إنسان العصر الحجري هو ذلك الإنسان الذي تميز ببدائية شديدة في التفكير وفي السلوك وفي التقنية والأدوات وفي شتى ممارسات الحياة. لذلك، كان لزاما على الإنسان أن يمر بمرحلة طويلة جدا ليتمكن رويدا رويدا من إحراز التطور العقلي والتقني اللذان يؤهلانه للخروج من العصر الحجري إلى العصور اللاحقة عليه كالعصر النحاسي والعصر البرونزي وانتهاء بالعصر الحديث الذي نعيش فيه نحن.. عصر التكنولوجيا المتطورة ووسائل الاتصالات المهولة من أول العربة مرورا بالطائرة إلى الهواتف المحمولة التي تنقل صوتك وصورتك إلى أبعد مكان على سطح الكرة الأرضية بشكل لحظي. وها نحن معشر الإنسان الحديث تمكنا من رصد الكثير من حياة الإنسان القديم، إنسان العصر الحجري، من خلال الدراسات والأبحاث الأركيولوجية والأنثروبولوجية التي هيأت لنا رؤية أعمق عن جذورنا وعن تاريخنا القديم الذي انحدرنا منه؛ فقدمت لنا تصورا ذهنيا ذو دلالة عن ماهية الإنسان وإمكانياته وقدرته على التطور وبناء الحضارة وإبداع الفنون ونسج الثقافة بتنوعاتها المختلفة، وكذا الحال قدمت لنا صورة لآلية عمل كل ذلك. وفي هذا المقال سوف نسافر معا في رحلة زمنية نزور فيها إنسان العصر الحجري، ونرى سويا كيف كان يعيش، وما هي أدواته، وكيف كانت معتقداته الدينية وطقوسه.
إنسان العصر الحجري وكيف كان يتعايش مع البيئة من حوله ؟
لماذا سمي العصر الحجري بهذا الاسم؟
امتد العصر الحجري من حوالي 2 مليون سنة قبل الميلاد، إلى حوالي 6000 سنة قبل الميلاد في منطقة جنوب شرق آسيا وكذا الحال في منطقة الشرق الأوسط، أما في بقية أجزاء أفريقيا وآسيا وفي أوربا فقد انتهى العصر الحجري في الألف الرابع قبل الميلاد، وفي منطقة أمريكا الشمالية والجنوبية انتهى العصر الحجري حوالي سنة 2500 قبل الميلاد. وفي هذا العصر كان الإنسان يتخذ من الحجر الصوان معظم أدواته، وبعض من هذه الأدوات كان يصنع من العظم والطين ومواد بدائية أخرى. لكن طغيان الحجر على صناعة الأدوات لدى إنسان العصر الحجري هي ما جعلت العلماء يصطلحون على تسمية هذا العصر بالعصر الحجري.
نمط حياة إنسان العصر الحجري
كان الإنسان قديما وقبل أن يستأنس الحيوانات يعيش على الصيد وعلى الخضروات والفاكهة النيئة، وذلك قبل اكتشاف النار وتدجينها واستخدامها. فكان الإنسان آنئذ رحالا لا يستقر في مكان بعينه، وذلك بحثا عن الماء والغذاء. أما مأواه فكان الإنسان القديم يتخذ من الكهوف مسكنا، وكانت الأشياء التي تخيفه هي البرق والرعد والحيوانات المفترسة، فأما البرق والرعد فكان يقي نفسه شرهما من خلال عبادتهما كما عبد الكثير من ظواهر الطبيعة بغية جلب المنافع ودفع المضار، وأما الحيوانات المفترسة فكان يقوم بعبادتها أيضا اعتقادا منه أن ذلك سقيه شرورها، كما كان يضع على فوهات الكهوف أشواكا أو يشعل نيرانا لئلا يكون فريسة للحيوانات المفترسة أثناء نومه أو غفلته.
ديانات وطقوس إنسان العصر الحجري
للجانب الروحي أثر لا يُغفل في تقدم ورقي الإنسان، إذ أن اكتشاف الإنسان أن للطبيعة جانب آخر غير مادي وغير ظاهر لهو اكتشاف يكشف عن نضج عقلي كفيل بأن ينقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى أكثر رقيا في سلم الحضارة. بدأ الإنسان القديم ينحو نحو الفكر الديني نتيجة تساؤلاته حول الطبيعة الغامضة وظواهرها التي تدهشه أحيانا وتخيفه أحيانا أخرى. من هنا، بدأ الإنسان في تقديس ظواهر الطبيعة وعبادتها، ومن بين الظواهر التي كان إنسان العصر الحجري يولي لها اهتماما خاصا ويسرع في استرضائها لجلب منافعها ودفع مضارها هي البرق والمطر والرياح والنار والحيوانات المفترسة والحيوانات الأليفة والنجوم.. إلخ. وكانت تقام الطقوس السحرية القائمة على بعض التمائم والتعاويذ، كما كانت تقدم القرابين والدماء كنوع من التقرب والتعبد.
