أم كلثوم إبراهيم أو كوكب الشرق أو سيدة الغناء العربي، أيا كان المسمى فهو في النهاية يشير إلى سيدة واحدة، تلك السيدة التي انطلقت من أدنى نقطة فبلغت القمة، وصار اسمها – أم كلثوم – رمزاً للرقي والأصالة الفنية، بل والأكثر من ذلك إنه تم اعتبارها رمزاً للدولة، فطالما تفاخرت مصر في زمني الملكية والجمهورية بانتماء كوكب الشرق إليها.
أم كلثوم .. من تكون ؟
ذكرنا إن أم كلثوم قد صعدت إلى القمة ابتداءً من السفح، فترى كيف كانت الرحلة بين هذا وذاك، وكيف حققت مجدها وماذا كان تأثيره عليها؟، واختصاراً يُمكننا دمج كافة الأسئلة في سؤال واحد هو: من تكون أم كلثوم ؟
الميلاد والنشأة :
أم كلثوم إبراهيم البلتاجي ذلك هو الاسم الذي وُلدت به كوكب الشرق، وقد اختلف المؤرخون في تحديد يوم مولدها، فالشائع إنه كان في 31 ديسمبر لعام 1898م، أما ما التاريخ الذي تم اعتماده وفقاً لعملية التسنين الطبي فهو 4 مايو 1908م، ففي تلك الفترة لم يكن يهتم الآباء كثيراً بقيد أطفالهم بالسجلات الحكومية، أما الأمر المؤكد فهو محل ميلادها، والذي كان بقرية طماي الزهايرة التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية. أسرة أم كلثوم كانت تنتمي للطبقة المتوسطة أو أدنى من ذلك قليلاً، فوالدها الشيخ إبراهيم البلتاجي كان منشداً بسيطاً، ووالدتها كانت ربة منزل، ولها أخ واحد يكبرها بسنوات قليلة كان يدعى خالد.
البدايات الفنية المبكرة :
لم تقد الأقدار أم كلثوم إلى الفن بقدر ما قادت الفن إليها، فأول ما سمعته عند مولدها كان صوت والدها ينشد الابتهالات، فنشأت بقلب مرهف الحس متعلق بفن الطرب، وكانت دائماً ما تردد التواشيح والابتهالات التي ينشدها أبيها، الذي أعجبه صوت ابنته وأدرك في وقت مبكر إنها تمتلك حنجرة ذهبية، فعمل على تدريبها على التحكم بطبقات صوتها وإخراج الأحرف بشكل سليم، وحين بلغت سن العاشرة اصطحبها معه في حفلاته لتغني أمام الجمهور للمرة الأولى.
الانطلاقة :
الشيخ أبو العلا محمد كان هو بوابة أم كلثوم الحقيقية إلى عالم الأضواء، فبعد أن سمع صوتها أثناء زيارته العابرة لقريتها البسيطة، شجّع والدها على الانتقال إلى القاهرة، إذ أن فرصتها هناك أكبر، وبعد إلحاح الشيخ أبو العلا محمد استمع الشيخ إبراهيم البلتاجي لنصيحته، واصطحب ابنته أم كلثوم إلى العاصمة المصرية، لتنشد في الحفلات الخاصة للبكوات والبشوات، وخلال فترة وجيزة ذاع صيتها وتنبأ لها الجميع بمستقبل عظيم، ثم تسارعت خطاها على سلم المجد والشهرة، بعد أن التقيت بالشاعر الشاب حينها أحمد رامي، والذي نظم لها أبيات أول قصيدة تغنت بها، ثم التقت بأعظم الملحنين أمثال زكريا أحمد والقصبجي وصبري النجريدي ورياض السنباطي، وتعاونت معهم في مختلف مراحل مشوارها الفني، والأمر نفسه ينطبق على الشعراء، فقد تعاونت أم كلثوم مع أبرز شعراء عصرها، ومنهم بيرم التونسي ومأمون الشناوي وعزيز أباظة وغيرهم.
تأثرها بالدين الإسلامي :
وُلدت أم كلثوم لأسرة معتنقة للدين الإسلامي، ولكن هذا لا يُعني إن انتماء أم كلثوم للإسلام كان وراثياً فقط، بل إن تأثرها بالدين الحنيف يظهر بوضوح في نوع وطبيعة الفن الذي قدمته طوال مسيرتها، فقد كان مبدأها طوال حياتها المهنية والذي لم تحيد عنه، هو ألا تقدم إسفافاً أو فناً مبتذلاً، كما ترفعت أم كلثوم عن غناء الكلمات الخليعة أو التي تتوارى خلفها كلمات تثير الغرائز، أو تلك التي تحث على الرذائل أو تلمح إليها، وكان هذا شرطها الأساسي الذي تُمليه على كل شاعر تعمل معه، بخلاف ذلك فإن علاقة أم كلثوم بالفن بدأت بتقديمها للإنشاد الدين، فتغنت بالابتهالات والأناشيد المادحة للرسول عليه الصلاة والسلام، وحين دخلت إلى عالم الاحتراف قدمت أكثر من أغنية دينية، مثل “لغيرك ما مددت يدا” و”وُلِد الهدى” و”القلب يعشق كل جميل” وغيرهم، هذا بجانب الأغاني المرتبطة بالمناسبات الدينية وأشهرها على الإطلاق “يا ليلة العيد”.
