الحسن بن الهيثم هو واحد من أهم العلماء العرب المسلمين وأحد أهم العلماء في تاريخ البشرية بصفة عامة. قد الحسن بن الهيثم إسهامات عديدة في مجالات الرياضيات والفلك والهندسة والطب والفلسفة وغيرها، ولكن يبقى إسهامه الأبرز في علوم الفيزياء والبصريات، إذ أن نظرياته وتطبيقاته في هذا المجال تعد هي الأساس للتطور التقني والتكنولوجي الذي يشهده عالمنا اليوم، فقد كانت نظريات ابن الهيثم سبباً في ظهور الكاميرا والتليسكوب وغيرها من الابتكارات والتقنيات وما ترتب عليها من تقدم تقني واكتشافات علمية، بجانب إنه دأب على تصحيح المفاهيم المنتشرة في عهده الفلسفية والعلمية.
الحسن بن الهيثم .. من هذا ؟
يعد الحسن بن الهيثم أشهر العلماء العرب بجانب إنه يحتل مكانة عظيمة لدى جموع الغرب.. فترى كيف كانت حياته؟ ولماذا بلغ تلك المكانة المرموقة؟
ميلاده وأصوله :
أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم والمعروف باسمه المختصر الحسن بن الهيثم ،اختلف المؤرخون حول أصوله وهل كان فارسي أم عربي الأصل، ولكن غالب الظن إنه يندرج من أصول عربية. وُلد ابن الهيثم في العام الهجري 354 الموافق 965 بالتقويم الميلادي، وكان ذلك بمدينة البصرة بدولة العراق، وقد عاصر الحسن بن الهيثم بذلك العصر الإسلامي الذهبي والذي يقصد به الفترة ما بين منتصف القرن الثامن وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث كانت الحضارة الإسلامية في تلك الفترة قد بلغت ذروة تقدمها وازدهارها.
اعتناقه الديني :
اختلف المؤرخون حول العقيدة الدينية للعالم العربي الحسن بن الهيثم ،فهناك مصادر تشير إلى اعتناقه المذهب السني ومصادر أخرى تُرجح إنه كان شيعياً، وأغلب الظن إنه كان سنياً أشعرياً وفقاً لما أورده ضياء الدين سردار ولورانس بيتاني وقد أكد كلاهما إنه كان من أشد معارضي المعتزلة، أما الفريق الآخر -وهم الأقل عدداً- فقالوا بإنه شيعي مثل عبد الحميد صبرة ومنهم من قال بإنه كان أحد المعتزلة مثل بيتر إدوارد هودجسون.
براعته وصيته :
اشتهر الحسن بن الهيثم في شبابه بشغفه بالعلم وأعماله البحثية في مجالات البصريات والفلك والرياضيات والميكانيكا، هذا بجانب إنه كان نظرياته الهندسية وأطروحاته الفلسفية. كان ابن الهيثم عالماً موسوعياً برع في كافة المجالات العلمية، وهذا زاد من شهرته وجعله مقرباً من الطبقة الحاكمة، وكانت تفتح له أبواب مكتباتهم العملاقة فينهل منها العلم ويُزيد عليه.
أزمته مع حاكم مصر :
فترة إقامة الحسن بن الهيثم في مصر تشوبها كثير من المغالطات ومحاطة بالكثير بالغموض، فالأمر الوحيد الثابت لدينا إنه أقام بمصر حتى عام 1038م وإنه خلال تلك الفترة كان موضوعاً تحت الإقامة الجبرية بمنزله، أما عن أصل القصة وسبب انتقاله إلى مصر، فتشير المصادر إلى رغبة ابن الهيثم في إجراء بعد الأبحاث على نهر النيل، وقال إن لديه من الأفكار ما قد يمكنه من جعله مفيداً في حالتي نقصه وفيضانه على السواء.
سمع الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ما قاله ابن الهيثم عن النيل فأرسل في طلبه، وحين جاء إلى مصر فشل مشروعه بسبب ضعف الإمكانيات آنذاك، فاشتد غضب الحاكم بأمر الله ويقال إن الحسن ابن الهيثم ادعى الجنون ليفلت من عقاب، ولكن في النهاية انتهى به المطاف سجيناً داخل منزله لعجزه عن الوفاء بوعده. لكن هنا تجدر بنا الإشارة إلى أن فكرة ابن الهيثم كانت تتمحور حول إقامة سد على مجرى النهر في أسوان بنفس الموقع المُقام به السد العالي اليوم، وهو دليل على إنه كان سابقاً لعصره وإن نظريته كانت صحيحة لكن ضعف الإمكانيات حال دون تنفيذها على أرض الواقع.
