نفس التفاصيل التي تعلمها أنت، حتى تعرفون جيدًا كيفية المشاركة والنقاش في التربية. أيضًا الصراحة تجنبكم المفاجئات، حين يكتشف أحد الوالدين شيئًا عن أولاده ويكون جديداً تمامًا عليه، وعندما ينظر لشريكه يجده يعلم. وهذا في حد ذاته ستترجم في العقل البشري على أنها خيانة، لأنهم جميعهم يعلمون ما عدا أنت. ولذلك الصراحة تجنب الوالدين هذه المشكلة وتجعلهم يعرضون مشاكل أولادهم ببساطة ويتناقشون فيها ويحلونها. أيضًا هناك مشكلة في عدم الصراحة، وهي أن طفلك الذي غطيت عليه خطأه لمجرد أنك تعتقد أن شريك حياتك ليس من الجيد أن يعلم الآن، هذا الطفل نفسه سيتعلم الكذب وسيتعامل معك مثلما تعاملت أنت مع شريكك. ولذلك حاول دائمًا أن تكونوا كآباء كتلة واحدة فيما يتعلق بمعرفة شئون أولادكم، حتى عندما يأتي وقت النقاش تتناقشون على دراية كاملة وتكون الحلول جذرية.
الاختلاف في التربية وعدم التمييز
هذه النقطة ضرورية جدًا لمن لديهم أكثر من طفل. الآباء يخطئون خطأ فادح عندما يحبون طفل أكثر من طفل أخر. وهذه في الحقيقة كارثة للأطفال يجب أن تتعاملوا معها بحكمة شديدة. وهذا لسبب بسيط جدًا، لأن التمييز هذا يصنع كراهية بين الأطفال وبينكم، ويصنع حاجز عند الطفل الغير محبوب، بل وسيشعر مع الزمن أنه عبئ عليك، وليس ابنك أو ابنتك. وهناك من التمييز الكثير وخصوصًا في بلادنا الشرقية، حيث يميزون الأولاد عن البنات، ويتعاملون مع الطفل الولد على أنه هو الأفضل والذي له الأولوية في الملبس والمأكل والمصروف، أما الفتاة فليست سوى زائدة.
وهناك نوع أخر أيضًا في بلادنا العربية وهو تميز الابن البكر عن باقي الأولاد، والذي هو في حد ذاته يجعل الأطفال أنفسهم يحقدون على أخيهم الكبير الذي يتعامل معه أبوه أو أمه على أنه صاحبهم. وهناك نوع أخر من التميز بين الأولاد في الذكاء، حينما يكون أحد الأولاد ذكي دراسيًا فينول المديح والاهتمام من أمه وأبيه، في حين أن الذي لا يمتلك ذكاء دراسي يسمع دومًا كلمات جارحة. الاختلاف في التربية مؤذي والاختلاف في التمييز أكثر أذية. ولذلك حاولا دائمًا كأب وأم أن لا تفاضلا بين أولادكم أبدًا في أي يوم من الأيام، وإن لو كان لديكم أكثر من ابن فتعاملوا معهم دومًا بالتساوي.
