صلاح جاهين هو النجم الساطع دائم التوهج في سماء الفن، هو الاسم الذي لا يتأثر بمرور الزمن وتزداد شهرته وشعبيته رغم وفاة صاحبه قبل خمسة وثلاثون عاماً، لا عجب في ذلك فاسم صلاج جاهين ارتبط بمجموعة الأعمال الأشهر في تاريخ الأغنية والسينما والكاريكاتير ومسرح العرائس، وهو الفنان الذي سخر قدراته ومواهبه لخدمة وطنه فكان لابد أن تخلده ذاكرة الشعوب.
صلاح جاهين من هذا :
صلاح جاهين هو النموذج الأمثل للفنان صاحب المبادئ والتوجه والرسالة، الذي أفنى حياته وسخر فنه من أجل رفعة وطنه دون البحث عن مقابل.. فترى كيف كانت مسيرته الفنية؟ وكيف خدم وطنه بقلمه وفكره وفنه؟
الميلاد والنشأة :
هو محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي جاهين والذي يعرفه العالم العربي أجمع باسم شهرته المختصر صلاح جاهين ،وُلِد الفنان المتعدد المواهب في الخامس والعشرين من ديسمبر لعام 1930م، وكان ذلك في العاصمة المصرية القاهرة وتحديداً في حي شبرا، وقد نشأ جاهين في كنف أسرة مصرية ميسورة الحال إذ أن والده هو المستشار بهجت حلمي، والذي عمل في السلك القضائي وتدرج بالعديد من مناصبه ليختتم مسيرته العملية شاغلاً منصب رئيس محكمة استئناف المنصورة.
مصاعب الولادة :
يذكر كثيراً إن ولادة صلاح جاهين كانت متعثرة بدرجة كبيرة، وإنه قد تعرض هو ووالدته إلى الخطر أثناء عملية الولادة، وإنه حين وُلِد كان شديد الزرقة ولم يصرخ لفترة حتى إن المحيطون به ظنوا إنه الطفل ميتاً، ولكنه بعد قليل أطلق أولى صرخاته بالحياة. يرى البعض إن تعثر الولادة قد أثر على الحالة المزاجية لـ صلاح جاهين طوال حياته، فقد كان معروفاً عنه تقلب المزاج أو بمعنى أصح إنه شديد التأثر بالأحداث، فإن فرح كانت فرحته غامرة كما الأطفال وإذا وقعت مصيبة اشتد اكتئابه، لكن هذا القول المزعوم لا دليل عليه، وقد يكون التقلب المزاجي لـ صلاح جاهين ناتج عن حسه المرهف وعشقه للوطن والذي مر بالعديد من الأزمات خلال حياة جاهين أبرزها نكسة 67.
الدراسة :
مر صلاح جاهين بالمراحل التعليمية الأساسية من خلال مجموعة من المدارس الأميرية بالقاهرة، وبعد إتمامه لدراسته الثانوية قرر الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وذلك يرجع إلى شغفه الكبير بالفن بصفة عامة وبفن الرسم على وجه الخصوص، ورغم اجتيازه اختبارات القبول وتمكنه من الالتحاق بالكلية إلا إن دراسته بها لم تدم لفترة طويلة، ثم تركها والتحق بكلية الحقوق التي تخرج منها.
جاهين رساماً للكاريكاتير :
فور تخرج صلاح جاهين من كلية الحقوق التحق بالعمل في جريدة الأهرام كرسام للكاريكاتير، وسرعان ما فرضت موهبته الفريدة نفسها وذاع صيته، وصار يتابع الآلاف رسوماته التي تناقش القضايا السياسية والاجتماعية وهو ما دفع رؤساء التحرير إلى نشرها بصفة منتظمة بأعداد الجريدة، وكان كاريكاتير جاهين بالغ التأثير وكان دائماً ما يصيب الصميم، ولهذا فقد عدّه شيوخ الصحافة أقوى وأشد تأثيراً من مقالات الرأي المطولة التي نشرت في ذات الفترة. وفي ذات الفترة بدأ جاهين في نظم شعر العامية ولكن بصفته هاوياً.
جاهين وثورة 1952م :
ينتمي صلاح جاهين إلى جيل ثورة 1952م وكان من أشد الفنانيين إيماناً بأهدافها ومبادئها، وقد عبر عن ذلك من خلال أشعاره وقد نظم قصائد عديدة تمدح الثورة والرئيس المصري جمال عبد الناصر، ولهذا فقد كانت لنكسة 1967 تأثيراً قوياً عليه، فقد أصابته بالإحباط واليأس وكانت سبباً مباشراً في اشتداد اكتئابه.
النكسة والرباعيات :
تأثر صلاح جاهين بأحداث النكسة كان سبباً مباشراً في تقديمه لأبرز وأشهر إنتاجاته الأدبية والمعروفة باسم رباعيات صلاح جاهين ،وهي مجموعة من القصائد تحمل العديد من الأطروحات سعى جاهين من خلالها إلى مناقشة الأوضاع السياسية وكشف الخلل في سياسات تنظيم الضباط الأحرار والتي أدت إلى وقوع الهزيمة، ويعتبر النقاد تلك الرباعيات أقوى عمل فني عبّر عن تلك الحقبة من تاريخ مصر.
