فاروق الباز هو اسم لا تخل منه أي قائمة راصدة لعظماء العرب وسفرائهم الغير رسميين في العالم الغربي، هو بكافة المقاييس واجهة مشرفة للشرق وعلمائه، هو دليل حي على إن الفارق الذي يفصلنا عن الغرب هو فارق الإمكانيات لا العقليات، فإن كانت أمريكا تفتخر بغزوها الفضاء الخارجي ووصولها إلى سطح القمر، فيكفي القول بأن من قادها إلى ذلك عربي الأصل مصري الجنسية وهو العالم الجيولوجي الجليل فاروق الباز
فاروق الباز .. من هذا :
فاروق الباز هو اسم لا يُشير إلى شخص بقدر ما يشير إلى رحلة مديدة من العطاء والإنجاز والكفاح والنجاح، هو الذي تمكن من حفر اسمه بحروف من نور في تاريخ العلم، وصار أحد أبرز غزاة الفضاء في التاريخ.. فكيف كانت مسيرته؟ وكيف استطاع تحقيق كل ذلك؟ وما إنجازاته؟
الميلاد والأسرة :
وُلِد الدكتور فاروق الباز في الأول من يناير لعام 1938م، وكان ذلك في قرية طوخ الأقلام وهي إحدى قرى السنبلاوين التابعة لمحافظة الدقهلية المصرية. نشأ الباز في كنف أسرة مصرية بسيطة لكنها كانت تولي اهتمام بالغ بتعليم أطفالها، فوالده كان شيخ أزهري وكان أول شخص يتخرج من الأزهر من ابناء قريته، أما والدته فرغم إنها لم تنل قسط من التعليم إلا إنها كانت تدرج أهميته، فقد كان الدكتور فاروق الباز في كل لقاء يذكرها ويصفها بإنها تتمتع بدرجة عالية من الذكاء الفطري. ويقول الباز إنهما أسهما بشكل مباشر في تشكيل وعيه وتكوين شخصيته، وإنهما أصحاب الفضل الأول فيما صار عليه لاحقاً.
جيولوجي رغم أنفه :
أظهر فاروق الباز في طفولته تفوقاً دراسياً ملحوظاً، وحظي بإشادة معلميه واهتمام والديه إلى أن تم دراسته الثانوية، وبتلك المرحلة كان يأمل فاروق الباز أن يصبح جراحاً للمخ والأعصاب، ولكن مجموع درجاته بالثانوية العامة لم يكن كافياً ليؤهله للالتحاق بكلية الطب، وكانت هذه نقطة التحول الأبرز في مسيرته العلمية والعملية، إذ إنه التحق بكلية العلوم جامعة عين شمس -بدلاً من الطب- وتخصص في دراسة علم الجيولوجيا، ولكن على عكس توقعه فقد أحب هذا العلم وبرع فيه وواصل تفوقه العلمي خلال دراسته الجامعية، إلى أن حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا عام 1958م، ولتفوقه عُين مُدرساً للجيولوجيا في جامعة أسيوط واستمر في ذلك العمل حتى 1960م.
دراسته بالخارج :
كان توقف دكتور فاروق الباز عن التدريس بجامعة أسيوط عام 1960م بسبب حصوله على منحة من الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته بها، وبالفعل سافر إليها والتحق بأحد المعاهد المتخصصة في علم المعادن بميسوري الأمريكية، واستمر تفوقه وأبهر الأمريكيين تفوقه وذكائه المتقد، وبالعالم الأول كان قد حصل على درجة الماجيستير من معهد المعادن، ونظراً لتميزه حصل على عضوية فخرية بجمعية Sigma Xi الأمريكية، وبعد أربع سنوات فقط تمكن من الحصول على درجة الدكتوراة، ثم قام برحلة موسعة حول العالم تمكن خلالها من جمع الآلاف من عينات الصخور التي قام بفحصها ودراستها.
الباز والقمر :
عاد فاروق الباز لمصر لفترة وفي عام 1966م سافر مرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك تمكن من الالتحاق بوكالة ناسا الفضائية وحضر العديد من المؤتمرات الجيولوجية التي عقدت بواسطتها، وكان أغلبها منصب حول القمر وتضاريسه ولم يكن الباز يعلم عنها شيئاً في ذلك الوقت، فعكف على دراسة القمر طيلة ثلاث أشهر متصلة راجع خلالها عشرات الكتب وفحص قرابة 5000 صورة لسطح القمر، وبالمؤتمر التالي وحين اعتلى المنصة كان يحمل معه العديد من المفاجآت والمعلومات التي توصل لها بشأنه وتمكن من تحديد 16 موقعاً يصلح للهبوط فوق سطح القمر، وكان ذلك في حد ذاته إنجازاً لم يقدم عليه أي من علماء ناسا من قبل.
