بروس لي أو التنين الصغير كما يُلقبه محبيه، هو أحد أشهر معلمي الفنون القتالية في التاريخ، وربما هو الأشهر على الإطلاق، وقد تمكن وهو في سن المراهقة من الفوز بأكثر من بطول لرياضة الكونغ الفو، فجذب انتباه منتجي السينما فقاموا بالاستعانة به في بعض الأدوار بالمسلسلات، التي نجح من خلالها نجاح ملموس مهد الطريق أمامه إلى عالم السينما والأضواء، وتمكن بروس لي من تحطيم العُرف السائد آنذاك، إذ كان ظهور الصينيون بالأفلام لا يكون إلا من خلال أوار ثانوية، وعادة ما يجسد شخصية الخصم الشرير بأفلام الحركة، لكن أمام النجاح الكبير الذي حققه بروس لي وما حظي به من شعبية هائلة، لم يملك المنتجون خياراً سوى وضع صورته منفرداً على ملصقات الأفلام، مُنهياً بذلك زمن العنصرية والتمييز السينمائي ضد الآسيويين في هوليود.
بروس لي .. من هذا ؟
الأسطورة والتنين الصغير وأفضل لاعب كونغ فو كلها ألقاب حملها بروس لي ،وكلها تدفعنا للتوقف أمام شخصه وتأمل سيرته لنلقي عليه نظرة عن قرب.
ميلاد التنين :
لقب التنين لم يُلحق باسم بروس لي فقط بعد بزوغ نجمه كبطل لأفلام الحركة والإثارة، أو بعد إظهاره لبراعته الفائقة في أداء الحركات القتالية، إنما منذ لحظة مولده كان ينادى بهذا الاسم كنوع من المزاح والتندر، وذلك لأن لي المولود في السادس والعشرين من نوفمبر لعام 1940م، كانت ساعة مولده بالفترة ما بين الساعتين السادسة والثامنة صباحاً، ووفقاً للمورث الثقافي الشعبي في الصين، فإن تلك الفترة يُطلق عليها ساعة التنين، بجانب إن تاريخ مولده ينتمي إلى برج التنين وفقاً لدائرة الأبراج الصينية.. أما عن محل ميلاد بروس لي فقد كان الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقيم والداه، وبالتحديد بالمستشفى الصينية التابعة للحي الصيني الواقع في مدينة سان فرانسيسكو التابعة لولاية كاليفورنيا.
الوالدين والأصول :
يندرج بروس لي من أصول صينية قريبة وألمانية بعيدة، فوالده هو الصيني لي هوي شانين وكانت ديانته هي الديانة الشعبية بالصين، التي تُبجل الموتى وتعتقد في صحة الأساطير الصينية القديمة، بينما أمه فقد كانت غريس هوو المسيحية الكاثوليكية، والتي تندرج من أصول صينية ألمانية، وكان بروس هو الابن الثاني لوالديه إذ كان له شقيقة تكبره سناً تدعى اجنيس لي، واختلاف الانتماءات الدينية للأبوين وكذا اختلاف أصولهم أثر في بروس لي بشكل كبير، فشب متمسكاً بموروثه الشعبي كصيني، كما حرصت أمه على غرس القيم المسيحية في نفسه منذ نعومة أظافره، وقد عادت الأسرة بأكملها إلى الصين مرة أخرى، حين بلغ عمر بروس الصغير ثلاثة أشهر.
التعليم :
حين بلغ عمر بروس لي سن الالتحاق بسلك التعليم، ألحقه والداه بمدرسة تاك سن في هونج كونج لتلقي التعليم الأساسي، وبعد أن أنهى مدة دراسته بها انتقل إلى مدرسة لا سال وكان حينها بعمر الثانية عشر تقريباً، وقد كان بروس لي شديد الشغف بممارسة الرياضة بمختلف أشكالها، ولكن كان شغفه الأكبر بالرياضة القتالية وألعاب الدفاع عن النفس، وقد تسبب انشغاله بالتدريب عن الدراسة إلى حصوله على درجات سيئة بأكثر من مرحلة دراسية، ولذلك تم نقله إلى مدرسة أقل بالمستوى هي مدرسة القس فراسيس زافير. بعد ذلك استكمال بروس لي مشواره التعليمي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث درس بمدرسة إديسون للتقنية بمدينة سياتل، ثم تمكن بعدها من الالتحاق بجامعة واشنطن حيث تخصص في دراسة الفلسفة.
