عمر الشريف هو الممثل العربي الأشهر على الإطلاق في هوليود، وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازه الفني الأكبر، الذي انفرد وتفرد به، فهناك العديد من العرب شاركوا في أفلام عالمية، لكن عمر الشريف وضعه يختلف، فهو لم يكن مشاركاً بل صار أحد نجوم هوليود ونافس عمالقتها على شباك التذاكر والألقاب والجوائز، مما يجعله بلا جدال الممثل العربي الأحق بلقب “عالمي”.
عمر الشريف .. من هذا ؟
كون عمر الشريف العربي الأبرز في عالم هوليود السينمائي، فهذا سبب كافي لاستعراض مسيرته والتعرف على كيفية تحقيقه لهذا النجاح؟، وكيف نشأ وكيف انطلق من النطاق المحلي إلى الآفاق العالمية؟
الميلاد :
وُلِد ميشيل ديمتري شلهوب والذي عرف في وقت لاحق من حياته باسم عمر الشريف ،في العاشر من شهر إبريل 1932م، وكان ذلك في محافظة الإسكندرية في مصر، وقد حظي الشريف -أو ميشيل- بطفولة يمكن القول بإنها مثالية، فقد وُلِد الطفل لأسرة كاثوليكية ميسورة الحال، وهو ما ضمن له توفير كامل احتياجاته وإلحاقه بالسلك الدراسي، فوالده ديمتري شلهوب كان أحد أكبر تجار الأخشاب في الإسكندرية، وكان الأب يرغب في أن يتخذ ابنه مكانه في كبره، وأن يعمل بذات المجال ويدير أعمال العائلة التجارية، ولكن عمر الشريف أو ميشيل -كما كان يسمى آنذاك- رفض الفكرة، على الرغم من صغر سنه كان موقناً من أن التجارة ليست أفضل طريق يسلكه نحو مستقبله، ففي تلك المرحلة المبكرة كان عشق الفن قد تنامى داخل قلبه.
التعليم :
كانت عائلة شلهوب من العائلات الشهيرة بالإسكندرية، فهم من كبار التجار ومن أصحاب الثروة، ولهذا فقد كان ابناء هذه العائلة يحظون جميعاً بأفضل فرص التعليم، وحين بلغ عمر الشريف سن الالتحاق بالمدرسة، تقدم والده بأوراقه إلى مدرسة فيكتوريا كوليدج بالإسكندرية، والتي تقدم أفضل خدمة تعليمية ويلتحق بها دوماً ابناء الصفوة، لكن مستوى المادة التعليمية التي يتلقاها التلاميذ لم يكن مهماً بالنسبة لعمر الطفل، فالأهم بالنسبة له هو إن إدارة تلك المدرسة كانت تولي اهتماماً كبيراً بالأنشطة الفنية، وكانت فيكتوريا كوليدج تشتهر بالعروض المسرحية الناجحة التي يقدمها تلاميذها، فسارع عمر بالانضمام لهذه الفرق وقدم أول أدواره على خشبة مسرح تلك المدرسة، ونال أدائه التمثيلي استحسان أساتذته وأثار إعجاب زملائه، وعلى الرغم من إن عمره آنذاك كان إثنى عشر عاماً تقريباً.
رؤية شاهين وصناعة النجم :
اشتهر الراحل يوسف شاهين بإجادته لفن آخر بخلاف فن الإخراج السينمائي، وهو فن صناعة النجوم، والعديد من نجوم السينما الشباب والمخضرمين كان شاهين أو جو -كما يلقبونه- هو أول من وضعهم أمام الكاميرا، ولكن من بين هؤلاء النجوم جميعاً لا يوجد من هو أبرز من عمر الشريف ،والذي كان يوسف شاهين أيضاً هو نقطة انطلاقته نحو عالم الفن والأضواء، فقد التقى عمر بشاهين حين كان الأخير يستعد لتصوير فيلمه صراع في الوادي، وأعجب شاهين بأداء عمر الشريف ورؤيته الفنية وعشقه للتمثيل، فقرر أن يمنحه دور البطولة بالفيلم، بجانب مجموعة من عمالقة التمثيل في ذلك الوقت مثل فاتن حمامة وزكي رستم وفريد شوقي، كانت فرصة مثالية بالنسبة لأي ممثل مبتدئ، وفي ذات الوقت مخاطرة ومجازفة، إذ أن الأداء التمثيلي له سيُقارن رغماً عنه بأداء هذه القامات الكبيرة، وقد أحسن الشريف استغلال الفرصة كما تمكن من اجتياز المخاطرة، وكان ذلك الفيلم بمثابة إعلان عن ميلاد نجم سينمائي جديد يدعى عمر الشريف ،فتوالت عليه العروض بعد ذلك من المنتجين والمخرجين.
