وديع الصافي هو الملك المتوج الذي تربع على عرش الموسيقى العربية لعِدة عقود، ورغم وفاته قبل ثلاث أعوام وتوقفه عن الغناء قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، إلا أن وديع الصافي لا يزال متواجداً وبقوة على الساحة الفنية، حي بفنه الذي خَلَد ذكراه في أذهان الجماهير.
وديع الصافي .. من هذا ؟
وديع الصافي هو المطرب الذي يعد بمثابة أب روحي لأجيال عديدة من المطربين العرب.. فترى كيف كانت مسيرته الفنية؟ وما التأثير الذي أحدثه فارتقى به إلى تلك المكانة؟
الميلاد والأسرة :
ولد الموسيقي الكبير وديع الصافي في الأول من نوفمبر عام 1921م وكان ذلك في منطقة نيحا الشوف التابعة لمحافظة جبل لبنان في لبنان. اسمه بالكامل وديع بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، وقد نشأ الصافي في كنف أسرة لبنانية مسيحية كاثوليكية، وقد كان والده بشارة فرنسيس يعمل رقيباً ضمن قوات الدرك اللبناني، وكان له ثمانية ابناء وديع هو الثاني بينهم.
الدراسة والطفولة :
كانت طفولة وديع الصافي خالية من كافة أشكال الرفاهية، وذلك بسبب انخفاض دخل الأسرة بجانب عدد أفرادها الكبير. في البداية تم إلحاق وديع بإحدى المدارس الكاثوليكية وهي مدرسة دير المخلص، حيث تلقى بها تعليمه الأول والذي اقتصر على تلقي مبادئ الحساب والقراءة والكتابة بجانب العلوم الدينية.
إلا أن وديع الصافي لم ينتظم في دراسته إلا لبضعة أعوام فقط، اضطر بعدها لترك المدرسة والخروج إلى سوق العمل رغم صغر سنه، وذلك كي يعاون والده في إعالة الأسرة وتحمل جانب من نفقاتها باعتباره أحد أكبر الابناء سناً.
علاقته بالغناء :
يمكن القول بأن علاقة وديع الصافي بفن الغناء هي علاقة أزلية أو يمكن القول بأنه بدأت لحظة ميلاده، فوديع نفسه لا يدرك على وجه التحديد الوقت الذي عشق فيه هذا اللون الفني، كل ما يذكره إنه بدأ الغناء في وقت مباكر جداً من عمره، وكان ذواقاً للطرب يهوى الاستماع إلى الموسيقى والأصوات العذبة، وعمل على تطوير قدراته الغنائية وهو دون سن العاشرة، حتى أنه خلال الفترة التي قضاها في المدرسة كان يحمل لقب مُنشد المدرسة الأول.
مسابقة الإذاعة :
في عام 1938م نظمت هيئة الإذاعة اللبنانية مسابقة بهدف اكتشاف المواهف الشابة في المجالات الموسيقية المختلفة سواء التلحين أو الغناء أو العزف. تقدم لتلك المسابقة حوالي 40 متسابقاً، وعلى الرغم من أن كان بينهم مواهب فنية حقيقية ورائعة، إلا أن وديع تمكن من احتلال الصدارة في المسابقات الثلاث وجاء في المركز الأول ملحناً ومطرباً وعازفاً، وكان الفوز بهذه المسابقة هو الخطوة الأولى لـ وديع الصافي على طريق الشهرة والنجاح في عالم الغناء.
الصافي وألقاب أخرى :
انبهرت لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة الإذاعة عند استماعها له وكانت مكونة من قامات فنية تعد هي الأبرز في ذلك الوقت، منهم سليم الحلو وألبير ديب ومحيي الدين سلام وميشال خياط، وهم من اختاروا لقب (الصافي) ليكون الاسم الفني الذي يعرف الجمهور به وديع الصافي ،وقد تم اختيار هذا اللقب تحديداً في إشارة إلى صفاء نبرة صوته.
في وقت لاحق وبعدما ذاع صيت وديع الصيفي عرف بالعديد من الألقاب الأخرى، والتي أطلق بعضها عليها من قبل الجماهير والبعض الآخر أطلقه النقاد، ومن هذه الألقاب الصوت الصافي ولقب قديس الطرب بجانب بعض الألقاب التي حظي بها باعتباره سفير لدولة لبنان في مختلف الأقطار العربية مثل لقب مطرب الأرز أو عملاق لبنان، أما لقبه الأشهر على الإطلاق والذي كان يُقدم به في الحفلات الغنائية فهو صوت الجبل
الانطلاقة :
كانت انطلاقة وديع الصافي في عالم الغناء من خلال إذاعة الشرق الأدني، تلك الإذاعة التي كانت بمثابة البوابة التي عبر من خلالها إلى عالم الأضواء والشهرة والمجد، حيث تبناه فنياً الموسيقي الشهير ميشال خياط، فلم يتول تقديمه إلى الجمهور فقط بل دأب على تعليمه أصول الغناء والعزف وعمل معه على تطوير موهبته، وخلال تلك الفترة قدم الصافي مجموعة من الأغنيات التي لاقت نجاحاً كبيراً مثل طل الصباح التي تعاون بها مع الشاعر أسعد السبعلي.
