الإسكندر الأكبر هو أحد الاسماء الشهيرة في التاريخ، ويُمكن القول بإنه النموذج المقدوني من أبو زيد الهلالي، فهو فارس مغوار وقائد عسكري اشتهر ببراعته وجسارته، فخالطت سيرته الذاتية الحقيقية بعض الخيال والمبالغة في قدراته، فصار مع الوقت جزءاً من الموروث الشعبي اليوناني، ليس هذا فقط، بل إنه تأثيره امتد لأكثر من ثقافة بخلاف الثقافة الإغريقية، ولهذا كان لابد من التوقف أمام هذا الشخص، لنسأل: من يكون الإسكندر الأكبر؟
الإسكندر الأكبر .. من هذا ؟
الإسكندر الأكبر هو قائد واحدة من أكبر الأمبراطوريات في التاريخ، وهو من تمكن من الانقضاض على الامبراطورية الفارسية، وتوسيع مُلكه على حسابها.. فكيف كانت نشأة هذا القائد العظيم؟ وما سيرته؟
الميلاد والاسم :
ورد ذكر الإسكندر الأكبر في المصادر التاريخية بالعديد من الاسماء، وقد أثبت المؤرخون إن جميعها يشار به إليه، ومن بين الاسماء التي عُرف بها: الإسكندر المقدوني والإسكندر ذو القرنين والإسكندر الكبير والإسكندر الثالث المقدوني، وبحسب ما ورد إلينا من خلال الكتب المؤرخة لزمنه، فإن الإسكندر الأكبر قد وُلِد بحسب التقويم الإغريقي في السادس من شهر هيكاتومبايون، وهو ما يُقابله بالتقويم الميلادي اليوم العشرين من يوليو لسنة 356ق.م، وكان ذلك في مدينة بيلا والتي كانت يتخذها المقدونيين عاصمة لمملكتهم.
الوالدين :
لم يسع الإسكندر إلى العرش بل إن توليه قد فُرِض عليه فرضاً، أو بمعنى أدق قد وُلِد ليجد نفسه وريثاً له، فوالده هو الملك المقدوني فيليب الثاني والذي يُعرف بـ”الأعور”، أما والدته فهي الزوجة الرابعة لوالده والمدعوة أوليمبياس نيوبطليموس، وعلى الرغم من تعدد زيجات الملك المقدوني، والتي يذكر بعض المؤرخين إن عددهم قد تجاوز الثمانية زوجات، إلا إنه لم يرزق منهن إلا بالإناث، إلى أن جاء الإسكندر الأكبر إلى الدنيا، ففرح به فرحاً شديداً، ومنذ ذلك الحين صارت أوليمبياس هي المفضلة إليه من بين زوجاته، وما كان يسمح بذكر ابنه الإسكندر دون أن يسبقه لقب وريث العرش.
التعليم وأجر المعلم :
كان فيليب يُعد ابنه ليكون ملكاً لمقدونيا وقائداً لشعبها، وكان مدركاً بأن غايته لن تتحقق فقط بتعليمه فنون القتال وأصول إدارة المعارك العسكرية، إنما لن تكتمل شخصيته إلا يتلقيه للعلوم البشرية بمختلف أنواعها، وحين بلغ الإسكندر الأكبر الثالثة عشر من عمره، بحث فيليب عمن يمكنه أن يلقنه علوم الفلسفة والرياضيات والطب والفن وغيرها، ومن بين جميع علماء اليونان وقع اختياره على الفيلسوف أرسطو، والذي طالب فيليب بإعادة إعمارة مسقط رأسه بلدة ستاكيرا، والتي كان قد هدمها فيليب في وقت لاحق خلال معاركه، وعلى الرغم من إن المقابل كان باهظاً، إلا إن فيليب كان واثقاً بقدرات أرسطو متيقناً من أنه خير معلم قد يحظى به ابنه الإسكندر الأكبر ،فوافق على طلبه وأعاد إعمار البلدة المُدمرة، وخصص له معبد إله البحر بوسيدون ليكون مقراً لمدرسته، التي التحق بها نبلاء مقدونيا وأبرزهم بخلاف الإسكندر الأكبر كل من بطليموس وكاسندر، اللذان صارا فيما بعد من معاوني الإسكندر ورفقاء رحلته.
الإسكندر بن زيوس :
ذكر ميلاد الإسكندر الأكبر في كتب التاريخ خالطه بعض الخرافات والأساطير، أغلبها يتعلق بالمعتقدات الدينية اليونانية القديمة، فيُقال إن أمه قد حلمت قبل زواجها بإنها رأت في منامها صاعقة تضرب رحمها، فتخرج من بطنها ناراً تحرق الأرض من حولها، والمُراد من تلك الرواية أن الإسكندر هو تلك النار، كذلك ذكرت بعض الكتب إن الوالد فيليب كان هو صاحب المنام، إذ رأى نفسه يختم بطن زوجته بخاتم على هيئة أسد جسور، وهو ما دفع البعض لتأويل المنام الثاني بكثير من الشطط، إذ قالوا بإن الختم يُعني إن أوليمبياس قد حملت بـ الإسكندر الأكبر قبل أن تتزوج، وإن الصاعقة التي ضربت رحمها في منامها إنما تشير إلى السماء، وتحديداً زيوس كبير الآلهة بحسب الميثولوجيا اليونانية، والقصد من وراء هذا كله القول بأن الإسكندر الأكبر هو نصف بشري، فأمه من بني الإنسان أما والده فهو الإله المُعتلي لعرش جبل أوليمبوس.
