مارادونا لا جدال إنه واحد من ألمع وأبرز أساطير كرة القدم، فكلمة “أسطورة” بالنسبة لهذا اللاعب بالأخص أقرب للوصف منها للقب، فهو الذي حمل ألقاب عديدة خلال مشواره الكروي، ومنذ أن كان ناشئاً ما من نادي لعب لصالحه، إلا وقاده إلى حمل لقب واحد على الأقل.. هو باختصار دييجو مارادونا المثير أحياناً للجدل والمثير دائماً للإعجاب.
مارادونا .. من هذا ؟
رغم مضي سنوات طويلة على اعتزاله لا تزال أغلبية جماهيرة كرة القدم، ترى إن دييجو مارادونا هو أفضل لاعب لمست قدمه الساحرة المستديرة، فما سر تلك الشعبية الجارفة التي يحظى بها، وما الإنجازات الكروية التي استطاع تحقيقها؟
المعاناة والفقر :
استطاع دييجو مارادونا أن يتحدى ظروفه ويأخذ الدنيا غلابا، فهو اللاعب الذي إن جمعنا عدد محبيه حول العالم والذي هو في تزايد مستمر، سنجده بالتأكيد رقماً قياسياً على الرغم من إنه قد بدأ حياته من تحت الصفر، فقد ولد مارادونا في الثلاثون من أكتوبر لعام 1960م باسم دييجو أرماندو مارادونا، وكان ذلك في مدينة بوينس آريس الأرجنتينية. وقد كانت أسرته فقيرة بالكاد يمكنها توفير احتياجاتها الأساسية، وفي أحيان كثيرة ما كانت تستطيع ذلك، فعانى هو وأخوته من لوعة الفقر ومرار الحرمان في طفولتهما، فقد كان لدييجو شقيقتين يكبرونه وشقيقين أصغر منه سناً، وأشقاء دييجو الذكور قد احترفا هما أيضاً كرة القدم هما هيوجو وإدوارد مارادونا ،لكن كلاهما لم يمتلك مهارة وقدرة شقيقهم الأكبر الفائقة.
العشق والحلم والبداية :
علاقة دييجو مارادونا بكرة القدم هي علاقة عشق بدرجة امتياز، لا يجود وصف أدق لهذه العلاقة من “العشق”، فمنذ نعومة أظافره وجد نفسه منجذباً إلى تلك الساحرة المستديرة، واستسلم هو لهذا الانجذاب ولذة السعادة التي تغمره عند ممارستها، فلم يكن يشعر بقيمته إلا حين تلامسها أطراف أقدامها، فيحرز الأهداف مع أقرانه فتطرب مسامعه عبارات المدح والتشجيع، وهنا بدأ يحلم بأن يتحول من هاو لكرة القدم إلى محترف لها، فبدأ مشواره في عام 1974م باللعب لصالح نادي أرجنتينوس كناشئ، ولفتت موهبته أنظار مدربيه فتم تصعيده سريعاً إلى الفريق الأول، ثم برزت موهبته فانتقل بين عدة أندية ذات شعبية أكبر، وهم برشلونة ونابولي وإشبيلية ونيولز أولد بويز، ثم بوكا جونيوز الذي أنهى مشواره كلاعب به.
الزواج والابناء والخيانة :
ارتبطت مارادونا عاطفياً بفتاة تدعى كلاوديا فيلافين، وفي عام 1984م أعلن زواجه منها، وقد عاشا معاً حياة مستقرة هادئة على عكس مشاهير كرة القدم، الذين يعرف عنهم العلاقات النسائية المتعددة أو على الأقل غير المستقرة، فدييجو مارادونا على النقيض يصف دوماً كلاوديا بـ”حب حياته”، ويعلن في وسائل الإعلام إنه لا يستطع تصور الحياة بدونها، لكنه في وقت سابق قد ضمن سيرته الذاتية اعترافاً بإنه لم يكن دائم الوفاء له، في إشارة منه إلى خيانتها أكثر من مرة، إلا إنه احتوت الأمر بحكمة وغفرت له ما ارتكبه، وكان تصريحه ذلك بمثابة اعتذار علني لها. ديججو وكلاوديا أنجبا ابنتين، هما دالما نيريا المولودة في أبريل لعام 1987م وجيانينا دينورا المولودة في مايو 1989م.. استمر زواج مارادونا وكلاوديا فترة طويلة إلا إن الخلافات نشبت بينهما في 2004م، وقد أدى ذلك إلى الطلاق إلا إنهما ظلا متمسكين بعلاقتهما الودية، حتى إنهما يسافران لقضاء الأجازات معاً بصحبة بناتهما.
ديججو له ابن آخر هو دييجو الابن والذي أنكر بنوته لفترة طويلة، إلى أن حكمت المحاكم الإيطالية بثبات بنوته له في 1993م، بعد رفض مارادونا الخضوع لاختبارات الحمض النووي، ولكن في 2004م اعترف ماردونا فعلياً بأن ذلك الصغير هو طفله، والذي هو نهج نهجه واحترف كرة القدم ويلعب الآن لصالح أندية إيطاليا.
