جمال عبد الناصر هو اسم يتضاءل أمامه لقب رئيس، ولهذا فإن قطاع كبير من الشعب المصري يتغاضى عنه، ويعرفونه بـ”حبيب الملايين” كناية عن شعبيته الطاغية التي لم يحظ رئيس مصري أو عربي قط، وأحياناً يسبقون اسمه بلقب “الزعيم”، وهو لقب أقرب للواقع خاصة وإن تأثير جمال عبد الناصر لم يقتصر على مصر وحدها، بل امتد إلى مختلف بقاع الوطن العربي كذلك..
جمال عبد الناصر .. من هذا :
تاريخ عبد الناصر كرئيس معروف للجميع، لكنه لا يجيب سؤال ” جمال عبد الناصر .. من هذا؟”، ففترة رئاسته وما شهدته من إنجازات إيجابية أو حوادث سلبية، هي في النهاية ثمرة شجرة حياته، والسؤال هنا كيف كانت البذرة وكيف نبتت وترعرعت حتى صار الزعيم زعيماً.
الميلاد والأسرة :
اسمه بالكامل هو جمال عبد الناصر حسين خليل بن سلطان المري، ترجع أصوله إلى صعيد مصر وبالتحديد قرية بني مر في محافظة أسيوط، إلا إن محل ميلاده كان حي باكوس بمحافظة الإسكندرية وكان ذلك في الخامس عشر من يناير لعام 1918م، والده عبد الناصر حسين كان عاملاً بأحد مكاتب البريد بالإسكندرية، أما والدته السيدة فهمية فقد كانت ربة منزل، وهي الأخرى من أصول صعيدية إذ أنها من مواليد مركز ملوي بمحافظة المنيا، جمال عبد الناصر هو الابن الأكبر لوالديه وكان له ثلاث أشقاء أصغر منه سناً، هم عزب العرب والليثي وشوقي عبد الناصر.
التعليم الابتدائي :
ولم يعرف جمال عبد الناصر الاستقلال بمعناه الكامل في مرحلة طفولته، وذلك لأن أسرته كانت دائمة الانتقال بسبب التغير المستمر في موقع عمل والده، وعليه فقد انتقل خلال سنوات دراسته بين أكثر من مدرسة بأكثر من محافظة، وبداية علاقة عبد الناصر بالتعليم بدأت بحي محرم بالإسكندرية، حيث ألحقته والده بروضة الأطفال هناك، ثم انتقلت الأسرة فيما بعد إلى مركز الخططابة بمحافظة المنوفية، فالتحق بمدرسة الخطاطبة الابتدائية وقضى بها عامين دراسيين فقط، ثم انتقل بعد ذلك ليقيم مع عمه خليل حسين بالعاصمة المصرية القاهرة، واستكمل تعليمه هناك بمدرسة النحاسين، والتي درس بها لمدة ثلاث سنوات، توفيت خلالها والدته ثم تزوج والده من أخرى، فانتقل جمال عبد الناصر للعيش مع جدته لأمه بالإسكندرية، حيث استكمل تعليمه الابتدائي بمدرسة العطارين.
المرحلة الثانوية والكلية الحربية :
بعد أن أتم جمال عبد الناصر تعليمه الابتدائي بمختلف المدارس السالف ذكرها، التحق بمدرسة حلوان الثانوية الداخلية والتي درس بها لمدة عام واحد، بعدها انتقل عمل أبيه إلى محافظة الإسكندرية مرة أخرى، فانتقل هو الآخر إليها وواصل دراسته الثانوية بمدرسة رأس التين بالإسكندرية، ثم بعد ذلك عاد للقاهرة مجدداً وأختتم المرحلة الثانوية بمدرسة النهضة بحي الظاهر بالقاهرة.
بعد أن أتم عبد الناصر تعليمه الثانوي كان قد حدد هدفه، وهو أن يصبح ضابطاً بالجيش المصري، وعليه تقدم بأوراقه إلى الكلية الحربية طالباً الالتحاق بها، إلا إن التحريات التي أجريت عنه اتضح منها إن له نشاط سياسي، وإنه قد سبق له المشاركة في عدة تظاهرات مناهضة للحكومة والاستعمار، وعليه تم رفض الطلب المقدم منه، فالتحق آنذاك بكلية الحقوق بجامعة القاهرة والمعروفة في ذلك الوقت بجامعة الملك فؤاد، ولكنه لم يهوى الدراسة بتلك الكلية، وبعد فصل دراسي واحد قرر أن يعيد المحاولة وتقدم مرة أخرى للكلية العسكرية، وفي هذه المرة تم قبول طلبته والتحق بالكلية الحربية التي تخرج منها في 1937م.
