صوفي أبو طالب هو واحد من أبرز السياسيين المصريين في الزمن المعاصر، باعتباره أحد الشخصيات المؤثرة في سياسة الدولة المصرية، بالإضافة إلى دوره المحوري في سن وتشريع القوانين الهامة التي لا يزال أغلبها معمول به حتى يومنا هذا، ويُعد صوفي أبو طالب أحد المساهمين في بناء الجمهورية المصرية في أعقاب ثورة يوليو، حيث أنه بدأ نشاطه السياسي في عهد أول رئيس رسمي لمصر بعد انقضاء عصر الملكية وهو جمال عبد الناصر، ولعب أبرز أدواره السياسية في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات واستمر في أدائه حتى أوائل عهد حسني مبارك، فترى ما الدور الذي قدمه في زمن كل رئيس من الثلاثة؟ وما تأثير الذي أحدثه من خلال مسيرته السياسية المديدة؟
صوفي أبو طالب .. من هذا؟
الميلاد والعائلة :
صوفي أبو طالب واسمه بالكامل صوفي حسن أبو طالب وُلِد في السابع والعشرين من يناير 1925م، في مركز طامية الذي يتبع إدارياً محافظة الفيوم الواقعة -آنذاك- ضمن حدود المملكة المصرية، وهو ينتمي إلى عائلة أبو طالب العريقة ذائعة الصيت خاصة في محافظة الفيوم وما يحيطها، حيث أن أغلب أفرادها كانوا ينتمون لطبقة الأعيان كما خرج منها العديد من الشخصيات المؤثرة في مختلف المجالات، وهو شقيق الدكتور حامد أبو طالب.
التعليم :
تنَقل صوفي أبو طالب بين مراحل التعليم المختلفة داخل مدارس -مسقط رأسه- محافظة الفيوم، وقد عُرف عنه التفوق العلمي طوال سنوات دراسته، وبعدما أنهى دراسته في المرحلة الثانوية قرر الانضمام إلى مدرسة الحقانية (كلية الحقوق) بجامعة فؤاد الأول والمعروفة حالياً باسم جامعة القاهرة، مع الإشارة إلى أن كلية الحقوق في تلك الفترة كانت من كلية القمة ولا تستقبل إلا الطلبة المتفوقون دراسياً، وقد تخرج منها صوفي أبو طالب في عام 1946م.
البعثات الدراسية :
لم يكتف صوفي أبو طالب بدرجة دبلوم القانون التي حصل عليها من الجامعة المصرية، خاصة وأن تقديراته الجامعية كانت تؤهله للانضمام إلى البعثات التي تنظما الجامعة، وبالفعل سافر في عام 1948م ضمن بعثة تعليمية وبعد عام واحد تمكن من اجتياز الاختبارات والحصول على دبلومة في تاريخ القانون والقانون الروماني من جامعة باريس، وبالعام التالي -أي عام 1950م- حصل على دبلومة في القانون الخاص من نفس الجامعة.
نال صوفي أبو طالب درجة الدكتوراه في القانون من جامعة باريس في عام 1957م، وقد فاز موضوع الرسالة المقدم منه بجائزة أفضل رسالة دكتوراه من الجامعة ذاتها، ثم انتقل بعد ذلك إلى إيطاليا حيث التحق بالبرامج التعليمية في جامعة روما وحصل على درجة الدبلوم في دراسات قوانين البحر المتوسط.
عمله الأكاديمي :
بعد عودة صوفي أبو طالب إلى مصر انضم إلى هيئة التدريس في كلية الحقوق جامعة القاهرة، وتدرج في المناصب الجامعية حتى ترأس قسم تاريخ القانون وعُين مستشاراً لجامعة أسيوط وجامعة القاهرة، ثم صدر قرار بتعيينه في منصب نائب رئيس جامعة القاهرة ثم أصبح رئيساً لها في عام 1978م.
مناصبه الأكاديمية الأخرى :
بجانب المناصب التي عُين بها صوفي أبو طالب بموجب عمله ضمن هيئة التدريس الجامعي، فقد شغل العديد من المناصب الأخرى، حيث كان عضواً في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية والمجلس القومي للتعليم وعضواً في اللجنة الاتحاد الاشتراكي المركزية، كما كان نائباً لرئيس جمعية الشباب المسلمين وسكرتير عام جمعية رعاية الطالب.
