يوسف السباعي هو أحد الشخصيات الهامة والبارزة في تاريخ الدولة المصرية، وذلك لما قدمه للمجتمع المصري من خدمات جليلة على مختلف الأصعدة، سواء بصفته مدرساً لأجيال من أفراد الجيش المصري بالكلية الحربية، أو من خلال منصبه كوزيراً للثقافة ورئيساً لدار الهلال ومؤسسة الأهرام واتحاد الإذاعة والتلفزيون، أو من خلال إبداعاته ككاتب قصة وأديب وهو أثره الأكبر والأهم.
يوسف السباعي .. من هذا ؟
يوسف السباعي هو اسم يعرفه كل محب للفنون الأدب، فقد تمكن من خلال كتاباته من النفاذ إلى القلوب قبل العقول.. فكيف كانت مسيرته؟ وما الذي يميز أعماله؟ وما الذي حققه من إنجازات.. أو باختصار: من يكون يوسف السباعي ؟
الميلاد :
في العاشر من يونيو لعام 1917م وُلِد الأديب والعسكري والسياسي المصري يوسف السباعي ،واسمه بالكامل يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي، وكان ذلك في العاصمة المصرية القاهرة، وتحديداً في إحدى حاراتها الشعبية المُسماه حارة الروم بمنطقة الدرب الأحمر، وكان يوسف هو الابن الأكبر لأبويه وكان له شقيقين أصغر منه هما أحمد ومحمود السباعي، وفي كنف تلك الأسرة المتوسطة الحال المسلمة المتدينة، وفي نطاق ذلك الحي المصري الأصيل المترابط أفراده، نشأ يوسف السباعي وتشكل وعيه الأول وتأثر تأثراً شديداً بتلك البيئة، وهو الأمر الذي اتضح فيما بعد بشكل جلي من خلال كتاباته.
تأثره بوالده :
لا يمكن لأي شخص أيا كان أن يشكك في موهبة يوسف السباعي كأديب، ولكن لا يمكن أيضاً ونحن نستعرض سيرته أن نغفل كيفية صقل هذه الموهبة، فإن وعي يوسف السباعي وحسه الفني قد نموا في وقت باكر جداً من عمره، والفضل في ذلك يعود إلى والده محمد السباعي، إذ إنه كان شخصاً مثقفاً دائم التردد على الصالونات الأدبية ومجالس المثقفين، كما كان له باع في كتابة القصة والشعر، بجانب نشاطه كمترجم فهو من تولى ترجمة كتاب الأبطال لتوماس كارلايل والبيان للشيخ عبد الرحمن البرقوقي، وكان يوسف شديد القرب والتعلق بوالده، وتتلمذ أو ما تتلمذ على يديه، ومن خلاله عشق الأدب والفنون بصفة عامة، وقد تأثر تأثراً شديداً بفقدانه له في وقت مبكر، إذ أن محمد السباعي حين وافته المنية كان يوسف لا يزال بعمر الرابعة عشر.
التعليم :
عُرف عن يوسف السباعي تفوقه طوال سنوات تعليمه على اختلاف مراحلها، ولكن المفارقة في حياة هذا الأديب العظيم، هو إنه على عكس كافة الأدباء، رغم ميوله الأدبية وحبه لفنون الشعر والنثر، إلا إنه في مرحلة التوجيهية “التعليم الثانوي حالياً” اختار الالتحاق بالشعبة العلمية، وكأنه أراد بذلك أن ينهل من مختلف ينابيع العلم، فيتلقى العلوم الأدبية من مصادر خارجية ويتلقى الجانب العلمي بالمدرسة، وقد هدف يوسف السباعي في صغره أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة، ولكنه حين أتم تعليمه الثانوي قرر الالتحاق بالكلية الحربية، واستمر تفوقه في الدراسات العسكرية أيضاً، حتى إنه في وقت لاحق وتحديداً في عام 1943م تم تعيينه بالكلية ذاتها مدرساً لمادة التاريخ العسكري، ثم بعد ذلك بخمسة سنوات تولى منصب مدير المتحف الحربي.
