لقد خلق الله تعالى البشر مختلفين في الشكل واللون والطبع، وكان ذلك لحكمة، فالاختلاف يعني التنوع والتباين بين القوي والضعيف، بين الجميل والقبيح، بين الشريف والفاسد، ومن خلال الأضداد تتضح الأمور، ومع ذلك فالاختلاف ليس بالضرورة بين متضادين، ولكن ربما نختلف في رؤيتنا لأمر واحد، أو لقضية واحدة من زوايا مختلفة، فكيف يمكن إدارة هذا الاختلاف حتى يخرج الجميع رابحين، بحيث يستفيد العمل والمجتمع أيضا؟ خصوصا أن إدارة الاختلاف بشكل صحيح ليس بالأمر الهين، بل أنه يحتاج إلى الذكاء والحنكة والخبرة، بحيث يدار بشكل جيد، ويحقق الغرض منه، وسوف نتعرف في مقال اليوم على إدارة الاختلاف والتنوع، وكيفية إدارة الخلافات في العمل، وكيف يمكن استثمار الخلاف لتحقيق المزيد من الانطلاق والنجاح.
استكشف هذه المقالة
إدارة الاختلاف والتنوع
عندما نعيش في مجتمع مختلف في الجنس ودرجات الثقافة، والاهتمامات، فمن الطبيعي أن تظهر الخلافات، وحتى لا تتعمق هذه الخلافات، من الضروري البحث عن نقاط التلاقي واستبعاد نقاط الاختلاف، فليس هناك اختلاف كامل، كما أنه من المستحيل حدوث تطابق في كل شيء.
ومن الحكمة أن نستفيد من اختلاف المشارب والأذواق، والتوجهات في خلق مجتمع متنوع، فإن ذلك يزيد من ثرائه، لكن من المهم ألا يؤدي هذا الخلاف إلى التفسخ وفك الترابط بين فصائل المجتمع، وضرورة إعلاء مبدأ أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن تتم مناقشة نقاط الاختلاف في جو من المودة، واستبعاد الألفاظ الجارحة والمؤلمة، والبحث عن نقاط التلاقي والاتفاق وتعميقها، مع بذل الجهد للتخفيف من حدة الخلاف، بحيث ينتهي الموقف بالاتفاق على الأساسيات مع ترك التفاصيل التي توجد الخلاف لتذوب من تلقاء نفسها.
من المهم أيضا أن يحترم كل شخص توجهات الآخر دون مزايدة، ويجب أن يقتنع الجميع أن الاختلاف شيء طبيعي، وأن بإمكان الجميع العيش في سلام تحت مظلة وطن واحد متساوون في الحقوق والواجبات مهما اختلفت عقائدنا أو توجهاتنا السياسية، وليس من المنطق إرغام الآخر على توجه آخر أو عقيدة أخرى، بل على الكل أن يتقبل الكل رغم الاختلاف.
إدارة الخلافات في العمل
من أكثر المجالات التي تواجهنا فيها احتمالات الاختلاف هي مجالات العمل، ومن أجل احتواء هذا الخلاف دون الوصول إلى مرحلة الصدام علينا اتباع الآتي:
تحديد وقت لمناقشة المشاكل
من المفيد المبادرة بتحديد وقت لمناقشة المشاكل الخلافية العالقة بكل شفافية ووضوح دون تركها دون مناقشة فيتعمق الخلاف.
فن اختيار الكلمات المناسبة
من أجل إدارة الاختلاف بشكل ناجح، يفضل التركيز على العبارات والكلمات بحيث يبتعد الشخص عن استخدام الكلمات القاسية أو الجارحة، والتي تحمل في طياتها اتهام للطرف الآخر. لابد من السيطرة على النفس والانفعالات دون انفلات.
الاحتفاظ بالاحترام المتبادل بين الزملاء
من غير المناسب الخروج عن اللياقة، واستخدام عبارات السب والقذف في حق الزميل، ولابد من الاحتفاظ بالاحترام بين الزملاء مهما بلغ بينهم الاختلاف، فالاختلاف مصيره إلى زوال مع الاحتفاظ بمشاعر المودة تجاه الزميل، وألا يفقد احترامه تحت أي ظرف.
أن تكون مستمعا جيدا للرأي الآخر
يجب أن يتسع صدرك لسماع وبحيادية للرأي المخالف، وأن تكون مستعدا للاعتراف بأنه على صواب والتنازل عن رأيك بكل تواضع، فذلك من شأنه أن يزيد الاحترام بينكما، ويزيد من رصيد كل منكما عند الآخر.