مروجي الأساطير :
مصدر تلك الأساطير التي تحيط بقصة ميلاد الإسكندر الأكبر غير معروف، ولكن هناك بعض الترجيحات التي وضعها المؤرخون، فمنهم من قال إن الأمر بدأ بمجموعة شائعات، تناقلتها الألسن مع كل معركة يخوضها الإسكندر ويخرج منها منتصر على خصومه، ولأن الأمر يتفق مع معتقدات اليونان القديمة صدق الناس تلك الأقاويل، الترجيح الثاني يقول إن الأمر بدأ كنوع من التعظيم، فبعض متملقي الإسكندر الأكبر من حاشيته، كانوا يشبهون قوته وشجاعته بقوة الآلهة والقوى الخارقة، ومع الوقت تناقل الناس هذا الكلام ثم اعتبروه من المسلمات، أما الترجيح الثالث هو إن الإسكندر الأكبر نفسه هو من روج لتلك الأساطير، وإنه بذلك كان رائداً في الحروب النفسية، فقد كان يقصد بها إرهاب خصومه بوضع نفسه في مرتبة أعلى من مراتب البشر.
تولي العرش :
علاقة الإسكندر الأكبر بالسياسة وإدارة شئون البلاد بدأت في سن مبكر جداً، فحين بلغ سن السادسة عشر من عمره خرج فيليب لمواجهة الجيوش البيزنطية، وقبل المغادرة عهد بالعرش إلى الإسكندر بصفته ولي العهد، ولم يكن يدرك إنه بذلك قد ألقى به إلى قلب حلقة النار، فقد اغترت بعض القبائل المعروفة باسم “الميديون” بحداثة سن الإسكندر الأكبر وقلة خبرته، وأعلنت التمرد وأرادت الانقلاب على حكم المقدونيين، لكن رد فعل الإسكندر كان مخالفاً لجميع التوقعات، إذ تعامل مع ذلك الموقف بحكمة وحسم، وتمكن من إنزال هزيمة نكراء بتلك القبائل، ولم يكتف بذلك فقام بطردهم من الأراضي التي يستوطنوها وأسكن بها جماعة من المقدونيين الموالين له. وبعد بضعة سنوات من تلك الواقعة وتحديداً في 336ق.م، تم اغتيال الملك فيليب على يد يوسانياس أورستيادي قائد حرسه، ومن ثم تولى الإسكندر الأكبر العرش لأول مرة بصفته ملكاً لمقدونيا، وكان آنذاك لم يتجاوز العشرين من عمره أو بالكاد بلغها.
زوجات الإسكندر :
يقول المؤرخون إن عدد زوجات الإسكندر فاق عدد زوجات أبيه فيليب، ولكن الزوجات الثلاثة الأشهر في حياة الإسكندر كانوا ستاتيرا الثانية وبروشات الثانية، بالإضافة إلى رخسانة الباخترية والتي كانت الأقرب إليه، وتشير بعض المصادر إلى إنه كان مولعاً بها لحد الجنون، ورغم تعدد زيجات الإسكندر الأكبر إلا إنه -مثل أبيه- لم يحظ بمولود ذكر إلا بسنوات عمره الأخيرة، وقد أنجبه من الأميرة روكسانا واسماه الإسكندر الرابع المقدوني.
الإسكندر في الثقافات المختلفة :
الإسكندر الأكبر هو أحد أبرز وأبرع المحاربين وقادة الجيوش في التاريخ، ولهذا فقد كان له حضور طاغي في مختلف الثقافات الشعبية، وهذا يتضح من كم المنحوتات والجداريات والمخطوطات الأثرية التي ترصد إنجازاته وتصور انصاراته الملحمية، وبالطبع الإغريق هم من ابتدأوا الأمر، ثم امتد تأثير الإسكندر الأكبر إلى مختلف الحضارات الأوروبية، وحتى اليوم لا تزال الأجيال تتوارث الروايات الراصدة لبطولاته، وهو يُعد أبرز الشخصيات في الفلكلور اليوناني حتى اليوم.
الوفاة :
توفي الإسكندر الأكبر في أرض بابل وتحديداً داخل قصر نبوخذ نصر، وكان ذلك في شهر يونيو لعام 323 ق.م عن عام يناهز 32 عاماً تقريباً، أما أسباب الوفاة فقد اختلف حولها المؤرخون، ولكن أغلبهم قد توافق على إنها كانت ناتجة عن إصابته بحمى شديدة جعلته عاجز حتى عن النُطق، وهناك أقاويل أخرى تشير إلى إنه قد تم اغتياله من قبل الطبقة الارستقراطية المقدونية.. ليس هذا هو اللغز الوحيد المتعلق بوفاة الإسكندر، بل إن اللغز الأكبر هو “مقبرة الإسكندر” والتي لم يُعثر عليها حتى اليوم، لكن أغلب الظن إنه قد دُفِن في مدينة الإسكندرية على المصرية الشمالية.
أضف تعليق