أدولف هتلر هو اسم مجرد ذكره يثير في النفوس شعوراً بالرهبة والامتعاض، لا عجب في ذلك وقد ارتبط في الأذهان بمشاهد الدمار وسفك الدماء، فـ أدولف هتلر هو واحد من أكثر مجرمي الحرب شراسة وشراهة للدم، تذكر اسمه فتتذكر صورته الشهيرة، بزيه العسكري الكامل، وشاربه القصير، ونظراته الحادة التي تخلخل أشد القلوب صلابة، لكن ماذا إذا نزعنا عنه تلك البذلة؟ ونظرنا إلى الجانب الآخر من حياته بعيداً عن كونه قائد عسكري، ترى ماذا سنجد؟!.. الإجابة سنوردها في الأسطر القليلة التالية.
أدولف هتلر .. من هذا ؟
كل ما نعرفه عن أدولف هتلر هو نتيجة جاءت مترتبة على أسباب، وتلك الأسباب هي موضوعنا اليوم، من هذا الشيطان الذي قاد حرباً مجموع ضحاياها من الجانبين المتصارعين 73 مليون عسكرياً؟!، بخلاف الضحايا من المدنيين والمُدن التي تم تدميرها بالكامل؟!
الميلاد وما قبله :
على عكس النسبة الغالبة للسير الذاتية للساسة والمشاهير، فإن سيرة أدولف هتلر الذاتية لا تبدأ بلحظة ميلاده، بل إنها تبدأ قبل ذلك ببعضة سنوات، وتحديداً السنة التي التقى فيها موظف الجمارك ألويس هتلر بالسيدة كلارا، فالتعقيد و أدولف هتلر هما مصطلحان مترادفان يقودان لذات المعنى، فحتى زواج والديه لم يكن أمراً طبيعياً يسيراً، ورغم إن هذا الأمر محاط بكثير من الغموض، وعجز المؤرخون عن تحديد ملامحه بدقة، إلا إن الأمر المؤكد إن زواج والدي أدولف هتلر تم بعد حصولهما على إعفاء بابوي، وهو الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول علاقة كلارا وألويس هتلر قبل الزواج، وما كان يربط بينهما، خاصة وإن كلارا هي الزوجة الثالثة في حياة ألويس.. ولكن في النهاية قد تم زواجهما وأنجبا من الأطفال ستة، أربعة منهم توفوا في أعمار صغيرة، ولم يبلغ سن الصبا منهم سوى اثنين فقط هما أدولف هتلر ،الذي وُلِد في 20 أبريل لعام 1889م داخل أراضي الأمبراطورية المجرية النمساوية، وشقيقته باولا والتي كانت تصغره بحوالي سبع سنوات، كما كان لهتلر الابن أخوين غير أشقاء من زيجات أبيه السابقة، هما أنجيلا هتلر وألويس هتلر الابن.
الفنان أدولف هتلر :
كان والد أدولف هتلر شخص غير سوي، أذاق أدولف الصغير في صباه شتى ألوان العذاب، فشب كارهاً له متعلقاً بأمه، ويرى أطباء إن الخلل النفسي الذي عاني منه أدولف هتلر طيلة حياته، كان ناتج عن معاناته في طفولته على أيدي أبيه، وفي فترة المراهقة كان الحلم الأكبر بالنسبة لهتلر الابن أن يصبح رساماً، وقد تقدم بأوراقه مرتين بالفعل لكلية الفنون الجميلة وتم رفضه، فالتحق بالجيش وشارك بالحرب العالمية الأولى، الأمر الذي غير مسار حياته بالكامل وحوله من هاوي للفن إلى مجرم حرب.
الحب والزواج في حياة هتلر :
ألم نقل سلفاً إن التعقيد و أدولف هتلر لفظين مترادفين؟!.. الدليل الأكبر على ذلك هو إن أبسط الأشياء في حياة البشر، هي ألغاز معقدة عصية على الحل في حياة أدولف هتلر ،ومن أمثلة ذلك الميول الجنسية للقائد العسكري النازي، والتي طالما أثيرت حولها الأقاويل والشكوك، وحين قدم أدولف هتلر نفسه إلى الجماهير عند دخوله إلى معترك السياسة، عَرّف نفسه بإنه رجل وحيد دون عائلة، قاصداً من ذلك التعبير عن تكريسه لحياته لخدمة وطنه والقيام بمهامه السياسية.
لكن الأمر المتفق عليه بين المؤرخين هو أن الحب الأول لـ أدولف هتلر كان خلال مراهقته، لكن وفقاً لما رواه المعاصرين لتلك المرحلة من حياته، فإن أدولف هتلر كان قراره متذبذباً حيال الارتباط الرسمي بها، وحين غادر النمسا ليدرس الفن لم يقم بتوديعها، واكتفى فقط بترك رسالة مفادها إنه سيعود بعد إنهاء دراسته ليتزوجها، ولكنه لم يف بوعده ولم يعد من الأساس. ثم في وقت لاحق لذلك وتحديداً خلال عقد العشرينات، تقدم أدولف هتلر لخطبة فتاة تدعى ميمى رايتر ولكن زواجهما أيضاً لم يتم لأسباب غير معلومة، أما المرأة الثالثة في حياة أدولف هتلر فهي جيلي راوبال ابنة أخته، وقد كانت العلاقة بينهما وطيدة وكان دائم التردد عليها، وفي ذات الوقت كان يضعها تحت المراقبة طوال الوقت، ولم يجرؤ أحد على التقدم لخطبة الفتاة أو التودد إليها طيلة حياة أدولف هتلر ،والأمر الذي يزيد من احتمالات صدق الإدعاءات القائلة بإن علاقته بابنة شقيقته كانت علاقة جنسية، وما يدل على إن غوغائية أدولف هتلر وشناعته لم تقتصر على الحروب فقط، بل إنه كان يعاني من إحدى حالات الانحراف الجنسي، هو إن النساء الثلاث في حياته قد حاولن الانتحار في مرحلة ما من عمرهن، أما الكاتب لوثر ماشتان ذهب لأبعد من ذلك مدعياً إن أدولف هتلر كان مثلي الجنس، وفقاً لما أورده بكتابه “The Hidden Hitler”، على الرغم من أن الزعيم النازي قد تزوج في النهاية من إيفا براون، لكن ذلك الزواج قد تم قبل يوم واحد من وفاته!!
