لا توجد مصيبة بعد مصيبة الموت، ولا يوجد ابتلاء أعظم منه يمكن أن يصيب أهل الميت ، فالموت هو الحدث الجلل الذي ندعو الله أن يرزقنا الصبر عليه، حتى نؤجر. نحزن جميعًا على فقد أحدهم، وندعو الله كثيرًا أن يرحمه، وأن يجعل مثواه الجنة، كما ندعو لـ أهل الميت أن يرزقهم الله الصبر على الابتلاء، ولكن لا يحزن على مصيبة الموت أكثر من أهل الميت , وفي هذا المقال سنتعرف معًا على كيفية مواساة أهل الميت .
استكشف هذه المقالة
الموت لغة
الموت هو نقيض الحياة، وفي لغة العرب أصل الموت السكون، فإن كل شيء سكن فقد مات، فمثلًا: يُقال ماتت النار: إذا خمدت، وماتت الرياح: أي سكنت، وهكذا، فالموت ما لا روح فيه.
الموت في الإسلام
هو أحد السنن الكونية في هذه الحياة، والتي تقتضي عدم بقاء أحد فيها، فلا يوجد شيء، أو كائن حي إلا ومصيره إلى زوال، فلا باقٍ إلا الله -عز وجل-، فالموت حقيقة حتمية لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها، والحياة ما هي إلا كعبور جسر إلى الدار الآخرة، التي هي دار الخلود. نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يرزقنا فسيح جناته، فنخلد فيها أبدًا. ومن المعروف أن الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء من الله -عز وجل-، ومن هذه الابتلاءات، مصيبة الموت بالنسبة لـ أهل الميت ، ولكني لا يمكنني القول بأن الموت ابتلاء من الله للميت نفسه، إلا إن كان عاصيًا لله، أو كافرًا به، فلا يكون ابتلاء أيضًا، لأن الابتلاء ينزل على العبد بغرض تكفير ذنوبه، أو اختباره في الحياة الدنيا، ولكن الموت يعني انتهاء مدة الاختبار، فلا يوجد وقت لعمل ينفع صاحبه، ولكني أرى الموت فرجًا عظيمًا لعباده الصالحين، أن يرزقهم الله راحة أبدية تكفيهم أوجاع الحياة وهمومها.
حقيقة الموت
لا يوجد خلاف حول ماهية الموت، فقد تم الإجماع على أن الموت هو مفارقة الروح للبدن، فعندما يحين موت المرء، يأمر الله -عز وجل- ملك الموت بإخراج الروح من المرء، وقبضها، بحيث لا يعمل أي عضو من أعضاء جسم الإنسان نهائيًا بعد هذا الخروج أو الانفصال، أما ما يحدث للروح بعد قبضها فهو من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، ولكننا نعلم أن الروح تنتقل من العالم الدنيوي، إلى عالم الغيب، وهذا لا يجب أن نتطرق في الحديث عنه كثيرًا. أما الموت علميًا فهو عدم قدرة الأعضاء المختلفة في جسم الإنسان على القيام بوظائفها المعروفة، مما يؤدي إلى سكونها، ووفاة الإنسان. مثل: توقف القلب، أو حركة التنفس، بحيث تتعطل وظائف الدماغ، وباقي وظائف الجسم.
الموت الأصغر، والموت الأكبر
إن الموت الأصغر هو النوم، حيث يقبض الله -عز وجل- أرواح عباده أثناء النوم، فمن شاء أن يمسك روحه أمسكها، ومن شاء أن يردها ردها، ولهذا فإن النوم عند العلماء هو الوفاة الصغرى. ويوضح ذلك ما نقوله في أذكار ما قبل النوم حين ندعو الله أن يحفظ أرواحنا عندما يمسكها حفظًا كحفظه لعباده الصالحين، وأن يرحمها عندما يرسلها إليه. آمين.
أهل الميت
إن أهل الميت لا يحتاجون للتعريف، فقد يكونون أمه، أباه، زوجته، أخوته، أولاده، وغيرهم ممن يهتمون لأمره، كما أن المواساة لا تكون لـ أهل الميت فقط، فهناك بعض الأصدقاء يكونون بمثابة الأهل وأكثر، فهم يحتاجون للمواساة أيضًا.
