مهاتما غاندي هو أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإنساني، رحلة نضاله لتحرير الهند من براثن الاستعمار البريطاني معروفة للجميع، وكذلك جهوده في مناهضة العنصرية ونبذ التفرقة على أساس الدين أو الجنس أو اللون، لكن ماذا عن رحلته الشخصية؟، كيف نشأ وأين؟، ومن الذين تأثر بأفكارهم وساهموا في تكوين شخصيته؟، وكيف بدأت مسيرته وكيف انتهت؟.. أو يمكن دمج كل هذه الأسئلة معاً في سؤال واحد هو : من هذا ؟
مهاتما غاندي .. من هذا ؟
هو المُلقب بأبو الهند وزعيمها الروحي، وكذلك هو من الشخصيات الملهمة للملايين حول العالم ممن تأثروا بفلسفته ومبادئه، فما سيرة ذلك الرجل صاحب التأثير العظيم.. مهاتما غاندي
الميلاد والعائلة :
في الثاني من أكتوبر لعام 1869م وُلد مهاتما غاندي في ولاية جوجارات الهندية، والتي كانت آنذاك واقعة تحت سيطرة الاستعمار الإنجليزي، وكانت عائلة غاندي من العائلات العريقة والميسورة بهذه المقاطعة من الهند، إذ أن العائلة كان لها العديد من المشاريع التجارية، بجانب إن العمل بالمجال السياسي كان متوارثاً في سلسالها، فجده كان رئيس وزراء إمارة بوربندر الهندية، وبعد وفاته شغل والد غاندي نفس المنصب خلفاً له، وقد عُرف غاندي عند الولادة باسمه الكامل “موهانداس كرمشاند غاندي”.
الألقاب :
حمل غاندي خلال حياته العديد والعديد من الألقاب التي ناداه بها عامة الناس، تعبيراً عن تقديرهم له وما يبذله من جهد في سبيل وطنه، ولكن أشهر هذه الألقاب والذي قد يفاجئ البعض، هو لقب ” مهاتما غاندي “، فالعديد من غير العارفين بلغة الهنود يعتقدون بأن مهاتما هو الاسم الأول له، ولكن الحقيقة إن الاسم الأول -كما ذكرنا- هو موهانداس، أما لفظ “مهاتما” فهو مصطلح باللغة السنسكريتية ويُعني الروح العظيمة، وأول من أطلقه على غاندي كان الشاعر المسرحي البنغالي رويندرونات طاغور. أيضاً عرف غاندي بلقب “بابو” وهو اللقب الرسمي الذي منحته إياه الدولة ويُعني الأب.
السفر والدراسة :
تلقى مهاتما غاندي تعليمه الأول في المدارس الابتدائية في الهند ثم جنوب إفريقيا، أما دراسته الجامعية فقد كانت في العاصمة الإنجليزية لندن، والتي انتقل إليها في 1882م لهذا الغرض تحديداً، وحين يتحدث مهاتما غاندي عن تلك المرحلة من حياته، يقول إنه في بادئ انبهر بنمط الحياة الأوروبي، وكان على شفا حفرة الانغماس في اللهو والضياع، إلا إنه سرعان ما تدارك الأمر وعاد لالتزامه وسبيله الذي اختاره، وانتظم في دراسته وكانت متخصصاً في دراسة القانون.
الزوجة والابناء :
زواج مهاتما غاندي تم في وقت مبكر جداً من عمره، وذلك وفقاً للتعليم الدينية والقبلية التي كانت متبعة حيث وُلد بالهند؛ فحين تزوج غاندي كان في الثالثة عشرة من عمره تقريباً من فتاة تدعى كاستوريا، ولكن مهاتما غاندي أحبها وأحب عشرتها، وقد أنجب من زيجته هذه الابناء الأربعة، وم هاريال ومانيال ورامداس وديفاس غاندي.
شخصيات تأثر بها :
التعليم الأكاديمي أو دراسة القانون ليس هو ما شكل شخصية مهاتما غاندي وإدراكه ووعيه، ولكن هناك العديد من الشخصيات التي تأثر بها، والتي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل شخصيته على هذا النحو، أو الشخصيات المؤثرة في حياته هي عائلته، ذات الباع الطويل في العمل السياسي، فمنذ طفولته كان يستمع لأبيه وهو يحلل الأمور والأوضاع ويتكهن بما ستؤول إليه، مما جعل لديه وعي سياسي مكنه من جدال كبار وهو لا يزال بعمر الصبا، على الجانب الآخر كان مهاتما غاندي لديه شغف بالمعرفة وكثير الاطلاع، ومن بين الكتاب والكتابات التي تأثر بها، ملحمة نشيد الطوباوي الشعرية وهي عبارة عن قصائد هندوسية، كذلك تأثر تأثر كبير بكتابات الفيلسوف الإنجليزي جون راسكن، وكذلك مؤلفات الروسي تولستوي وخاصة كتابه “الخلاص من أنفسكم”.
