مارجريت تاتشر هي واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في التاريخ عامة، وفي التاريخ البريطاني على وجه الخصوص، فهي المرأة التي قادت الحروب السياسية والعسكرية ببراعة، واستحقت عن جدارة أن تحمل لقب المرأة الحديدية، واحتلت منصب رئاسة الوزراء في إنجلترا، وهو المنصب الذي كان دائماً حكر على الرجال.. فمن تكون مارجريت تاتشر التي حطمت تلك القاعدة العنصرية؟
مارجريت تاتشر .. من تكون ؟
يمكننا أن نختلف حول سياسات مارجريت تاتشر ،لكن ما لا خلاف عليه هو إنها شخصية ملهمة للكثيرين، وإنها استطاعت فرض نفسها على الساحة السياسية رغم التحديات.. الأغلبية تعلم كيف انتهت رحلة تاتشر في بحر السياسة، لكن السؤال هو كيف بدأت تلك الرحلة؟ وما الأسباب التي قادت إلى نهايتها؟..
الأبوين والميلاد :
عند مولدها حملت مارجريت تاتشر اسم مارجريت هيلدار روبرتس، وكان ذلك في شرق إنجلترا وعلى وجه التحديد بمدينة جرانثام في لينكولنشاير، وكان ذلك في الثالث عشر من شهر أكتوبر لعام 1925م، ونشأت تاتشر في كنف أسرة على أعتاب الطبقة المتوسطة، فوالدها ألفريد روبرتس كان يملك دكاناً بسيطاً لبيع منتجات البقالة، أما والدتها فكانت تنتمي إلى عائلة إنجليزية عريقة هي عائلة بلينكولنشاير.
تأثرها دينياً وسياسياً :
ربما لم يتمكن والدي مارجريت تاتشر من توفير لها حياة رغدة العيش، فالدخل المادي المتوفر للعائلة كان بالكاد يكفي لتوفير حاجاتهم الأساسية، ومن ثم فإنها لم تنعم بطفولة مرفهة، ولكنهم الوالدين قد قدما لتاتشر ما يعجز عن تقديمه أغنى الأغنياء، فقد قدما لها العون والمساعدة وساهما في تكوين شخصيتها ورؤيتها، فالوالد رغم بساطته فقد كان ناشط سياسي فعال، وله أدوار في المجريات السياسية المحلية، وقد تأثرت مارجريت تاتشر بأفكاره بقدر كبير، وذلك ساهم في تكوين وعي سياسي لديها وهي لا تزال في مراحل عمرها الأولى، على الجانب الروحاني فقد نشأت مارجريت تاتشر متدينة، والفضل في ذلك أيضاً يعود إلى والدها، الذي كان واعظاً بإحدى الكنائيس الميثودية، فشبت مارجريت بذلك متدينة مثقفة متفتحة.
التعليم :
لا شك إن معلم مارجريت تاتشر الأول هو والدها ألفريد روبرتس كما ذكرنا سلفاً، ولكن ما منحها هذا الأب إياه ليس هو ما جعل منها أسطورة سياسية، وواحدة من أهم وأبرز الشخصيات في التاريخ البريطاني، لكنه فقد وضعها على أول الطريق الصحيح ليس إلا، أما الخطوة الثانية فقد تمثلت في تلقي مارجريت تاتشر للتعليم الأكاديمي، وقد بدأت رحلتها التعليمية من خلال مدرسة هونتنج تاور، ونظراً لتفوقها الدراسي الملحوظ حصلت على منحة من مدرسة كيستفن للبنان، وطوال سنوات دراستها عرفت بنشاطها وقدرتها الفائقة على التحصيل العالمي، وقد احتلت المركز الأول كأفضل طالبة لعدة أعوام متتالية، ثم اختتمت مسيرتها العلمية بالالتحاق بصفوف جامعة إكسفورد، والتي تخرجت منها بعد أن تخصصت في دراسة الكيمياء.
عملها السياسي .. البداية والرئاسة :
اهتمام مارجريت تاتشر بالسياسة العامة لبلدها بدأ منذ صغرها، لكنها دخلت إلى عالم السياسة بشكل رسمي لأول مرة في عام 1950م، وذلك بانضمامها إلى انتخابات حزب المحافظين البريطاني، وكانت آنذاك أصغر أعضاء ذلك الحزب، ولكن لم يكن الانضمام إلى الحزب بعضوية رسمية أقصى طموح مارجريت تاتشر ،بل كان هدفها منذ اللحظة الاولى هو الارتفاء وتقلد أحد مناصبه، وقد خاضت حرباً شديدة في سبيل تحقيق هذا الهدف، فقد تم رفض طلبها مرات عديدة لكنها رغم ذلك لم تستلم، وفي عام 1959م تحقق أملها، حيث تم اختيارها لتكون عضوة في المجلس العمومي للحزب، وكانت هذه هي البداية الثانية لها في العمل السياسية أو بمعنى آخر البداية الحقيقية، إذ إنها ونتيجة لاجتهادها صارت من أعضاء الحزب المؤثرين، وفي وقت وجيز تضاعفت شعبيتها فراحت تتقلد منصباً تلو الآخر، حتى بلغت القمة وتقلدت منصب رئيسة الوزراء في 1979م واستمرت به حتى 1990م.
