محمود عبد العزيز هو النجم الذي استحق عن جدارة لقب ساحر السينما العربية، هو من استطاع أن يقدم عدد هائل من الشخصيات المتباينة والمختلفة والمعقدة وأتقنها جميعها بنفس الدرجة، هو الشيخ حسني الضرير وعبد الملك زرزور زعيم عصبة من الخارجين على القانون وهو الضابط شركس في البرىء وهو المطرب الشعبي مزاجنجي في الكيف، هو ساحر بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فـ محمود عبد العزيز هو الذي قدم الدراما الإنسانية فأبكى المشاهد وهو أيضاً الذي اشتهر بخفة ظله وطالما رسم البسمة على الوجوه.
محمود عبد العزيز .. من هذا؟
محمود عبد العزيز هو الفنان الذي بدأ مسيرته من مسرح الجامعة وأنهاها وهو على قمة الهرم الفني العربي.. فكيف كانت مسيرته بين هذا وذاك؟ وما الإنجاز الذي حققه والأثر الذي تركه؟
الميلاد والنشأة :
وُلِد النجم المصري محمود عبد العزيز في الرابع من يونيو عام 1946م، وكان ذلك في حي الورديان وهو أحد الأحياء الشعبية بمحافظة الإسكندرية المصرية. نشأ محمود عبد العزيز في كنف أسرة مصرية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة عُرف عنها الانضباط والالتزام الديني، وقد تأثر محمود الصغير بوالديه في هذه النقطة فكان أحد أكثر الفنانيين التزاماً من الناحية الدينية، وفقاً لشهادة العديد من زملائه ومن بينهم الفنان نبيل الحلفاوي الذي روى العديد من المواقف التي جمعته بعبد العزيز.
الدراسة والموهبة :
تلقى محمود عبد العزيز تعليمه الأول في المدراس الحكومية التابعة لحي الورديان بالإسكندرية، وقد بدأت موهبته الفنية في الظهور خلال تلك الفترة، والتي تمثلت في قدرته على تقليد أصوات وحركات العديد من الشخصيات المُحيطة به، كما اشتهر وسط زملاء دراسته بهذه القدرة الفريدة.
مع الوقت أدرك محمود عبد العزيز إنه يمتلك موهبة التمثيل وازداد شغفه تدريجياً بمجال الفن حتى راوده حلم الاحتراف، وبعد إتمامه لمرحلة الدراسة الثانوية الانضمام إلى المعهد العالي للسينما، إلا أن والده عارض رغبته ورفض فكرة أن يعمل ابنه بمجال الفن، وبناء على ذلك التحق محمود عبد العزيز بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية وحصل منها على درجة البكالوريوس، ثم نال درجة الماجستير في تخصص تربية النحل.
بين الزراعة والفن :
شارك محمود عبد العزيز أثناء دراسته في العديد من العروض المسرحية التي أقيمت على مسرح الجامعة، ومن خلالها اكتسب بعض الخبرة وأصقل موهبته، كما تعرف على العديد من المخرجين السكندريين مثل سعد أردش ومحمد فاضل، وكلاهما طلب منه الحضور إلى القاهرة للحصول على فرصة حقيقية في مجال الفن.
بعد تخرج محمود عبد العزيز من الكلية عمل لفترة في مجال الزراعة، ولكنه لم يستطع مقاومة شغفه الشديد بالفن، فعرض الأمر على والده السيد عبد العزيز محمود مرة أخرى إلا إنه قابل طلبه هذه المرة أيضاً بالرفض، ولكن -رغم ذلك- قرر محمود عبد العزيز الاستماع إلى نصيحة الأصدقاء وتوجه إلى القاهرة.
رحلته في القاهرة :
توجه محمود عبد العزيز إلى القاهرة وهو لا يملك سوى موهبة وحلم، لم يكن يعلم على وجه الدقة ماذا سيفعل أو كيف ستكون حياته به. بدأ رحلة بحثه عن فرصة في مجال الفن، وبالفعل تمكن من العمل في بعض المسلسلات الإذاعية نظير أجر قليل لم يكن يكفي لنفقات المعيشة، ويقول عبد العزيز إنه كانت تمر عليه أيام في تلك الفترة لم يكن يملك فيها ثمن الطعام، وكان يضطر للمبيت في الفنادق البسيطة منخفضة التكلفة أو أن يحل ضيفاً على أحد زملائه.
