أن تتزوج لهو أمر جميل، أن ترزق بمولود هو أمر رائع، لكن إقناع الأطفال بشيء ما فهو أمر مزعج. فالتربية عمومًا هي الأصعب، مهما كانت الحياة التي يعيشها الإنسان مريحة، لأن التعامل مع طفلك ليس كما التعامل مع عملك أو التعامل مع سيارتك أو حتى التعامل مع شريك حياتك. فتربية الطفل تحتاج منك ألا تلغي شخصيته حتى يكون له كيانه الخاص وشخص يُعتمد عليه في المستقبل. وفي نفس الوقت يجب أن تلقنه دروس حياتية يحتاجها الكبير قبل الصغير. ولذلك إقناع الأطفال هو أمر صعب جدًا، لأن الطفل لا يعقل كل الأشياء ومنظوره ضعيف جدًا، واعتمادي بشكل كامل عليك، سواء كنت أبًا أو أمًا. في الأخير تقول له افعل هذا تجده لا يفعل، وأحيانًا أخرى تقول له افعل هذا تجده فعل عكسه متمردًا. ولو كان شخصًا كبير يفهم الحديث الناضج ربما حينها سيكون هناك فرصة للإقناع ولكنه طفل صغير لا يفهم الكثير من المبادئ الحياتية. فالطبيعة والمجتمع هما من يتحكمان في تصرفاته بصورة كبيرة وليست كلية، ولذلك مهمة إقناع الأطفال تحتاج إلى مجهود خرافي غالبًا.
دليل فن إقناع الأطفال بما تريده بسهولة
إقناع الأطفال بالنقاش
النقاش مع طفلك هو شيء محترم، ربما يكون مضحك كثيرًا أحيانًا بسبب تلقائية الأطفال في إلقاء الكلمات وطريقتهم التي يتعلمونها منكما أنتما الشريكين. ولكن المشكلة الكبرى التي يواجها الجميع هو نفاذ الصبر حيث أن الطفل، هو شخص بسيط جدًا ولا يميز شيء اسمه “الملل”. ولذلك نجد بعض الآباء لا يحبون النقاش مع الأطفال لأنهم يأخذون وقتًا في الاقتناع، مع إن الطفل وعلى المدى الطويل عندما تتناقش معه وتستخدم معه أسلوب الإقناع سيستفيد جدًا ولا سيما لو قدرت على إقناعه. لأنه حينها سيكتشف كيف يقنع هو الآخرين بنفس الطريقة التي أقنعته أنت بها، لأن الأطفال يتعلمون كل شيء من آبائهم وأمهاتهم، ولا ينسوها أبداً ما إذا اقتنعوا بها وتشبثوا بتلك الفكرة.
إقناع الأطفال بالتحفيز
هو نوع أخر من إقناع الأطفال عكس العقاب تمامًا، وهو أفضل من العقاب بكثير لو أثمر. حيث أنك فيه تتفق مع طفلك أنه لو لم يفعل هذه العادة السلبية لمدة معينة ستكافئه، وستعطيه حلوى كثيرة، وستسمح له بشرب الكولا، أو أنك ستجعله يشاهد الكارتون مدة طويلة جدًا. كل هذه الاتفاقيات تجعل الطفل يتعامل مع نفسه تلقائيا ويتحكم فيها لأجل أن يصل بغايته وهدفه. ومن هنا تكون فكرة التحفيز أفضل فكرة لإقناع الأطفال لأنها تبني شخصيتهم وليس فقط تقنعهم.
الطفل العنيد
ولكن هناك مشكلة مشهورة جدًا في إقناع الأطفال عن طريق النقاش وهي أن الطفل أحيانًا كثيرة يكون عنيد. ولذلك عندما تحاول إقناعه يحاول أن يتهرب أو يمزح أو يضحك ثم يجري منك. ولذلك في هذه الحالات يجب أن يكون النقاش معه بطريقة مهذبة وحادة بعض الشيء. ففي علم النفس التربوي ستجد معلومة شهيرة جدًا وهي أن في حالات الصدام مع الأطفال حاول أن تظهر دائمًا أنك المتحكم دون إهانة للطفل. ومن البداية جدًا عندما تتكلم مع طفلك بحزم ولا تضحك معه هو سيفهم أن هذا هو وقت الجد، ربما يكسر هذا في بعض الحالات ولكن مع تكرار التأكيد على حزمك في مواقفك سيستجيب الطفل مع الوقت. أهم شيء هو ألا تلجأ للتهديد والإهانة في عمليات حزم النقاش مع طفلك حتى لا يعاند أكثر، بل تكلم من منطلق أنه أمر مهم. حتى يفهم الطفل أنه هناك فرق في هذا الوجود بين بعض الأشياء، وأن هناك أشياء مهمة وأوقات مهمة وأشياء أخرى من الممكن أن يحدث بها مزاح.
