قبل أن نتحدث عن احتلال فلسطين من قبل اليهود علينا أن نتعرف على أحوال هذه الأراضي المقدسة بشيء من الإيجاز، فقد كانت فلسطين بطبيعة الحال تابعة للدولة العثمانية الكبيرة مثلها مثل أغلب دول العالم الإسلامي، وقد حاول اليهود الوصول إليها مرارًا وتكرارًا ولكنهم لم يقدرون على ذلك بسبب موقف العثمانيين المشرف من تلك المسألة، فقد رفض السلطان عبد الحميد الثاني أن يدخل اليهود إلى فلسطين رفضًا قاطعًا مادام على قيد الحياة، وبالرغم من ضعف الدولة العثمانية في تلك الآونة وبالرغم من ضغوطات الدول الأجنبية عليه، مثل بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية وحليفة العثمانيين ألمانيا، إلا أنه لم يستجيب لأي ضغط منهم ورفض دخول أي شخص يهودي إلى الأراضي المقدسة، ولكن الفاسدين كان لهم رأي أخر في تلك المسألة فقد سهلوا دخول بعض اليهود إلى فلسطين بطرق غير مشروعة، حتى جاءت الحرب العالمية الأولى وتم القضاء على الخلافة العثمانية بشكل تام، وبذلك تبدأ أولى تحركات اليهود الرسمية على مرئ ومسمع الجميع.
استكشف هذه المقالة
هجرة اليهود قبل وعد بلفور
يعتبر وعد بلفور هو الاعتراف الرسمي من قبل بريطانيا العظمى بإنشاء دولة إسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية، ولكن قبل هذا الوعد حدثت العديد من الهجرات اليهودية بصورة غير شرعية وأولى هذه الهجرات هي عليا ما قبل الصهيونية، وقد حدثت هذه الهجرة المتفرقة منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، ولكنها كانت قليلة العدد وغر مؤثرة وكانت هذه الهجرات نتيجة للاضطهاد الديني من قبل المسيحين في قارة أوروبا، بعد ذلك تأتي عليا الصهيونية وهي التي جرت في العام الثاني والثمانين من القرن التاسع عشر، بعد ذلك تأتي عليا الأولى والتي بدأت منذ عام 1882 وحتى 1903 أي أن فلسطين لا زالت تابعة للدولة العثمانية، وقد هاجر في هذه العليا حوالي خمسة وثلاثين ألف شخص يهودي.
ننتقل بعد ذلك إلى الهجرة الثانية والأخيرة قبل وعد بلفور وقد جرت فيما بين العام الرابع وحتى الرابع عشر من القرن العشرين، وقد هاجر في هذه المرة حوالي أربعين ألف شخص أغلبهم من أوروبا الشرقية وتحديدًا الاتحاد السوفيتي، وبالرغم من رفض السلطان عبد الحميد الثاني لهجرة اليهود رفضًا قاطعًا، إلا أن الرشاوي التي تلقاها الفاسدين في حكومات فلسطين مكنت اليهود من دخول البلاد بشكل غير شرعي، حتى جاء عام 1917 ودخل اليهود بشكل شرعي وبدون أي مقاومة أو اعتراض من أحد وبذلك بدأ احتلال فلسطين .
احتلال فلسطين عام 1917
بدأت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 وانتهت في عام 1918 وفيها تم القضاء على الإمبراطورية العثمانية بشكل كامل، وتم تقسيم أملاك الدولة بين الدول التي ربحت الحرب وكانت فلسطين من نصيب بريطانيا العظمى، ففي عام 1917 تم توقيع وعد بلفور وبموجبه اعترفت بريطانيا بأحقية اليهود في إنشاء وطن قومي خاص بهم فوق الأراضي الفلسطينية، وكان أول رئيس لدولة إسرائيل هو حاييم وايزمان، وفي هذه الفترة حدثت العليا الثالثة وفيها هاجر حوالي أربعين ألف شخص يهودي إلى فلسطين، واستمرت هذه العليا حتى عام 1923 وأغلب المهاجرين كانوا من روسيا وبولندا وألمانيا ورومانيا.
