دا سيلفا أو لولا دا سيلفا واسمه بالكامل هو لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، يعرفه العالم أجمع بصفته الرئيس الـ35 في تاريخ البرازيل، ولا يعد دا سيلفا مجرد رئيس تولى الحكم لفترة زمنية ثم رحل عنه، بل على العكس هو الرئيس الأكثر شعبية بالأوساط البرازيلية حتى اليوم، وعلى الرغم من إن ولايته الرئاسية قد انقضت في عام 2003م، أي قبل أثنى عشر عاماً كاملة، ولا عجب في هذا وهو المصنف كأشهر سياسي في العصر البرازيلي الحديث.
دا سيلفا .. من هذا ؟
إن اخبرت أحد إن ماسح أحذية سيصير ذات يوم رئيساً للبلاد، فلربما يتهمك بالجنون أو يصف قولك بإنه محض أحلام وأوهام، لكن بعد تجربة دا سيلفا لم يعد هناك مستحيلاً، فقد تمكن ذلك الرجل من تحويل الحلم إلى حقيقة، وتحول من صبي فقير يعمل كماسح أحذية متجول إلى أحد أكثر السياسيين نفوذاً بالعالم.
طفولة قاسية :
في السابع والعشرون من أكتوبر لعام 1945م جاء دا سيلفا إلى عالمنا، وفتح عيناه على الدنيا ليجد نفسه في كنف أسرة كاثوليكية فقيرة، تحيا في منزل متواضع في الشمال الشرقي للبرازيل، يضيق بالأفراد التسعة الذين يعيشون في داخله، وهم والدي دا سيلفا بجانب 7 أشقاء يكبرونه سناً، وفور ميلاد دا سيلفا تعرضت الأسرة لأزمة مالية طاحنة، انعكست بصورة سلبية بالغة على كافة أفرادها، وتسببت في حرمان الأطفال من أبسط حقوقهم في الحياة.
خيانة الأب :
الآباء هم دائماً القدوة الأولى والمثل الأعلى للابناء، لكن والد دا سيلفا كان بعيداً كل البعد عن تلك الصورة المثالية التي يرسمها الأطفال في مخيلتهم لوالديهما، وقد سقط القناع عن وجهه في وقت مبكر جداً من عمر ابنه الأصغر، فحين تعرضت الأسرة لتلك الأزمة الطاحنة التي زادتهم شقاءً على شقائهم، تعلل الأب بها وانتقل إلى مدينة ساو باولو بحجة البحث عن فرصة عمل لدى إحدى قريباته، ولكن مرت أشهر ولم يتواصل معهم أو يرسل إليهم أية نقود لإعالتهم، فقامت الأم باصطحاب أطفالها ومنهم دا سيلفا إلى ساو باولو، وهناك اكتشفت إن الأب قد هجر أسرته كي يتزوج من قريبته المقيمة في ساو باولو، وبذلك تلقت الأسرة الضربة القاضية، وصار الأطفال جميعاً يتامى رغم إن أبيهم على قيد الحياة.
دور الأم في حياة دا سيلفا :
كما ذكرنا فإن طفولة دا سيلفا كانت شديدة القسوة، ورغم إنه افتقد لكامل الحقوق التي تكفل للأطفال، فإن أكثر ما افتقده هو الأب الذي يصلح ليكون قدوة ومثل، لكنه وجد في والدته السيدة أريستيدس عوضاً عن ذلك، فكانت نعم الأم ونعم القدوة، فهذه السيدة العظيمة احتلت في حياة أطفالها مقام الأم والأب، والدليل على ذلك هو تكرار ذكر دا سيلفا لها في خطاباته وحواراته، وقال بأن رغم الفقر المدقع الذي عانوا منه جميعاً خلال طفولته، إلا إن أمه كانت حريصة على تعليمهم مفهوم “الكرامة”، وكانت دائماً ما توصيهم ببقاء رؤسهم مرفوعة، وكانت تخبرهم بإن الفقر ليس عيباً وإن النقود لا تصنع قيمة أصحابها، وإن عليهم احترام الناس حتى يحظون باحترامهم.
مغادرة المدرسة :
كان دا سيلفا راغب في التعليم وكذلك كانت والدته، لكن ليس كل ما يتمناه الإنسان يستطيع تحقيقه، فقد ألحقت الأم طفلها دا سيلفا بإحدى المدارس الابتدائية في وقت مبكر من عمره، ولم يخيب الطفل ظنها فأظهر تفوقاً ملحوظاً وقدرة عالية على التحصيل العلمي، لكن عند بلوغه سن العاشرة تقريباً، اضطر دا سيلفا مُجبراً على ترك المدرسة، وذلك بسبب الفقر الشديد الذي كانت تعاني منه أسرته في هذه الفترة، حتى إن الأم عجزت تماماً عن سداد قيمة المصروفات المدرسية للطفل، وكانت هذه نقطة التحول الرئيسية في مسار حياة دا سيلفا ،إذ إنه في لحظة واحدة تحول من طفل دارس إلى طفل عامل.