العقاب في محاولة لإقناع الأطفال
العقاب هو المرحلة التي يصل إليها الآباء عندما يعجزون تمامًا عن القدرة على إقناع الطفل بالأشياء عن طريق النقاش. فتجد صبر الأب والأم بدأ ينفذ بسرعة كبيرة جدًا ليذهب مباشرة نحو العقاب. وأحيانًا أخرى يصير التهديد بالعقاب هو الهدف الأول. فتجد الأب أو الأم يقولون للطفل “لو لم تفعل كذا فسنفعل بك هذا الشيء”. وتبدأ مرحلة الإرهاب للطفل، ومن ثم يكتشف الطفل أن هذا التهديد ليس صعب وهذا العقاب لن يؤثر فيه على المدى الطويل. لدرجة أن هناك أطفال عندما تهددهم أمهاتهم، يخرجون لسانهم لها استهتارًا بها. ولذلك فكرة إقناع الطفل بجدية العقاب ليست سهلة على الإطلاق بل هذا يحتاج من الأب والأم فن ودراسة علم النفس التربوي، الذي يهدف إلى تعليم الآباء كيفية التعامل مع الأبناء من الصغر بطريقة مناسبة. ولذلك في الوقت القادم سنتكلم أكثر تفصيلاً عن باب العقاب.
لا تهدد بل حذر
لإقناع الأطفال بخطأ هم يفعلونه باستمرار والنقاش لا ينفع معهم، فعليك بالبدء بالتحذير فورًا. بينك وبين نفسك وبينه، تقول له أن هذا التحذير هو الأول ولا تريده أن يفعل هذا مرة أخرى. ولو فعل ذكره بالتحذير الأول وحذره مرة ثانية، وقل له أنك فعلت هذا الخطأ وتكلم معه وتناقش معه واسمعه. وغالبًا لو كان الطفل صغير سيقول لك حجج طفولية جدًا فلا تضحك ولا تستهزأ بل فقط تعامل معه على أن أفكاره خاطئة وحاول أن تقنعه. ولو فعل للمرة الثالثة ذكره بالتحذيرين الأولين ثم قل له أن المرة القادمة سيكون هناك عقاب ألا وهو “كذا” (يفضل في بداية التعامل بأسلوب العقاب أن يكون العقاب غير جسدي). وكأمثلة: من الممكن أن تجعله يجلس على مقعد اسمه مقعد الأولاد السيئين، أو يحرم من الحلوى لمدة يوم، أو لن يذهب إلى الفسحة الأسبوعية، أو لن يذهب إلى جدته، أو لن يستمع إلى الكرتون الذي يحبه. ولو قاوم قاومه أنت أكثر وأثبت أنك أقوى منه.
في علم النفس التربوي يوجد قانون معروف للأطفال وهو لا تدع الطفل يتحكم في مجريات الأمور التي تخص الصواب والخطأ. وقاومه حتى تثبت له أنك الأقوى وأن الخير والصواب أقوى من الخطأ. ولكن حاول دائمًا وأنت تقاوم طفلك العنيد، ألا تنزل لمستواه الطفولي. حاول أيضًا أن تزن الأمور جيدًا، أن تتعامل معه بحده وحذر وفي نفس الوقت لا تقسو عليه وتستعفي فتكسر نفسه. بل أن تثبت له أنك المتحكم، والموضوع لا يحتاج ذكاء قدر أنه يحتاج لصبر على الطفل.
نرجع إلى فكرة عدم التهديد واستخدام التحذير قبل العقاب، والسبب وراء تجنب التهديد هو أنك تستخدم الكبرياء والقمع مع طفلك، أما التحذير فأنت تقول له ببساطة أن اختياراتك ستجعلك تُعاقب. وأنت أعطيته فرصة والأخرى وهو لم يتعلم. ولذلك عندما يتم العقاب فالطفل يفهم ما يحدث له ومع مرور الوقت سيتعلم الطفل أنك عندما تحذره من شيء فأنت تقصد أنه فعله سيؤدي به إلى شيء سيء جدًا في الأخير.
تدرج العقاب وسيلة لإقناع الأطفال
عندما تفشل تمامًا في إقناع طفلك بما تريد، فأنت هنا من المفترض أن تصل إلى مرحلة العقاب ليس كانتقام منه، ولكن كتعليم له، فلا يجب أن تنسى هذا. لأن الكثير من الآباء يعاقبون أولادهم كنوع من فض الغضب والانتقام، وهذا في حد ذاته سيء لدرجة كبيرة جدًا. أما من ناحية أخرى عندما تعاقب الطفل يجب أن تبدأ بعقاب صغير جدًا حتى يفهم ما هو الخطأ من الصواب، ولا يجب أن تتجه فورًا إلى فكرة الضرب والتعنيف. وإن كان الضرب لابد منه في حالات قليلة جدًا وبطرق علمية جدًا سنتطرق لها، ولكن دائمًا حاول أن تكون متدرج وصبور جدًا في مسألة عقابك لطفلك ولكن حازم جدًا أيضًا. ولذلك حاول عندما تحذر طفلك أن تحدد له عقاب ليس مهين وليس قوي، وكن جاداً في تنفيذ هذا العقاب في كل مرة تصل معه إلى مرحلة العقاب. حتى يعلم أنك لا تمزح معه في حالات معينه تريده فيها أن يكون بشكل معين.
