اعتكاف رمضان من السنن التي داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان بنية التقرب إلى الله عز وجل والانغماس بالكامل في العبادة والتقرب إلى الله بهدف الخلوة إلى النفس بحيث يبرأ الإنسان من كل ما كان يثقله بالخارج من التزامات وماديات وركض لاهث وراء الشهوات والملذات والغرق في الأمور الحياتية البحتة ونسيان واجبه تجاه الله عز وجل والتزامه بطاعته وبالابتعاد عن كل ما حرم الله، والتدبر في آياته وأحكامه، إن اعتكاف رمضان بمثابة حج يحجه الإنسان إلى الله الموجود في كل مكان، فإن كان الله تعالى قد فرض الحج من أجل التقرب إليه فإن النبي قد سن الاعتكاف من أجل التقرب إلى الله أيضًا الذي في كل مكان.
استكشف هذه المقالة
كيفية الاعتكاف؟
أجاز بعض العلماء اعتكاف رمضان بالمدة التي يشاء ولو حتى ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فقط بحيث يعتكف الإنسان ما استطاع وخصوصًا أنها سنة بالتالي ليس هناك مشكلة من أن يعتكف الوقت الذي يناسبه وفي النهاية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكن بالنسبة للاعتكاف نفسه فالثابت عن العلماء أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان وقد ورد عن النبي أنه خالف هذه العادة مرة واحدة واعتكف في عام وفاته -عليه الصلاة والسلام- عشرين يوما، بالتالي يجب أن يعتكف الإنسان من قبل غروب الشمس لليوم الحادي والعشرين من رمضان، بينما يجب عليه على الجانب الآخر عدم الخروج إلا في صباح العيد أي بعد الصلاة، لكن كما قلنا ليس هناك حرج إن كان هناك شخص ملتزم بعمل أو بوظيفة أو يعتمد عليه أهله في قضاء حوائجهم أن يعتكف قدر ما يستطيع خصوصًا وأن اعتكاف رمضان سنة وليس فرضا، بالتالي ساعة أو يوم أو ليلة كلها تصبح اعتكاف طالما الإنسان استحضر النية.
شروط الاعتكاف
اعتكاف رمضان والنوافل والتدبر والتأمل في آيات الله وفي تنزيله المحكم، ومن شروط الاعتكاف الاستيقاظ قبل الصلاة بفترة مناسبة من أجل أداء الصلوات والسنن والتعاون مع الزملاء المعتكفين والجود معهم ومساعدتهم والتشارك معهم في الطقوس الدينية والتكافلية، من شروط الاعتكاف أيضًا أن يكون في المسجد في نفس المكان الذي يصلى فيه صلاة الجماعة حتى لا يضطر الإنسان للخروج، مع التقليل من الطعام والشراب لأنه لا ينبغي على الإنسان أن يجلب معه الدنيا التي تركها بالخارج وتوجه شطر وجه الله عز وجل، بل يجب أن يأكل ما يقيم صلبه ويشرب ما يرويه فحسب، لكن لا يهمه المتع أو الملذات لأنه في النهاية أتى بنية التقرب إلى الله عز وجل.
اعتكاف رمضان كله
ليكون في علمنا جميعا أن اعتكاف رمضان سُنة وقد استمر الرسول في اعتكاف العشر الأواخر فحسب ولا ريب أن هناك حكمة وهي قضاء المصالح وعدم تعطيل حوائج الدنيا، وإعطاء كل ذي حقٍ حقه، فاعتكاف رمضان كله لن يمكننا من جلب احتياجات المنزل أو العمل والكدح من أجل تدبير النفقات وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم “لن يشاد أحد الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا” بمعنى أن الإنسان لن يحاول أن يزايد على نفسه في الفرائض والسنن الدينية محاولا الإلمام بها جميعا إلا غلبته بالتالي يجب على الإنسان الاحتفاظ بالتوازن، والمقاربة في أداء الفرائض والسنن على أكمل وجه وبالتالي يجب على الإنسان ألا يعتكف رمضان بأكمله خصوصا لو كان رب أسرة أو ملتزما بعمل أو بوظيفة أو بمهام يجب تأديتها، لأن الله عز وجل يقول “ولا تنسَ نصيبك من الدنيا” بالتالي من باب أولى أن يكون الإنسان لديه نقطة توازن بين هذا وذاك.
