دان براون هو الاسم الذي اجتاح مجال الأدب خلال السنوات الأخيرة، الاسم الذي اعتلى رؤوس قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات الكبرى حول العالم، والاسم الذي نشاهده على أغلب الكتب بأيدي القراء في الجامعات والحدائق والمواصلات العامة.. تمكن دان براون خلال فترة زمنية قصيرة من الوصول لملايين القراء في شتى بقاع العالم، وأصبح من أكثر الكتاب المعاصرين شهرة وشعبية خاصة بين الشباب اللذين يترقبون صدور الأعمال الأدبية الخاصة به بدرجة كبيرة من الشغف، فترى كيف كانت مسيرة دان براون الأدبية؟ وكيف بلغ هذه الدرجة من الانتشار وما سر الشعبية الطاغية التي يحظى بها؟
دان براون .. من هذا ؟
ذاع صيت اسم دان براون في عالم الأدب مع بداية الأليفة الحالية وتحديداً حين أصدر روايته الشهيرة شيفرة دا فنشي التي أثير حولها الكثير من الجدل، لكن هذه النقطة لا تمثل بداية مسيرته الأدبية وكذلك لم تكن نقطة النهاية.. فترى كيف كانت حياته قبل شيفرة دا فنشي وما الذي حققه بعدها؟
الميلاد والنشأة :
دان جيرهارد براون ويُعرف باسمه المختصر دان براون وُلِد في الثاني والعشرين من يونيو عام 1964م وكان ذلك في مدينة أكستر التابعة لمقاطعة روكينجهام في نيو هامبشاير الأمريكية. دان براون كان الابن الأكبر بين ثلاثة ابناء وقد نشأ في كنف أسرة أمريكية مسيحية عُرِف عنها الاهتمام بمجالات الثقافة والفنون وكذلك الالتزام الديني، حيث أن والده ريتشارد جي براون كان مدرساً لمادة الرياضيات في أكاديمية فيليبس أكستر، أما والدته كونستاس فقد كانت موسيقية متخصصة في الموسيقى الدينية وحاصة على درجة الماجستير في هذا المجال.
الدراسة والوظيفة الأولى :
حين بلغ دان براون سن الدراسة الابتدائية ألحقه والده بأكاديمية فيليبس أكستر التي كان يعمل بها مدرساً لمادة الرياضيات، وبعدما أتم دراساته الأساسية بتلك الأكاديمية التحق بصفوف كلية أمهرست، وخلال فترة الدراسة الجامعية شارك دان براون في العديد من الأنشطة الفنية والثقافية وتخرج من أمهرست في 1986م.
بعدما تخرج دان براون من الكلية واصل ممارسة نشاطه الفني في مجال الغناء بصفته هاوياً، وخلال نفس الفترة عمل في مجال تدريس اللغات، حيث حصل على وظيفة مدرس لمادة اللغة الإنجليزية في أكاديمية فيليبس أكستر التي كان طالباً بها، كما عمل مدرساً للغة الإسبانية للأطفال في مدرسة أكرمان لينكولن.
الاتجاه إلى الأدب :
ابتداءً من عام 1986م عانى دان براون من إحدى حالات التخبط الفكري، حيث لم يكن لديه طموح محدد أو طريق واضح المعالم نحو المستقبل، حيث لم يكن محباً لعمله في مهنة التدريس ولكن لم يكن لديه تصور واضح عما يرغب في أن يكونه، وظلت تلك الحالة مسيطرة عليه حتى عام 1993م، حيث تأثر خلال تلك الفترة بالعديد من الروايات التي قرأها وخاصة رواية مؤامرة يوم القيامة للكاتب سيدني شيلدون الذي يعتبره براون من الشخصيات المُلهمة بالنسبة له، وخلال تلك الفترة قرر براون البدء في عمله الروائي الأول والذي أطلق عليه عنوان الحصن الرقمي.
الانطلاق في عالم الأدب :
استغرقت كتابة الرواية الأولى لـ دان براون فترة طويلة وهو ما يُفسر طول المدة الزمنية بين البدء فيها وبين تاريخ نشرها، إلا أن الفائدة الحقيقية التي عادت على براون من هذه الرواية هي أنها جعلت لديه هدف في الحياة، وفي عام 1996م أقدم على مغامرة كبرى حين قرر أن يستقيل من وظيفته في التدريس وأن يتفرغ بشكل كامل للعمل الأدبي، وفي عام 1998م خرجت رواية الحصن الرقمي -روايته الأولى- للنور وحققت صدى جيد لدى القراء والنقاد على المستوى المحلي، الأمر الذي شجع براون على الاستمرار وبدء العمل على عمله الأدبي الثاني والذي حمل عنوان نقطة الخداع أو الخديعة والذي تم طرحه في المكتبات في عام 2000م.
