الإنسان المتحضر هو الشخص الذي يتعامل بأسلوب حضاري مناسب مع الآخرين. بدأ الخلق وظهر الإنسان البدائي قديمًا ومعه ظهرت مظاهر الحياة المجتمعية والإنسية البدائية، ومع مرور الزمن وتطور الإنسان بدأت الحياة من حوله تتطور على يده وبدأ هو نفسه بالتطور عقليًا وسلوكيًا وفكريًا واجتماعيًا وطال التطور كل ما مسه وما حوله من أشياء، واستمر التطور وسيستمر ما بقي الإنسان لأن التطور سنةٌ من سنن الحياة، لكن مع التطور والتقدم صار الإنسان القديم شخصًا مختلفًا عن الإنسان الحديث، فهو أكثر بدائيةً وبساطةً وربما جهلًا، فبدأت تظهر الألفاظ أو الألقاب التي تفرق بين الاثنين، ما بين الإنسان الراقي المتحضر والإنسان البدائي.
الإنسان المتحضر : دليلك لتكون متحضرًا
الإنسان البدائي
قبل أن نتطرق إلى الإنسان المتحضر المتطور والمتقدم فلنطرق أبواب الإنسان البدائي أو لنبحث عن ذلك الإنسان البدائي، يُطلق لفظ الإنسان البدائي على الإنسان القديم في بداية البشرية الذي عاش في الكهوف واقتات على الثمار وصيد الحيوانات وارتدى جلودها وأوراق الشجر، غالبًا تلك الصورة هي التي تأتي لخيالنا حين نفكر أو نسمع كلمة الإنسان البدائي، لكنها لم تقتصر على تلك الحقبة فحسب وإنما مقارنةً بعصرنا الحديث فأغلب سكان العصور السابقة كانوا ممن يطلق عليهم الإنسان المتحضر الحالي لفظ “الإنسان البدائي”، بل ربما سيكون من الأكثر تحديدًا أن نقول بأن الإنسان البدائي كلفظٍ لم يُطلق على القدماء فحسب وإنما في العصر الحالي وبعض العصور التي سبقتنا انقسم فيها المجتمع لطبقات، وكانت الطبقات العليا تعتبر نفسها الجديرة بلقب الإنسان المتحضر بينما تلقي لقب الإنسان البدائي على الطبقات الأقل منها شأنًا سواءً ماليًا أو اجتماعيًا، وربما عند البعض تعدت كلمة “إنسانٍ بدائي” من كونها وصفًا علميًا أو تاريخيًا إلى كلمةٍ قد تُستخدم للإهانة وتقليل الشأن وإظهار أن الآخر لا يرقى للتعامل مع المتحضر.
بداية الإنسان المتحضر
ننتقل نقلةً تاريخيةً للطبقة التي تعتبر نفسها أرفع شأنًا من الطبقات الدنيا أو طبقات الإنسان البدائي وهم أصحاب لقب “الإنسان المتحضر” مع التقدم والتطور الذي شهدته العصور المختلفة وزيادة درجة علم الإنسان ووعيه وإحاطته بما حوله وتسخيره لكل ما حوله لاستخدامه، وإنشاء المجتمعات وتوزيع الأعمال بدأ الإنسان المتحضر في الظهور، حاملًا معه علمًا أكثر عقلًا أكبر وعضلاتٍ أقل، ثم بدأت الأنظمة والقوانين المجتمعية في الظهور ومع مرور الوقت ظهرت أشياء مثل الأخلاق والآداب العامة والرقي والأناقة والاتيكيت والثقافة وسعة الاطلاع وبدأت في تكوين بعض القوانين أو الخطوط الحمراء التي تبقي الإنسان في دائرة تحضره ورقيه وتحول بينه وبين العودة للبدائية أو الهمجية أو الوحشية.
مميزات الإنسان المتحضر
وجد الإنسان المتحضر في نفسه مميزاتٍ ومؤهلاتٍ تعلي من شأنه بالنسبة لمن كانوا قبله لذلك حافظ عليها ودأب على تطويرها والالتزام بها وجعلها ملائمةً لأفكار العصر وتطوره، كذلك كان نابذًا وقاسيًا على كل من خرج من تلك الدائرة وحاد عن الطريق الذي رسمه المجتمع آنذاك للإنسان المتحضر، لكن الحقيقة أن ذلك لم يكن شيئًا سيئًا أو جانبًا متكبرًا ومغرورًا طغى على الإنسان، فتلك الأوقات وتلك المعايير كانت قادرةً مع الوقت على تهذيب سلوك الإنسان وتحسينه وإخراجه من دائرة الهمجية الحيوانية لدائرة الرقي الإنساني، تعلم الإنسان على يد التحضر استخدام العقل وإعماله وجعله السلاح الأول ومبعث فخره وقوته، ثم إنه حدد أساسيات وأساليب تعامل الناس مع بعضهم البعض داخل المجتمع وكانت قسوة تلك القوانين تكفل الحفاظ على الأخلاق الحميدة عبر الأجيال وتحث على اتباعها، والحقيقة أنه لولا الإنسان المتحضر في العصور القديمة لما وصلنا لإنسان اليوم.
