طبعًا لا خلاف عزيزي القارئ على كون أفلام شريف عرفة ، التي ظهرت نهاية القرن الماضي ولا تزال ممتدة حتى الآن، أكبر دليل على أن المخرج هو من يكون بمقدوره تحديد ماهية العمل كعنصر رئيس، إذ أنه المسئول عن خروج المسلسل بشكل مميز أو خروجه بشكل سيء ومُحرج، في النهاية المُخرج هو الرسام الذي يقوم برسم لوحة العمل مهما كان شكلها، وقد خاض شريف عرفة رحلة الرسم الخاصة به من خلال إخراج عدد كبير من الأفلام المميزة المُختلفة من حيث الشكل والمضمون، وربما تلك الأفلام المتتالية التي شارك بها رفقة الزعيم عادل إمام والكاتب وحيد حامد أكبر دليل على كون شريف عرفة قد بدأ مسيرته بالنجاح ولم يأخذ وقتًا حتى يصل إليه، لكن الآن، ونحن نتحدث سويًا عن طريق هذا الرجل، لا يزال هناك سؤال يطفو فوق ما فعله ويُطرح باستمرار من قِبل متتبعين السينما، هذا السؤال يدور حول كيفية نجاح أفلام شريف عرفة في تكوين حالة خاصة في السينما المصرية؟ والإجابة تأتيكم في السطور القليلة المُقبلة.
كيف كونت أفلام شريف عرفة حالة خاصة؟
من الطبيعي تمامًا أن تنجح أفلام مُخرج ما وتفشل أفلام مُخرج آخر، في النهاية النجاح والفشل أمر نسبي ويتحدد وفق عوامل كثيرة، لكن عندما تأتي مجموعة من الأفلام لمخرج من المخرجين وتُسهم في تكوين حالة خاصة ومُختلفة فالأمر بالتأكيد يستحق التوقف عنده والبحث خلفه، على العموم، فعل شريف عرفة ذلك من خلال عدة طرق أهمها الدخول لمناطق جديدة.
الولوج لمناطق سينمائية جديدة في أفلام شريف عرفة
قبل أن يدخل شريف عرفة في عالم السينما المصرية وينغمس فيها حتى يُصبح جزء أصيل منها كانت أغلب أفلام السينما تدور في فلك مُحدد، كان بمقدورك التعرف على ما سيقوم عليه الفيلم إن كان كوميدي أو حركة أو إثارة وغموض، لكن كل ذلك قد تغير تمامًا مع ظهور أفلام هذا الرجل حيث أنه قد ساعد في خلق مناطق سينمائية جديدة تجعل فيلم كوميدي مثل الإرهاب والكباب فيلم دراما سياسي بامتياز وتجعل فيلم مثل الكنز، وهو فيلم عن قصة حب، يخرج في صورة الفيلم التاريخي الذي يُشرح المجتمعات، وهكذا في الكثير من الأفلام التي أخرجها وبدا جليًا أنها تدخل أماكن جديدة ومُختلفة عن التي اعتادت عليها السينما المصرية، ولهذا أفلام هذا الرجل حالة خاصة كما ذكرنا.
المغامرة السياسية السينمائية رفقة الزعيم
السمة السائدة في المخرجين أو العاملين بصناعة السينما بشكل عام أن يتم المشي بجوار الحائط، وهو مُصطلح يُقصد به البعد تمامًا عن المشاكل السياسية والأحداث ذات هذا البعد، لكن هذا هو نقيض تمامًا ما حدث من قِبل أفلام شريف عرفة التي خاضت المغامرة السياسية السينمائية رفقة الزعيم عادل إمام والمؤلف وحيد حامد في فترة التسعينات، إذ أنه في هذه الفترة كانت أغلب الأفلام تتحدث عن الإرهاب والسياسة وتتخطى الخطوط الحمراء، صحيح أن مخرجين سابقين قد استخدموا أسلوب الإيحاء في أفلامهم لكن السياسة في أفلام شريف عرفة كان مُصرح بها وواضحة وضوح الشمس، على العموم، بعد نجاح تلك السلسلة الهامة من الأفلام السياسية بدأت موجة الأفلام الممزوجة بالسياسة في الظهور، وهو ما يُحسب لعرفة.