شيفرة دافنشي والوصول إلى العالمية :
قدم دان براون في بداية حياته الأدبية ثلاثة روايات هم رواية الحصن الرقمي ورواية نقطة الخداع ورواية ملائكة وشياطين، جميعهم حققوا نجاحاً مقبولاً حيث بيعت منهم حوالي عشرة آلاف نسخة وقد ساهمت زوجته بلايث براون في الترويج لهم من خلال الفعاليات الثقافية ووسائل الإعلام وغير ذلك.
لكن أولى خطوات دان براون على طريق العالمية كانت في عام 2003م حين أصدر براون رواياته الأشهر على الإطلاق والتي تحمل عنوان شيفرة دافنشي، حيث تصدرت الرواية فور طرحها قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات الأمريكية، كما جاءت على رأس قائمة الترشيحات الأدبية التي تنشرها صحيفة نيويورك تايمز، وبحلول عام 2005م تم ضم اسم دان براون إلى قائمة مجلة Time لأكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم، كما أدرجته مجلة فوربس ضمن قائمة الشخصيات الأكثر ثراءً في العالم بعدما قدرت دخله السنوي بمبلغ 76 مليون دولار أمريكي هم نسبته من عائد مبيعات رواية شيفرة دافنشي التي حققت إيرادات حول العالم تقدر بحوالي 250 مليون دولار أمريكي.
بصدور رواية شفرة دا فنشي تبرع براون على عرش الأدب العالمي بتحقيقه نسبة مبيعات غير مسبوقة حول العالم، ومنذ ذلك الحين توالت أعماله الأدبية التي حققت نجاحاً مماثلاً ومنها رواية الرمز المفقود ورواية الجحيم، ويعد براون حالياً أحد أشهر وأبرز الأدباء المعاصرين ويصفه بعض النقاد بأنه أسطورة أدبية.
الإنجاز والأثر :
الإنجاز الحقيقي الذي حققه دان براون لا يتمثل في الوصول إلى قمة الهرم الأدبي العالمي، بل يتمثل في تمكنه من الاحتفاظ بالمركز الأول، حيث أن النجاح الذي حققه براون يمكن وصفه بالنجاح التصاعدي المستمر، بمعنى أن كل رواية يقوم بإصدارها تحقق نجاحاً أكبر من سابقتها، والفضل في ذلك يعود إلى شعلة حماسه التي لا تنطفئ وحرصه الدائم على تطوير أدواته والبحث عن الأفضل بصفة مستمرة.
التفاصيل سر النجاح :
حين بحث النقاد عما يفسر النجاح الساحق الذي حققه دان براون في مجال الأدب، وجدوا أن ما يميزه عن منافسيه من الكتاب هو اهتمامه الشديد بالتفاصيل الدقيقة لأعماله الأدبية، حيث أن من عادات براون القيام بعدة رحلات استكشافية قبل البدء في الكتابة ويحرص على زيارة المواقع الحقيقية التي تدور بداخلها أحداث رواياته، كما يقوم بإجراء عِدة دراسات بحثية مكثفة حول الموضوع الذي تدور حوله الرواية، ولعل هذا ما يجعل خطواته في عالم الأدب بطيئة نسبياً مقارنة بغيره من الكتاب، حيث أنه يصدر كتاباً واحداً كل عامين : ثلاثة أعوام تقريباً.
الأسلوب الفني :
يمتلك دان براون أسلوباً فنياً بديعاً ومميزاً كان أحد الأسباب المباشرة لتحقيقه ذلك النجاح، حيث أن أعمال براون بالكامل تعتمد في البناء الدرامي على عناصر التشويق والإثارة، وكثيراً ما تتسم أحداث رواياته بدرجة كبيرة من الغموض حيث تتمحور حول الشفرات والرموز مما يضاعف جرعة التشويق وهو الأمر الذي يضاعف متعة القراءة، أما من حيث اللغة فأن دان براون يعتمد في رواياته على لغة سهلة وبسيطة بعيدة كل البُعد عن التكلف مما يجعل القراءة أكثر سهولة ومتعة، وقد نجح براون من خلال تلك الأساليب الفنية والأدبية في اجتذاب الشريحة الأكبر من القراء حول العالم.
