بدأت عملية التوسع ونشأة الإمبراطورية البريطانية خارج أوروبا في عهد الملكة إليزابيث الأولى، فبدأت بريطانيا العظمى تتوسع عبر البحار حتى تمكنت من تحطيم الأرمادا الإسبانية الشهيرة وبذلك تفرض سيطرتها وهيمنتها على البحر، فصار الأسطول البريطاني منذ ذلك التاريخ هو الأقوى والأعظم في العالم، وقامت الحكومة البريطانية بإرسال رجالها للكشف والبحث عن أرضي جديدة حتى كان لها السبق في دخول العالم الجديد، فسيطرت على أغلب أراضي كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض من الأراضي الأمريكية الشمالية والجنوبية الأخرى، هذا بجانب توسعاتها وسيطرتها على الكثير من أراضي قارتي إفريقيا وآسيا، فقد كان لبريطانيا بمفردها أكثر من ثلث إفريقيا، في حين كانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وبلجيكا باقي الأراضي الإفريقية، فدولة بمفردها كانت تستحوذ على ما يساوي نصيب عدة دول مجتمعة معًا، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلًا فكما نعلم دوام الحال من المحال، ولذلك بدأت الإمبراطورية البريطانية في السقوط منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فكيف سقطت يا ترى ولماذا حدث هذا السقوط في وقت واحد، هذا ما سنتعرف عليه في سطور مقالنا هذا، لذا فلا تذهبوا بعيدًا.
استكشف هذه المقالة
الإمبراطورية البريطانية العظمى
تعد الإمبراطورية البريطانية هي الإمبراطورية الأعظم في التاريخ البشري حيث أنها قد احتلت ما يزيد عن خمسة وثمانين بالمائة من مساحة الكرة الأرضية، وهي لذلك قد حملت لقب الإمبراطورية التي لا تغطيها الشمس، تقريبًا بدأت الإمبراطورية البريطانية في الإفصاح عن نفسها أو بالأحرى تكوين مستعمرات خارجية في نهايات القرن السادس عشر أو مع بدايات السابع عشر، وهي بذلك تعد متأخرة في العملية الاستعمارية حيث أن هناك بعض الدول الاستعمارية التي بدأت قبيل هذا الوقت، على سبيل المثال المملكة الإسبانية والبرتغالية والهولندية، ولكن عندما دخلت بريطانيا إلى هذا المشروع الاستعماري تخطت الجميع وأصبحت الأقوى فيما بينهم.
وقد كانت الملكة إليزابيث هي التي أشعلت فتيل التوسع الخارجي حيث أعطت الأذن للقادة العسكريين بالتوسع بحريًا على حساب المملكة الإسبانية التي كان يحكمها حينها الملك فيليب الثاني، ثم بعدها أرسلت بحارتها لاستكشاف العالم الجديد وتأسيس مستعمرات به وخاصة في أمريكا الشمالية، وهنا أحس الإسبان بخطورة الموقف وضياع هيبتهم وقوتهم التي كانت معروفة في هذا الوقت، ولذلك قرر الملك فيليب الثاني شن حربًا على بريطانيا ولكن الوقت لم يسعفه للقيام بذلك، ففاجأه البريطانيون بضرباتهم البحرية وعلى الجانب الأخر الحصار الهولندي الذي ضرب على إسبانيا في تلك الفترة، ومع زوال قوة إسبانيا كان صعود قوة بريطانيا ولكنه صعود لا مثيل له.
دول الإمبراطورية البريطانية
هناك مقولة شائعة عن الإمبراطورية البريطانية وهي الإمبراطورية التي لا تغطيها الشمس، وهذا لكونها احتلت أغلب أراضي العالم فلا يكون في جميعها شمس ولا في جميعها قمر في وقت واحد، وتقول الإحصائيات التاريخية أن بريطاني العظمى قد وصلت نفوذها إلى مائتي دولة تقريبًا، وهذا ما يعني احتلالها لتسعين بالمائة من أرضي العالم، وبذلك تتبقى أثنين وعشرين دولة فقط لم يصل إليها ذلك النفوذ البريطاني، ويعد القرن التاسع عشر والقرن العشرين هما القرنين التي وصلت فيهما الإمبراطورية إلى أقصى اتساع لها، حتى قيل عنها الدولة التي لا تقهر وعن جيشها الجيش الذي لا يهزم، ومن ضمن الدول التي وصل النفوذ البريطاني إليها هي مصر والصومال وقبرص والسودان ونيجريا وأوغندا والنيجر وكينيا وجنوب إفريقيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ونيوزيلندا والهند وباكستان وفلسطين والعراق والأردن، وغيرها الكثير من الدول الأخرى التي وقعت تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية.