وانتهى به المطاف داخل إحدى شقق المنيل التي تشاركها مع العديد من المغتربين ممن هم في مثل ظروفه، كي يتم تقسيم القيمة الإيجارية عليهم حتى يتمكنوا من سدادها، وخلال تلك الفترة حظي محمود عبد العزيز بأول فرصة حقيقية له في مجال الفن، حيث شارك في مسلسل الدوامة إلى جانب محمود ياسين ونيللي ومن إخراج نور الدمرداش، وكان هذا المسلسل هو البداية الحقيقية لمسيرة الساحر الفنية.
خلافه مع والده :
الفنان محمود عبد العزيز بإصراره على الانتقال إلى القاهرة واحتراف التمثيل وضع نفسه في موقف لا يُحسد عليه، خاصة في مرحلة البداية التي كان يبحث خلالها عن الفرصة، حيث كان غير قادر على توفير النفقات الضرورية للإقامة بالقاهرة، وفي ذات الوقت ليس باستطاعته العودة إلى الإسكندرية بسبب خلافه مع والده الرافض لعمله بالفن.
كان محمود عبد العزيز أن والده راغب في الأصلح له من وجهة نظره، ولهذا كان يرفض فكرة العودة إلى الإسكندرية قبل أن ينجح بمجال الفن ويحقق ذاته، وهو ما حدث بالفعل في نهاية الأمر، وبعدما نجح عبد العزيز وذاع صيته عاد إلى الإسكندرية، وعاد الوفاق بينه وبين والده الذي أظهر فرحته بالنجاح الذي حققه نجله وعبر له عن مدى فخره به.
البداية السينمائية :
بداية محمود عبد العزيز في عالم السينما كانت بالغة القوة، حيث كانت أولى مشاركاته السينمائية من خلال فيلم هام هو الحفيد، الذي لعب به دور محوري إلى جانب كوكبة من النجوم على رأسهم عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار ونور الشريف وميرفت أمين وكان ذلك عام 1947م.
جذب محمود عبد العزيز الأنظار إليه من خلال الأداء المتميز الذي قدمه بفيلم الحفيد، وفي العام التالي مباشرة انتقل إلى البطولة المطلقة، حيث أسند إليه المنتج رمسيس نجيب دور البطولة في فيلم حتى آخر العمر أمام نجوى إبراهيم ومن تأليف الكاتب الكبير يوسف السباعي وإخراج أشرف فهمي، وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً على المستويين الجماهيري والنقدي مما مهد الطريق أمام عبد العزيز لمتابعة مسيرته.
نجم الثمانينات :
شارك محمود عبد العزيز خلال الفترة ما بين 1975م وحتى 1980م بالعديد من الأفلام، التي برزت من خلالها موهبته التمثيلية الفريدة، ولكنه بلغ ذروة شهرته ونجاحه ونشاطه الفني خلال عقد الثمانينات، حيث تركز اهتمام عبد العزيز على السينما بشكل خاص، ويعتبر محمود عبد العزيز واحد من أهم ثلاثة أعمدة حملت صناعة السينما المصرية خلال تلك الفترة إلى جانب الراحلين أحمد زكي ونور الشريف.
تنوع إنتاج محمود عبد العزيز الفني خلال تلك الفترة ما بين الأعمال الكوميدية والتراجيدية وبعض أفلام الفنتازيا، وتعد أفلام محمود عبد العزيز في مجملها وأفلام الثمانينات بصفة خاصة من أشهر وأهم الأعمال في تاريخ السينما العربية، ومن تلك الأفلام ما يلي:
- إعدام طالب ثانوي
- العار
- العذراء والشعر الأبيض
- إعدام ميت
- الكيف
- البرىء
- الدنيا على جناح يمامة
- عفواً أيها القانون
- ابناء وقتلة
محمود عبد العزيز في التلفزيون :
شارك محمود عبد العزيز في العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والتي حققت نجاحاً مماثلاً لما حققه في السينما ولكنها أقل عدداً، بداية عبد العزيز كانت تلفزيونية من خلال مسلسل شجرة اللبلاب والذي قدم به دور صغير، ثم حصل من خلاله على فرصته الحقيقية في مسلسل الدوامة في عام 1976م، ثم انقطع عن العمل التلفزيوني لفترة طويلة إلى أن أعاده إليه المخرج سمير سيف عام 1988م بمسلسل البشاير، ثم كان عمله التلفزيوني الخالد والذي يعد أحد المسلسلات الخمسة الأكثر شهرة في تاريخ الدراما المصرية وهو مسلسل رأفت الهجان الذي تم تقديمه من خلال ثلاثة أجزاء.