الفرق بين البلاء والابتلاء في اللغة
إن الحديث عن مصيبة أهل الميت، تجعلنا نتطرق إلى الحديث عن هذا الأمر، هل هو بلاء أو ابتلاء؟ وما الفرق بين معنى الكلمتين في الأصل؟. نعلم جميعًا أن الدنيا دار اختبار، وأن الراحة التي نرجوها من الله -سبحانه وتعالى- هي في الجنة، التي فيما ما لم تره عين من قبل، ولم تسمع به الآذان، وما لم يخطر على قلب بشري من قبل، وأن أعمالنا التي نقوم بها في الدنيا، هي مقياس دخولنا الجنة، ومن تلك الأعمال الصبر على البلاء أو الابتلاء، والذين من بينها صبر أهل الميت على مصيبة الفقد، فالبلاء والابتلاء ربما يراهما البعض واحدًا، إلا أن المعنى اللغوي يختلف لكل من الكلمتين، فمثلًا: كلمة البلاء في اللغة مأخوذة من الفعل بلا، والبلاء من المصائب والمحن، وهو الغم والحزن، أو التعب والجهد الشديد والإعياء، وهو من الفناء أيضًا في بعض المواضع، بينما مصطلح الابتلاء فهو من الفعل ابتلى أي اختبر، فالابتلاء وهو الاختبار، ومُبتلى، أي مُختبر. وعلى هذا فإنه وفي رأيي فإن البلاء والابتلاء فهما مصطلحان متلازمان، فالبلاء هو اسم للمصيبة نفسها التي تقع على الإنسان، ويكون الإنسان في هذا الوضع في حالة اختبار أو ابتلاء من الله -عز وجل- إن شاء صبر، وإن شاء لم يصبر. وفي الفرق بين البلاء والابتلاء الكثير من الآراء.
مواساة أهل الميت
إن الإسلام يحث المسلمين دائمًا على الاتحاد والتعاون، فكما نعلم جميعًا أن الفرد لن يستطيع أن يواجه الابتلاءات والمصاعب والفتن في الدنيا وحيدًا، لذا فقد ركز الإسلام على العلاقات الاجتماعية بين الناس، فمثلًا علاقة الأبناء بآبائهم، وعلاقتهم بالأهل عن طريق صلة الرحم، علاقة الجار بجاره، زيارة المرضى، الصدقة، الزكاة، المواساة في الأحزان، مثل مواساة أهل الميت ، والمشاركة في الأفراح، وغيرها الكثير جدًا من الأمور التي لا تهدف إلا لتقوية العلاقات الإنسانية بين الناس، ومراعاة الغير، ومساعدتهم، وتعتبر مواساة أهل الميت صورة من صور الوحدة التي يحثنا عليها الإسلام، فالمؤازرة في الحزن أمر ضروري أكثر من غيرها من الأمور التي تقتضي المشاركة، مثل الفرح أو غيرها من المناسبات، فلا توجد مصيبة أعظم من مصيبة الموت حتى تجعل الجميع يجتمعون لمواساة بعضهم، مهما حدث بينهم من خلافاتٍ في يوم من الأيام.
طرق مواساة أهل الميت
هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها من مواساة أهل الميت، ولكن تختلف إذا ما كنت رجلًا أو امرأة، وأيضًا تختلف حسب درجة القرب من أهل الميت ، أو الميت نفسه، أو البعد عنهم. فمثلًا إذا كنت رجلًا مقربًا جدًا من أسرة أهل الميت ، أو الميت نفسه، فيجب عليك أن تكون حاضرًا منذ اللحظات الأولى، أن ترى احتياجات الأسرة، أن تساندهم بالكلمات، أن تساعدهم في تحضيرات العزاء، أو ما يحتاجون إليه من أمور دفن الميت، أن تذهب معهم إلى المقابر، وغيرها من الأمور التي لا يفعلها سوى المقربين، وإن كان في القدرة المساعدة المادية، فلا بأس، إن احتاجت أسرة الميت المال بالطبع، أما بالنسبة للمرأة إن كانت مقربة من الميت، أو من أهله، فما تفعله لا يختلف كثيرًا عن دور الرجل، فهي تبقى مع أهله من النساء، أن ترى ما يحتاجون إليه، أن تواسيهم بالعبارات، تساعدهم في تحضير الطعام، وغيره، أو أي شيء يحتاجون إليه، كما أن المواساة تكون أيضًا عن طريق ذكر محاسن الميت، تهدئة أهل الميت ، الدعاء لهم، وتثبيتهم، الحديث عن الموت بطريقة دينية، وتذكيرهم أن الموت حقيقة، وكلنا ذاهبون إليه عاجلًا أو آجلًا.