سقوط الإمبراطورية البريطانية
خرجت الإمبراطورية البريطانية من الحرب العالمية وهي منتصرة ولكن للأسف فقدت الكثير من جنودها في تلك المعركة، وخسرت الكثير من الأول ودمرت الكثير من الأشياء لديها، حتى صارت تعاني من قلة الأموال وهذا ما جعلها تستدين من الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من أربعة مليارات دولارات، بعدها وفور الانتهاء من انتخابات عام 1945 ببريطانيا وانتصار حزب العمال فيها، تحرك هذا الحزب الحاكم سريعًا من أجل إنهاء سيطرة الإمبراطورية البريطانية على أغلب المناطق الخارجية، وذلك لكون هذا الحزب رافضًا لفكرة الاستعمار مما جعله ينهي الاستعمار عن الهند ويمنحها استقلالها، وبعدها ببضعة أعوام قامت الحكومة البريطانية بإنهاء سيطرتها على أغلب الأقاليم الخارجية تباعًا.
فكانت فترة الستينات هي بداية سقوط الإمبراطورية فعلًا وقد استمر هذا السقوط حتى عام 1981، حينما استقلت جميع المستعمرات الإفريقية بشكل كامل وتام، وفي آسيا استقلت هونغ كونغ أخر مستعمرة بريطانيا في القارة عام 1997 وهو عام نهاية الإمبراطورية عالميًا وبشكل فعلي، وبذلك تنتهي أكبر إمبراطورية في العالم وينتهي عهد الاستعمار كاملًا لتصبح كل دولة حرة في تحديد مصيرها وحياتها بدون أي تدخل من دول أخرى.
الامبراطورية البريطانية في الهند
جميعنا سمع بمدى كبر وعظمة الإمبراطورية البريطانية في الهند وهذا بالطبع لم يأتي عبثًا بل كانت هناك خطة محكمة من قبل البريطانيون حتى يصلوا إلى كل هذا الحد، فقد بدأت أولًا بتأسيس شركة الهند الشرقية التي كان دورها المتاجرة مع جزر الهند الشرقية فقط، ولكن سرعان ما تغير الوضع وأصبحت التجارة قائمة مع الصين وشبه القارة الهندية بأكملها، وأيضًا تغير دورها بعض فترة ليخرج من طور التجارة إلى اللعب في السياسة الدولة والمحلية بالهند، حتى تمكن الإمبراطورية البريطانية من خلال تلك الشركة أن تحكم دولة الهند الكبيرة بأكملها، فكان جيش هذه الشركة يقوم بحروب خارجية فقط لصالح بريطانيا مثل حروب السنوات السبع، حيث أنضم الجيش مع البحرية الملكية في حربهم ضد بعض الدول العظمى في تلك الفترة، وأيضًا شارك الجيش في احتلال البنغال وسنغافورة وملقا وغيرها من المعارك الأخرى، ولا ننسى كذلك دور جيش شركة الهند الشرقية في حرب بريطانيا العظمى ضد الصين، والتي جرت بسبب التجارة وخاصة تجارة الأفيون المربحة جدًا خلال هذه السنوات القديمة.
ومع مرور الوقت ومجيء القرن التاسع عشر بدأت الحكومة البريطانية بالتدخل بشكل أكبر في عمل الشركة داخل الهند، فأصدرت بعض القوانين والتي لم تستمر طويلًا نظرًا للصراع الذي جرى بين الهنود وجيش الشركة، مما أسفر عن إيقاف الشركة نهائيًا من الهند وإحلال الحكومة البريطانية محلها، فكان قانون الثامن والخمسين من القرن التاسع عشر بمثابة السيطرة التامة على الهند بشكل مباشر من قبل بريطانيا، وقد تم تعيين حاكم عام بريطاني على الهند يحكم تحت مسمى الراج البريطاني الهندي، وأصبحت الملكة فيكتوريا البريطانية هي إمبراطورة الهند وصاحبة الكلمة العليا في البلاد، واستمر البريطانيون يحكمون الهند ويستخدمون شعبها كعناصر في الجيش لمحاربة بعض الدول المعادية لبريطانيا أو التي تسعى بريطانيا لاحتلالها، مثل الحرب العالمية الأولى الذي شارك فيها الهنود بعدد كبير جدًا، وأخيرًا انتهى الحكم البريطاني على الهند في عام 1947.
أضف تعليق