بابلو بيكاسو هو نحات ورسام إسباني شهير، ويعد من أبرز مبدعي الفن التشكيلي في القرن العشرين وأكثرهم تأثيراً، وذلك لكون بابلو بيكاسو من المُجددين في الأنماط الفنية، إذ إنه من رواد ومؤسسي المدرسة التكعيبية الحديثة في الفن وبطبيعة الحال من أوائل المشتغلين بها، وتعد أعماله النحتية واللوحية من أبرز الأعمال الفنية في تاريخ الفن التشكيلي بصفة عامة.
بابلو بيكاسو .. من هذا ؟
بابلو بيكاسو ليس مجرد جزء من تاريخ الفن التشكيلي، بل إن تاريخ الفن التشكيلي يُدّرس من خلال أعمال بيكاسو، وفنان فريد وأصيل مثل هذا لابد من التوقف أمامه، وإجابة سؤال (من هذا؟) باستعراض سيرته وإنجازاته.
الميلاد :
في الخامس والعشرين من أكتوبر 1881م وُلِد الرسام والنجات العالمي بابلو بيكاسو ،وكان ذلك في مدينة مالقة الواقعة في جنوب إسبانيا، ونشأ في ظل أسرة مسيحية متعلمة متوسطة الحال، ولكن جذوره تمتد إلى الطبقة الإسبانية الأرستقراطية، وكان لبيكاسو أختاً تصغره سناً، وقد توفيت وهي في السابعة من عمرها جراء إصابتها بمرض الدفتيريا، وشكل هذا صدمة قوية بالنسبة لبيكاسو الصغير عانى منها لسنوات.
الوالدين وتأثيرهما :
تأثر بابلو بيكاسو بوالديه بنسبة كبيرة، وكان لهما الفضل الأول في اتجاهه إلى الفن، فوالدته ماريا بيكاسو -والتي حمل اسم عائلتها واشتهر به- كانت ربة منزل، ولكنها كانت تملك متذوقة للفن وتملك حساً إبداعياً، أما والده فقد كان مُعلماً للرسم والتصوير، بجانب عمله كأمين للمتحف المحلي بالمدينة، فنشأ بابلو بيكاسو بذلك في ظل أسرة تحب الفن وتوقر الفنانين، وأول ما رآه في صباه كان اللوحات التي تصور المناظر الطبيعية التي كان يرسمها والده، وحين أدرك الوالدان الموهبة التي يمتلكهما طفلهما، اهتما بها اهتمام بالغ وحثوه على تنميتها، ووفروا له كافة الأدوات اللازمة لتطوير مهاراته، وكانت أمه ماريا تقول عن بيكاسو إنه فنان بالفطرة، وإن أول كلمة نطق بها في طفولته كانت قلم رصاص.
البداية والانطلاق :
مسيرة بابلو بيكاسو الفنية بدأت فعلياً في عام 1901م بانتقاله إلى باريس عاصمة الفن والجمال في أوروبا، وقد عانى في بداية مشواره من الفقر حتى إنه كان يستأجر غرفة صغيرة لتأويه، ولم يكن يمتلك من المال ما يكفي لشراء غطاء يقيه البرد، وحين سُدّت الأبواب أمامه عاد إلى مدريد، وهناك أسس مجلة يانج آرت بمشاركة صديقه فرانشيسكو سولير، وكانت هذه انطلاقته الحقيقية، فمن خلالها بدأ في نشر أفكاره وأعماله، وبحلول عام 1905م كان صيته قد وصل إلى الولايات المتحدة، وأصبح يتعامل مع اثنين من كبار جامعي اللوحات بها، ثم ذاع صيته أكثر فعاش متنقلاً ما بين إسبانيا وإيطاليا لعرض أعماله، ولكنه استقر أغلب فترات حياته في العاصمة الفرنسية باريس.
بين الفن والسياسة :
سعى بابلو بيكاسو دائماً إلى تطويع مهاراته الفنية سواء في النحت أو الرسم، للتعبير عن توجهاته الفكرية وآرائه السياسية، ويظهر ذلك بوضوح تام وبشكل مباشر في عدد غير قليل من أعماله، منها لوحته الشهيرة المُسماه مذبحة كوريا، والتي كانت تعبيراً عن رفضه التام لتدخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب، وكانت أعمال بيكاسو بشكل عام مناهضة للحروب، داعية لقيم المساواة ومعادية لتوحش الرأسمالية، أي إنها كانت بشكل عام متبنية لأفكار ومبادئ الشيوعية، وقد عانى بيكاسو كثيراً بسبب توجهه السياسي، وتعرض للإيقاف ومُنعت لوحاته من العرض مراراً بسبب مخالفتها لسياسات الدول، والمثال الأشهر على ذلك هو عدم عرضه لأية لوحات في زمن الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب احتلال جيش هتلر للعاصمة الفرنسية باريس، وكانت إبداعات بيكاسو لا تتوافق مع أفكار النازية فلم يُسمح له بعرضها.
