أنور السادات هو رئيس الجمهورية الثالث في تاريخ مصر، والذي شهدت فترة ولايته العديد من الأحداث التاريخية الهامة، ونقاط تحول فارقة في تاريخ الأمة المصرية، أبرزها حرب أكتوبر التي تمكنت مصر خلالها من استرداد سيناء المحتلة، وكذا معاهدة كامب ديفيد التي أبرمها مع الجانب الإسرائيلي، مروراً بسياسة الانفتاح الاقتصادي وما ترتب عليها من آثار.. كان أنور السادات مثيراً للجدل طوال فترة حكمه، بل إن تاريخه لا يزال يثير الجدل حتى وقتنا الراهن، وأمام شخص كهذا كان لابد من التوقف وطرح سؤال “من هذا؟”.
أنور السادات .. من هذا ؟
من الخطأ القول بأن تاريخ أنور السادات السياسي يقتصر على فترة توليه الرئاسة، بل إنه يعود لقبل ذلك بكثير، فتاريخه كمناضل لا يقل أهمية عن تاريخ كرئيس للجمهورية، بل ربما يكون أكثر أهمية، والتعرف على ذلك لا يتسنى إلا باستعراض سيرته الذاتية ومسيرته نحو كرسي الرئيس.
الميلاد والأسرة :
وُلِد محمد أنور السادات في الخامس والعشرين من ديسمبر لسنة 1918م، وكان ذلك في قرية ميت أبو الكوم التابعة لمحافظة المنوفية في مصر، والسادات هو صاحب أصول مصرية سودانية، فأبوه مصري من المنوفية أما والدته ست البرين فهي نصف مصرية نصف سودانية، كان والده قد التقي بها في بلدة دنقلا السودانية أثناء عمله هناك برفقة البعثة الطبية المصرية، وقد تأثر أنور السادات بشكل كبير بشخصيتين نسائيتين، هما والدته ست البرين وجدته، وكان يقول دوماً إنهما أصحاب الفضل الأول عليه، وإنهما أول من ساهم في تشكيل وعيه وتكوين شخصيته.
التعليم :
في زمن مصر الملكية لم يكن هناك اهتمام كبير من جانب الدولة بقطاع التعليم، وبالأخص في مصر العليا والمناطق الريفية، فكانت نسبة قليلة من ابناء الطبقات الدنيا يحظون بفرصة التعليم، والنسبة الأكبر من هذه النسبة القليلة -في الأصل- لا يتمون تعليمهم، ولكن أسرة أنور السادات أدركت أهمية التعليم، وأيقنت من أنه ما سيصنع الفارق في حياة ابنهم ويخلق له مكانة بالمجتمع، فأرسلوه في أول الأمر إلى كتاب قرية ميت أبو الكوم بالمنوفية، فتعلم هناك مبادئ الحساب والقراءة وحفظ جزء من القرآن، ثم فيما بعد ألتحق بمدرسة الأقباط بمركز طوخ، واستمر السادات في التنقل بين المراحل التعليمية المختلفة، إلى أن التحق في النهاية بصفوف الكلية الحربية، والتي تخرج منها في عام 1938م وعُين بمدينة منقباد في جنوب مصر كضابط برتبة ملازم ثان.
الزواج الأول :
السيدة إقبال عفيفي هي الزوجة الأولى للرئيس محمد أنور السادات ،وهي سيدة من أصول تركية تنتمي إلى إحدى عائلات ميت أبوالكوم الميسورة، وكان الفارق الاجتماعي بين عائلتها وعائلة السادات سبباً في رفض طلبه بالزواج منها في بداية الأمر، ولكن بعدما أنهى السادات دراسته بالكلية الحربية، اختلف الأمر وتغيرت نظرة والد السيدة إقبال إليه، فوافق على إتمام زواجهما الذي دام لمدة عشر سنوات، ورُزِق أنور السادات من هذه الزيجة ببناته الثلاث رقية وراوية وكاميليا.
الزواج الثاني :
في وقت لاحق التقى أنور السادات بالسيدة جيهان رؤوف صفوت، وكان ذلك من خلال صديقه حسن عزت الذي كان قريباً لعائلتها، وحين تقدم لطلب الزواج منها لم يكن الأمر يسيراً، ففي البداية كانت والدتها معارضة لفكرة إتمام الزواج، خاصة وإن الفارق العمري بينهما كبير علاوة على إن السادات كان قد سبق له الزواج، ولكن تمكن السادات في النهاية من إقناعها بإنه الأصلح لابنتها، وأمام إصرار الابنة نفسها وتمسكها به وافقت الأم، وتم إعلان زواجهما في 1951م، ورُزق الزوجين بأربعة ابناء، بنات ثلاث هن نهي ولبنى وجيهان، وابن واحد اسماه جمال تيمناً باسم صديقه جمال عبد الناصر.
