مارتن لوثر كينج ليس اسم شخص بقدر ما هو رمز.. رمز للحرية والعدالة ونبذ الطبقية والتفرقة العنصرية بكافة أشكالها وأنواعها، مارتن لوثر كينج هو ذلك الرجل الذي يحتفي به دعاة الحرية في أرجاء العالم، وعلى وجه خصوص أصحاب الأصول الإفريقية من ذوي البشرة السمراء، ففي النهاية كل ما ينعمون به اليوم من حقوق ومزايا الفضل فيها يعود إلى هذا الرجل، الذي بدون جهوده ما كان سيأتي يوم نرى فيه أكبر دولة بالعالم يرأسها رجل أسمر البشرة، فمن يكون مارتن لوثر كينج وما قصة كفاحه ضد التمييز العنصري؟
مارتن لوثر كينج .. من هذا ؟
مارتن لوثر كينج ليس مجرد ثائر أو مناضل انقضى تأثره بانقضاء نحبه، فالحقيقة على النقيض من ذلك، فقد نالت الأيدي الخبيثة من لوثر كينج واغتالته، لكنه لم تتمكن من اغتيال أفكاره التي ظلت حية نابضة، ألهمت معاصريه ولازالت حتى اليوم تلهم كل منادي بالحق والعدل.. فما قصة هذا الرجل الأشبه بأبطال الأساطير؟
الطفولة والمعاناة :
في الخامس عشر من يناير 1929م وُلِد مارتن لوثر كينج في قلب واحدة من بؤر الجحيم، أو بمعنى أدق فهي جحيم بالنسبة لأمثاله من أصحاب البشرة السمراء، فميلاد لوثر كينج كان في مدينة اتلانتا التابعة لولاية جورجيا الأمريكية، والتي تمارس بها أعتى وأشد مظاهر العنصرية ضد الزنوج، وقد عانى مارتن لوثر الكينج المنتمي لأسرة فقيرة في طفولته من هذه الممارسات، فعلى الرغم من إنه لم يكن واعياً بعد لمعنى التفرقة العنصرية، إلا إنه بفطرته كان يغضب لشعوره بإنه منبوذ من أقرانه بالمدرسة من أصحاب البشرة البيضاء، أو إحساسه بأنه يعامل في وطنه كمواطن من الدرجة الثالثة.
تأثره بولادته :
تأثر مارتن لوثر كينج كثيراً بوالدته، أو بمعنى أدق يمكننا القول بإنها أول من غرس هذه الأفكار في رأسه، فكان كلما بكي لشعوره بالقهر والدونية، تخبره بإنه لا يقل عن أي شخص خُلق ببشرة بيضاء بل ربما أفضل، وكانت تحثه على أن يجعل ذلك دافعاً له للتقدم للأمام في حياته دوماً، وكان مارتن لوثر كينج في كبره كلما شعر باليأس يتسلل إلى قلبه، تذكر قول أمه وردده بينه وبين نفسه فينقلب يأسه حماساً، ويواصل مهاجمته للعنصرية ويخوض معاركه لتحقيق الحرية والمساواة بين البيض والسود في أمريكا والعالم أجمع.
التعليم :
فضل والدة مارتن لوثر كينج عليه لا يقف عند حد تشجيعها له معنوياً، بل إنها حرصت كل الحرص على توسيع مدارك طفلها والارتقاء بحياته، فأودعته إحدى المدارس العامة لتلقي التعليم الأساسي، ومنها انتقل إلى مدرسة بوكر واشنطن، وعرف لوثر كينج خلال سنوات تعليمه بالتفوق الدراسي، وهو ما مكنه في النهاية من الالتحاق بكلية مورهاس في نهاية الطريق، وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب في عام 1948م، ثم نال في وقت لاحق درجة الدكتوراه في علوم الفلسفة من جامعة بوسطن.
زوجته ومساندته :
في عام 1953م تزوج مارتن لوثر كينج من السيدة كوريتا سكوت، وكان في ذلك الوقت لم يبزغ نجم كينج كمناضل وناشط حقوقي، فقد كان اللقاء الأول بينهما خلال دراستهما الجامعية، ولكن حين قرر مارتن لوثر خوض المعركة علانية ومعاداة العنصرية وداعميها، كان يتوقع أن يتلقى من كوريتا تحذير أو إنذار بالعواقب، إلا إنه لم يلق منها سوى الدعم والتأييد طوال مسيرته الحافلة، وأسفر زواج مارتن وكوريتا كينج عن أربعة ابناء، هم يولاندا ومارتن كينج الثالث وديكستر وبيرانس على التوالى.