هدف القرن العشرين وأسباب اختياره :
في عالم كرة القدم عادة ما يقاس حجم الإنجاز بالكم، خاصة حينما يكون ذلك الإنجاز متعلقاً بالبطولات بالنسبة للفرق، أو بالأهداف بالنسبة للاعبين منفردين، ولكن دييجو مارادونا قد حطم هذه القاعدة في عام 1986م، خلال مشاركته مع منتخب الأرجنتين في بطولة كأس العالم المقامة بدولة المكسيك.. حيث أجبر الجميع على الاعتراف بإنجازه وتقديره بـ”الكيف” لا “الكم”، والإنجاز الذي نتحدث عنه هو هدفه في مرمى المنتخب الإنجليزي، والذي أقر النقاد الرياضيين ومحللي كرة القدم بأنه الهدف الأفضل في القرن العشرين، واختيار هدف مارادونا لم يأت من فراغ، بل كان جاء استناداً لأكثر من سبب كفل له التميز، وهم كالآتي:
- المسافة : قطع مارادونا مسافة طويلة بالكرة دون أن يقطعها منه أي منافس، ودون أن يتناقلها ما بينه وبين أي من زملاء فريقه، وقدرت تلك المسافة بـ 66 ياردة أي 60 متراً تقريباً.
- عدد المدافعين : أيضاً من العوامل التي منحت ذلك الهدف التميز، هو عدد مدافعي الخصم الذين اعترضوا طريق مارادونا ،إذ إن عددهم قد بلغ ست لاعبين بينما كان هو بمفرده.
- المهارة : لايزال هذا الهدف على الإنترنت يحقق ملايين المشاهدات، وذلك لما أظهره مارادونا من براعة ومهارة في التلاعب بالخصوم، وكذا قدرته الفائقة على التحكم بالكرة، والذي عبر عنه المحللين بقوله “كأن الكرة ملتصقة بقدمه”.
- قوة الخصم : كالعادة قوة البطل لا تنبع إلا من قوة خصمه، فلو كان مارادونا قد تلاعب بمجموعة هواة أو ناشئين لكان هدفه أمر طبيعي، بحساب فارق العمر والخبرة وعدد المباريات التي خاضها، لكن هنا كان المنافس هو المنتخب الإنجليزي وهو أحد عمالقة كرة القدم في التاريخ.
- حساسية المباراة : أيضاً من العوامل التي ساهمت في اختيار الهدف كهدف القرن العشرين، هو أهميته بالنسبة للفريق ومدى تأثيره في مسيرته، إذ إن مارادونا قد قام بإحرازه خلال البطولة الكروية الأهم وهي كأس العالم، وكان سبباً في تأهل منتخبه إلى مرحلة نصف النهائي، وبالتبعية كان سبب في استبعاد منتخب إنجلترا والذي كان من المرشحين لحمل اللقب.
البطولات الحاصل عليها :
دييجو مارادونا كأي لاعب كرة قدم مميز تنقسم بطولاته إلى قسمين رئيسيين، هما البطولات أو الألقاب التي حملها الفريق الذي لعب ضمن صفوفه، والقسم الآخر هو الألقاب التي نالها بصورة فردية لتميزه، وعدد الجوائز التي نالها مارادونا خلال مشواره الكروي كبير جداً، ولكن من أبرز تلك البطولات بكلا القسمين هم كالآتي:
- شارك دييجو مارادونا في بطولة كأس العالم 4 مرات، وهو رقم كبير نسبياً لم يحققه الكثير من اللاعبين المحترفين.
- حاز على الكرة الذهبية بصفته اللاعب الأفضل بكأس العالم المكسيك 86.
- نال بعض التكريمات بصفة شخصية، ومنها تكريمه من الزعيم الكوبي فيدل كاسترو.
- تم تصنيفه أكثر من مرة كالشخصية الرياضية الأهم والأبرز في تاريخ الأرجنتين.
أما عن إنجازاته مع الفرق التي لعب لصالحها فهي عديدة، فقد توجت فرقه بالعديد من الألقاب المحلية، وكذلك ألقاب إقليمية ودولية، وهذه الأقلب أكثر مما يمكن حصرها، ولكن البطولة الأهم في مشوار مارادونا الرياضي بلا جدال، هي قيادته لمنتخب بلاده الأرجنتين للفوز ببطولة كأس العالم في 1986م.
الإنجاز الأكبر :
الإنجاز الأكبر الذي صنعه مارادونا خلال سنوات احترافه لرياضة كرة القدم هو “نفسه”، فقد تمكن بموهبته الفريدة ومهارته الفائقة على تخليد اسمه في تاريخ هذه اللعبة، فهو بكل المقاييس أسطورة من أساطير كرة القدم، وبالنسبة للكثيرين والشعب الأرجنتيني على وجه الخصوص، هو أفضل من صال وجال داخل المستطيل الأخضر، يحاول البعض عقد مقارنات بينه وبين الأرجنتيني الشاب ليونيل ميسي، لكن كل استطلاعات الرأي حتى عام 2015م كانت محسومة لصالح مارادونا وربما ستظل كذلك.
أضف تعليق