حياته النيابية :
بدأ صوفي أبو طالب مسيرته السياسية في عام 1976م حين ترشح لعضوية مجلس النواب عن دائرة طامية بمحافظة الفيوم، وقد فاز بالفعل بمقعد الدائرة ضمن المجلس، وبعد عامين -أي في 1978م- تولى منصب رئيس مجلس الشعب كما كان رئيساً لإحدى لجان المجلس الفرعية وهي لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
صوفي أبو طالب رئيساً لمصر :
تولى صوفي أبو طالب منصب الرئاسة في مصر ابتداءً من السادس من أكتوبر 1981م، أي في أعقاب حادث اغتيال السادات، وقد جاء تعيينه في المنصب بصورة نيابية مؤقتة بموجب منصبه كرئيس لمجلس النواب؛ حيث أن الدستور المصري ينص على يتولى رئيس مجلس الشعب مهام رئيس الجمهورية ويؤدي دوره في حالة خلو المنصب بسبب وفاة الرئيس.
تمكن صوفي أبو طالب من العبور بمصر إلى بر الأمان في تلك الفترة الحرجة في أعقاب اغتيال رئيسها، وتمكن من التصدي إلى تداعيات الحادث والسيطرة على الأوضاع الداخلية في البلاد، إلى أن انتقلت السلطة إلى رئيس الجمهورية التالي محمد حسني مبارك، وبذلك عاد صوفي لمنصبه الأول كرئيس لمجلس الشعب واستمر به حتى عام 1983م.
آخر جولاته السياسية :
خاض صوفي أبو طالب العديد من الصراعات السياسية والتشريعية من خلال المناصب العديدة التي تقلدها بهدف الإبقاء على المادة الثانية من الدستور المصري، والتي تتعلق بأن تكون القوانين التشريعية مستمدة من مبادئ الشريعة الإسلامية، وكانت آخر جولات صوفي أبو طالب في هذا الصدد في عام 2002م، حيث كان في تلك الفترة يشغل منصب رئيس لجنة التشريعات الاقتصادية في مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي الذي يتبع جامعة الأزهر، كما كان في ذات الوقت عضواً في مجمع البحوث الإسلامية، وقد انتهت المعارك بانتصار صوفي أبو طالب والمؤيدين له، بدليل أن المادة الثانية من الدستور لا تزال كما هي حتى يومنا هذا، أي بعد وفاته بحوالي ثمان سنوات.
مؤلفات صوفي أبو طالب :
أثرى صوفي أبو طالب بصفته رجل قانون أكاديمي المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات، كان بعضها يتمحور حول كيفية تضمين أحكام الشريعة الإسلامية إلى القوانين المصرية، وبعضها الآخر يتمثل في دراسات حول القانون الروماني وقوانين البحر المتوسط، ومن تلك المؤلفات ما يلي:
- الشريعة الإسلامية والقانون الروماني
- الوجيز في القانون الروماني
- تاريخ النظم القانونية والاجتماعية
- الاشتراكية والديمقراطية
حياته الخاصة :
حظي الدكتور صوفي أبو طالب بحياة خاصة هادئة ومستقرة حرص على أن تكون بعيدة عن حياته العلنية بصفته شخصية عامة وسياسي بارز، وقد كان أبو طالب متزوجاً من السيدة وفية العطيفي ورُزق منها بابنتين هما ابتسام ونعمت أبو طالب ونجل واحد هو الدكتور أحمد أبو طالب.
أثره وإنجازه :
كان الهدف الأسمى في حياة صوفي أبو طالب هو الحفاظ على المادة الثانية من الدستور المصري دون مساس وضمان استمرار العمل بها، ومن ثم يمكننا القول بأن أبو طالب قد حقق هدفه كاملاً مكتملاً، كما كان له العديد من الآثار الهامة الأخرى، حيث ساهم في تشريع العديد من القوانين الهامة بموجب منصبه الانتخابي كعضو ورئيس لمجلس الشعب المصري، بالإضافة إلى أنه ساهم في تخريج أجيال من رجال القانون من خلال عمله في التدريس الجامعي.
تكريم صوفي أبو طالب :
تلقى صوفي أبو طالب خلال حياته العديد من الجوائز والتركيمات بموجب مساهماته في مجال العمل العام والخدمة الوطنية، سواء من خلال مناصبه السياسية أو باعتباره رجل علم في المقام الأول، ومن أبرز هذه التكريمات وأهمها ما يلي:
- وسام الجمهورية من حكومة السودان.
- وسام النيل المصري
- جائزة الدولة التقديرية من مصر
- وسام جوقة الشرف الفرنسي
- وسام جوقة الشرف من هيئة البرلمانيين الناطقين بالفرنسية
الوفاة :
في أوائل عام 2008م سافر صوفي أبو طالب إلى دولة ماليزيا للمشاركة في فعاليات الملتقى العالمي لرابطة خريجي الأزهر حول العالم، ولكنه توفي أثناء رحلته وتحديداً في الحادي والعشرين من فبراير 2008م، وتم نقل جثمانه إلى مصر حيث تم تشييعه إلى مثواه الأخير، وقد حضر جنازته مجموعة كبيرة من رجال القضاء والسياسة ورثته مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية والعديد من ممثلي الدول الأجنبية.
أضف تعليق