ألفريد نوبل هو اسم حرص صاحبه على أن يُخلد ذكره في التاريخ، فقام بتأسيس جائزة كبرى تحمل اسمه تقدم سنوياً في خمسة فروع علمية مختلفة، وما دفع ألفريد نوبل إلى إقامة مثل هذه الجائزة هو رغبته في تغيير نظرة العالم له، فمن حوله كانوا يرونه عبقرياً فذاً، والأغراب يرون فيه وجه شيطان مريد ضاعف أعداد القتلى، لكنه لم يقنع بهذه النظرة أو تلك، فمن البداية لم يرد سوى خدمة البشرية ولكن البشر أساءوا استخدام ابتكاره “الديناميت”، فقرر أن يُكفر عن ذنبه الذي ارتكبه بغير قصد بإنشاء جائزة نوبل، وشخص كهذا اهتم بذكراه بعد رحيله أكثر من صورته وهو على قيد الحياة، لابد من التوقف أمامه واستعراض مسيرته وإنجازه وكيفية تغييره لمسار حياته على ذلك النحو.
ألفريد نوبل .. من هذا ؟
ألفريد نوبل هو الإنسان الذي كرس 95% من إجمالي ثروته الطائلة فقط لتحسين صورته بأعين الآخرين، فما الذي أوصله لتلك الحالة؟ وما الذي دفعه لمثل هذا الفعل؟.. هي أسئلة لا يُجاب عنها إلا بالتعرف على سيرة ألفريد نوبل ومعرفة من يكون.
الميلاد والأسرة :
تكونت عائلة نوبل في عام 1827م بزواج عمانويل نوبل وأندريت أهلسل، وقد رُزِق الثاني بثمانية من الأطفال، الرابع بينهم كان هو ألفريد نوبل ،والذي وُلِد بإحدى ضواحي مدينة ستوكهولم عاصمة مملكة السويد، وكان ذلك في الحادي والعشرون من شهر أكتوبر لعام 1833م.. وكانت موارد الأسرة ضعيفة وشحيحة، وهو مما أذاق ألفريد نوبل وأخوته السبعة مُرّ الحرمان في طفولتهم، وهو ما دفع الأسرة بالكامل إلى الانتقال إلى سانت بطرسبرج سعياً وراء الرزق، وهناك عمل والده في مجال صناعة الآلات والمفرقعات، بجانب ابتكاره لصناعة الخشب الرقائقي أو الخشب الملتصق، وهذا كله در عليهم دخلاً إضافياً وفر لهم حياة كريمة.
التعليم :
بسبب التعثر المادة لعائلة نوبل تأخر التحاق ألفريد نوبل بالمدرسة، وربما ما كان سيلتحق بها أبداً لولا انتقال الأسرة لسانت بطرسبرج، فهناك ارتفع دخل الأسرة بالقدر الكافي لسداد الرسوم الدراسية، وعليه تم إلحاق الابناء جميعاً بالمدارس، ولكن ألفريد -من بينهم جميعاً- كان هو الأكثر شغفاً بالتعليم، وقد عُرف خلال سنوات دراسته بالكامل بالتفوق، وكان دوماً يحرز مراكز متقدمة في لوحة شرف التلاميذ، وقد أظهر تميزاً ملحوظاً في دراسة الكيمياء بالأخص، وكذلك كان مولعاً بدراسة اللغات حتى إنه في عمر مبكر جداً اتقن التحدث بأكثر من لغة، من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وكان يجيد كتابتهم وتحدثهم بطلاقة تامة.
دراسته بالخارج :
طموح ألفريد نوبل العلمي ورغبته في المعرفة كانت تفوق ما هو متاح له بالمدارس المحلية، ولهذا فإنه حين أتم تعليمه الأساسي، أكمل دراسته تحت إشراف البروفيسور نيكولاي زينن وهو أحد أبرز الكيميائيين آنذاك، والذي أدرك موهبة ألفريد في وقت مبكر وعمل على تنميتها، وفي 1850م سافر ألفريد إلى باريس ليدرس الكيمياء، وقد استمرت إقامته بها لفترة وجيزة انتقل بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبها تخصص أيضاً في دراسة الكيمياء بكبرى جامعاتها، ودامت دراسته بالولايات المتحدة لمدة أربع سنوات تقريباً، وخلال المدة ذاتها تمكن من الحصول على وظيفة مع جون إريكسون، وحتى هذه الوظيفة كانت بالنسبة لألفريد دراسة أكثر منها عمل، إذ إنه استفاد كثيراً من خبرة وعبقرية ذلك المخترع.