علاقته بالأديان :
المعروف لنا وفقاً للمصادر التاريخية المتناولة لسيرة مهاتما غاندي إنه كان يؤمن بالهندوسية، وإنه لفترة من حياته كان يبغض الدين المسيحي، وذلك بسبب شخص مسيحي كان يعادي الهندوس ويطالب بإبداتهم، ولكنه في وقت لاحق عَدّل عن هذا الرأي، ورأى إنه من الظلم أن يكن الكره لملايين البشر بسبب فعل شخص واحد، ومن هنا بدأ غاندي رحلته مع الأديان المختلفة، ففي البداية قرأ الإنجيل واستلهم معانيه وأحكامه، ويقول إنه استفاد بشكل كبير من تعاليم الدين المسيحي وتأثر بها، ولإنه كان دوماً لديه شغف للتعلم والمعرفة، فقد تطرق فيما بعد للديانة اليهودية والإسلامية، وفي المجمل فقد كان مهاتما غاندي يذكر الأديان جميعها بكثير من التقدير والاحترام، ولكن لا يوجد أي سند تاريخي يخبرنا بإنه قد اعتنق أي منهم، مما يعني إنه قد ظل على هندوسيته حتى الوفاة.
تأثيره وإنجازه :
مهاتما غاندي حياته زاخرة بالبطولات والإنجازات التي يصعب تكرارها، ولكن إنجازه الأكبر يكمن في تأثيره بالناس، والبصمة التي تركها بهم حتى بعد وفاته، فتعاليم غاندي وفلسفته ألهمتهم الكثيرين ممن عاصروه وممن جاءوا بعده، فهو أحد أهم الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإنساني بشكل عام، وفي تاريخ الهند بصفة خاصة، حتى أن اسمه لا يُذكر بها إلا ويسبقه لقب “أبو الهند” كنوع من التوقير والامتنان والعرفان بالجميل، وتقديراً له على كل ما بذله من أجل رفعة وطنه وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة على أرضها.
سنواته الأخيرة :
بحلول عام 1945م كان حلم مهاتما غاندي والهدف الذي أفنى حياته سعياً وراءه قد أوشك على التحقق، فالهند كانت قد اقتربت بنسبة كبيرة من الحصول على استقلالها أخيراً، وطالما اعتقد غاندي بإنه سيسعد بذلك وسيرتاح أخيراً من مشقة النضال، ولكن ما حدث بالواقع كان مخيباً لآماله ومخالفاً لتوقعاته، فمع ظهور الدلالات المبشرة بقرب انتهاء عصر الاحتلال، صدحت الأصوات المنادية بتقسيم الهند إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، فاغتم مهاتما غاندي بسبب هذه الدعوات المنادية بالانقسام والتفتت، وحاول كثيراً إقناع محمد على جناح المروج لهذه الفكرة بالعدول عنها، إلا أن الأخير تمسك بموقفه وفي النهاية تقسمت الهند الأمر الذي شكل صدمة كبيرة بالنسبة لغاندي.
الاغتيال :
لا يكفي أن تكون داعياً لنبذ العنف حتى تأمنه، إن كانا نريد دليل على صحة هذا القول السابق فلا دليل أقوى من نهاية مهاتما غاندي المآساوية، فقد كان يعلم علم اليقين بأن دعواه لنبذ العنصرية واحترام الأقلية المسلمة لن تلقى ترحيب الكثيرين، ولكنه رغم ذلك أطلقها ولم يخش هجومهم عليه، لكن هناك فئة من المنتمين إلى الهندوسية كان قد أعماهم التعصب الديني، فلم يدخلوا معه في نقاش حول دعواه، فقد كانوا ضد مجرد طرح مثل هذه الأفكار من الأساس، وكان من المعروف لهم إن لا أحد في الهند يحظى بشعبية كتلك التي حظي بها مهاتما غاندي ،فتخوفوا من أن تلقى دعواه قبول لدى عامة الناس، فقرروا التخلص منه ونفذوا خطتهم في الثلاثين من يناير لعام 1948م، وقام بها أحد المتعصبين الهندوس ويدعى ناثوم جوتسي، الذي ترصد غاندي وأطلق عليه ثلاث رصاصات أسقطته صريعاً في الحال، وكان ذلك في مدينة نيودلهي الهندية، وتم تشييع مهاتما غاندي إلى مسقط رأسه بجوجارات حيث دفنت رفاته، وتم إقامة نصب تذكاري له هناك لتخليد ذكراه.
أضف تعليق