تقديم أفلام الحركة بقالب مُختلف
إذا ما سألت أي مُتابع للسينما المصرية عن أهم أفلام الحركة في تاريخ هذه الصناعة فسوف يُخبرك بكل بساطة أن فيلم الجزيرة كان نقلة حقيقية في هذا المجال، فقبل الجزيرة كانت أفلام الحركة أقرب للكوميديا بسبب حالة عدم الإتقان التي كانت متواجدة في صناعة هذا اللون، لكن على يد شريف عرفة تغير ذلك تمامًا وبدأت الأفلام المعتمدة على الحركة تأخذ مكانًا آخر مُختلف، باتت حقيقية وتُحاكي الأفلام العالمية الشهيرة، وربما هذا أمر يُمكن التدليل عليه بأحد أهم الأفلام في هذا المجال كما ذكرنا، وهو فيلم الجزيرة، لكن أيضًا يُنسب لعرفة فيلم الممر الذي سيصدر في صيف 2019، وهو فيلم حربي يعتمد على الحركة أيضًا ويُقال إنه الأضخم من حيث الإنتاج وفيه الكثير من مشاهد الحركة المميزة.
التنوع في المادة السينمائية المُقدمة
على مدار تاريخ المخرجين يُمكنك أن تُلاحظ وجود لون مُوحد للسينما التي يُقدمونها، فمن الممكن أن يتم التركيز مع أفلام الحركة أو الكوميديا أو الدراما، لكن أفلام شريف عرفة جاءت لتضرب المثال الحقيقي في التنوع، إذ أنه يُمكنك بسهولة مُلاحظة فكرة التنوع الموجودة في هذه الأفلام، فهي مُختلفة باختلاف مرحلتها وكأن عرفة يُرسخ للأفلام من خلال مراحل زمنية، فمثلًا هناك فترة يلتزم فيها بالأفلام السياسية وفترة يلتزم فيها بأفلام الحركة وفترة بأفلام الكوميديا، حتى الأفلام التاريخية كانت موجودة كذلك من خلال فيلم الكنز الصادر في 2017، وهذا يعني أن الرجل لم يغفل أي فئة من فئات الأفلام وقدم التنوع في قالب مثالي له، بل وهناك فيلم حربي قادم له في يونيو 2019 كما ذكرنا من قبل.
عمل كِبار النجوم والمُبدعين في أفلام شريف عرفة
بعض النجوم يعيشون ويموتون وهم يعملون مع نجم واحد أو حتى مجموعة من الأبطال بينهم نجم أو نجمين، بمعنى أن مسيرتهم لا تكون مُضيئة طوال الوقت ومن الممكن أن تكون هناك أفلام من بطولة نجوم الصف الثاني أو الذين لا يتمتعون بشعبية كبيرة إن جاز التعبير، لكن هذا لم يكن موجودًا مع شريف عرفة الذي عمل خلال مسيرته الفنية مع كبار النجوم وليس هناك أي فيلم له يخلو من نجم أول في زمانه، وهذا ما يأخذنا إلى فكرة كون نجوم كل زمن يُفضلون التمثيل تحت يد شريف عرفة وتحت رايته، فبخلاف عادل إمام وأحمد زكي اللذين يُعتبران أعظم النجوم في تاريخ مصر فقد عمل عرفة مع محمد سعد ومحمد رمضان وأحمد السقا، أيضًا عمل مع أهم المؤلفين وعلى رأسهم وحيد حامد، ولمن لا يعرف فإن أهم ثنائية في تاريخ السينما هي ثنائية شريف عرفة ووحيد حامد التي أفرزت روائع حقيقية لا تزال خالدة حتى وقتنا الحالي.
المشاركة في كتابة بعض الأفلام
ما يُميز أفلام شريف عرفة ويجعلها تُصنف كنقلة هامة بالنسبة له على وجه التحديد وتضعه في منزلة مختلفة أن تلك الأفلام منها ما شهد مشاركة شريف عرفة بها من خلال عملية الكتابة، بمعنى أنه في أفلام كثيرة كان صاحب القصة أو الفكرة أو ربما كتب السيناريو والحوار، وربما هذه الفكرة موجودة بشكل واضح في أحدث أفلامه الممر، والذي من المنتظر صدوره في يونيو 2019، فهو من إخراج وتأليف شريف عرفة، كذلك أغلب الأفلام التي لا يُشارك فيها بهذا الشكل يكون له بعض التعديلات على السيناريو، وهذا طبعًا ليس تدخلًا بقدر ما هو اهتمام شديد بالعمل الذي يقوم به، فهو يُريد أن يخرج فيلم بأبهى صورة ممكنة، ولهذا يُشرف على أدق تفاصيله.