دينيس تاتشر :
خلال خوض حزب المحافظين للانتخابات العامة خلال عامي 1950/1951م، التقت برجل يدعى دينيس كان من أكثر المؤمنين بالحزب، وكان من رجال الأعمال المتطوعين في الحملة الانتخابية الداعمة له، وخلال فترة وجيزة تقاربا وصارت بينهما صداقة وطيدة سرعان ما تحولت إلى مشاعر حب، وخلال بضعة أشهر كانا قد اتخذا قرارهما بالزواج، وهو ما تم بالفعل في شهر ديسمبر من نفس العام، ولم يكن دينيس بالنسبة لمارجريت مجرد زوج تقليدي، بل كان داعمها ومشجعها الذي ساندها خلال كافة المراجل التي مرت بها، ودعمها خلال الصراعات العديدة التي خاضتها، وكان دينيس هو الشخص الأهم على الإطلاق في حياة مارجرت تاتشر ،حتى إن الصدمة التي أصابتها جراء موته، كانت السبب الرئيسي في التدهور السريع لحالتها الصحية..
الاستقالة من رئاسة الحكومة :
تقلب الأوضاع وعالم السياسة هما مصطلحين يمكن اعتبراهما مترادفين، فالأمور في هذا المجال لا تستقيم على الدوام، ومن المستحيل أن تستمر كما بدأت، وخير دليل على ذلك هو الطريقة التي انتهت بها حياة مارجريت تاتشر السياسية، فكل النجاحات التي حققتها لم تشفع لها، والشعبية الجارفة التي كانت تحظى بها في أوساط البريطانيين خسرتها في أيام معدودة، وكان سبب ذلك كله هو إقرارها لقانون يلزم الشعب بسداد ضريبة جديدة، الأمر الذي تسبب في انقلاب الرأي العام ضدها، وخرج المتظاهرون إلى الشوارع ينادون بإقالتها من منصبها، وتخلى عنها أعضاء حزبها “حزب المحافظين” خلال تلك المحنة، وأمام الهجمة الشرسة التي تعرضت لها طالبوها بالاستقالة من منصبها، وهو ما تم بالفعل في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر لعام 1990م.
الانعزال التام :
صحيح أن مارجريت تاتشر باستقالتها من منصبها كرئيسة لوزراء إنجلترا، انتهت صلتها بالمناصب القيادية أو الرسمية بالدولة، إلا إنها لم تختف من الحياة العامة، فظلت عامة في المجال السياسي بل وتمكنت من الحفاظ على مكانتها كواحدة من الشخصيات البارزة والمؤثرة بالسياسة الإنجليزية، واستمر ذلك الوضع حتى عام 2002م، الذي أعلن تاتشر خلاله انسحابها التام من الحياة السياسية، وذلك بسبب تقدمها في العمر وحالتها الصحية التي ما عادت تسمح ببذل ذلك الجهد.
السنوات الأخيرة والوفاة :
تدهورت الحالة الصحية لـ مارجريت تاتشر بشكل أكبر ابتداءً من عام 2005م تقريباً، فرغم كل ما شهدته حياة هذه السيدة من تقلبات وصراعات وصدامات، إلا إنها لم تحتمل فراق زوجها دنيس تاتشر، فقد كان موته بمثابة ضربة قاسمة لها، فبعد شهرين فقط من وفاته تم نقل تاتشر إلى المستشفى، وهناك شخص الأطباء حالتها بإنها مصابة بمرض الخرف العقلي، وقد أخفت عائلتها حقيقة مرضها عن وسائل الإعلام لفترة طويلة، وفي الثامن من إبريل لعام 2013م توفيت المرأة الحديدية مارجريت تاتشر عن عمر يناهز 87 عاماً، وكان ذلك تأثراً بالجلطة الدماغية المفاجئة التي أصابتها.
المرأة الحديدة والسينما :
ربما لا يوجد في حياة مارجريت تاتشر ما هو طبيعي أو عادي أو عادي أو من الممكن أن يمر مرور الكرام، فحتى الفيلم السينمائي الذي استعرض سيرتها الذاتية، راصداً مرحلة صعودها منذ الشباب وحتى بلوغها الشيخوخة، يعد أحد علامات السينما العلامية وصُنف كأحد أهم الأعمال في تاريخ السينما عامة، وفي تاريخ أفلام السير الذاتية على وجه الخصوص، وقد صدر ذلك الفيلم في 2011م بعنوان المرأة الحديدية أو The Iron Lady، وجسدت شخصية تاتشر في مرحلة الشباب ألكسندرا روتش، بينما بطلة الفيلم والتي جسدت الشخصية في باقي المراحل، فهي ميرل ستريب والتي نالت جائزة أوسكار أفضل ممثل دور أول عن هذا الفيلم.
في النهاية لا يسعنا سوى القول بأن مارجريت تاتشر تمكنت من خلال رحلتها من تخليد اسمها في ذاكرة التاريخ، لها ما لها وعليها ما عليها، لكنها في النهاية واحدة من أبرز السياسيين في تاريخ العالم، والأبرز على الإطلاق من بين جميع النساء اللواتي شغلن المناصب الرسمية، تمكنت من خوض الحروب السياسية ونجحت بها، وقادت حروباً عسكرية وايضاً حققت خلالها انتصارات لا يمكن محوها، وأشهر حروبها تلك التي اندلعت بين إنجلترا والأرجنتين، بسبب قيام الأخيرة باحتلال مجموعة جزر كانت واقعة تحت سيادة بريطانيا في ذلك الوقت.
أضف تعليق