الحياة مدرسة دا سيلفا :
صحيح إن دا سيلفا قد ترك المدرسة الابتدائية في وقت مبكر جداً، إلا إنه التحق باليوم التالي مباشرة بمدرسة أكبر وإن لم يدرك ذلك حينها، وهي مدرسة الحياة، فبينما أقرانه يقضون أوقاتهم في اللهو واللعب والتنزه، كان دا سيلفا يكدح ويشقى بميادين العمل ليوفر المال اللازم لإعالته وإعانة أسرته، وكان أول عمل قد التحق في صباه هو ماسح أحذية جوّال، وبعد فترة تمكن من الحصول على وظيفة في معمل فيس ماترا للتعدين، وقد أكسبه كل ذلك قوة وصلابة وخبرة حياتية هائلة يفتقر إليها حتى الكبار.
زواج دا سيلفا :
المرأة كان لها دور عظيم في مسيرة دا سيلفا بمختلف أصعدتها، فبعد إسهام والدته في تنشأته وتشكيل شخصيته وتكوين توجهه الفكري، جاء دور الزوجة التي وفرت الدعم وشاركته السراء والضراء، وفي حياة دا سيلفا زوجتان لا يختلف تأثير إحداهن عن الأخرى، الأولى هي السيدة ماريا دي لورديس، التي التقى بها دا سيلفا وتزوجها في 1969م، وكانت خير داعم له في بدايات عمله النقابي ونشاطه العمالي، ولكن هذا الدعم لم يستمر طويلاً إذ أصيب بالتهاب الكبد الوبائي وتوفيت في 1970م، وبعد أربعة أعوام كان لقاء دا سليفا مع السيدة ماريزا ليتسيا، التي أكملت الرحلة معه حتى صارت السيدة الأولى بدولة البرازيل، وقد أثمر زواجها من دا سيلفا عن خمسة ابناء، هم: ساندرو وفابيو وماركوس ولوران ولويس الابن.
الرئيس دا سيلفا :
رحلة دا سيلفا في عالم السياسة طويلة ومديدة، لكن أبرز تأثيراته تلك التي أحدثها بعد توليه منصب الرئيس، فهو باعث النهضة وأول من رسخ مبادئ العدالة الاجتماعية، كما إنه ساهم بشكل كبير وفعال في تحديث وتطوير القوات المسلحة البرازيلية، وبسبب نشأته التي امتازت بالفقر والقسوة كان دائم الانحياز للطبقة الفقيرة والمهمشة، وهذا يتضح تماماً من خلال تشريعاته والسياسات التي اتبعها.
الجوائز :
سياسي يحظى بشعبية طاغية في موطنه مثل البرازيلي دا سيلفا ،بالتأكيد ما كانت لتغفله المؤسسات المنوطة بمنح الجوائز والأوسمة، وقد نال بالفعل دا سيلفا خلال ولايته كرئيس للبرازيل على العديد من التكريمات، من أبرزها الآتي:
- نيشان الصليب الجنوبي.
- وسام الاستحقاق البرازيلي.
- جائزة بوانيي للسلام المقدمة من منظمة اليونيسكو.
- كذلك من بين التكريمات التي نالها الرئيس دا سليفا ،هو ضمه إلى قائمة الـ50 زعيماً الأكثر نفوذاً في العالم، وهو أول سياسي من أمريكا الجنوبية يدرج اسمه بهذا التصنيف العالمي.
- صحيفة لوموند الفرنسية اختارته كشخصية العام في 2009م.
- مجلة التايم اختارت دا سيلفا في 2010 كالسياسي الأكثر تأثيراً في العالم.
دا سيلفا ما بعد الرئاسة :
انتهت ولاية دا سيلفا الثانية كرئيس للبرازيل في الأول من يناير عام 2003م، وبقدر ما كان مخلصاً تماماً لشعبه بقدر ما أحبه الشعب، وبالدموع والعرفان قاموا بتوديعه، بعد أن طالبوه بتعديل مواد الدستور كي يتمكن من الاستمرار في منصبه لفترة رئاسية ثالثة، إلا إنه قد واجه ذلك المطلب الشعبي بالرفض التام، حتى لا يصير الأمر من بعده عُرفاً يستغله الفاسدون لتحقيق طموحاتهم السياسية.. اختفى دا سيلفا عن الأضواء بعد تخليه عن السلطة، ولم يعد يظهر بوسائل الإعلام أو على صفحات الجرائد إلا نادراً، وفي سبتمبر من عام 2011 حصل دا سيلفا على الدكتوراه الفخرية من معهد الدراسات السياسية الفرنسي، ويحيا دا سيلفا الآن في موطنه البرازيل، وينعم بحياة هادئة ومستقرة بصحبة أسرته الصغيرة.
أضف تعليق