تأثيره :
حياة مارتن لوثر كينج وتأثيره أكبر وأعظم من أن يتم إيجازه في بضعة أسطر، ولكن إن أردنا التعرف على خلاصة الأمر، فيكفي القول بأن الرجل هو أول من فتح باب الحرية أمام الأفارقة الأمريكيين، فباتوا يتمتعون اليوم بكامل حقوقهم المدنية والسياسية، وباتوا متساوون في كل شئ مع ابناء الجنس الأبيض، والأهم إنه حقق كل هذا دون أن يلجأ إلى العنف، الذي طالما ناهضه وأعلن رفضه له.
الجوائز :
نال مارتن لوثر كينج الكثير من الاضطهاد والامتهان من البيض المتعصبين، لكن كان مثابراً ومقاتلاً ولم يتزعزع موقفه يوماً، فنال تقدير وامتنان الجانب الآخر، وحين جنى ثمار نضاله وجهوده ضد العنصرية والتمييز بين البيض والسود حظي باحترام العالم أجمع، وصار اسم مارتن لوثر كينج أيقونة للحرية ورمز لها، وكان نتاج ذلك حصوله على العديد من الجوائز الدولية تقديراً لجهوده، ومن أمثلة ما حصل عليه لوثر كينج من تكريمات وجوائز ما يلي:
- جائزة نوبل : أهم وأبرز جائزة حاز عليها مارتن لوثر كينج هي جائزة نوبل، والتي نالها في عام 1964م لدعواته لنبذ العنف وتحقيق الأهداف السامية بالأساليب السلمية، وكان آنذاك يبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاماً فقط، وحتى اليوم يعتبر أصغر فائز بهذه الجائزة الرفيعة.
- مجلة التايم : في ذات العام الذي حصل فيه على جائزة نوبل ولنفس السبب، تصدرت صورة مارتن لوثر كينج غلاف مجلة التايم، بعد أن تم اختياره كالشخص الأكثر تأثيراً في العالم لهذا العام.
- ميدالية سينجارن : حاز لوثر كينج عن هذه الميدالية في عام 1957م، وبالتأكيد ما كان أبداً ليغيب هذا التكريم عنه، فهو التكريم السنوي الذي يمنح لأصحاب الإسهامات الفعالة في مجابهة العنصرية، وهو أيضاً أصغر شخص تلقى هذه الميدالية الرفيعة إذ كان عمره حينها سبعة وعشرون عاماً.
الاغتيال .. متى وأين وكيف؟ :
تحت غطاء مزيف باسم جون ويلارد تمكن القاتل جيمس إرل راي من حجز غرفة مواجهة لتلك التي يقيم بها مارتن لوثر كينج ،وذلك في فندق لوريان في مدينة ممفيس، وجيمس راي هو شخص معتاد الإجرام، وكان قد غادر السجن هرباً بعد أن تمكن الاختباء بشاحنة نقل الخبز، وكان يقضي مدة عقوبة عشرون عاماً للسطو المُسلح. والرابع من شهر أبريل لعام 1968م كان هو موعد تنفيذ العملية التي دبر لها راي، حيث إنه اليوم المقرر أن يلقي مارتن لوثر كينج خلاله خطاباً عاماً، فانتظر راي حتى أطل لوثر من شرفة غرفته الفندقية، وباستخدام بندقية قنص تلسكوبية، فأصابت رصاصته عنق لوثر كينج وأسقطته داخل شرفة غرفته، وانتقلت الإسعاف على الفور إلى موقع الحادثة لكن جهودهم لم تتمكن من إنقاذ مارتن لوثر كينج ،وفي وقت لاحق على ذلك تمكنت الشرطة من ضبط جيمس إرل راي، الذي ترك خلف ورائه الفوضى والعديد من الأدلة التي قادتهم إليه، وأهمها البندقية التي تم استخدامها وعليها بصماته.
من قتل مارتن لوثر كينج ؟
إلقاء القبض على جيمس إرل راي والحكم عليه بالسجن مدى الحياة ليس نهاية المطاف، فهناك العديد من علامات الاستفهام تحيط بعملية اغتيال مارتن لوثر كينج ،خاصة وإن المتهم الأول طالب بإعادة محاكمته قائلاً بأن هناك مؤامرة خفيه، كان هو ولوثر كينج ضحاياها، ولكن الحكومة الأمريكية لم تستمع له ورفضت إعادة المُحاكمة، ولكن في النهاية هناك العديد من المشتبه بهم في هذا الحادث، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن جيمس إرل لم يكن سوى أداة، استخدمتها جهات أخرى ذات نفوذ تضررت من الانتصارات التي حققها مارتن لوثر كينج ،مما يعني أن القاتل الفعلي للوثر كينج لا يزال مجهولاً، وأكثر شخص محل الشكوك هو إدجار هوفر مدير FBI آن ذاك، والذي اشتهر بعنصريته وتعصبه للجنس الأبيض ومعاداته الشديدة للوثر كينج.
أضف تعليق