أجاثا كريستي هو الاسم الأشهر على الإطلاق في عالم أدب الجريمة أو الأدب البوليسي، وما من أحد يهوى هذا اللون الأدبي إلا وتجده عاشق لروايات أجاثا كريستي ،والتي استهلتها في 1920م بإصدارها رواية قضية ستايلز الغامضة، كانت مقدمة لعدد كبير من الروايات والمجموعات القصصية البوليسية، وهذا بخلاف عدد كبير من المقالات التي نشرت لها بجرائد ومجلات مختلفة.
أجاثا كريستي .. من تكون ؟
اسم كريستي هو أحد ألمع الاسماء في تاريخ الأدب، ولا يوجد من يجادل في ذلك، ولهذا كان لابد من التوقف عنده والبحث في حياة صاحبته.
الوالدين والميلاد :
في الخامس عشر من شهر سبتمبر لعام 1890م وُلِدت أجاثا كريستي ،وكان ذلك في المملكة المتحدة “بريطانيا”، وعلى وجه التحديد في بلدة توركوي الريفية التابعة لمدينة ديفون، وأجاثا هي ذات أصول أمريكية إنجليزية، وقد كانت العائلة التي تنتمي أجاثا إليها من عائلات المدينة العريقة والميسورة، وهو ما مكنها من أن تحظى بطفولة سعيدة بقدر كبير على حد وصفها.. والدتها هي السيدة كلارا بومر الإنجليزية أما والدها صاحب الأصول الأمريكية فهو فريدريك ميلر.
الاسم والألقاب :
عند الإشارة إلى اسم ” أجاثا كريستي ” فلابد أن يكون ذلك بنقطة منفصلة، وهذا لأن الأمر ليس بالبساطة المعهودة، فذلك الاسم الذي تشتهر به رائدة أدب الجريمة أو الأدب البوليسي لم تولد به، على الرغم من إنه في ذات الوقت ليس اسماً مستعاراً!.. فمن أين اكتسبته؟.. حين ولدت كانت تحمل اسم عائلتها وكان اسمها كاملاً أجاثا ميري كلارسيا، أما لقب كريستي فقد اكتسبته من زوجها الأول آرتشي كريستي، كذلك تعرف أجاثا كريستي باسم السيدة مالوان وهو اسم عائلة زوجها الثاني، وبخلاف هذه الاسماء الحقيقية جميعها، فقد كان لكريستي اسماً مستعاراً في بداية حياتها الأدبية، وهو ماري ويستماكوت والذي أصدرت به مجموعة من الروايات الرومانسية.
التعليم :
لفترة طويلة من حياتها لم تحظ أجاثا كريستي بتعليم أكاديمي، أو بمعنى أدق لم يكن لها نصيب من التعليم بشكله التقليدي، وحالتها هذه –وإن بدت غريبة- إلا إنها ليست شاذة أو متفردة، بل إنها كانت سمة العصر الذي عاشت به والمجتمع الذي نشأت وسطه، فكانت العائلات الميسورة آنذاك تستقدم المعلمين لبناتهم بالمنازل، فتعلمت أجاثا كريستي بمبادئ الكتابة والقراءة وكذلك الموسيقى في وقت مبكر من خلال الدروس الخاصة، ثم في وقت لاحق انتقلت إلى باريس حيث التحقت هناك بالمدرسة النظامية لأول مرة، وعلى الرغم من إن الرحلة في الأساس كان غرضها الدراسة، إلا أن كريستي تقول إنها استفادت من تلك الرحلة بشكل آخر، إذ إن كان لديها متسع من الوقت للتعرف على مجتمع جديد، كذلك حرصت على زيارة المعارض والمتاحف التي تشتهر بها فرنسا، وهذا كله ساهم في تنمية الحس الفني بداخلها، وهو ما استفادت منه بشكل كبير عند احترافها الكتابة الأدبية.
زواجها الأول :
حين أتمت أجاثا كريستي تعليمها في مدارس باريس وعادت إلى بلدها إنجلترا، كانت في أوائل العشرينات من عمرها تقريباً، فبدأ يتقدم إليها الخاطبين وكان عددهم ليس بقليل، وبعد فترة من رفض كل الخاطبين التحقت إجاثا كريستي بمجموعات الممرضات المتطوعات خلال الحرب العالمية، فكان لقاؤها بالعسكري البريطاني أرتشي كريستي، الذي نشأت بينهما قصة حب فتقدم لخطبتها، وبالفعل تم زواجهما بالفعل في 1914م، وقد أنجبت أجاثا من هذه الزيجة ابنتها الوحيدة روزالند كريستي، ولكن لم يكتب لهذا الزواج الاستمرار بسبب عدم قدرة أجاثا على التأقلم مع طبيعة حياة أرتشي العسكرية، ثم كانت الطامة الكبرى باكتشافها إنه على علاقة بامرأة أخرى.