ولم يكن الحلم اليهودي فقط هو الدافع وراء هجرة هؤلاء اليهوديين إلى فلسطين ب كان هناك سبب أخر ألا هو الخوف من وجشة الأوروبيين تجاههم، فقد كان النظام الشيوعي في شرق أوروبا ضيق عليهم الخناق كثيرًا ويحاول دمجهم ف نفس المجتمع، ولكن اليهود أبوا مثل هذا الدمج وبقوا منعزلين حتى سنحت لهم الفرصة بعد وعد بلفور وتمكنوا من الفرار إلى الأراضي الفلسطينية، وكانت بريطانيا مع أمريكا يمهدون الطريق قدر المستطاع لتلك الهجرات فسهلت الأمور كثيرًا على اليهود، حتى نظمت العديد من الهجرات الجماعية وازدادت أعداد اليهود شيئًا فشيء حتى صاروا قوة لا بأس بها في المنطقة.
هجرة اليهود قبل عام 1948
بعدما انتهت العليا الثالثة التي تلت وعد بلفور مباشرة جاءت العليا الرابعة وهي أكبر عليا في تاريخ فلسطين حتى ذلك الوقت، وقد بدأت هذه العليا منذ عام 1924 وحتى عام 1929 وفيها هاجر أكثر من ثمانين ألف شخص يهودي من شتى بقاع الأرض، ثم جاءت بعد ذلك العليا الخامسة وهي التي تكونت من مائتين وخمسين ألف يهودي تقريبًا، وبذلك تكون تلك العليا هي الأكبر من نوعها وقد جرت فيما بين 1929 وحتى 1939، كل الهجرات الصهيونية التي حدثت كانت تحت رعاية الانتداب البريطاني وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الشعب المسلم في المنطقة لم يرضى بها بكل تأكيد، وبالتالي حدثت عدة ثورات وانتفاضات مسلحة حتى أصدرت بريطانيا قرارًا بالحد من تلك الهجرات الصهيونية، ولكن اليهود تمكنوا من القيام بعليا بت أي الهجرة غير الشرعية وقد تمت هذه الهجرة منذ عام 1933 وحتى عام 1948 أي وقت قيام الحرب، وفيها هاجر العديد من اليهود حتى أصبحوا جميعًا قرابة السبعمائة ألف شخص قبيل بدء الحرب.
احتلال فلسطين عام 1948
نأتي هنا للحديث عن أهم الأحداث التي جرت فوق الأراضي الفلسطينية وهي حرب النكبة عام 1948، وتعد هذه الحرب هي أهم أحداث احتلال فلسطين فبعد انتهاء الحرب أصبح لإسرائيل كيان حر يحسب له ألف حساب في المنطقة العربية، فقد بدأت المشكلة بإعلان بريطانيا في نهاية العام السابع والأربعين من القرن العشرين بأن الأراضي الفلسطينية لابد أن تقسم بين العرب واليهود، وهو ما عرف بقرار تقسيم فلسطين وجعل القدس منطقة مستقلة ومحايدة بين الطرفين، وقد أعطى القرار لليهود ستة وخمسين بالمائة من أراضي فلسطين وأعطى للعرب ثلاثة وأربعين بالمائة، أما الواحد بالمائة المتبقي فهو للقدس، وبموجب هذا القرار اشتعلت الحرب بين العرب واليهود ولكنها كانت بصورة مصغرة، فالعرب قد شكلوا جيش الإنقاذ وكان قائدهم هو السوري فوزي القاوقجي في حين أن اليهود كان على رأسهم منظمتي الشتيرن والأرجون.
ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب على فلسطين وبذلك يخلو الجوب للعرب والإسرائيليين فقط لتبدأ حرب النكبة، ففي الثاني عشر من أبريل عام 1948 قررت الجامعة العربية أن ترسل جيوشها إلى فلسطين، فقامت مصر بإرسال عشرة آلاف جندي، والأردن أرسلت أربعة آلاف وخمسمائة جندي، والعراق أرسلت ألفين ونصف جندي، وسوريا أرسلت قرابة الألفين، ولبنان قرابة الألف، والمملكة العربية السعودية أرسلت ثلاثة آلاف جندي تقريبًا، مع بعض الجنود الآخرين من الجيوش الغير نظامية مثل جيش الإنقاذ وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، بينما دخلت إسرائيل بجيش يبلغ عدده الخمسة وأربعين ألف جندي، وللأسف انتهت الحرب بانتصار الجيش الإسرائيلي على الجيش العربية، وبذلك تصبح فلسطين بأكملها تحت الاحتلال الإسرائيلي ما عدا غزة التي انضمت إلى مصر، والضفة الغربية التي انضمت إلى الأردن.
أضف تعليق