مراحل إبداعه الفني :
قام مؤرخي الفن بتقسيم مراحل بابلو بيكاسو الإبداعية إلى عدة مراحل، وفي الواقع اختلفت تقسيمات المؤرخين وتباينت، ولم يتم الاستقرار على تصنيف مُوحد وثابت، ولكن تصنيف مراحل إنتاجه الفني الأكثر شيوعاً والذي أقر بصحته أكبر عدد من النقاد الفنيين، كان كالتالي:
- الفترة الزرقاء والتي استمرت ما بين 1901م : 1904م.
- الفترة الروز ما بين 1905م : 1907م.
- الفترة التأثر بإفريقيا 1908م : 1909م.
- الفترة التكعيبية وتنقسم إلى : المرحلة التكعيبية التحليلية (1909م : 1912م) والمرحلة التكعيبية التركيبية (1912م : 1919م)
أثره الفني :
بابلو بيكاسو هو أحد رواد ومؤسسين المدرسة التكعيبية والتي تعد من أهم المدارس الفنية الحديثة، فقد ساهم في تطوير هذه النمط الفني، وأعماله سواء كانت لوحات أو منحوتات تعد من أهم وأبرز مجموعاتها الفنية، ومن أمثلة أعمال بيكاسو البديعة وأشهرها والتي خلدت ذكراه في تاريخ الفن، لوحة جرنيكا ولوحة مقبرة تشارنيل ومنحوتة رأس امرأة، وأسلوب بيكاسو الفني كان ولا يزال محط اهتمام قطاع كبير من المهتمين بالإبداع من المحترفين والهواة، بجانب إن رؤيته الفنية تُدرس بكافة المؤسسات المعنية بتعليم الفنون حول العالم.
الزوجات والابناء :
كان بابلو بيكاسو متعدد الزيجات والعلاقات، وأولى علاقاته كانت مع الفرنسية البوهيمية فيرناندا أوليفير، أما أولى زوجاته فقد كانت أولجا خوخلوفا والتي تزوج منها في 1918م، والتي أنجب منها ابنه الأكبر بابلو في 1921م، وفي أثناء زواجه أقام علاقة مع ماري تريز والتر، وأسفرت علاقته بها عن ابنته مايا في 1935م، ثم تزوج من فرانسوا جيلوت وأنجب منها كلود وبالوما، ثم كانت زيجته الأخيرة من جاكلين روك والتي استمر زواجه بها حتى وفاته.
الموت المفاجئ :
شكلت وفاة بابلو بيكاسو صدمة كبيرة بالنسبة للمقربين منه بصفة خاصة، ومحبيه ومتذوقي الفن بشكل عام، وسبب ذلك هو إن وفاته كانت مفاجئة وبدون مقدمات، ففي ليلة الثامن من أبريل عام 1973م وبمدينة موجان الفرنسية، كان يقضي بيكاسو سهرته برفقة زوجته جاكلين وبعض الأصدقاء المقربين، ولم يبدو عليه التعب أو الإرهاق بل كان سعياً ومستمتعاً بحسب شهادتهم، وفجأة سقط بينهم فحسبوا في البداية إنها نوبة إغماء، ولكن بعد دقائق كانوا قد تأكدوا من إنه قد فارق الحياة، وكان عمره عند وفاته قد تجاوز عمره سن الـ90 عاماً.
الجنازة والدفن :
شيع جثمان بابلو بيكاسو في جنازة لها طابع الخصوصية، فلم يُسمح بحضورها إلا للأشخاص المقربين من عائلة بيكاسو فقط، بل إن زوجته جاكلين –التي عاصرت وفاته- رفضت حضور أبناء الرسام الشهير بالوما وكلود للجنازة، وتم دفن بيكاسو في الأرض المحيطة بمسكنه بمنطقة شاتو، والذي كان قد استقر فيه مع جاكلين خلال الفترة من 1959م وحتى 1962م، ويقال إن جاكلين قد عادت للعيش به بعد وفاة زوجها لتبقى قريبة منه طوال الوقت، ويُقال إنها بدونه عشات محطمة حزينة وسيطر عليها الاكتئاب، حتى إنها توفيت منتحرة بإطلاقها الرصاص على رأسها.
متحف بيكاسو :
كنوع من التكريم للنحات والرسام بابلو بيكاسو بعد رحيله، قررت الحكومة الفرنسية أن تقيم متحفاً خاصاً به يضم عدد كبير من أعماله الإبداعية، وتم اختيار مبنى أثري ذو قيمة تاريخية ليلق باحتضان أعمال هذا الفنان، إذ وقع اختيارهم على أحد القصور التي يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادي، والذي استغل بعد قيام الثورة الفرنسية بأكثر من شكل، فقد حوّل إلى فندق ثم استغل كمدرسة، وفي عام 1985م تم تخصيصه ليكون متحفاً لأعمال بابلو بيكاسو، وتم إغلاق المتحف في وقت لاحق لمدة ست سنوات تقريباً لأعمال الترميم، ثم أعيد افتتاحه للجمهور مرة أخرى بداية من سبتمبر 2014م، واعتبر إعادة افتتاح هذا المتحف من أهم وأبرز الأعمال الفنية في 2014م.
أضف تعليق