انقطع عبد العزيز مرة أخرى عن العمل التلفزيوني حتى عاد إلى الدراما عام 2004م بتقديمه مسلسل محمود المصري، وابتداءً من عام 2012م انتظم في تقديم عمل درامي كل عامين هم باب الخلق 2012م ثم أبو هيبة في جبل الحلال 2014م وأخيرهم مسلسل رأس الغول في 2016م.
تأثيره وإنجازه :
يعد محمود عبد العزيز واحد من أبرز النجوم في تاريخ السينما المصرية، اتسمت أعماله بالتنوع وتعددت طبيعة الشخصيات التي أدى جميعها ببراعة، علاوة على أنه من القلة التي استطاعت الوصول إلى قمة النجومية والحفاظ عليها، فقد انهى عبد العزيز رحلته الفنية وهو بطلاً مطلقاً للأعمال التلفزيونية والسينمائية التي شارك بها.
حياته الخاصة :
خاض النجم محمود عبد العزيز تجربة الزواج مرتين خلال حياته، الأولى كانت من السيدة جيجي زويد من خارج الوسط الفني، وهي والدة أولاده محمد وكريم وشريف، وكان عبد العزيز دائماً ما يتحدث عنها بكثير من الامتنان في حواراته التلفزيونية، ويقول إنها ساندته دائماً ودفعته للأمام.
أما زوجة محمود عبد العزيز الثانية فهي الإعلامية بوسي شلبي وكان ذلك في عام 1998م، وتقول بوسي إن عبد العزيز كان دائماً فارس أحلامها، وحظي الزوجان بحياة مستقرة وهادئة واستمر زواجهما حتى مفارقته للحياة.
مشروع غير مكتمل :
آخر أمنيات محمود عبد العزيز كانت أن يعود إلى العمل بالسينما مرة أخرى، وكان سر غيابه عنها ليس تقلص حجم نجوميته بالطبع، إنما كان حرصاً منه على تقديم الأعمال المميزة التي تليق بتاريخه الفني الحافل بالعلامات المميزة، ودليل ذلك قبوله تجسيد شخصية عبد الملك زرزور في إبراهيم الأبيض أمام أحمد السقا، وفيلم ليلة البيبي دول بمشاركة مجموعة كبيرة من الفنانين.
في عام 2016م وجد محمود عبد العزيز ضالته في سيناريو فيلم بعنوان الدائرة، وكان من المفترض أن يعود به إلى السينما في عام 2017م بمشاركة مجموعة من نجوم الشباب، وكان عبد العزيز سيجسد خلال أحداث الفيلم شخصية أحد زعماء المافيا العالمية، ولكن مرض محمود عبد العزيز تسبب في تأجيل تحضيرات العمل ثم جاءت وفاته لتقضي على المشروع بالكامل، وليكون بذلك ليلة البيبي دول آخر أعماله السينمائية ومسلسل رأس الغول آخر أعماله الفنية بصفة عامة.
الجوائز الفنية :
نال محمود عبد العزيز كم هائل من الجوائز والتكريمات على مدار سنوات نشاطه الفني، ومن أبرز الجوائز التي حصل عليها ما يلي:
- جائزة أفضل ممثل من مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم سوق المتعة
- جائزة أفضل ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم الكيت كات
- جائزة أفضل ممثل من مهرجان دمشق السينمائي الدولي عن أفلام الكيت كات والساحر والقبطان
- جائزة أفضل ممثل من مونديال القاهرة للأعمال الفنية والإعلام عن مسلسل أبو هيبة في جبل الحلال
- تم تكريمه عن مجمل أعماله من قبل مؤسسة الأهرام الصحفية
الوفاة :
تعرض محمود عبد العزيز لوعكة صحية في الثلث الأخير من عام 2016م استدعت احتجازه داخل إحدى المستشفيات، وشهدت التقارير الصحفية المتناولة حالته الصحية الكثير من التضارب، ورفضت عائلته الكشف عن حقيقة المرض الذي كان يعاني منه، وعاشت جماهير وأصدقاء الساحر فترة عصيبة خاصة مع جهلهم بحقيقة المرض الذي يعاني منه.
في الثاني عشر من نوفمبر 2016م أعلن نبأ وفاة محمود عبد العزيز بعد صراع طويل مع المرض، وتم تشييع جثمانه من مسجد الشرطة بمنطقة الشيخ زايد بالقاهرة، بينما دُفن في مقابر العائلة بالإسكندرية إلى جوار والده، وأفادت بعض التقارير الصحفية أن تلك كانت وصية الفنان الراحل.
أضف تعليق