زواجها الثاني :
لم تحتفظ أجاثا كريستي من زيجتها الأولى سوى بابنتها ولقب “كريستي”، أما عواطفها تجاه أرتشي فلم يبق منها أثر، وهو ما سهل عليها ابتداء حياتها مجدداً برفقة شخص آخر، تقول عنه إنه حبها الأول بالمعنى الحقيقي أو بتعبير آخر حبها الناضج، وكان ذلك الزوج هو ماكس مالوان عالم الآثار، وقد أعلنا زواجهما في عام 1930م وقد أثار هذا دهشة الكثيرين، إذ أن أجاثا كانت تكبره سناً بحوالي أربعة عشر عاماً.. وحين تتحدث أجاثا كريستي عن ماكس مالوان فهي تتحدث بكثير من الامتنان، وتؤكد في كل مناسبة إن ما بلغته من مكانة ما كانت لتحققه بدونه، إذ إنه كان متفهماً لطبيعها عملها وكان يشجعها على المضي قدماً به، وإنه كان خير داعم لها خلال مسيرتها الأدبية بكافة مراحلها.
الرحالة أجاثا كريستي :
لم يكن الدعم المعنوي هو كل ما قدمه السيد مالوان لزوجته أجاثا، بل إنها استفادت مهنياً من زواجهما بأسلوب آخر غير مباشر، وهو إن طبيعة عمله كباحث أثري كانت تتطلب التنقل الدائم، وكانت أجاثا كريستي ترافقه في هذه الرحلات، والتي كان أغلبها يتمركز في محيط الدول العربية والشرق الأوسط، فزارت معه بلاد مثل العراق ومصر والشام وغيرهم الكثير، وقد ساعدها ذلك على امتلاك خيال مُطلق العنان، كما إن احتكاكها بشعوب متباينة وثقافات مختلفة جعلها أكثر وعياً وذات أفق متسع، وعلاوة على هذا كله فقد اتخذت من المواقع التي زارتها مواقعاً لأحداث روايتها.
ملكة الجريمة المُلهمة :
أما عن تأثير أجاثا كريستي في الأدب أو ما يمكن وصفه بالإنجاز الذي حققته من خلال مسيرتها، فيكفي القول بإنها قد لُقبت من قبل النقاد بلقب “ملكة الجريمة”، واستحسن القراء هذا اللقب فزاد التصاقه بها، وحتى يومنا هذا لم يظهر أي من أدباء أدب الجريمة قادر على منافستها على لقبها هذا، وكيف يمكن ذلك و أجاثا كريستي هي مُلهمة كتاب الجريمة، ومؤلفاتها في هذا اللون الأدبي تعد بمثابة مراجع دراسية.
الوفاة :
قضت أجاثا كريستي السنوات الأخيرة من حياتها منعزلة عن الحياة العامة، متأثرة بتدهور حالتها الصحية الناتجة عن تقدمها في العمر، وكانت تقريباً لا تغادر منزلها الواقع في مقاطعة ولينجفورد بمقاطعة أكسفوردشاير، وبه لفظت آخر أنفاسها في الثاني عشر من شهر يناير لعام 1976م، وتوفيت عن عمر يناهز الخامسة والثمانون عاماً متأثرة بتدهور حالتها الصحية المتردية وآثار الشيخوخة، وتم تشييع جثمانها إلى الكنيسة القريبة المتواجدة في محيط منزلها، وتم دفنها في الباحة الأمامية الملحقة بذات الكنيسة.
مكانة أجاثا كريستي وتكريمها :
أجاثا كريستي حازت أعمالها على العديد من الجوائز الفنية والأدبية، ولعل أبرز ما حازت عليه هو حصولها على جائزة إدجار، ولكن هذا لا تبين منه مكانة كريستي الأدبية بالقدر الكافي، فكثيرون هم من ينالون الجوائز والأوسمة، أما أجاثا كريستي فهي حالة فريدة صارت تُدرس، وقد تم تخليد ذكراها بأكثر من وسيلة حتى بعد وفاتها، ومن أمثلة هذا التكريم ما يلي :
- النصب التذكارية : هناك أكثر من نصب تذكاري موزع بأرجاء المملكة المتحدة يحمل اسم أجاثا كريستي.
- الحلقات التلفزيونية : تم إطلاق مجموعة حلقات تلفزيونية بعناون أجاثا كريستي بوارو أو Agatha Chrisite’s Poirot، وهي حلقات ترصد وتناقش وتحلل أعمال كريستي الأدبية، وقد استمر عرض هذه الحلقات من عام 1989م وحتى عام 2013م.
- السيرة الذاتية : هو كتاب من تأليف جانيت مورجان تم إصداره في عام 1985م، وتقوم الكاتبة من خلاله بتسليط الضوء على حياة رائدة أدب الجريمة، بجانب رصدها مدى تأثر الكتاب الآخرين بأسلوب كريستي الروائي.
أضف تعليق