أحمد رامي ويُعرف أيضاً بلقب شاعر الشباب، هو أحد أنبغ الشعراء وأكثرهم شهرة في تاريخ الفن العربي، ارتبط ذكر أحمد رامي بذكر سيدة الغناء وكوكب الشرق أم كلثوم، ورغم إن ذلك نوع من التكريم حسده عليه كامل شعراء عصره، إلا إنه أيضاً يعد تقصيراً في حقه، فرامي عظيم بذاته وبفنه وبشعره وترجماته التي أثرى بها المكتبة العربية، وفي غنى عن إلحاق اسمه باسم أي شخص آخر أيا كان قدره، للتدليل على قدره ومكانته.
أحمد رامي .. من هذا ؟
هو رمز للأديب الشامل والمتفاني، تنوعت أعماله ما بين نظم الشعر وكتابة الأغنية والسيناريو بجانب العديد من الترجمات، واختصاراً فإن أحمد رامي هو اسم التوقف أمام فرض وليس اختيار.
الميلاد :
أحمد رامي وُلِد في العاصمة المصرية القاهرة، وذلك بأحد الأحياء العريقة والأصيلة بها وهو حي السيدة زينب، وكان هذا في التاسع من أغسطس لعام 1892م، وكان أحمد هو الابن الأول لوالديه، وكان له شقيقتين أصغر منه سناً، تولى هو رعايتهما بعد وفاة والديه اللذان توفيا وهو في مقتبل الشباب، يجمع أحمد رامي بين الأصلين التركي والمصري، فوالدته هي ربة منزل من القرى المصرية، أما والده الطبيب رامي الكريتلي فيندرج من أصول تركية، فجد أحمد رامي لأبيه كان ضابطاً بالجيش التركي، وهو الأميرلاي حسين بك الكريتلي.
العودة والنشأة :
قضي أحمد رامي الفترة الأولى من حياته في اليونان، وتحديداً في جزيرة شاسوس والتي كانت تعرف آنذاك باسم جزيرة طاشوز، حيث كانت تابعة لحكم الدولة العثمانية، وذلك كان بسبب انتقال مقر عمل والده الدكتور رامي الكريتلي إلى هناك، ولكن بعد وفاة والدته، وتحديداً في عام 1901م، عادت الأسرة إلى مرة أخرى إلى القاهرة، حيث تولت عمته رعايته هو وشقيقتيه، في محاولة منها لتعويضهم حنان الأم التي فقدوها مبكراً، وقد نجحت في ذلك، فكان أحمد رامي دوماً ما يتحدث عنها في كل لقاء بكثير من الامتنان، ثم في مرحلة تالية تولى الجد رعاية الأحفاد أحمد وشقيقتيه، وذلك بسبب تعيين والده كطبيب بقوات الجيش وسفره إلى السودان، ومع بلوغ رامي سن الشباب تولى هو بنفسه زمام الأمور، إذ صار منذ ذلك الحين مسئولاً عن رعاية شقيقته وتنشأتهم، وبات يشغل في حياتهن محل الأم والأب.
التعليم :
تلقى الشاعر أحمد رامي تعليمه الثانوي بالمدرسة الخديوية الثانوية، وقد عُرف بتفوقه خلال مختلف سنوات دراسته، وهو ما أهله للالتحاق بالجامعة في وقت لاحق، إذ التحق بمدرسة المعلمين “كلية التربية حالياً” وتخرج فيها بعام 1914م، ولكن شغفه بالعلم لم يكن قد انتهى عند هذا الحد، فسافر إلى العاصمة الفرنسية باريس لاستكمال مشواره دراسي، وهناك تخصص في دراسة الوثائق والمكتبات بجامعة السوربون، كذلك تعلم خلال هذه الرحلة العديد من اللغات، أهمها اللغة الفرنسية التي كان يتقنها إتقاناً تاماً، بجانب دراسته للغة الفارسية في أحد المعاهد المتخصصة في تدريس اللغات الشرقية.
الحب والزواج :
قصة حب أحمد رامي وأم كلثوم تُضرب بها الأمثال، فقد كان معروفاً للجميع مدى ترابطهما وقوة علاقتهما، وما كان الحب الذي يكنه كل منهما للآخر ليخفى على من حولهما، ولكن في النهاية نشأت بينهما بعض الخلافات، حالت دون إتمام زواجهما، ومن أهم العوامل التي قادت إلى إفشال هذه العلاقة، هو ملاحقة الصحافة لها ونشر الشائعات حولها، والتي وصلت إلى حد القول بأن رامي متزوج بالفعل من أم كلثوم سراً.. وفي وقت لاحق لذلك وأمام إصار عائلته، قبل أحمد رامي بالزواج من السيدة عطا الله، وقد أحسن عشرتها وأحب رفقتها طيلة حياته، ولكن هذا لم ينسه عشقه الأول لأم كلثوم، فظلت حتى آخر أيام حياته هي مُلهمته التي يكتب الشعر فيها ولأجلها.