أهم أفلام شريف عرفة
الآن عزيزي القارئ بعد أن بتنا نعرف تقريبًا أسباب تميز أفلام شريف عرفة وتمكنها من صنع حالة خاصة في السينما المصرية فإن الأمر التالي المنطقي سوف يكون مُتعلق بالحصول على بعض النماذج التي يُمكنها إيضاح هذا الأمر، بمعنى أدق، التعرض لهذه الأفلام، وأهمها بكل تأكيد فيلم طيور الظلام.
طيور الظلام 1995
استمرارًا لسلسلة أفلام الزعيم التي جاءت من أجل محاربة الإرهاب ظهر فيلم طيور الظلام وفرض نفسه كأحد الأفلام القوية المميزة وكان كذلك من تأليف شريك النجاح في هذه المرحلة الكاتب وحيد حامد ومعهم كذلك النجم عادل إمام، فقد كان هذا الثلاثي يُدمر أي شيء في طريقه عند العمل في فريق واحد، على العموم، الفيلم كان يدور في عالم المُحاماة وكان يقوم بالكثير من الإسقاطات على الكثير من القضايا السياسية الهامة، حيث عرض ثلاث نماذج من المحامين وكل نموذج له الكثير من المزايا والعيوب، ثم ينطلق الفيلم باحثًا عن الإجابات الخاصة بأسئلة برع كاتب السيناريو في طرحها، لكن أيضًا الرؤية الإخراجية للنجم شريف عرفة كانت حاضرة وواضحة للغاية، ولهذا خرج الفيلم كأحد أهم أفلام هذا الرجل.
الجزيرة 2007
بكل تأكيد لا يوجد شخص حتى الآن لم يُشاهد فيلم الجزيرة المتميز الذي صدر في عام 2007، فهو ليس مُجرد فيلم عادي وإنما بلا مبالغة أحد أهم النقلات في تاريخ السينما، والحديث هنا عن سينما الحركة على وجه التحديد، على العموم، جاء هذا الفيلم أيضًا من إخراج المُتميز شريفة عرفة، والذي جسد شخصية منصور الحفني التي كانت حديث الصحف قبل ظهور الفيلم، لكن عرفة بمساعدة آل دياب كفريق تأليف والنجم أحمد السقا كبطل رئيسي لفريق التمثيل جعل حياة منصور الحفني وكأنها حقيقة تخرج في صورة شريط فيديو، الفيلم بالطبع يستحق المُشاهدة ويُعد من أهم أفلام شريف عرفة المميزة.
النوم في العسل 1996
من أذكى الأفلام التي خرجت في تاريخ السينما المصرية وكانت علامة بها ونقطة مضيئة في أفلام شريف عرفة على وجه التحديد فيلم النوم في العسل الذي صدر في عام 1996 وكان كذلك من بطولة النجم عادل إمام ومن تأليف العبقري وحيد حامد، فكرة الفيلم العبقرية تدور حول عجز يضرب الرجال بشكل مفاجئ ويتحول الأمر إلى ظاهر يسمع بها القاصي والداني حتى يبدأ البحث خلال تفاصيل الأمر من قِبل بطل الفيلم العقيد مجدي، والذي قام بدوره عادل إمام، رفقة صحفية شابة، والتي قامت بدورها شيرين سيف النصر، لينطلق الفيلم بعد ذلك باحثًا عن إجابة السؤال، ما الذي حدث؟
ولاد العم 2009
مع نهاية القرن المنصرم توقفت بشكل مفاجئ أفلام الجواسيس المصرية، لم تعد هناك أفلام وطنية من الطراز الفريد وكأن التاريخ السياسي الخاص بحرب الجواسيس قد تبخر تمامًا، لكن شريف عرفة جاء وقدم أحد أروع الأفلام التي تدور في هذا الفلك، والحديث هنا عن فيلم ولاد العم الذي صدر في عام 2009 وكان من تأليف عمرو سمير عاطف، أما البطولة فكانت من نصيب كريم عبد العزيز وشريف منير ومنى ذكي وانتصار، وإذا ما تتبعنا سير الفيلم، وبغض النظر عن قصته المدهشة التي تدور داخل أروقة إسرائيل، فإن المدهش هنا حقًا من الناحية الإخراجية أن المخرج قد جعلك تعتقد فعلًا أنك في هذه الدولة وجعلك تعيش الأجواء بصورة مُبهرة لأبعد مدى ممكن.