الحرمان أول وسيلة عقاب لإقناع الأطفال
هو المرحلة الأولى من العقاب لو فشلت في إقناع الأطفال بما تريد. وعندما تحرم الطفل فيجب عليك أن تبتعد عن الحرمان من الأساسيات. فمثلًا، لا يمكن أن تحرمه من الأكل، فالأكل هو حقه أولًا وأخيرًا، ولا يجب أن تحرمه من اللعب لمدة طويلة جدًا بل يكون لمدة وجيزة يشعر بها بالضيق فقط ومن ثم اتركه. ولا يجب أن تحرمه من الملابس، فالطفل يشعر بالإحراج أكثر من الكبير وخصوصًا عندما يدخل المدرسة ويرى أقرانه ويبدأ في مقارنة نفسه بهم. ولكن ما يمكن أن تحرمه منه، هو رفاهياته. مثل الحلوى، أو مشاهدة التلفاز، أو الخروج من المنزل، كلها رفاهيات، ستجعله يشعر بالضيق وعدم الحرية وهذا هو المطلوب أن يفهم أنك المتحكم. وفي نفس الوقت أن يفهم أنه هو من اختار أن يفعل ذلك الخطأ عندما حذرته أكثر من مرة. ومن هنا فأنت تبني شخصية طفلك، وتجعل تربيتك له صحيحة جدًا.
الإلزام ثاني وسائل إقناع الأطفال
وهي المرحلة التالية للحرمان حيث أن الطفل حر بطبعه، يحب أن يشعر بالحرية وأن لا أحد يقيده ولا يتحكم فيه. ولذلك عندما يلزمه أبواه بفعل شيء معين حتى وإن كان عقاب فهو سيضطر إلى تنفيذهم لأن الأب أو الأم هما اللذان يتحكمان في حياته. ربما يتأفف، ربما يقول كلمات لا يعي معناها، مثل أنا أكرهك، ولكن لا تجعل هذا يثنيك عن العقاب لأنه سيقولها لك في كل مرة تحاول أن تعاقبه. ولكن عندما يكبر سيفهم كل شيء وأنك كنت على صواب وسيدرك أنك كنت كبير وتحاول أن تصنع منه شخص جيد. ومن صور الإلزام هي أن يدخل حجرته ولا يخرج منها قبل 10 دقائق، أو أن تجعله ينام مبكرًا عن معاده المعتاد، أو أن تلزمه بأن يأخذ طبقه بعد الأكل ليضعه في المطبخ. كلها أشياء بسيطة ولكنك من خلال إلزامه سيشعر أنك متحكم في حياته، وهذا ربما سيكون كارثي له، لكنه سيعطيه نوعًا داخليًا من المعرفة أنك أبيه وهذا يعطيه أمان بنفس القدر من الكراهية.
الضرب
لو فشلت كل المحاولات في إقناع الأطفال فليس هناك مشكلة من ضربة بطريقة ذكية، وليس الانتقام منه بصورة بشعة. فمثلًا لا تضرب طفلك أبداً على وجهه أو مؤخرته، والمنطقة الأفضل لعقاب الضرب هي كف اليد. وهناك طريقة يستخدمها البعض وهي أنهم يصنعون عصاتين أحدهم زرقاء والأخرى حمراء، الزرقاء للأخطاء العادية والحمراء للأخطاء الشديد جدًا ومن هنا سيفهم ابنك قيمة ما فعله من لون العصا، وسيختزن هذا في عقله الباطن مع الوقت. أيضًا قبل أن تضربه على يده يجب أن تقول له أنه أخطأ في كذا وأنك حذرته، وإنه الآن يتحمل مسئولية خطأه وأنك واثق من أنه سيتعلم من بعد هذه المرة. كل هذه الأقوال ربما تكون غير مفهومة له حينها ولكنه سيدركها مع الوقت ويعلم الفرق بينك وبين باقي الآباء وذلك سيجعله ممتن لك في الكبر.
في الأخير، أحب أن أونه على أنك إنسان. صحيح أنت تفهم بشكل أكبر من طفلك، ولكنك قد تكون على خطأ. في بعض الأوقات، براءة الأطفال تتفوق في الإنسانية على عقل الكبار. لذلك اعطي مجالاً لابنك دوماً في تعلم الأخطاء بنفسه، طالما أن ذلك لن يؤدي به إلى مخاطر كبيرة. قبل أن تعلمه الخطأ من وجهة نظرك، عمله كيف يميز هذا الخطأ بنفسه. اصنع منه رجلاً ذو شخصية وعقلية قوية، لأنه في كل الأحوال سيفارقك يوماً، ولن تتواجد معه لتتحكم في قراراته وخطواته.
أضف تعليق