أمور يجب مراعاتها
هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند مواساة أهل الميت ، فمثلًا هناك بعض الأمور التي تحدث من قبيل المجاملات مثل: الصراخ أو النواح أو ما إلى ذلك من تلك الأمور التي نعرفها جميعًا، والتي نعلم أنها لا تؤذي أكثر من أهل الميت ، فهذا الأمر قد يتسبب في انهيار أحدهم، أو زيادة بكائه، فإن كنت قادمًا إليهم فعليك أن تواسيهم، لا أن ترهقهم بأمر مواساتك مثلًا، كما أني أرى أنه إن لم تكن قريبًا من أهل الميت ، أو من الميت، فليس لك أن تطيل الجلوس عند أهل الميت، ألا ترهقهم بعمل طعامٍ أو شراب لك، أن تترك لهم على الأقل فرصة حتى يأكلوا أو يشربوا، برأيي إن من حق القريب جدًا من أهل الميت فقط أن يمكث معهم ليواسيهم، فإن لم تكن بالقرابة الكافية من أهل الميت، فلا تطل البقاء، حتى تفسح مكانًا لغيرك أيضًا بتقديم واجب العزاء، فقد يزدحم المكان بالناس، مما قد يسبب الضيق لـ أهل الميت . من الجيد أنك إن كنت تستطيع تقديم الطعام جاهزًا لأهل الميت فافعل ذلك، فكما تعلم فإن هذا الوقت من الصعب القيام فيه بأي شيء وإن كان الطعام. كما أنه يجب الابتعاد قدر الإمكان عن الحديث في الأمور الحياة المادية أو الاجتماعية. الانشغال بقراءة القرآن الكريم، والدعاء للميت ولأهله.
دعاء تصبير أهل الميت
هناك الكثير من الأدعية المعروفة التي تقال من أجل تصبير أهل الميت، وتشمل تلك الأدعية الدعاء للميت، والدعاء لأهله، فندعو للميت أن يرحمه الله، أن يغفر له، وأن يسكنه فسيح جناته، أو أن يجعل مثواه الجنة، أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، أن ينير له قبره، أن يؤنس وحشته، أن يتجاوز عن سيئاته، أن يرحمه من عذاب القبر. وأيضًا الدعاء لأهله بالصبر، والسكينة. وهناك الكثير من الأدعية المأثورة المعروفة في هذا المقام. وإن أعظم ما يمكن أن يقال هو إنا جميعًا لله، وإنا له لراجعون، فهي عبارة مليئة بالتسليم والرضا لقضاء الله، وأن الموت ما هو إلى نهاية مطاف كل شيء.
دعاء أهل الميت لأنفسهم
هناك هذا الدعاء الذي يدعو فيه من أصابته مصيبة وهي أن يدعو لنفسه بالصبر والثبات، وأن يدعو الله أن يخلفه خيرًا مما فقد، وأن يجبر كسر قلبه، ويرضيه، ومن المهم أن يقوم أحدهم بتذكير أهل الميت بهذا الدعاء، وتذكيرهم بأهمية قراءة القرآن، والدعاء للميت، والصبر والثبات.
إن الموت من الحقائق التي لا خلاف عليها في هذه الحياة، فنحن لا نملك لأنفسنا إلا مجاهدتها، ومزاحمة سيئاتنا بالكثير من الطاعات، والصبر على الابتلاءات -التي هي واحدة من صفات الدنيا-، وفعل الخيرات، ومحاولة الالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها، حتى نكون جاهزين إن جاء هذا اليوم الذي نذهب فيه إلى الله -عز وجل- فتقوم أعمالنا بتثبيتنا عند السؤال. إن البلاء الذي يكون فيه أهل الميت من أعظم الابتلاءات التي قد تمر بأحدهم، لذا فإن مواساتهم أمرٌ لازم. غفر الله لنا ولكم، ورحم أمواتنا وأموات المسلمين. آمين.
أضف تعليق