إسهاماته في الارتقاء بالثقافة :
يوسف السباعي لم يكن أديباً تقليدياً، بل يمكن القول بإنه نموذج للأديب كما يجب أن يكون، فاهتمامه لم يكن مقتصراً على أعماله وإنتاجه الأدبي، بل إنه كان مهموماً بالشأن الثقافي على المستويين المصري والعربي، وهذا الاهتمام قد ظهر في وقت مبكر جداً من حياة السباعي، ولم يُستحدث مع تحمله للمسئولية رسمياً بشغله منصب وزير الثقافة بمصر، فكان حريصاً على إنشاء الجهات التي تدعم المواهب الشابة، وفي الوقت ذاته تعمل على نشر الثقافة والارتقاء بالوعي المجتمعي، ومن أمثلة ذلك إسهامه في إنشاء جمعية الأدباء، وكذلك إقامة نادي القصة ونادي القلم الدولي، كما إنه من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب المصريين، وكان صديقه المقرب الكاتب إحسان عبد القدوس شريكاً له في كافة أنشطته الثقافية المذكورة، وهو صاحب فكرة إقامة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، إلا إن السباعي هو من تمكن من استصدار موافقة رئاسية بإقامة هذا المجلس، وذلك لحسن علاقته بالرئيس المصري -آنذاك- جمال عبد الناصر.
الزواج والابناء :
كان يوسف السباعي دائم التردد على منزل عمه طه السباعي، والذي كان يشغل منصب وزيراً في فترة من حياته، وقد ارتبط يوسف منذ صباه عاطفياً بابنة عمه، ولكنه كان يرى إن هناك عوائق كثيرة تحول دون إتمام زواجهما، أبرزها هو الفارق الاجتماعي، فعلى الرغم إن والديهما أشقاء، إلا إن هو ووالده ينتميان إلى طبقة البسطاء والعامة، وهي والدها مُنتمي إلى طبقة الأعيان والبشوات، ولكن في النهاية كان الاستسلام أبعد ما يكون عن صفات يوسف السباعي، فأقدم على المغامرة وتقدم إلى عمه طالباً يد ابنته، واستطاع أن يقنعه بالفعل بإنه الرجل المناسب لها، فما كان من العم إلا أن وافق وبارك زيجتهما، وقد أنعم الله على يوسف السباعي بحياة زوجية هادئة وسعيدة، وهذا بحسب ما صرح به شخصياً أكثر من مرة، وكان يصف زوجته بإنها “مُنيا النفس” وإنها “مُلهتمته الدائمة”، وكان ليوسف طفلين هما ابنه إسماعيل وابنته بيسة.
أثره كأديب :
الإنجاز الأكبر في حياة أي أديب مهما كان حجم أو عدد المناصب التي تولاها هو أعماله، فهي الثروة الحقيقية التي يتركها بعد رحيله، وقياساً على ذلك فإن ثروة يوسف السباعي كان هائلة، ليس من حيث العدد إنما من حيث المضمون، فهي عصية على النسيان وكتبت لاسمه الخلود، وتعد أعماله الأدبية من أهم أعمال الأدب العربي، كما اعتبر النقاد السباعي أحد أهم أدباء الرومانسية في تاريخ الأدب العربي.
الجوائز :
الجائزة الأكبر في حياة يوسف السباعي كأديب هي حب الجماهير له، وتعلق القراء بما يكتب، وما أحدثه من تأثيرات في المجتمع فقط من خلال كتاباته، أما عن الجوائز الأدبية الفعلية فلم يكن للسباعي نصيب وافر منها، أو بمعنى أصح لم ينل ما يستحقه منها وما يتماشي مع مكانته كقامة أدبية، ويقول البعض إن السبب في ذلك هو شغله للدائم للمناصب الرسمية، فكثيراً ما رأس يوسف السباعي جهات ثقافية مناحة للجوائز الأدبية، ومن غير المنطقي وكذلك من غير المقبول أن يمنح الجوائز لنفسه، ومن أبرز الجوائز التي نالها يوسف السباعي هي جائزة الدولة التقديرية، وقد نالها في وقت متأخر من مسيرته الأدبية وتحديداً في 1973م، عرفاناً من الدولة المصرية بما قدمه للحياة الثقافية من خدمات، وما أثرى به الحياة الأدبية من أعمال بالغة الأهمية.
الاغتيال :
كانت نهاية يوسف السباعي نهاية مأساوية، فقد رحل عن دنيانا في الثامن عشر من فبراير لعام 1978م، وكان قد بلغ عن العمر آنذاك 60 عاماً، وذلك بعد أن تمكنت منه أيدي العملاء الخبثاء.. فقد كان السباعي في ذلك الوقت متواجداً في دولة قبرص، للمشاركة في مؤتمر أسيوي إفريقي، وعند وصوله هو والمشاركين في المؤتمر إلى الفندق محل إقامتهم، فوجئوا برجلان مسلحان يهاجمان الفوج، ويطلاق الرصاص على يوسف السباعي ويسقطاه صريعاً في الحال، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن المسلحان قد قاما باحتجاز باقي الأعضاء المشاركين في المؤتمر في كافيتريا الفندق، واتخذوهم رهائن للضغط بهم أثناء تفاوضهم مع السلطات القبرصية.
أضف تعليق