علاقته بالدين :
عادة ما تتضمن روايات دان براون عدد كبير من الرموز الدينية وكثيراً ما تكون الكنائس ودور العبادة بصفة عامة ضمن مسارح الأحداث في الأدب الذي يقدمه، الأمر الذي دفع القُراء إلى التساؤل حول اعتقاد براون الديني وفلسفته الإيمانية، وقد أجاب براون عن هذا التساؤل في أكثر من لقاء أُجري معه. حيث أكد على أنه نشأ في كنف أسرة ملتزمة دينياً وقد اعتاد في طفولته على التوجه إلى الكنيسة وحضور العظة، إلا أنه في فترة مراهقته أصيب بحالة من التخبط الفكري نتج عنها ابتعاده عن الدين، إلا أنها لم تدم لفترة طويلة عاد بعدها رشده بفضل كثرة اطلاعه وإجراء العديد من الأبحاث المتعلقة بالأمور الدينية ليصبح أقوى أيماناً من ذي قبل.
حياته الشخصية :
يبدو أن دان براون لا يستطيع أن يحيا بعيداً عن الفن والثقافة، حتى أنه كان أحد الأسباب تعرفه بزوجته وانجذابه إليه، فقد تزوج براون في عام 1997م من السيدة بلايث نيلون التي عرفت فيما بعد باسم بلايث براون نسبة إليه، وهي رسامة وأستاذة جامعية متخصصة في تدريس تاريخ الفن، كما أن لها العديد من الأنشطة الفنية والثقافية.
تعد بلايث براون شريكة حياة بالمعنى الحرفي للكلمة، فقد ساندت دان براون خلال مسيرته وساهمت بشكل فعال في النجاح الذي حققه، حيث أنها تهتم بأدق تفاصيل عمله وتحرص على مشاركته إياه، حتى أنها تحرص على مرافقته خلال رحلاته الاستكشافية خلال فترة دراسة العمل الروائي وأشهرها رحلتهما إلى باريس حيث قاما بزيارة متحف اللوفر لإجراء بحثاً يتعلق برواية شيفرة دا فنشي.
دان براون في السينما :
تعتمد هوليوود بنسبة كبيرة على الأعمال الأدبية في إثراء مشروعاتها السينمائية، والنجاح العالمي الذي حققته روايات دان براون جذب إليه أنظار المنتجين اللذين حرصوا على استثمار هذا النجاح في إنتاج عِدة أفلام سينمائية مستوحاة من روايات براون.
تم طرح أول تلك الأفلام في عام 2006م وحمل نفس عنوان الرواية المقتبس عنها شيفرة دافنشي أو The Da Vinci Code، وقد قام الكاتب أكيفا جولدسمان بإعداد السيناريو الخاص بالفيلم، والذي حقق نجاحاً مدوياً عن طرحه بدور العرض الأمريكية والعالمية على المستويين الجماهيري والنقدي، مما شجع الجهة المنتجة على تكرار التجربة ليصدر الفيلم الثاني المقتبس من أعمال براون في عام 2006م والذي حمل عنوان ملائكة وشياطين Angels and Demons وفي 2016 عُرض الفيلم الثالث جحيم أو Inferno.
جدير بالذكر أن الممثل العالمي توم هانكس لعب دور البطولة في كافة الأفلام السينمائية المستوحاة عن روايات دان براون ومن المقرر أن يشارك أيضاً في الفيلم الرابع المأخوذ عن رواية الرمز المفقود The Lost Symbol التي حصلت شركة كولومبيا على حقوق تحويلها إلى عمل سينمائي.
إسهاماته الخيرية :
انضم دان براون إلى قائمة المشاهير المهتمون بمجالات العمل العام والتطوعي، حيث قدم براون العديد من التبرعات إلى الجمعيات الخيرية والمؤسسات المعنية بالشأن العام ومساعدة الفقراء والمتضررين من الكوارث، وكانت أبرز التبرعات التي قدمها براون في عام 2009م حيث أعلن عن تبرعه بمبلغ 2.2 مليون دولار أمريكي نيابة عن عائلته إلى أكاديمية فيليبس إكستر بهدف تطوير الوسائل التقنية المستخدمة في العملية التعليمية، كما قام دان براون بمشاركة زوجته في إنشاء منحة خيرية ابتداءً من عام 2011م عرفت باسم منحة دان وبلايث براون، هذا بالإضافة إلى أن براون وزوجته من أبرز أعضاء مؤسسة نيوهامشير الخيرية.
أضف تعليق