تأثير الشهرة على حياتها الشخصية :
من المؤكد إن أم كلثوم قد نالها نصيب من الحسد؛ فقلة قليلة جداً هم من تمكنوا من تحقيق ما حققته أم كلثوم من مجد، لكنها نفسها كانت ترى إن مجدها قد سلبها حريتها، وجع حياتها الخاصة ملكاً للعامة وليس ملكاً لها، فحين تقدم الملحن محمود الشريف لخطبتها، قُبل طلبه بموجة غضب عارمة من عوام الشعب وحتى الملك شخصياً، كونهم رأوا إنه غير جدير بلقب “زوج كوكب الشرق”، الأمر الذي رأته أم كلثوم تدخلاً فجاً في شئونها الخاصة.
أم كلثوم .. الفنانة الخالدة :
بلغت أم كلثوم من المجد درجة لم يبلغها سوى قليل من البشر، فرغم رحيلها منذ 40 عاماً، لا تزال متربعة على عرش الأغنية العربية، وخلال حياتها كانت تعد معلماً من المعالم المصرية، حفلاتها كان يحضرها الساسة والبشوات وأعلياء القوم، ولا يفوت البسطاء والعوام المذاع منها على موجات الراديو، ولا تزال أغنياتها تحقق نسبة مبيعات ومشاهدة مرتفعة حتى يومنا هذا.
بين الحب والزواج :
نقرأ كثيراً عن قصة الحب التي ربطت بين أم كلثوم وشاعرها المفضل أحمد رامي، تلك القصة التي وردت بالعديد من كتب المعاصرين لهما، والتي يؤكد أصحابها إنها كانت مُلهمة رامي وأغلب قصائده كانت موجهة إليها، لكن في النهاية اختلف الطرفان ولم يكلل حبهما بالزواج، فتزوج هو من السيدة عطا الله، بينما هي بقيت دون زواج حتى تجاوزت عمر الخمسين، ثم تعرفت على الطبيب حسن الحفناوي، الذي كان أحد الأطباء المشرفون على علاجها، ونشأت بينهما صداقة سرعان ما تحولت إلى مشاعر، وفي النهاية عرض عليها الزواج وقبلت عرضه، واستمر زواجها منه حتى توفيت.
الجوائز :
لم يحتف العالم العربي بمطربة كما احتفى بكوكب الشرق ،بل حتى الحفالات التي أحيتها بالدول الأوروبية شهدت إقبالاً كبيراً، وبطبيعة الحال ونتيجة لما حققته من شهرة ومجد، فقد نالت العديد من الأوسمة والجوائز والتكريمات، أغلبها تم تقديمه إليها من رؤساء وملوك الدول مباشرة، ومن أبرز التكريمات التي حصلت عليها لتميزها الفني ما يلي:
- نيشان الكمال والذي أهدي إليها من فاروق الأول ملك مصر والسودان.
- وسام الأرز اللبناني، وقدمه لها رئيس الحكومة رشيد كرامي.
- وسام الجمهورية التونسية من الرئيس بورقيبة.
- وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس السوري هاشم الأتاسي.
- نيشان الرافدين من المملكة العراقية.
- تم انتخاب أم كلثوم كعضو شرفي بجمعية مارك توين الأمريكية الدولية.
- حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 1968م.
وفاتها :
ساد الحزن أوطان العرب من المحيط إلى الخليج، وكلمات النعي تصدرت صفحات الصحف العربية والعالمية، وذلك في الثالث من فبراير لعام 1975م، حين أذيع الخبر بصوت الأديب يوسف السباعي على إذاعات صوت العرب والشرق الأوسط والبرنامج العام، الذي أعلن لملايين العاشقين نبأ وفاة محبوبتهم أم كلثوم ،وقد أصاب هذا النبأ الأمة العربية بأكملها بالصدمة، على الرغم من إنه كان متوقعاً، حيث كانت قد نُشرت في وقت سابق أخبار عن تدهور الحالة الصحية لـ أم كلثوم ،حتى إنها اضطرت للسفر إلى لندن لتلقي العلاج هناك، بعدما أصيبت بحالة حادة من الالتهاب الكلوي، وتم تشييع جثمانها في جنازة شعبية يصعب حصر عدد المشاركين بها، وتم دفن جثمانها بمدافن البساتين، ونشرت خبر وفاتها كبرى الجرائد العالمية مثل التايمز الأمريكية والأورو الفرنسية، كما وقف مجلس النواب المصري دقيقة حداداً بأول جلسة عقدت بعد وفاتها.
لقد ربحت العالم وخسرت نفسها ربحت الدنيا وخسرت الأبدية ربحت السعادة الوقتية والجوائز الدنيوية ولكنها خسرت حياتها الأبدية وانحدرت إلى الجحيم ومن أوج شهرتها الأرضية انه قيل عن دفنها أنا ذهبت للمقبرة سيرا على الأقدام عن طريق جهاز سير كهربائي