حليم 2006 من أفلام شريف عرفة في السير الذاتية
العمل مع أحمد زكي شيء رائع بالتأكيد، العمل معه في آخر أفلامه أمر ليس هناك خلاف على تميزه، لكن أن يحدث ذلك في آخر أفلام هذا النجم الأسمر وأكثرها نجاحًا فهذا بالتأكيد ما يُكسب فيلم حليم الأهمية الكبرى، فالفيلم كما يعرف الجميع صدر في عام 2006 وكان محاكاة للسيرة والحياة الخاصة بالنجم عبد الحليم حافظ، وقد اختار أحمد زكي شريف عرفة للإشراف على عملية الكتابة وبالطبع القيام بإخراج الفيلم، وهذا ما نجح فيه عرفة على الرغم من أن أحمد زكي قد توفى دون أن ينتهي من تصوير كل مشاهده، وهو ما جعل عرفة يستعين بنجل ذكي لإنقاذ الفيلم.
إكس لارج 2011
تواجد شريف عرفة في أفلام الكوميديا كان قويًا كما ذكرنا، وقد ظهر ذلك من خلال فيلم إكس لارج الذي صدر عام 2011 وكان من بطولة أحمد حلمي ودنيا سمير غانم وإبراهيم نصر والكثيرين غيرهم، أما قضية الفيلم فعلى الرغم من كونه فيلم كوميدي إلا أنها جاءت قضية قوية إلى أبعد حد ممكن، حيث تحدث الفيلم عن السمنة وما يُمكن أن تقود إليه هذه المشاكل من صعاب في حياة الإنسان، وربما الفكرة الأكبر والأشمل هي فكرة التغيير ووجود قابلية لها، وهو نقلة في مسيرة بطل الفيلم.
الكنز 2017
في عام 2017، وبعد غياب طويل بعض الشيء، عاد المخرج شريف عرفة بواحدة من أهم أفلامه وأكثرها اختلافًا، وهو فيلم الجزيرة الذي كتبه عبد الرحيم كمال وقام ببطولته لفيف كبير من النجوم الذين وقعوا على الفيلم دون أن يروه فقط لمجرد علمهم بأنه من إخراج الكبير شريف عرفة، على العموم، الفيلم كان يدور في عدة أزمنة منها الفرعوني وعصر المماليك وعصر الدولة المصرية الملكية والعصر الحالي، حيث يتم استعراض الكثير من قصص الحب المستحيلة والمُختلطة بالسياسة مع تناول مختلف لتلك القصص نجح المخرج شريف عرفة في إظهاره بشكل مميز، أما البطولة فقد كانت لعدد كبير من نجوم الصف الأول على رأسهم محمد رمضان ومحمد سعد وهاني عادل وهند صبري وأمينة خليل وروبي وأحمد حاتم، والكثيرين غيرهم من النجوم، لكن ما يهمنا هنا أن الفيلم بعد ظهوره للنور بدا جليًا أنه لم يكن لمخرج آخر تنفيذه بخلاف شريف عرفة.
الممر 2019 أحدث أفلام شريف عرفة
على الرغم من أن فيلم الممر لم يصدر حتى الآن بشكل رسمي وأن موعد إطلاقه مُحدد بالخامس من شهر يونيو في هذا العام إلا أن الحماس مرتفع للغاية لدى كل من يعشق شريف عرفة وفريق العمل بشكل عام، فهذه المرة يدخل المخرج القدير أرض جديدة عليه من خلال تقديم فيلم حربي للمرة الأولى، والأكثر أهمية من ذلك أن الأفلام الحربية قد توقفت في مصر منذ فترة طويلة، ولذلك العودة لن تكون سهلة خصوصًا إذا ما عرفنا أن الفيلم حسب الأخبار المتداولة عنه يُعتبر الأعلى إنتاجًا في الوطن العربي حاليًا والأعلى في تاريخ مصر بشكل عام، أيضًا الفيلم يشهد تواجد نجوم كبار مثل أحمد عز وأحمد رزق ومحمد فراج، ولذلك يُتوقع لها نجاح ساحق مثلما هو الحال مع كل مشاريع شريف عرفة التي صدرت منذ ظهوره.
ختامًا عزيزي القارئ، ليس هناك أدنى شك بأن هذا الرجل يُعتبر مدرسة إخراجية مُكتملة الأركان وشخص جدير بأن يكون صاحب نقلة نوعية في عالم الكتابة، لكنه ليس الوحيد الذي يجب ذكره عند الحديث عن الإخراج المصري، فهناك مخرجين نجوم مثل محمد خان وعاطف الطيب وغيرهم، وإن كان عرفة صاحب الأثر الأكبر.
أضف تعليق