وكل ظاهرة من الظواهر سابقة الذكر اصطلح إنسان العصر الحجري على مسمى واحد يسبق هذه الظاهرة ليكون السبب في حدوثها، وهذا المسمى هو “الإله”. فكان الذي يحرك الرياح هو إله الرياح، والذي ينير البرق هو إله البرق، والذي يوقد النار هو إله النار..إلخ. ثم بعد ذلك تصاعدت وتيرة التساؤلات لتشمل كل هذه الظواهر وهذه الآلهة الكثيرة والسؤال عن إله أشمل وأعم قد خلق كل هذه الآلهة وخلق الكون وموجوداته، فكانت نتيجة ذلك أن صار الآلهة جميعا يجمعهم رابط، وهذا الرابط هو أنهم سليلي الإله الأكبر الخالق، ثم راحوا يضفون على هذه الآلهة صفات البشرية التي عهدوها في أنفسهم من غضب وشهوة وحقد..إلخ.
فكأن نشأة الدين لدى الإنسان القديم كانت استجابة لحاجة الفضول الذي امتاز بها العقل الإنساني عن سائر الكائنات نظرا لتعقيده البالغ، فكان الدين بمثابة الإجابات عن التساؤلات التي يطرحها الإنسان القديم. لكن ثمة ظاهرة أخرى كانت حَرِية أن يولي لها إنسان العصر الحجري اهتماما بالغا، وهي ظاهرة الموت.
الموت وطقوسه لدى إنسان العصر الحجري
يعد الاعتداد بظاهرة الموت لدى إنسان العصر الحجري وإيلاءه عناية خاصة به -من العلامات الدالة أيضا على رقي الإنسان درجة أخرى على سلم الحضارة، إذ لم يكتفِ الإنسان وقتها باكتشاف جانب آخر للطبيعة غير ذلك الجانب المرئي المحسوس، وإنما اكتشف جانبا آخر لذاته هو، استنتج أن في الإنسان جوهرا ساميا مفارقا للمادة (بغض النظر عن عدم قدرته على بلورة مثل هذه المصطلحات الحديثة نسبيا كجوهر مفارق أو روح أو ما إلى ذلك، وكذلك بغض النظر عن تهافت هذه النظرة أمام النظرة العلمية الحديثة للإنسان؛ فذلك كان يعد اكتشافا عظيما وقتها عمل على ترقي الإنسان في سلم الحضارة).
ومن علامات اعتداد إنسان العصر الحجري بظاهرة الموت وإيلاءه إياه عناية خاصة هو الدفن وطقوسه، إذ أن الدفن وإقامة مباني خاصة بالدفن لكل فرد يموت يعد ذلك تحقيقا لهوية الشخص الميت. إذ كان الإنسان القديم يعتقد في أن أرواح الموتى تتحكم بشكل ما في الأحياء الأقرباء، ولعل ذلك نشأ نتيجة ارتباط أو تزامن موت شخص ما مع حادثة طبيعية، ومع تكرار هذا التزامن الغير موجه ظنه الإنسان قديما أن هذا التزامن إنما هو موجه نحو غاية بعينها، وأن ثمة رابط سببي ما (موت فلان تسبب في حدوث الظاهرة الفلانية)، إذ أن من أهم ما امتاز به الإنسان القديم هو سرعة الربط السببي بين الظواهر المتتابعة أو المتانية. كل ذلك جعل الإنسان قديما يفكر في الموت وما بعد الموت، وأن هذه الحياة ليست إلا مرحلة نعيش فيها ثم نعبرها إلى مرحلة أخرى ربما نكون برحاب الآلهة نؤثر في الظواهر والأحداث كتأثير الآلهة في الظواهر والأحداث.
بناء المدافن إذن يحقق لأهل الميت معرفة فقيدهم، الأمر الذي من شأنه تسهيل تقديم القرابين عليهم بغية استرضائهم ليفعلوا ما في صالحهم، فكان يدفن مع الميت أدواته ومدخراته من أدوات الزينة والصيد إلى آخره، وهذا يدعم فكرة اعتقاد الإنسان قديما بحياة أخرى تستلزم هذه الأدوات.
الفن لدى إنسان العصر الحجري
ليس الفن وليد الحضارة الإنسانية، بل هو وليد البدائية الإنسانية، بل ربما كان الفن هو أداة التعبير الأعمق لدى إنسان العصر الحجري، فكانت تجتمع القبيلة بملابسها البدائية التي تستر الوسط إلى ما دون الركبة، وتدهن أجسادها بمواد بدائية، وتلتف حول النار لترقص رقصات طقوسية وربما موسمية وربما استمتاعية ليس إلا. وثمة نظرية تفيد بأن أصل الرقص هو التعبد والطقوس التي كان يتنسكها الإنسان القديم، وأن أصل فكرة الرقص ربما هو النار وتوهجها الذي يتراوح جيئة وذهابا مع الريح، فكان الرقص ترميز لفعل النار التي عبدها من أول ما عبد الإنسان القديم.
أضف تعليق