التربع على عرش الغناء :
كون وديع الصافي فرقة موسيقية في منتصف الأربعينيات وسافر معها إلى العديد من دول العالم، حيث قاموا بتقديم عروضهم وإحياء الكثير من الحفلات الغنائية التي شهدت إقبالاً كبيراً، ثم عاد إلى لبنان في عام 1950م وقدم مجموعة أخرى من الأغنيات، كان من بينها أغنية عاللوما التي كانت بمثابة ميلاد جديد لـ وديع الصافي ،حيث حققت تلك الأغنية انتشاراً سريعاً وواسعاً وصار بذلك الصافي المطرب الأكثر شعبية في لبنان، ومنذ ذلك الحين توالت أعماله ونجاحاته إلى أن أصبح المطرب الأول في تاريخ الموسيقى اللبنانية وتربع على عرش الموسيقى العربية.
تأثره بالحرب اللبنانية :
كان وديع الصافي عاشقاً لوطنه لبنان ولهذا فقد أصيب بحالة من الاكتئاب جراء نشوب الحرب على أرضه، وازداد ألماً حين اضطر إلى مغادرة لبنان مجبراً، فتنقل ما بين مصر وإنجلترا وفرنسا، وقد تأثر أسلوب الصافي الفني بالمعاناة التي لاقاها خلال تلك الفترة، حيث بدأ في تأليف الألحان التي يُعرفها النقاد بمجموعة الألحان الروحية التي جاءت نغماتها مُحملة بالشجن معبرة عن تجربته القاسية.
أثره وإنجازه :
قام وديع الصافي بإحداث ثورة في الموسيقى اللبنانية، فقد قام بالتجديد في الكلمات واستحدث أساليب مبتكرة في التلحين، فهو أول من قام باستخدام الكلمات البسطية في الأغنية اللبنانية فجعلها أقرب إلى المتلقي ومحببة إلى نفسه، كما أبدع في فن الموال وقدم العديد من المواويل باللهجة اللبنانية وهو أمر آخر لم يكن شائعاً قبل زمن وديع الصافي
حياته الخاصة :
كان زواج الفنان وديع الصافي نوعاً ما زواجاً تقليدياً، حيث تزوج من السيدة ملفينا طانيوس فرنسيس وهي إحدى قريباته من جهة الأب، إلا أن وديع ما كان يذكر اسمها بأي من اللقاءات التي أجريت معها إلا ويتحدث عنها بكثير من الامتنان والعرفان، ويقول إنها قد ساندته طوال مسيرته الفنية وكانت خير داعم له.
حظي وديع الصافي -على حد وصفه- بحياة أسرية هادئة ومستقرة برفقة السيدة ملفينا، وقد رُزق منها بستة ابناء هم مرلين وفادي ودنيا وجورج وميلاد وأنطون.
الوفاة :
ظل وديع الصافي وفياً لفنه حتى آخر لحظات عمره، فقد أعلن أكثر من مرة أنه ضد فكرة اعتزال الفن رغم تقدمه في العمر، وقام باعتلاء خشبة المسرح أكثر من مرة بعد تجاوزه سن الثمانين. لكن في السنوات الأخيرة أُجبر بأوامر الأطباء على الابتعاد عن الغناء، وذلك بسبب تعرضه لأكثر من وعكة صحية وكان بتلك الفترة يقيم لدى أحد أبنائه في لبنان.
في الحادي عشر من أكتوبر عام 2013م تناقلت وكالات الأنباء خبر وفاة نجم الغناء العربي وديع الصافي عن عمر يناهز 91 سنة، وكان الصافي قد أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية فتم نقله على الفور إلى إحدى المستشفيات، ولكن الحالة كانت قد ساءت بالفعل لم تجد محاولات الإسعاف معها نفعاً.
تم تشييع جثمان الفنان الكبير في جنازة مهيبة حضرها المئات من مُحبيه وتصدرها لفيف من الشخصيات العامة ورموز الفن اللبناني، كما تم نعيه من قبل عدد كبير من رموز الفن والثقافة والسياسة على مستوى العالم العربي ككل، ودُفن في مسقط رأسه قرية نيحا الشوف وفقاً للوصية التي تركها قبل وفاته.
أضف تعليق