الإنجاز الأكبر :
أنور السادات شأنه شأن كافة الرؤساء والملوك ورجال السياسة بشكل عام، له العديد من المواقف الإيجابية وكذلك هناك سلبيات لا يمكن إغفالها، ولكن في النهاية تبقى حرب أكتوبر عام 1973م هي الإنجاز الأكبر للسادات كرئيس، وهي العامل الأول الذي خلق له تلك المكانة الخاصة التي يحظى بها في قلوب ابناء الشعب المصري.
نضاله واعتقاله :
النشاط السياسي كانت مزاولته محظورة على العسكريين المصريين، ورغم علم أنور السادات بذلك إلا إنه لم يستطع كبح جماح وطنيته، فقد كان مهموماً بقضايا وطنه الذي التحق في الأساس بالسلك العسكري ليدافع عنه، فقد كان لديه شعور بالخزي ناتج عن احتلال وطنه من قبل قوات بريطانيا، وما يزيد هذا الشعور مرارة هي رؤيته لساسة بلاده يمنحون هذا الاحتلال شرعيته ويرسخون وجوده، وكان لديه شبه قناعة بإن بداية التخلص من الإنجليز هي التخلص من عائلة محمد علي باشا الحاكمة لمصر، وكان نشاط السادات السياسي وكفاحه ضد الإنجليز سبباً في طرده من الجيش، بل والأدهى من ذلك إنه تم اعتقاله عدة مرات من قبل ضباط القلم السياسي، وداخل المُعتقل تعرض لكافة أشكال التعذيب البدني والنفسي، وعلى الرغم من إن تجربة الاعتقال والسجن كانت بالغة القسوة، إلا إنها لم تزده إلا صلابة وإصراراً، وقد تمكن من الهرب من المعتقل ولجأ إلى صديقه حسن عزت، الذي ساعده على الاختباء من أعين الإنجليز ومعاونيهم، ووفر له فرصة عمل كتبّاع على سيارات نقل البضائع، وبقي على هذا الحال إلى أن ألغيت الأحكام العرفية وبالتبعية ألغي قرار اعتقاله.
العودة إلى صفوف الجيش :
عُرف عن أنور السادات إنه خطيباً بارعاً متمكناً من أدوات اللغة العربية، ولذلك فبعد ألغاء الأحكام العرفية وإسقاط التهم الملفقة إليه من قبل الإنجليز، تمكن من الحصول على وظيفة بمجلة المصور كمراجع لغوي، كما شغل العديد من الوظائف بمجال الأعمال الحرة مع صديقه حسن عزت، وكانت عودته إلى صفوف الجيش شبه ميئوس منها، ولكن علاقة الصداقة القديمة التي تربطه بالدكتور حسن رشاد طبيب الملك فاروق الخاص حققت حلمه، إذ توسط حسن رشاد له لدى قيادات الجيش وتمكن من إعادته إلى صفوفه مرة أخرى وكان ذلك في عام 1950م.
من الثورة إلى الرئاسة :
كل المتاعب والمآسي التي مر بها أنور السادات لم تثنيه عن موقفه، فغلب حب الوطن في قلبه على خوفه، وقرر المغامرة بحياته ومستقبله كضابط بالجيش للمرة الألف، وفور إعادته إلى صفوف الجيش النظامي انضم إلى التنظيم السري الذي أسسه ضباط الجيش، والذي عُرِف في وقت لاحق باسم تنظيم الضباط الأحرار، وكان من السادات من أبرز وأخلص أعضاء هذا التنظيم، وشاركهم ثورة يوليو التي أطاحت بنظام الملك فاروق الأول، وأسند له قادة التنظيم مهمة إلقاء بيان الثورة الأول وإذاعة نبأ تنازل فاروق الأول عن العرش، ثم تولى منصب وزير الدولة في عام 1954م، ضمن أول حكومة تتشكل بعد ثورة يوليو والتي عُرفت باسم حكومة الثورة، ثم انتخب عضواً بمجلس الأمة ثم تولى رئاسته، وتدرج في المناصب حتى اختاره جمال عبد الناصر ليكون نائباً له في عام 1969م، وبعد رحيل عبد الناصر تولى هو رئاسة البلاد.
الاغتيال :
في السادس من أكتوبر 1981م اغتيل أنور السادات بأيدي عناصر الجماعات الإرهابية التي تسمي نفسها منظمة الجهاد الإسلامي، وكان ذلك أثناء حضوره عرضاً عسكرياً احتفالياً بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، وقد أصيب السادات برصاصتين بمنطقتي العنق والصدر، وتم تشيع جثمانه إلى نصب الجندي المجهول ودُفن به.
أضف تعليق