حياته الخاصة :
خاض صلاح جاهين تجربة الزواج مرتين، الأولى كانت من السيدة سوسن محمد زكي والتي تعرف عليها من خلال عمله كصحفي ورسام للكاريكاتير، إذ إنها هي الأخرى كانت تعمل كرسامة في مؤسسة الهلال، تم الزواج في 1955م ورُزق جاهين من تلك الزيجة بابنته الكبرى أمينة جاهين وابنه بهاء جاهين والذي ورث عن أبيه الفصاحة وكتابة الشعر، لكن تلك الزيجة لم تدم إلا لبضعة سنوات قبل أن تنتهي باتخاذهما قرار الانفصال.
في عام 1967م تزوج صلاح جاهين للمرة الثانية، وكانت زوجته بتلك المرة هي الفنانة منى جان قطان، وقد انجب منها جاهين ابنته الصغرى سامية جاهين، وهي الأخرى قد ورثت عن والديها حب الفن وهو عضوة في فرقة إسكندريلا الموسيقية، كذلك يشاع إن جاهين عاشقاً للفنانة سعاد حسني والتي كانت تربطه به علاقة صداقة وطيدة، حتى إنه كان الشخص الوحيد الذي تأتمنه على أسرارها وتحرص على استشارته في كل أمورها، إلا إن ليس هناك دليل قاطع على إن مشاعره تجاهها قد تخطت حدود الصداقة.
إنتاجه الفني :
أجاد صلاح جاهين ألوان مختلفة من الفنون بنفس الدرجة فهو الشاعر والرسام في المقام الأول، وكذلك قام بكتابة السيناريو والحوار لعدد من أفلام السينما أبرزها أميرة حبي أنا وشفيقة ومتولي وعودة الابن الضال، هذا بجانب مشاركاته التمثيلية في عدد من الأفلام، ولكن تبقى الرباعيات هي الأبرز في مسيرته والمتربعة على عرش إنتاجه الفني، تليها مجموعة قصائده الشهيرة وأبرزها قصيدة على اسم مصر وتراب دخان بجانب كتابته كلمات مسرحية الليلة الكبيرة الذي يعد أشهر عمل تم تقديمه على مسرح العرائس المصري والذي لحنه سيد مكاوي وأخرجه صلاح السقا.
تأثيره وإنجازه :
صلاح جاهين هو نموذج مثالي للفنان الذي لا يسعى إلى الشهرة أو كسب الرزق من خلال أعماله، إنما هدفه الأسمى والأول هو الارتقاء بوطنه ومساندته في أوقات الأزمات، ويشهد على ذلك حيادته التامة فيما قدمه من أعمال، فعشقه لشخص عبد الناصر واعتباره رمزاً وملهماً، لم يمنعه من انتقاده وتوجيه اللوم إليه في بعض الأحيان من أجل مصلحة الوطن والتي كان يضعها جاهين فوق كل اعتبار.
تكريمات بارزة :
قامة فنية مثل صلاح جاهين كان من البديهي والمنطقي أن يتم تكريمه والاحتفاء به بأشكال عديدة سواء خلال حياته أو بعد وفاته، وبالفعل قد كُرِم اسم صلاح جاهين عدة مرات من أبرزها الآتي:
- تم إطلاق اسم صلاح جاهين على إحدى قاعات مسرح البالون
- كرمه موقع جوجل في ذكرى ميلاده الثالثة والثمانين بتغيير شعاره في الشرق الأوسط بمشهداً من وحي مؤلفاته
- في ذكرى وفاته الحادية والعشرين انتج التلفزيون المصري مسلسلاً حلقاته مستوحاة من رباعيات صلاح جاهين الشهيرة
- تم تكريم اسم جاهين من قبل نقابة الصحفيين المصرية ضمن سلسلة تكريمات الرواد
- تم تكريم اسمه في الدورة الحادية عشر لمهرجان القاهرة الدولي للأغنية لإسهامه في مجال الأغنية الوطنية
الانكسار والوفاة :
كانت وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر هي الضربة القاسمة التي تلقاها صلاح جاهين، فقد أصابه ذلك بالاكتئاب ولم يستطع استعادة توهجه الفني مرة أخرى وانخفضت معدلات إنتاجاته الأدبية، فقد كان عبدالناصر في نظره هو رمز الوطن والبطل الملهم، واستمر ذلك الوضع حتى وفاته في الحادي والعشرين من أبريل عام 1981م، وقد أحزن نبأ وفاة جاهين الملايين ممن رسم البسمة على شفاهم وألهبهم بأشعاره الحماسية النابضة بحب الوطن، أما الوسط الفني فقد أصابه حالة من الاكتئاب العام خاصة إن جاهين كان صديقاً مقرباً لأغلب الفنانيين.
أضف تعليق