الاتفاق والمشاورة على العقاب
الاختلاف في التربية يأتي عادة في فكرة العقاب والتحفيز. حيث أن كلاً من الأب والأم له طريقته الخاصة في العقاب والتحفيز. ولذلك يرى الأب أن الأم تدلل ابنها أو الأم ترى أنه يقسوا على ابنه جدًا، أو العكس، ومن هنا تبدأ المواجهة. ولكن ما يجب أن يحدث من الأساس هو أن تكون هناك أسس للتربية عند الصواب والعقاب بين الأب والأم متفق عليها. حتى عندما يفعل الطفل أي شيء خاطئ فإن العقاب يكون معروف، وليس هناك نوع من التدليل أو القسوة. ثانيًا عندما يعاقب الطفل وأبوه وأمه موافقين معاً عليه فهو يشعر أنهم هما الاثنين متفقين وأنه هو على خطأ فعلًا وسيتقبل العقاب. بعكس لو كان المفروض أن يعاقب وأحد الوالدين وقف للأخر مانعًا إياه من عقاب الطفل. فهنا الطفل سيشعر أنه مظلوم وأن الذي يدافع عنه هو حبيبه والأخر عدوه. الاختلاف في التربية والعقاب والصواب يجعل الأطفال مشوشين بطريقة دائمة. ولذلك عليكم أيها الآباء أن تتفقوا في هذه المسائل حتى يعرف الطفل الصواب من الخطأ. لأن لو أحدكم دلل الطفل والأخر عاقبه، لن يعرف الصواب من الخطأ بل سيعرف الهروب عندما يفعل الخطأ لمن كان يحميه دائمًا، وهذا ليس جيد في المستقبل.
الثقافة
الثقافة ستحميكم أنتما الاثنان من التعرض للاختلاف في التربية لأن الاطلاع على الكتب والمناهج التربوية، مقنع وفعال، وليس مجرد كلام على ورق. بل هو نتاج دراسات حدثت على شعوب أخرى ويمكن أن تطبق هذه الوسائل والتجارب هنا على أطفالك. وبما أنك أدرى واحد بأطفالك فالثقافة ستجعلك مدرك بأي منهج يمكن أن تتبعه مع هذا الطفل. فيوجد الطفل العنيد، ويوجد الطفل الهادئ جدًا، ويوجد الطفل العادي، وكل طفل وله أسلوبه في التربية والتعليم حتى تصلون به سويًا إلى بر الأمان. أيضًا الثقافة ستجعلكما متقاربان أنتما كآباء مع بعض لأنكم ستعرفون مسئولية كل فرد، ماذا يقدم الأب وماذا تقدم الأم. ما هي وظيفة كلاً منكم، فالأمر ليس عشوائي.
الصبر
الاختلاف في التربية جزء كبير منه يكون نتيجة لعدم الصبر. فيكون مثلًا الأب حاد المزاج جدًا ومن ثم يحدث خطأ من الطفل فتجد الأب بدأ في الصراخ في الطفل الصغير وترهيبه وعقابه. وفي المقابل الأم لا تمسح بكل هذا لطفلها لأن الأمهات أكثر حنية وطيبة، بل وأكثر صبرًا على الأطفال. ولذلك تجد الأم تتصدى للأب ويبدأ من هنا شجار بين الاثنين. ولذلك فكرة الصبر تعد أساسية في التربية لأنك يجب أن تعلم تمامًا أن الأطفال لا يفهمون ولا يدركون الأشياء مثلك، بل يفعلون كل شيء بتلقائية حتى الهرج والمرج يفعلونه بنوع من الدعابة والمتعة وليس غرضهم أبدًا مضايقتك. ولذلك عندما تربي طفلك يجب أن تكون صبوراً جداً معه ولا تتعجل في عقابه بل حذره مرة واثنين وتكلم معه واسمع منه. لأن هناك الكثير من الآباء لا يعلمون قيمة أن يسمعوا لأطفالهم.
الصبر في السمع
كي تبتعدوا كشركاء وأزواج عن الاختلاف في تربية الأطفال فيجب عليكم أنتما الاثنان أن تسمعون أطفالكم وما يحدث معهم. وذلك ليس لمجرد أن تسمح له بالتكلم، بل كي تفهم كيف يفكر طفلك ومن هنا تجدان أنتما الاثنان أنفسكما تتفقان على أشياء تخص أطفالكم لأنكم تعرفان كيف هم يفكرون. أيضًا حين تسمع أطفالك فهذا يجعل بينهم وبينك رابط، حيث أن الفتى لن يخبئ عليكم شيء. ومن هنا يجب عندما تسمعان أنه فعل شيء سيء فلا تصرخوا فيه في حينها بل تصبران حتى ينتهي من كلامه ومن ثم تبدئا في توعيته حسب تفكيره وطريقته. يجب أن تصبران جدًا مع أطفالكم وخصوصًا في سلبياتهم، لأنهم أطفال لا يعلمون ماذا تعني أصلًا كلمة سلبية. ولذلك واجب عليك كأب وأم أن تصبر في أن توعيه وتتناقش معه وتقنعه وتتحايل عليه. استخدام كل هذه الأشياء يستفز طاقة الإنسان الكبير ولذلك الأمر يحتاج لصبر كبير. لو لم تمتلكون الصبر فلن تتفقان كآباء، بل كلاً منكم سيتعامل بطريقته المتسرعة وينشأ الاختلاف في التربية ومن ثم الضحية يكون الطفل نفسه.