كن مستعدا للتسامح
في حال اعترف الزميل بالخطأ وتراجع عنه، وقدم اعتذارا عما بدر منه، لا تغالي في الرفض، وتقبل اعتذاره بصدر رحب، فتلك من علامات قوة الشخصية والخلق الحسن.
الخروج من الاختلاف منتصرا دائما
يمكنك في كل الأحوال الخروج من المناقشة منتصرا ومحققا نتيجة ما، حتى وإن كان الظاهر ليس في صالحك، فليست كل الآراء سيئة، وكل موقف فيه جانب إيجابي تستطيع أن تستفيد منه شريطة أن تتغلب على غرورك وغطرستك.
كيف يتمكن المدير من إدارة الاختلاف في مؤسسته؟
على الإدارة الناجحة أن تبحث في أسباب حدوث الخلاف، فذلك بالتأكيد سوف يساهم في حل المشكلة، فقد يكون السبب عدم المساواة في توزيع أعباء العمل على الجميع، أو محاباة البعض على حساب البعض الآخر. أو عدم تقدير الظروف الشخصية التي يتعرض لها المستخدم.
من الضروري توضيح قوانين العمل داخل المؤسسة، بحيث يتعرف عليها الجميع بوضوح تام، وبالتالي لا يفاجأ أحد بتوقيع عقوبة عليه.
التدرج في توقيع العقاب، حيث يبدأ بالتنبيه، فإن لم يجد استجابة فيلجأ للتحذير العلني، وفي النهاية قد يتخذ إجراء أعنف حسب ما تقضي به قواعد العمل، لكن إن وجد استجابة في أي مرحلة من المراحل السابقة، سوف يكون من الجيد توجيه خطاب شكر له لتجاوبه مع التنبيه، لكن لا يجب أن يصاحب ذلك أي مكافأة مادية، وإلا اتخذها وسيلة لكسب المزيد من المال.
أصناف الناس عند الاختلاف
لقد قسم الباحثون في أمر الخلاف الاختلاف بين الناس لأنواع خمسة هي:
صنف سمك القرش
هذا الصنف من الناس يرى أنه دائما على صواب، وليس لديه أدنى استعداد للخسارة والتنازل عن رأيه، وهذا الصنف ظاهره مرفوض، ولكن قد يكون في حقيقته على حق إذا كان هذا العناد من أجل الحفاظ على مبدأ أو عقيدة راسخة لديه، فالمبادئ غير قابلة للمساومة.
صنف السلحفاة
هذا الصنف يعني اتخاذ القرار بإلحاق الخسارة بالجميع في حالة فقد كل أمل في الفوز، وهذا يعني أن المفاوض فقد كل أدواته، وقرر أنه إذا كان سيخسر فليخرج الجميع خاسرون، وقد يكون ذلك بإفشاء بعض الأسرار الخطيرة مثلا.
صنف الثعلب
وهو عندما تتساوى الكفتان في القدرات وأدوات التفاوض، يكون من الأنسب أن يحقق كل طرف بعض المكاسب، وفي هذه الحالة تقريبا لم يخسر أحد تماما، وأيضا لم يكسب مكسبا واضحا.
صنف الدب الوديع
غالبا ما يسيطر هذا النوع على الخلافات بين أفراد بينهم مودة وحميمية، بحيث يغلبون قوة المشاعر بينهم على الخلافات، ولا بأس إن تنازل أحدهم للآخر والأهم هو الإبقاء على روح المودة بينهم.
صنف البومة
هو أحد طرق إدارة الاختلاف المتميزة، والبومة ترمز هنا للحكمة، وهذا النوع يحقق الفوز للجميع، ولكن من الضروري أن يتميز صاحبه بالتريث والحكمة، وقد يستغرق الوصول إلى حلول ترضي الجميع بعض الوقت، ويستلزم أيضا التفكير في صلب الخلاف بعمق ومحاولة الوصول إلى حلول غير تقليدية، لكن في النهاية ينجح هذا الصنف في تحقيق الرضا لكل المختلفين، ويحقق بينهم السلام لفترات طويلة.
هكذا نكون قد تعرفنا على معنى الاختلاف، والحكمة من وجوده، وأنواعه المختلفة، وكيف يمكن احتواء الاختلاف سواء في الحياة العامة، أو داخل أروقة العمل، كما تعرفنا على تصنيف حديث للاختلاف بين الناس بحيث تتم المعالجة بأساليب متعددة، وأوضحنا البعد بين التآلف الكامل والعداء الكامل، وأننا في سبيل فك الاشتباك بين المختلفين قد لا نصل إلى وفاق كامل، لكننا سوف نتجنب الخسارة الكاملة، والمهم في النهاية الوصول إلى صيغة للتعايش السلمي بين الناس.
أضف تعليق