رحلته إلى الأندلس :
لم يتوقف الحسن بن الهيثم يوماً واحداً عن البحث العلمي، حتى خلال تلك الفترة التي تم وضعه فيها تحت الإقامة الجبرية، استغلها في تدوين بعض نظرياته وأطروحاته العلمية، بجانب إنه خلال فترة تواجده بمصر أكثر من التردد على جامع الأزهر، والذي كان بمثابة جامعة علمية ومنارة حضارية.
في وقت لاحق حصل ابن الهيثم على حريته وتشير بعض المصادر إلى إنه قد نجح في الفرار من محبسه، بينما بعض المصادر الأخرى تؤكد إن تم إطلاق سراحه بعد عفو الحاكم بأمر الله عنه، ليسافر ابن الهيثم بعد ذلك إلى الأندلس، والتي كانت آنذاك قد بلغت ذروة التقدم العلمي والحضاري، وقضى بها فترة طويلة خصصها بالكامل لتحقيق طموحاته العلمية، وبلغ الإنتاج العلمي لابن الهيثم ذروته بتلك الفترة ذروته، فقام بتدوين أكثر من نظرية كما كتب عدد كبير من الكتب بشتى المجالات علاوة على قيامه بإجراء عدد غير محدود من التجارب العلمية.
تأثيره وإنجازه :
يصعب حصر إنجازات الحسن بن الهيثم ولكن تبقى أبحاثه ودراساته في مجالي الضوء والبصريات هي الأهم والأبرز، فأبحاثه في هذا المجال مهددت الطريق نحو ظهور حقبة جديدة في مجال أبحاث البصريات سواء العلمية أو النظرية، ويعد كتاب المناظر للحسن ابن الهيثم حتى اليوم أهم المراجع العلمية الخاصة بعلم الفيزياء بصفة عامة وعلم البصريات على وجه الخصوص.
مؤلفات ابن الهيثم :
الحسن بن الهيثم كان له العديد من المؤلفات ووفقاً لما أورده مؤرخي العصور الوسطى فإن عدد تلك المؤلفات تجاوز الـ200 مؤلف منوعة ما بين المقال والكتاب، وتتناول عدد كبير من الموضوعات والمجالات العلمية، لكن النسبة الأكبر من مؤلفات ابن الهيثم فُقدِت، ولم يصل إلينا إلا حوالي 50 كتاباً فقط أغلبها كانت نسخاً مترجمة إلى اللاتينية، ومن أبرز مؤلفات ابن الهيثم الآتي:
- كتاب المناظر
- تكوين العالم
- شكوك على بطليموس
- ارتفاعات الكواكب
- خواص المثلث من جهة العمود
- شرح أصول إقليدس
- حركة القمر
- تحليل المسائل الهندسية
احتفاء العالم بابن الهيثم :
عالمنا اليوم بكل ما يشهده من تطور تقني وتكنولوجي لا يزال يدين بالفضل للعالم العربي الحسن بن الهيثم ،وبعد مرور قرابة قرن كامل على وفاته لا يزال يتم الاحتفاء به بالمحافل الدولية، تقديراً لمجهوداته في مجال البحث العلمي عامة وعلم الضوء بصفة خاصة، ومن مظاهر هذا الاحتفاء ما يلي:
- تم وضع صورته على العملة الرسمية لدولة العراق تخليداً لذكراه
- تم تكريم اسم ابن الهيثم من قبل منظمة اليونيسكو عام 2015م
- أطلقت عِدة مسابقات للأفكار العلمية والابتكارات حول العالم حملت اسم الحسن بن الهيثم
- وضع موقع جوجل الشهير شعاراً خاصاً على واجهته يحمل صورة ابن الهيثم بعام 2013م احتفالاً بمرور 1048 عاماً على ميلاده.
- تم إطلاق اسم الحسن بن الهيثم على أحد الكويكبات حديثة الاكتشاف
- تم إطلاق اسمه على أحد الفجوات البركانية الموجودة على سطح القمر
الوفاة :
اهتم المؤرخون كثيراً بأبحاث الحسن بن الهيثم وإنجازاته العلمية غير المسبوقة، لكنهم لم يلتفتوا كثيراً إلى حياته الشخصية، لهذا فإن الثابت لدينا وما وصلنا من خلال الكتب المتناولة لسيرة ابن الهيثم وأعماله إنه توفي في السادس من مارس 1040م، وكان ذلك في العاصمة المصرية القاهرة التي عاد إليها في سنواته الأخيرة بعد وفاة الحاكم بأمر الله، ولكن لم يذكر أي مؤرخ سبب الوفاة ولكن المُرجح إنها كانت طبيعية، وإن حالته الصحية كانت قد تردت بصورة كبيرة بسبب تقدمه بالعمر، إذ أن ابن الهيثم قد توفي عن عمر يُناهز 74 عاماً تقريباً.
أضف تعليق