تعلم الفنون القتالية :
بداية علاقة بروس لي برياضة الكنغ فو والألعاب القتالية بشكل عام، كانت في عام 1954م وكان آنذاك في عمر الثالثة عشر تقريباً، وأول من تولى تدريب بروس لي كان المعلم آيب مان، وكان سبب اتجاه بروس لهذا النوع من الرياضة، هو تلقيه ضرباً مبرحاً على أيد الأشخاص الذين تشاجر منهم، فقرر من ذلك الحين الحصول على حصص تدريبية يتعلم من خلالها كيفية الدفاع عن نفسه، وتعلم في أول الأمر تدريبات شي ساو أو ما تعرف بتدريبات الأيدي المتلاصقة، أما ثاني من تولى تدريب بروس فقد كان الأخ إدوارد، المسئول عن فريق الملاكمة بمدرسة القس فراسيس زافير الثانوية، ثم واصل تدريباته على يد مدربين مختلفين مع مقدمه للولايات المتحدة الأمريكية.
الزواج والابناء :
خلال فترة الدراسة بجامعة واشنطن التقى بروس لي بزميلته الأمريكية ليندا كادويل، وسرعان ما تحول مسار علاقتهما من الصداقة إلى الحب، وفي عام 1964م أعلن بروس وليندا زواجهما، الذي استمر حتى عام 1973م أي حتى وفاة بروس لي ،وقد أنجبا طفلين هما شانون لي وبراندون لي.
الإنجاز الرياضي :
بروس لي ليس مجرد ممارس بارع لرياضة الكونغ فو، وليس مجرد مُعلم تخرج من تحت يديه أجيال من اللاعبين المحترفين، بل إنه استحدث أساليب قتالية جديدة لم تكن معروفة قبله، أشهرها أسلوب الجيت كون دو أو اليد المعترضة، والتي تعرف بالمسمى الشائع لها قتال الشوارع، فاستحق بذلك عن جدارة أن يكون الأشهر في عالم الألعاب القتالية.
تأثيره في السينما :
بروس لي هو أول صيني تتصدر صورته الملصقات الدعائية للأفلام السينمائية، وعليه فقد فتح الباب أمام نوع جديد من الأفلام، وهي أفلام القتال الآسيوي أو كما تعرف أفلام الكونغ فو، وقد سار على دربه العديد ممن صاروا فيما بعد اسماء لامعة في سماء هوليود، وأشهرهما على الإطلاق جاكي شان وجيت لي.
الموت المفاجئ :
حين بلغ بروس لي عمر الثالثة والثلاثون كان قد حقق مجداً عظيماً، فقد كان النجم السينمائي الأكثر شعبية حول العالم، وكان قد حقق ثروة طائلة، وكان من المتوقع أن يحقق المزيد والمزيد خلال السنوات التالية، وأن يحتل فيلمه الجاري تصويره -آنذاك- والذي يحمل عنوان لعبة الموت الصدارة بشباك التذاكر، وفجأة وبدون إنذار سابق صُدم العالم بوسائل الإعلام حول العالم تتناقل خبر وفاة بروس لي ،وكان ذلك في العشرين من شهر يوليو لعام 1973م، ووفقاً للأوراق والتقارير الرسمية فإنه قد توفي نتيجة تعرضه إلى نزيف بالمخ، وقد اغتم العالم أجمع لوفاة النجم المحبوب والرياضي البارع، وقد كان ذلك بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وتم تشييع الجثمان ودفنه بكبرى مدن الولايات المتحدة الشمالية وهي مدينة ستايل.
الشبهة الجنائية :
وفاة بروس لي كانت لفترة طويل -بل وحتى اليوم- محل جدل كبير، فهناك من يقول بأن هناك اشتباه في إن وفاته لم تكن طبيعية، وإن توفي متأثر بتناول سم دس له، أصابع الاتهام تشير إلى مجموعة من منتجي السينما المتعصبين، الرافضين لفكرة أن يتصدر صينياً الأفلام الأمريكية كبطل لها، والذين تكبدوا خسائر فادحة بسبب ما حققته أفلام بروس لي من نجاحات ساحقة، ولكن في النهاية لا يوجد دليل واحد يثبت صحة هذه الرواية، سوى إن من شاهدوه في نعشه قالوا بإن وجهه كان منتفخاً، وإن ذلك من دلائل إن الوفاة كانت نتيجة التسمم.
تكريم بروس لي :
لم يتم الاحتفاء بـ بروس لي بشكل رسمي خلال حياته كما يجب، ولكن بعد وفاته تم تخليد ذكراه بأكثر من طريقة، ولذلك بصفتيه سواء كنجم سينمائي لامع أو كمدرب بارع لفنون القتال، ومن أمثلة ذلك:
- تم اختيار لي من قبل مجلة التايم ضمن قائمة الـ100 شخصية الأكثر تأثيراً في التاريخ.
- في 2013م تم منح اسمه جائزة المؤسسين المرموقين الآسيوية.
- في 2013م أيضاً تم افتتاح تمثال بروس لي في الحي الصيني بلوس أنجلوس.
- تم إقامة نصب تذاكري مماثل في مسقط رأسه هونج كونج.
أضف تعليق