الإنسان المتحضر اليوم
اليوم بدأت مقاييس الإنسان المتحضر في الاختلاف بعض الشيء لكن ليس اختلافًا كبيرًا وإنما مرجع ذلك الاختلاف هو التطور في العصر وأن على كل إنسانٍ متحضرٍ أن يواكب عصره ويكون بدرجة التحضر ذاتها التي يمتاز بها العصر، الآن أصبحنا في عصر التكنولوجيا والتقدم والإلكترونيات فقد يبدو أن نطلق على الشخص الذي يتناول الطعام بالملعقة شخصًا متحضرًا لمجرد استخدامه الملعقة أمرًا فرعيًا وغريبًا أيضًا لأنه ليس من مكونات تحضرنا الفعلي في حين كان ذلك من أساسيات أخلاقيات الإنسان المتحضر قديمًا، في حين أن استخدام الأجهزة الإلكترونية اليوم مثلًا أو الإلمام بأقل قدرٍ ممكنٍ من المعلومات عنها وعن كيفية استخدامها من أساسيات الإنسان المتحضر الحديث، فهل استطاع المتحضر القديم استخدام الهواتف الذكية؟ اختلاف عصور.
ويلسون والإنسان المتحضر
توماس ويلسون هو الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية، وكان من ضمن قائمة إنجازاته أنه قام بتحديد مجموعة من الشروط والقوانين التي أظنها ما زالت صالحةً ورئيسيةً فعليًا حتى لحظة كتابة هذه الكلمات لتعريف الإنسان المتحضر الحديث وكانت شروطه أربع شروط: أن يكون الإنسان ملمًا بتاريخ العالم منذ القدم حتى الحاضر، ومتفتحًا فكريًا وملمًا بالأفكار السائدة والمندثرة، وأن يكون عالمًا أو منفتحًا على أحد العلوم ومتقنًا له وأن يكون ذا لغةٍ وبلاغة.
تاريخ العالم
الأجدر بالإنسان المتحضر لكي يصل إلى درجته المنشودة من التحضر أن يكون ملمًا بتاريخ العالم والأمم والحضارات المختلفة، خاصةً الشهيرة أو الحضارات التي خُلدت في صدر التاريخ ومازال أثر تقدمها وعلومها موجودًا حتى الآن ومرجعًا هامًا للعلماء في كل المجالات، كما أن عليه أن يحيط بتاريخ بلده بشكلٍ خاص وكل ما قام على أرضها من حضارات وتتابع عليها من حكامٍ وملوك وشعوب والأحوال العلمية والتاريخية والحضارية والاقتصادية.
الانفتاح الفكري
لست أتخيل الشخص المتحضر شخصًا منغلق العقل جامد الرأي جاهل الخلفية ومنعدم الثقافة بما يتعلق بالجانب الفكري من المجتمع، فعليه أن يكون قابلًا لاستيعاب كل الأفكار ووجهات النظر ومهما اختلف في الرأي مع النظريات الأخرى فعليه أن يستمع ليها ويتفحصها بدون تعنت ولا إصرارٍ على رأيه، كذلك فعليه تتبع الأفكار والنظريات المختلفة من تاريخ صدورها وكيف وصل إليها الإنسان وتاريخ تطورها ومدى تطابقها مع الواقع من عدمه شأن الأفكار كشأن العلوم المختلفة تولد وتتطور وقد يثبت صحتها وقد يثبت مع الزمن أنها كانت خطأً تم تصحيحه.
الإلمام بالعلوم واللغات
الجهل والبدائية هما مضادان التحضر وعدوهما الأول فكيف يستقيم أن نجد الإنسان المتحضر بلا علمٍ ولا لغة، فمن أين يأتي التحضر عند ذلك؟ العلم هو أساس وجود البشرية وأساس وجود الإنسان والإلمام به قد يبدو اختيارًا لمن أراد أما من لم يرده تركه، لكني أجده فرضًا على الإنسان وواجبه نحو نفسه أن يسخر جزءًا غير يسيرٍ من حياته للعلم والمعرفة والإلمام بالعلوم المختلفة والتخصص في أحدها فبالعلم تقوم الأمم، كذلك اللغات فهي وسائل التواصل بين البشر وبين المجتمعات وبابٌ للانفتاح على الثقافات الأخرى وكسرٌ للحاجز بيننا وبين الآخرين ومدٌ لجسور التواصل وزيادة العلم والمعرفة.
مواكبة العصر
الإنسان المتحضر لن يحمل تراث الماضي فحسب ليلم به ويستفيد منه وإنما عليه أن يواكب حاضره وما يحدث فيه من تطوراتٍ ويتابعها ويتعلم كل جديدٍ فيها، لأن الإنسان لو ترك نفسه للخمول والكسل وتخاذل عن موكب التقدم سيستيقظ ذات يومٍ ليجد أن الركب قد سبقوه وما عاد يراهم فيصبح غريبًا في أرضه متأخرًا عن أهلها، كأنه إنسانٌ من الماضي وسقط بالخطأ في المستقبل!
أضف تعليق