تقسيم الأعمال
جزء كبير من الاختلاف في التربية مبني على عدم تقسيم المهام التربوية، وخصوصًا في عالمنا العربي. حيث أن هناك الكثير من الآباء يعتقدون أن كل مهمتهم في وجود الأبناء هو جلبهم والإنفاق عليهم فقط، أما التربية فهي على الأم بمفردها. ولكن هذا في الحقيقة خاطئ جدًا لأن الأم وحدها لن تعطي كل ما يحتاجه الطفل في التربية، فشخصية الأب والتعامل الخشن والحاد أحيانًا مع الأب يدخل أشياء كثيرة داخل نفسية الطفل، حتى يكبر ويعتمد على نفسه. أيضًا الأم وحدها لن تستطيع السيطرة على أكثر من طفل، ومن هنا التربية لن تصبح متعة بل ستصبح عبئ عليها ولن تستطيع أن تفعلها بطريقة جيدة. ولذلك أحيان كثيرة نجد الأطفال يلعبون في الشارع مع بعضهم ومن ثم يتعلمون أشياء لا تليق بالتربية السليمة، وكل هذا لأن الأم تحتاج ساعات للطبخ ولا تقدر على ملاعبة الطفل وتسليته فترسله للشارع ليتسلى بعيدًا عنها. يمر الزمن فيكبر الطفل وتتحول تربية الطفل إلى الشارع وليس بين أبوه وأمه.
تدخل الأقارب من أكبر مشاكل الاختلاف في التربية
الاختلاف في التربية له مسببات كثيرة ولكن أوضحها هو تدخل الأقارب. حيث أن التربية يجب أن تكون ضمن إطار الأسرة فقط، بين الأب والأم ولكن لو تدخل أحد من الخارج فإنه حتماً لن يعرف طبيعة الطفل. ولن يعلم تفاصيل كثيرة عن طريقة حياة الأسرة سواء الظروف المادية أو غيرها من الخصوصيات للأسرة. ولذلك لو سمح أحد الزوجين بأن يتدخل أحد الأقارب في تربية أطفالهم، فهذه المشكلة ستؤدي إلى وجود اختلاف في التربية كبير بين الزوجين الأساسين. لأن أحدهم سيفاجئ بالذي يحدث مع الولد ويرفضه، والأخر لن يرفض ويماطل. ويتجه الجميع إلى مشكلة كبرى وهي عدم وجود استقرار في البيت، مما يجعل الطفل نفسه يفقد الثقة في الجميع، بما فيهم والديه. أيضًا النصائح التي تقدم من الآخرين لا تأخذها على أنها قوانين فالأولاد يختلفون من بيئة لبيئة ومن شخصية لشخصية. ولذلك لا تجعل نصائح الآخرين هي التي تدير عملية التربية لديك. بل دائمًا امسك أنت زمام الأسرة من خلال الثقافة والتجريب مع طفلك سبل جديدة في التربية هدفها السمو بشخصيته نحو الخير والحب والسلام.