ثنائي عمر الشريف وفاتن حمامة :
هناك العديد من الثنائيات الشهيرة في عالم السينما بشكل عام، لكن فيما يخص السينما العربية فإن الثنائي الذي شكله عمر الشريف وفاتن حمامة يبقى هو الأبرز والأشهر، هذا على الرغم من إن إجمالي الأعمال التي قدموها سوياً هو 6 أعمال فقط، بدأت في عام 1954م بفيلم صراع في الواد للمخرج يوسف شاهين، وانتهت في عام 1961م بفيلم نهر الحب للمخرج عز الدين ذو الفقار، مروراً بأفلام صراع في الميناء ولا أنام وسيدة القصر، والفيلم السادس هو أيامنا الحلوة وهو الوحيد بين أفلام القائمة الذي لم يكن الشريف بطلاً صريحاً له، إذ اقتسم البطولة مع أحمد رمزي وعبد الحليم حافظ، ويعتبر الأخير هو نجم الفيلم وبطله الرئيسي.
دفيد لين والنجم العالمي :
حسن طالع عمر الشريف يتجسد في اسماء المخرجين الذين تبنوا موهبته وأجادوا إدارتها، فبعد أن اكتشفه يوسف شاهين وقدمه للسينما العربية نجماً، كان الشريف في الستينات على موعد مع المخرج الذي أعاد اكتشافه، وهو المخرج دفيد لين، الذي قدمه للسينما العالمية لاول مرة من خلال فيلم لورانس العرب، والذي حقق نجاح كبير عند طرحه بدور العرض بمختلف دول العالم، وهذا النجاح منح الشريف عضوية دائمة بهوليود، فتوالت أعماله وكذلك توالت نجاحاته، وكان مع كل عمل يقدمه يُثبت أقدامه أكثر على أرض هوليود، حتى صار واحد من أبرز نجومها، ومن أشهر أعماله العالمية بخلاف لورانس العرب، فيلم دكتور زيفاجو والرولز رويس والثلج الأخضر والسر، بجانب مشاركته كضيف شرف بجانب أنطونيو باندريس في فيلم المحارب الثالث عشر.
الحب والزواج والفشل :
فاتن حمامة هي الحب الوحيد في حياة عمر الشريف ،وذلك على حد قوله وبحسب ما أكده أقرب المقربين من الثنائي، وقد تزوج الشريف من فاتن حمامة -بعد إعتناقه الإسلام- في 1954م، بعد أن عاشا سوياً قصة حب هي الأشهر في تاريخ الوسط الفني المصري والعربي، وفوجئ جمهور كلاهما في 1974م بوسائل الإعلام تتناقل خبر طلاقهما، البعض يقول إن السبب هو انشغال الشريف بعالميته، وإهماله بالتالي لعائلته وتقاعسه عن دوره كأب ورب أسرة، وهناك أقاويل أخرى تشير إلى أن السبب هو اكتشاف فاتن لخيانته لها، ولكن الثنائي التزما الصمت ولم يؤكدا أي من الافتراضين، وقد أنجب عمر من فاتن حمامة ابنه الوحيد طارق، وفي الولايات المتحدة أثيرت شائعة عن ارتباط عاطفي بين الشريف والممثلة إنجريد برجمان، ولكن لم يتم تأكيد المعلومة من أي منهم مما يثبت إنها كانت مجرد شائعة، وإن عمر الشريف ظل مخلصاً لحبه الأول وأبى أن يتزوج بعد انفصالهما.
الاعتزال والوفاة :
عدد كبير من نجوم هوليود حين يكبر سنهم يتجهون إلى الإنتاج، ويعتزلون العمل التمثيلي بسبب ما يتطلبه من جهد، ولكن عمر الشريف كان عاشقاً للتمثيل بحق، فاستمر في عمله كممثل حتى آخر لحظة أمكنه في هذا ذلك، ولكن ابتداءً من عام 2015م اختفى من الساحة الفنية، ثم في وقت لاحق أعلن حفيده إنه لن يعود للتمثيل مرة أخرى، وذلك بسبب إصابته بمرض ألزهايمر والذي يعيقه من حفظ الحوار، أو استحضار تفاصيل الشخصية التي عليه تقديمها أمام الكاميرا، ليكون بذلك فيلم المسافر الذي أنتجه وزارة الثقافة المصرية، هو آخر الأعمال السينمائية في مسيرة عمر الشريف الحافلة، وفي العام ذاته وتحديداً في العاشر من يوليو توفي عمر الشريف ،إثر إصابته بذبحة قلبية شديدة.
الجوائز :
حظي عمر الشريف خلال مشواره الفني بتقدير الجماهير والنقاد، وهو ما تمثل في كم الجوائز التي نالها عما قدمه للسينما من أعمال، ومن أبرز التكريمات والجوائز التمثيلية التي نالها الآتي:
- حصل عمر الشريف على جائزة جولدن جلوب ثلاث مرات.
- منح جائزة مشاهير العالم العربي التقديرية في 2004م.
- جائزة الأسد الذهبي المقدمة من مهرجان البندقية عن مجمل أعماله.
- جائزة سيزر لأفضل ممثل.
وبجانب كل هذا فقد رُشِح عمر الشريف لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن فيلم لورانس العرب.
أضف تعليق