أبولو :
نقطة التحول الأبرز في مسيرة الدكتور فاروق الباز تمثلت في انطلاق برنامج أبولو الهادف إلى وصول البشر إلى سطح القمر وهبوطهم عليه لأول مرة، وكان الباز من أبرز المساهمين في ذلك المشروع والعاملين على تطويره منذ البداية، ونجاح الأمر كان سبباً مباشراً في سطوع نجمه في سماء العلم، وصار الاسم الأبرز بوسائل الإعلام الأمريكية والعالمية في ذلك الوقت.
فاروق الباز مؤلفاً :
نشر العالم المصري فاروق الباز العديد من المؤلفات والكتب العلمية، والتي بلغها عددها حوالي إثنى عشر كتاباً تناول من خلالهم العديد من القضايا العلمية، وأرخ لتجاربه الشخصية في الحقل العلمي وتحدث عن مشواره والمهام العلمية التي كُلف بها وأنجزها، ومن أبرز وأشهر مؤلفات الباز ما يلي :
- ممر التعمير في الصحراء الغربية
- أبولو فوق القمر
- حرب الخليج والبيئة
- الصحراء والأراضي الجافة
- كما قام بنشر أطلس لدولة الكويت مُصور من الأقمار الصناعية
بجانب تلك المؤلفات والتي تمت ترجمتها إلى عِدة لغات أجنبية، فلـ فاروق الباز العديد من المقالات العلمية والتي تم نشرها بكبرى الصحف المصرية والأجنبية.
قصة حياة الباز :
قصة حياة فاروق الباز ورحلته العلمية وما قام به خلالها من إنجازات وما حققه من نجاحات، جعل محط اهتمام الكثيرين وكان من الطبيعي والمنطقي أن يتم رصدها بصور عِدة وأشكال مختلفة، كنوع من التأريخ لمسيرة واحد من أهم وأبرز علماء العرب، وفي ذات الوقت باعتباره نموذج إيجابي وقدوة يحتذى بها جيل الشباب.
وبناءً لآخر رصد فإن مسيرة فاروق الباز بما فيها من تحديات ونجاحات وإنجازات تم تسجيلها مرات عديدة، من خلال لقاءات تلفزيونية أو حلقات إذاعية أو الكتب والموسوعات، وإجمالاً فقد رصدت السيرة الذاتية للباز ووثقت رسمياً حوالي 40 مرة، من أهمها السيّر المسماه بعناوين (الفتى الفلاح فوق القمر، من الأهرام إلى القمر، النجوم المصرية في السماء.. وغيرهم)، بجانب تدشين موقع إلكتروني وصفحة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة به.
أثره وإنجازه :
الأثر الذي تركه الدكتور فاروق الباز بالغ والإنجازات العلمية التي حققها تفوق ما يمكن حصره، ولكن إنجازه الأهم هو إن نشاطه العلمي لم يقتصر على أعمال البحث والاستكشاف، بل كان حريصاً على خدمة المجال العلمي نفسه وتمهيد الطريق أمام من سيخلفونه، ومن أمثلة ذلك مساهمته في إقامة وإدارة مركز أبحاث الكون في المتحف الدولي للفضاء، بجانب ما ألقاه من محاضرات وما قدمه من خدمات للبحث العلمي من خلال المناصب العلمية العديدة والمرموقة التي تقلدها.
حياته الخاصة والعائلية :
إنجازات فاروق الباز العلمية دائماً ما تطغي على أي أمور أخرى، ولهذا لم يتم التطرق كثيراً إلى حياته الخاصة وربما هو من فضل أن تبقى بعيداً عن الأضواء، والمعروف عن الباز إنه متزوج ولديه أربعة بنات وستة أحفاد، كما إنه شقيق السياسي البارز أسامة الباز الذي شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الجمهورية في عصر حسني مبارك.
التكريمات :
نال الدكتور فاروق الباز العديد من الجوائز والتكريمات لإسهاماته العلمية، وما قام به من إنجازات على مدار سنوات نشاطه العلمي الحافلة، ومن أبرز ما حصل عليه التالي:
- جائزة الامتياز العلمية والتكنولوجي من وكالة ناسة الفضائية الأمريكية
- جائزة الاستحقاق المصرية من الدرجة الأولى وقدمها له الرئيس المصري أنور السادات
- ميدالية الإنجاز العلمي الاستثنائية
- شهادة تقدير مقدمة من المنظمة العالمية لتعليم الفضاء
- جائزة الباب الذهبي من المعهد الدولي في بوسطن الأمريكية
- هذا بجانب عدد كبير من العضويات والمناصب الشرفية بكبرى الجامعات والجهات العلمية حول العالم
أضف تعليق