الإهمال
هو آفة رديئة جدًا تجعل الأطفال والأسرة كلها تنهدم تدريجيًا. وهناك صور عديدة للإهمال التي تؤدي إلى الاختلاف في التربية بين الرجل والمرأة. حيث يكون لدى الرجل المجهود والطاقة والوقت للعب مع أطفاله، ولكنه في الأخير يتجه نحو أصدقائه ويترك زوجته وأطفاله بصورة يومية. مع مرور الوقت هذا الرجل سيكتشف عادات لدى أطفاله لم يعرفها من قبل وهذا ببساطة ربما يجعله يشعر بالضيق، في حين أن زوجته تعلم أن هذا الطفل يعاني من كذا فلا تتضايق وتتعامل مع الموضوع. وكمثال، هناك أطفال يكون لديهم مشاكل في السمع فتجدهم يتكلمون بصوت عالي، الأب المهمل سيتعامل مع هذا الطفل على أنه مسخ، في حين أن الأم ستقدر هذا جدًا وتتعامل معه بطريقة جيدة. ولذلك يحدث الشجار المبني على الاختلاف في التربية وطريقتها، فهو لا يتحمل أطفاله وهي لا تتحمل عدم تحمله لمسئولية أطفاله، ليصلوا هما الاثنان إلى إنهم يلعنون الأطفال. ولذلك عزيزي القارئ لا تهمل أبدًا بيتك ولا تربيتك لأطفالك حتى لا تضحي بأطفالك في الأخير.
أثر الاختلاف في التربية على الأبناء
هناك أثر كبير ينطبع عند الأولاد الصغار نتيجة اختلاف الأب والأم في التربية، لينتج أطفال مشوهين نفسياً أو لديهم الكثير من العقد. وهي الأشياء الأصعب أن تعالجها مع الزمن. ودعنا نقول لك أن هذه النتائج السلبية إثر الاختلاف الدائم بين الزوجين، تتطور فيما بعد لتصير أشياء مؤثرة جدًا في حياة أولادكم مع الزمن.
عدم احترام الوالدين
عندما يحدث اختلاف في التربية من الصغر يتجه الطفل إلى محبة أحد الوالدين أكثر من الثاني. لو كانت الأم هي التي تصرخ وتربي، فالطفل سيكره أمه لأنها على الدوام تعنفه، في حين أنه سيحب أبيه لكنه لن يحترمه، لأنه سيشعر أن والدته هي التي تتحكم فيه. ومع الوقت سيكبر الطفل وعندما يعارضه والده في فعل شيء فالولد سيتكلم بعدم احترام مع الاثنين لأنه يراهم من زمن مختلفين ولا يحترمون هم أنفسهم أراء بعضهم.
الكذب والنفاق
عندما يتعلم الطفل من صغره كيف يكذب مثلما يفعل أحد الوالدين على الأخر، فإن هذا سيتطور معه ويجعله هو نفسه يكذب عليهم. فإذا كانوا هما مختلفين ويكذبون على بعضهم في الأمور الخاصة بالتربية، فهو أيضًا سيرى أن الكذب شيء جيد وسيخلصه من مشاكل كثيرة منهم.
العناد
سيتطور أمر العناد جدًا مع الطفل لو شعر أن أحد الوالدين يقف معه ضد الأخر. بمعنى أن لو الأب قال للأم أمام الطفل لا تضربيه ولا تصرخي فيه، فإن الطفل سيشعر أنه في حماية أبيه وسيعاند أمه ولن يحترمها. ويفعل كل شيء سيء ومن ثم يقول في عقله أن أبيه أعطاه الحرية بأن يفعل ذلك.
بسبب سلبيات الاختلاف في التربية الكثيرة جداً، والتي تتأصل في نفسية الطفل، ننصحك عزيزي القارئ بأن تفكر بجدية مع شريك حياتك في هذا الأمر، وأعطوه وقتاً وصبراً ومجهوداً. التربية مثل بناء برج عالي، سيأخذ الوقت والمجهود، ولكنه استثمار مربح في أطفالك.
أضف تعليق