علاقته الفنية بأم كلثوم :
علاقة أحمد رامي الفنية بالمطربة العربية الأشهر أم كلثوم هي علاقة وطيدة، وإحقاقاً للحق فقد مثل الموسيقار محمد القصبجي الضلع الثالث بهذه العلاقة، فقد تولى تلحين الكثير من أشعار أحمد رامي التي شدت بها أم كلثوم، والمفارقة هنا إن أم كلثوم قد غنت أشعار رامي حتى قبل أن تلتقيه، فور وصولها إلى القاهرة وبداية تقديمها للعروض الغنائية، تغنت بقصيدة “الصب تفضحه عيونه” التي نظمها رامي، دون أن تعلم بإنه كان قد حاضر للعرض، وكان رامي يغضب إذا ما تم استغلال إنتاجه الفني دون الحصول على إذنه، لكن في هذه المرة كان الأمر مغاير، فبعد أن استمع لصوت أم كلثوم العذب أعجب به ورأى إنها أضافت قيمة لكلماته، فتعرف عليها بعد انتهاء فقرتها الغنائية، ومن هنا بدأت علاقتهما الفنية التي لم تنتهى إلا بوفاة كوكب الشرق.
كذلك شارك أحمد رامي في كتابة الحوار لبعض الأفلام السينمائية التي لعبت أم كلثوم دور البطولة بها، أما عن تعاونهما الغنائي، فقد بلغ عدد الأغنيات التي كتبها رامي لأم كلثوم حوالي 110 أغنية، جميعهم من أهم ما غنت أم كلثوم خلال مشوارها الفني المديد، ومن أمثلة هذه الأغنيات التالي:
- النوم يداعب جفون حبيبي
- يا طول عذابي
- غلبت أصالح
- عودت عيني
- حيرت قلبي معاك
- جددت حبك ليه
- يا ليلة العيد
- غنى الربيع
إنجازه الأدبي والفني :
أحمد رامي أثرى الحياة الفنية والثقافية بالعديد من الأعمال التي خلدت اسمه، فقد تميز بنشاطه الفني الدائم والمتجدد وغزارة إنتاجه، فشارك في أكثر من ثلاثين عمل سينمائي، سواء كمؤلف أو ككاتب حوار، كذلك ساهم في الارتقاء بمستوى المسرح الشعري الغنائي، أما الأغنيات التي قدمها فهي تفوق الحصر، وقد تغنى بكلماته أعظم مطربي ذلك العصر، وهذا كله بخلاف قيامه بترجمة رباعيات الخيام من الفارسية إلى اللغة العربية، كما ترجم كتابي “في سبيل التاج” و”شارولت كورداي”.
الجوائز والتكريمات :
أحمد رامي من القلة القليلة التي لم تتربح أو تجن أمولاً أو تكون ثروات من خلال الفن، فلو اكتسب مالاً بقدر ما اكتسب من شهرة لكان أحد أغنى الأغنياء، لكنه كسب ما هو أعظم من ذلك وهو حب الناس وتقديرهم واحترامهم، وقد تبلورت هذه المشاعر في الجوائز والتكريمات التي نالها رامي، والتي من أهمها:
- نال أحمد رامي درجة الدكتوراه الفخرية في الفنون من الرئيس السادات.
- حصل على وسام الفنون والعلوم.
- وسام الكفاءة الفكرية المغربي، وتسلمه من الملك الحسن.
- نال أيضاً جائزة الدولة التقديرية في عام 1967.
- تم انتخابه رئيساً لجمعية المؤلفين.
- نال رامي ميدالية الخلود الفني من أكاديمية الفنون الفرنسية.
هجره للشعر ووفاته :
كان دوماً ما يتمنى أحمد رامي أن يستمر نهر إبداعه في التدفق حتى الرمق الأخير، لكن ليست كل الأماني في الإمكان تحقيقها، فالشاعر الذي حقق من النجاح والشهرة ما لم يحققه سواه من ابناء جيله، توقف عن الكتابة منذ أن رحلت أم كلثوم، فقد كان يدعوها دوماً بإنها مُلهمته، وإنها شعلة الحماس المُقادة في قلبه، وبعد وفاتها خبا وهج هذه الشعلة شيئاً فشئ، وسيطرت على أحمد رامي حالة من الاكتئاب الشديد، فهجر القلم والورقة ولم يعد ينظم الشعر ولا يجد فيه لذة كما كان في السابق، وظلت هذه الحالة مُسيطرة عليه إلى أن فارق الحياة، وقد كان ذلك في الخامس من يونية لعام 1981م، وقد حضر جنازته العديد من الشخصيات العامة والبارزة، كما نظمت لأجله العديد من قصائد الرثاء بأقلام أبرز معاصريه من الشعراء.
أضف تعليق