نساء ألفريد نوبل :
انشغل ألفريد نوبل في بداية حياته بالعلم ثم بالاستثمار ثم أصابه الاكتئاب، وتلك العوامل الثلاث ربما هي ما ألهاه عن تكوين أسرة، وعلى الرغم من عدم زواج نوبل حتى وفاته، إلا إن بعض المؤرخين قالوا بإن نوبل لم يكن زاهداً في النساء، إنما هو كان فقط ذو حظ عثر معهن، ورصدت بعض الكتابات المتناولة لسيرته ثلاث نساء في حياته، أولهن هي الروسية ألكسندرا والتي هام ألفريد نوبل بها حباً، وتقدم بطلب الزواج منها في 1876م إلا إنها قابلت طلبه بالرفض لأسباب غير معلومة، أما الثانية فهي النمساوية بيرثا كينسكي، والتي بدأت علاقتها بنوبل حين التحقت لديه بوظيفة سكرتيرة، ولكن قصة الحب التي نشأت بينهما فشلت وانتهت بزواجها من عشيقها السابق، أما الثالثة والأكثر تأثيراً في حياة ألفريد نوبل ومشواره فهي هيس صوفي، وعلى الرغم من إن رحلتهما معاً لم تكتمل ولم تتوج بالزواج، إلا إن بعض الخطابات والمذكرات التي عُثر عليها ضمن متعلقات نوبل الشخصية، أثبتت إنهما بقي على اتصال حتى عام 1896م، وهو العام الذي توفي فيه ألفريد نوبل
ألفريد نوبل أديباً :
ما يجهله الكثيرون هو إن ألفريد نوبل لم يكن فقد رجل علم وصناعة، بل إنه كان صاحب حس فني مُرهف، وله بعض الإنتاجات الأدبية الشعرية، وعلى الرغم من إنه كان قانعاً بممارسة الأدب كهواية في ظل، إلا إن أحد أعماله النثرية قد تمت طباعته ونشره بالفعل خلال سنواته الأخيرة، وهي عبارة عن مسرحية نثرية مكونة من أربع فصول بعنوان Nemesis، وأعيد إصدار الكتاب مرة أخرى في 2003م في دولة السويد، ولقي النص إقبالاً من الجماهير وهو ما شجع ناشره على ترجمته إلى عدة لغات أخرى، وهذا الإنتاج الأدبي هو دليل آخر على عبقرية ألفريد نوبل ،إذ أظهر من خلال كتاباته حساً فنياً مرهفاً تمكناً تاماً من الأدوات الأدبية، وهو أمر بالغ الصعوبة خاصة بالنسبة لشخص لم يحظ بأي تعليم أدبي طيلة حياته، وأفنى عمره في دراسة العلوم والكيمياء.
تاجر الموت ميت :
جائزة نوبل التي تعد أحد أشهر الجوائز في زمننا المعاصر، كان سببها المباشر هو نعي تم نشره عن طريق الخطأ بإحدى الصحف الفرنسية، إذ وصل إلى الصحفيين بها نبأ خاطئ يفيد بوفاة ألفريد نوبل ،فتم نشر خبر الوفاة تحت عنوان : تاجر الموت ميت، وقال الصحفي إن نوبل الذي جني ثروة طائلة من خلال اكتشافه لمتفجر الديناميت، والذي أدى إلى زهق أرواح العديد من البشر حول العالم قد مات، وقد أصابت هذه الصياغة نوبل بحالة من الاكتئاب، فبدأ يراجع مواقفه ويفكر في نظرة الناس له بعد وفاته، وكيف سيذكره التاريخ ويصوره للأجيال التالية، هل سيكون عالماً عظيماً أم سيكون سفاحاً مبتكراً لإحدى أدوات الموت، وفي النهاية اهتدى إلى فكرة إقامة جائزته التي تمنح سنوياً لمن يقدمون إسهامات نافعة للبشرية.
تأسيس جائزة نوبل :
رغم إن تاريخ ألفريد نوبل حافل بالإنجازات العلمية والابتكارات المذهلة، إلا إن أكثر ما يشتهر به وما كان سبباً في تخليد ذكراه بحق، هو تأسيسه لمجموعة جوائز نوبل العالمية، والتي أوصى بإقامتها في عام 1895م ورصد لها رأس مال يعادل -آنذاك- مليون و700 ألف جنيه استرليني تقريباً، على أن تقدم الجائزة للأشخاص الأجدر بها حول العالم دون تفرقة أو تمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون أو الانتماء، وقد تنامى رأس مال الجائزة حتى قارب في الأعوام الماضية خمسة ملايين دولار أمريكي.
الوفاة :
في العاشر من ديسمبر لعام 1896م تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاة العالم ورجل الأعمال ألفريد نوبل ،وكان ذلك في مدينة سان ريمو الإيطالية، والتي كان قد اتخذ منها مقراً دائماً لإقامته وعزلته، بعدما فقد والدته وشقيقه المُقرب لودفيج، وقد نتجت الوفاة عن إصابته بنزيف دماغي مفاجئ، وتم نقل جثمانه إلى -مسقط رأسه- مدينة ستوكهولم ودُفِن بها، وقد فوجئ أفراد عائلته وكذلك العالم بأكمله بما تضمنته وصيته، من تخصيص نسبة تقارب 95% من ثروته لتمويل جوائز نوبل.
التكريم :
عادت صفحة ألفريد نوبل بيضاء ناصعة بعد وفاته، فكل من رأوه شيطاناً ابتكر أداة تدمير وقتل، غيروا نظرتهم له بعد معرفتهم بأمر الجائزة التي أسسها وغرضه منها، بل إنه تم اعتباره من أعظم الشخصيات في تاريخ السويد بصفة خاصة، وفي التاريخ الإنساني على وجه العموم، وعليه تم تكريم اسم نوبل وتخليده بأكثر من وسيلة ومنها:
- إقامة نصب تذكاري لنوبل في النمسا والسويد.
- تم إطلاق اسم نوبل على أكثر من شارع وميدان حول العالم.
- تم تحويل بيته في السويد إلى متحف حامل لاسمه ويحتوي مقتنياته.
- أقيم أكثر من تمثال لـ ألفريد نوبل بأكثر من مدينة حول العالم.
أضف تعليق