فضل اعتكاف رمضان
اعتكاف رمضان له فضل عظيم سواء كان بثواب الله عز وجل أو أثره على الإنسان نفسه حيث يخرج الإنسان من الاعتكاف وهو شاعر بنور الإيمان يملأه وبمحبة الرحمن تشمله وبالتقوى والورع في قلبه، إنه يخرج أكثر راحة نفسية وأكثر محبة وحلما وصبرا وأكثر هدوء لأنه انفصل عن كل ما كان يلهيه في الدنيا ويجعله يسير نحوه أو يركض خلفه ومع ذلك استطاع أن يتطهر من كل هذا ويستل نفسه من كل هذا الركض المتواصل خلف هذه الأشياء ويجعلها خلفه بعد أن كان هو خلفه ويركض نحو الله ويولي وجهه شطره، أليس هذا ما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة؟ وأليس الله سيجازيه أكبر الجزاء؟ ألم يقل أن ابن آدم لو تقرب له باعا يتقرب له ذراعا وإن أتاه سعيا أتاه الله هرولة؟ فأي فضل وأي فوز يريده ابن آدم بعد هذه الأمور؟ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إن في الجسد لمضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”، وأليس تصفية القلب من كل الأحقاد والشرور والضغائن بين يدي الله وفي بيته صلاح للجسد وصلاح للروح والوجدان؟ لذلك فضل اعتكاف رمضان فضل ديني، وفضل معنوي أيضًا، أي منافع في الدنيا والآخرة.
اعتكاف المرأة في رمضان
لم يثبت في الإسلام أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحريم اعتكاف المرأة في رمضان، بل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمر على اعتكاف رمضان من أول ما أتى إلى المدينة أي بعد فرض الصيام في العام الثاني للهجرة وحتى توفاه الله، وقد ثبت أن زوجاته اتبعت سنته واعتكفن بعده، بالتالي يجوز اعتكاف رمضان بالنسبة للمرأة، ولكن إن كان هذا سيضر بمسئولية بيتها وسيخل بواجباتها تجاه منزلها وأطفالها فإنه يحرم في هذه الحالة الاعتكاف لأنه ترتب عليه أذى ومن الأفضل أن تلتزم المرأة في بيتها في شهر رمضان، تماما مثل الرجل الذي يعتمد عليه أهله في تدبير النفقات والتكاليف والاعتكاف سيجعلهم يستشعرون الحاجة فإن بقاءه مع أهله أفضل من اعتكافه في هذه الحالة.
الاعتكاف في غير رمضان
لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف غير اعتكاف رمضان ولكن على أي حال الاعتكاف في أي وقت طالما لن يضر بالأبناء أو يحرم الأهل النفقات أو يجعلهم يسألون الناس بسبب ترك رب الأسرة للبيت والاعتكاف في المسجد، فإنه غير مستحب على الإطلاق في الإسلام ومكروه كراهة تقارب التحريم، لكن طالما كان الاعتكاف لفترة وجيزة فإنه يثاب على اعتكافه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأناس أتوه لكي يخبروه بأنهم عقدوا النية على الصيام دون الإفطار وقيام الليل دون كله دون النوم والإعراض عن الزواج من النساء حتى لا يشغلنهم عن ذكر الله والعبادة، فقال صلى الله عليه وسلم: “أما والله فإني لأخشاكم وأتقاكم لله، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” وكما هو واضح فإن الرسول ينهانا عن المبالغة في العبادة ونسيان نصيبنا من الدنيا.
اعتكاف رمضان من العادات التي داوم النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها وهي لها فوائد مادية وأخرى معنوية ولا بد أن الله يجازي عنها عباده المخلصين خير الجزاء، وعلينا معرفة أداب وشروط الاعتكاف حتى نحصل على الثواب بالكامل، ونستشعر خشوع الموقف في قلوبنا حتى ننال سعادة الدارين الدنيا والآخرة.
أضف تعليق