الضباط الأحرار :
نشاط جمال عبد الناصر السياسي الذي مارسه خلال فترة دراسته الثانوية، لم ينته بالتحاقه بالكلية الحربية وانخراطه بالحياة العسكرية، هو فقط توقف فترة قليلة هي مدة دراسته بالكلية، لكن بعد تخرجه والتحاقه بفرق المشاة بالجيش، سرعان ما عاود نشاطه السياسي مجدداً ولكن بصورة سرية، وكان ذلك –على وجه التحديد- بعد حرب فلسطين أو ما يعرف باسم نكبة 48، فقد كان يرى إن مسؤولية الهزيمة يتحملها الاستعمار والملك المتخاذل، فتبادرت إلى ذهنه وهو رفاقه فكرة إقامة تنظيم الضباط الأحرار، والذي قام بالانقلاب على الملك فاروق فيما يعرف باسم “ثورة يوليو 1952م”، وحول مصر من عهد الملكية إلى عهد الجمهورية.
انحيازه للفقراء :
هناك مآخذ عديدة على فترة ولاية جمال عبد الناصر ، خاصة فيما يتعلق بمجال الحريات وحقوق الإنسان، ولكن في النهاية يبقى هو الرئيس المصري الأكثر انحيازاً إلى الطبقة الفقيرة، فنظريات الفكر الاشتراكي التي طبقها خلال فترة ولايته، أعادت قدر كبير من الحقوق المسلوبة إلى أصحابها.. فقد اتخذ من إرساء قواعد العدالة الاجتماعية أساساً لسياساته وتشريعاته، والتي من أبرازها إقراره لمجانية التعليم كحق لكل مصري، وكذلك قانون الإصلاح الزراعي الذي خلص الفلاح من سطوة الإقطاع، كما حرر العمال من قبضة رأس المال السالبة لحقوقهم.
الزوجة والابناء :
كانت تربط جمال عبد الناصر علاقة صداقة بأسرة السيد محمد كاظم، وقد كان تاجر سجاد شهير بالإسكندرية ذو أصول إيرانية، وقد أعجب عبد الناصر بابنته السيدة تحية محمد كاظم، فتقدم لخطبتها وقد قبلت به زوجاً وكان ذلك في عام 1944م، وكانت حياة الزعيم الراحل الشخصية على نقيض حياته العسكرية أو العامة، فقد اتسمت بالاستقرار والهدوء، وحظي بحياة سعيدة برفقة السيدة تحية بشهادة المقربين، وحسب ما ورد ذكر في أكثر من مرجع تناول سيرته، وقد أثمر هذا الزواج عن الابناء الخمسة للزعيم وهم ابنتيه هدى ومنى، وأنجاله خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم عبد الناصر.
الوفاة والجنازة :
الأسابيع الست الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر قضاها طريح الفراش، في ذلك الوقت كانت وسائل الإعلام تبرر غيابه عن الساحة بإصابته بالأنفلونزا، ولكن بعد وفاته في الثامن والعشرين من سبتمبر لعام 1970م، كشفت بعض المصادر إنه كان يعاني من عِدة أمراض، هي ما أدت إلى تدهور حالته الصحية ومات متأثراً بها، منها مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، هذا بخلاف تعرضه لأزمتين قلبيتين، وقد تم تشييع جثمان الرئيس الراحل في جنازة شعبية حاشدة مهيبة، لم ير التاريخ المصري لها مثيل من قبل وحتى اليوم، فقد خرج الشعب المصري بكافة أطيافه إلى الشوارع يودع جمال عبد الناصر بالدموع، رافعين لافتات تحمل اسمه وصوره، وكانت هناك مشاهد مماثلة في أكثر من بلد عربي.
الشبهة الجنائية :
ربما لم يشأ القدر أن يمر أي شئ بحياة جمال عبد الناصر مرور الكرام، فحتى وفاته أثارت جدل واسع وكانت محل قيل وقال، وهناك من أكد أن عبد الناصر لم تكن وفاته طبيعية، وإنه قد تم اغتيال بدس السُم له، وكان من المصرحين بذلك الفلسطيني عاطف أبو بكر المنشق عن تنظيم فتح، إذ قال إن جمال عبد الناصر قد دس له السم في 20 يناير 1970م خلال زيارته لدولة السودان، وقد عرض من خلال شاشة قناة العربية صوراً لبعض ضباط الموساد الإسرائيلي، أشهرهم المدعو مايك هراري، وأكد إنهم كانوا حاضرين زيارة عبد الناصر بصفتهم مراسلين صحفيين، ولكن في النهاية لا يوجد دليل قاطع واحد يُثبت إن الوفاة غير طبيعية، وعليه يبقى المرض وحده مسئولاً عن رحيل جمال عبد الناصر ،ويبقى المشهد الأخير من حياته لغزاً مثير للجدل.
أضف تعليق