فريد الأطرش نعرفه جميعاً بصفته أحد أشهر المطربين العرب في التاريخ، وأحد أعظم الموسيقيين في العالم أجمع، هو من أُطلقت عليه ألقاب عديدة لتعبر عن موهبته الفريدة، مثل “ملك العود” و”موسيقار كل الأزمان” و”موسيقار الشرق الأوحد” وغيرها، وقد استحق هذه الألقاب عن جدارة، فسواء كنت من محبي صوته وألحانه أو غير ذلك، فلا يمكنك إنكار حقيقة إن فريد الأطرش له من البصمات المؤثرة في عالم الموسيقى العربية ما لا يُعد ولا يُحصى.. فكيف كانت مسيرته الفنية والحياتية؟ وكيف استطاع بلوغ الدرجة العليا من سلم المجد؟
فريد الأطرش .. من هذا ؟
فريد الأطرش هو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الموسيقى العربية، ولكن طريقه نحو الشهرة والمجد لم يكن مفروشاً بالحرير، بل كان مفروشاً بالأشواك والآلام والمعاناة، ولنتبين هذا علينا استعراض أهم المحطات بحياة ذلك المُبدع الفريد.
نسبه :
يعود أصل الموسيقار فريد الأطرش إلى الأمير فخر الدين المعني، والذي قد نزحت سلالته من الجزيرة العربية إلى لبنان واستقروا بها، ثم كان النزح الثاني إلى منطقة سهل حوران وجبل الدروز في سوريا، ولهذا يعرف فريد الأطرش بكونه مطرباً سورياً، وعلى مر السنين تمكن آل الأطرش من خلق مكانة لأنفسهم في جنوب سوريا، فصاروا من أعرق وأشهر العائلات بهذا القطاع، خاصة مع تاريخهم الحافل بالنضال ضد العثمانيين والفرنسيين، والذي كان سبباً في معاناة فريد في طفولته.
الميلاد والنشأة :
وُلِد فريد الأطرش في الحادي والعشرين من شهر أبريل لعام 1910م بمنطقة السويداء السورية لأسرة درزية، والده هو فرحان إسماعيل الأطرش ووالدته هي الزوجة الثانية لأبيه الأميرة علياء المنذر، وكان لفريد أربعة أشقاء هم أنور وفؤاد ووداد وآمال الشهيرة باسم أسمهان، وكان له خمسة أخوة غير أشقاء من زوجتي أبيه، وهم طلال وكرجية واعتدال ومنير ومنيرة.
المعاناة والهروب :
لم يعرف فريد الأطرش في طفولته طعماً للاستقرار أو الهدوء، فينما كان من هم في مثل سنه يقضون أوقاتهم في اللهو واللعب، كان هو منشغل بالفرار والهروب من ملاحقة الفرنسيين، والسر في ذلك هو عظمة أبيه والمكانة التي يتمتع بها، فقد كان آل الأطرش بصفة عامة وفهد الأطرش على وجه الخصوص، من أوائل من وقفوا في مواجهة الاستعمار، الأمر الذي جعل أفراد العائلة بالكامل عرضة للخطر، فالفرنسيون لن يترددوا في إلحاق الأذى بالابناء كنوع من الانتقام من والدهم، ولذلك فقد حُرم فريد الأطرش من والده في وقت مبكر، إذ أن والدته قد اصطحبته هو وأخوته وتنقلت بهما بين العديد من المدن، في محاولة لتضليل الفرنسيون، وكانت القاهرة في مصر هي محطتهم الأخيرة فاستقروا بها، وبعد فترة انقطعت أخبار الأب ولم يعرفوا إن كان قُتل أم وقع في أسر المستعمرين.
التعليم :
كانت والدة فريد الأطرش حريصة كل الحرص على تعليم أولادها، على الرغم من أن ذلك لم يكن أبداً بالأمر اليسير، ففي بادئ الأم تم إلحاق فريد بمدرسة فرنسية تسمى “الخرنفش”، ولكن كي يتم قيده بالسجلات بسهولة وفي ذات الوقت يكون آمناً، تم تغيير لقب عائلته من الأطرش إلى كوسا، ولكن بعد فترة كشف مديري المدرسة ذلك الأمر فقاموا بطرده، فألحقته أمه بعد ذلك بمدرسة البطريركية الكاثوليكية، ورغم قلة موارد الأسرة المالية في مصر كانت الأم حريصة على ألا تخرج أطفالها من سلك التعليم، ولكن زكي باشا حين استمع لعزف فريد على آلة العود، نصح بأن يتقدم بأوراقه لمعهد الموسيقى، وبالفعل أخذ فريد الأطرش بالنصيحة وتوجه إلى المعهد وأجرى الأختبار، فتم قبوله على الفور بعد أن نالت موهبته إعجاب وتقدير المُحكمين بالإجماع.