أفكاره المتطرفة.. من أين استمدها ؟
علاقة أدولف هتلر بعالم السياسية بدأت بالتحاقه بالجيش، وخوضه معارك الحرب العالمية الأولى ضمن صفوف الجيش الألماني، ولم تنته تلك العلاقة بانتهاء الحرب، بل إن علاقته بهذا العالم كانت قد توطدت، فعمل جاسوساً لصالح مخابرات قوات الدفاع الوطني، والمُهمة الرئيسية التي أوكلت إليه في ذلك الحين، تمثلت في اختراق صفوف حزب العمال الألماني DAP، ونقل ما يجرى داخل أروقته وما يثار باجتماعاته إلى القيادات، ولكن بدلاً من أن يتم أدولف هتلر المهمة التي تم تكليفه بها، صار عضواً عاملاً بذلك الحزب، بعدما تأثر تأثر بمؤسسه أنطون دريكسلير واعتنقها، والتي كانت تدعو إلى معاداة السامية ومناهضة الفكر الاقتصادي الرأسمالي، كما كانت مبادئ الحزب تدعم تكوين حكومة قوية، وقوية بالنسبة لهم كانت تعني حكومة ذات قبضة حديدية أو بمعنى أدق ديكتاتورية.
إنجازاته العسكرية :
ليس لـ أدولف هتلر ثمة إنجازات تذكر، صحيح إنه ترقى بالمناصب، من مجرد جندي بالجيش إلى منصب رئيس الدولة والقائد العام لجيشها، مروراً بعدد كبير من المناصب أبرزها رئاسة الحزب النازي، إلا إنه دمر كل ذلك بهزيمته النكراء خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يذكر التاريخ له سوى إنه أحد أبشع السفاحين الذين عرفتهم البشرية، الذي أشعل العالم بنيران الحروب، وقاد بلاده إلى الهاوية وساقها إلى الانهيار التام.
إنجازاته الشخصية :
على المستوى المهني فإن هتلر قد دمر ما أنجزه بسنوات عمله الأولى، أما على الصعيد الشخصي فلم يكن له أية إنجازات لتذكر، فهو مجرد شخص مختل نفسياً، ارتكب أبشع الجرائم فعاش بروح مشوهة، فشل في كل شئ، فلم يتمكن من تحقيق حلم صباه بأن يصبح رساماً، وكما أن كل العلاقات العاطفية في حياته قد انتهت بالفشل، وعلاقته بكل من حوله كانت تتسم بالفتور، لا عجب في ذلك؛ فـ أدولف هتلر عاش مكروهاً ومات ملعوناً.
نهاية الطاغية :
في الأفلام يحرص كتاب السيناريو على الأتيان بنهاية مأساوية للبطل الشرير، وذلك لإشفاء غليل المشاهدين بعد معاناتهم معه لمدة ساعتين، ويبدو إن الأمر على أرض الواقع لا يختلف عن عالم السينما كثيراً.. ففي ظل اشتعال الحرب العالمية الثانية واحتدام صراعاتها، وتحديداً في شهر يناير لعام 1945م، قرر أدولف هتلر الاحتماء بملجأ الفوهور واتخذه مقراً رسمياً له، إذ استشعر خلال تلك الفترة إن النهاية وشيكة، وإن ألمانيا النازية ستزول أمام ضربات قوات الحلفاء المتلاحقة التي تحاصره من كل جانب، وقد صرح بشعوره هذا خلال اجتماعه بقادة جيشه في أبريل من ذات العام، وكانت ثورته عارمة وتؤكد المصادر التاريخية إنه تعرض خلال الاجتماع لحالة من الانهيار العصبي، وفي ذات الليلة أعلن زواجه من إيفا براون بحفل صغير أقيم داخل مقر القيادة، وباليوم التالي تم العثور على جثته وقد انتحر بوسيلتين مختلفتين، فقد تناول في البداية مادة السيانيد مرتفعة السُمية، ويبدو إنه لم يطق الصبر أو لم يحتمل الألم، فعَجّل بموته بإطلاق الرصاص على نفسه، وبعد اقتحام القوات السوفيتية ملجأ الفوهور تم البحث عن جثة أدولف هتلر للتأكد من موته، وذلك بفحصها من قبل أطباء أجهزة المخابرات عدة مرات، وفي النهاية تم حرقها انتقاماً ثم ألقي رمادها في أعماق نهر إلبة.
أضف تعليق