البدايات الفنية :
علاقة فريد الأطرش بالموسيقى بدأت منذ طفولته، فكانت والدته تملك صوتاً عذباً مميزاً وقد امتهنت الغناء لفترة كي تتمكن من إعالة أسرتها، وكان فريد وشقيقه فؤاد يصاحبها في كل مكان تغني به، ومن هنا بدأ يتعلق فريد الأطرش بالموسيقى ويزداد شغفه بها، وحين التحق بمعهد الموسيقى شعر وكأنه وُلِد مجدداً، وأخيراً عثر على المكان الذي ينتمي إليه بالفعل، وبعد تخرجه بدأ يبحث عن نقطة يبدأ منها مسيرته الفنية، وبعد فترة من البحث والمعاناة تم قبوله بفرقة بديعة مصابني، ومن خلال مسرحها برزت موهبته وحقق شهرة واسعة وسريعة، وفي زمن قياسي صار من أبرز المطربين والموسيقيين في مصر، ثم جذب أنظار منتجي السينما فقدم معهم عدد كبير من الأفلام الغنائية.
الحب في حياة مُطربه :
النسبة الغالبة من الأغاني التي شارك فيها فريد الأطرش سواء بالغناء أو التلحين أو كلاهما هي أغاني عاطفية، تارة يعبر عن لوعة المشتاق في غياب محبوبته، وتارة يعبر عن فرحة اللقاء الأول، لكن كيف كان الأمر بعيداً عن الميكروفون والنوتة الموسيقية؟!.. وفقاً لما هو مثبت بالعديد من المراجع المتناولة لسيرة فريد الأطرش ،فإن الحب قد دق بابه العديد من المرات، ولكن الاستقرار ظل غائباً عن حياته، فرغم تعدد قصص الحب في حياته والتي بلغ عددها 7 قصص لم يتزوج الأطرش في أي مرة، وكانت علاقات فريد الأطرش النسائية دوماً محط اهتمام الصحفيين، خاصة وإن أغلب من ارتبط بهن عاطفياً ينتمين إلى الوسط الفني، مثل سامية جمال وليلى الجزائرية وشادية وسلوى القدسي، وكانت قصة الحب الأولى في حياته من خارج الوسط الفني، حيث ارتبط بفتاة ارستقراطية تدعى مديحة.
مكانته كموسيقي :
للآسف الغالبية يحصرون فريد الأطرش في إطار المطرب، بينما لا ينتبهون كثيراً لباعه الطويل في مجال التلحين الموسيقي، على الرغم من إن ذلك يمثل الإنجاز الأكبر في مشواره، فقد تمكن فريد الأطرش من إحداث اتزان بديع في ألحانه، فتمكن من إحداث تجديد ملحوظ في القوالب الموسيقية الشرقية، دون أن يُخل بطابعها الأصيل والمُميز لها، بجانب إن النقاد والموسيقيون يعتبرونه أفضل من أمسك بريشة آلة العود الموسيقية، فلا عجب إنه يشتهر بلقب “ملك العود”.
الأوسمة والجوائز :
كان فريد الأطرش موسيقاراً بارعاً ومميزاً، له مشوار فاني مديد حافل بالنجاحات والإبداعات، وكانت النتيجة الحتمية لهذا الإخلاص الفني، هو أن يحظى بتقدير النقاد والمتخصصين واحترام وحب الجماهير، وكل هذا جُسِد في عدد كبير جداً من الأوسمة والجوائز والتكريمات التي نالها خلال مشواره، وعلى سبيل المثال لا الحصر منها الآتي:
- وسام الاستحقاق المصري.
- وسام الاستحقاق اللبناني.
- وسام الكوكب الأردني، وتسلمه من الملك حسين بن طلال.
- قلادة النيل المصرية.
- منح منصباً فخرياً مدى الحياة وهو رئاسة نقابة الفنانيين اللبنانين.
- وسام الأرز اللبناني.
- ميدالية الخلود الفرنسية.
- جائزة الفنون والآداب المصرية.
الوفاة :
خلال السنوات الأخيرة من عمر ملك العود فريد الأطرش ،كان يكثر التردد على -بلاده الأم- بلاد الشام، تلك البلد التي فقد احتضانها له في وقت مبكر جداً من عمره، وكان يقيم بمدينة بيروت اللبنانية إقامة شبه كاملة، تقطعها زيارات من آن لآخر لبلده الثاني مصر، ولكن تلك الزيارات انقطعت بالأشهر الأخيرة نتيجة تدهور حالته الصحية، وعدم قدرته على السفر لكل تلك المسافة، وفي عام 1974م وتحديداً في السادس والعشرين من ديسمبر، تعرض فريد الأطرش إلى أزمة قلبية شديدة، تم نقله على إثرها إلى مستشفى الحايك في بيروت، وحاول الأطباء هناك إسعافه لكن كان الآوان قد فات، وقضي الموسيقار المبدع نحبه عن عمر يناهز 64 عاماً.
مثواه الأخير :
وكأن قدر فريد الأطرش أن تتقاسمه بلاد الشام ومصر طيلة حياته وحتى بعد موته، فهو في الأصل يندرج من عائلة تنتمي للأولى وعاش وترعرع في الثانية، وتوفي في الأولى وشُيع جثمانه ودفن في الثانية، وقد حضر جنازة الأطرش عدد غير قليل من كبار مبدعي هذا الزمن، بجانب عدد آخر من الشخصيات العامة والبارزة من رجال السياسة والإعلام، وهذا بالطبع بخلاف حشد هائل من محبي الراحل، وتم دفنه في ضريح آل الأطرش بمنطقة السيدة عائشة، ليدفن بجوار شقيقيه الأمير فؤاد الأطرش وآمال الأطرش الشهيرة باسم أسمهان.
أضف تعليق