تحية كاريوكا يعرفها الجمهور باعتبارها واحدة من أبرز وأشهر الراقصات والممثلات في تاريخ السينما المصرية، ولعل البعض يعتقد إن حياتها بعيداً عن الكاميرات كانت تمتاز بالرفاهية والترف بينما الحقيقة على النقيض من ذلك، فحياة تحية كاريوكا بعيداً عن الأضواء ما هي إلا سلسلة طويلة من معاناة الطفولة ونضال الشباب.
تحية كاريوكا .. من تكون ؟
من الظلم اعتبار تحية كاريوكا رمزاً فنياً فقط فربما من الأنسب اعتبارها رمز وطني، فهي في الظاهر كانت فنانة استعراضية بينما في الخفاء كانت واحدة ممن حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل وطنها.. فترى كيف كانت مسيرتها نحو عالم الأضواء وكيف كانت حياتها خارجه؟
عناء الطفولة :
ولدت بدوية محمد على السيد النيداني والمعروفة باسم تحية كاريوكا في الثاني والعشرين من يناير 1919م بمدينة الإسماعيلية، توفى والدها في وقت مبكر من عمرها، فانتقلت للعيش في منزل عمها الذي أساء معاملتها، كما إن زوجته كانت تتسم بالقسوة وعمدت إلى إذلال الطفلة، وبدلاً من أن تحسن رعايتها جعلت منها خادمة خاصة بها، مما دفعها في نهاية المطاف إلى الهرب من منزل عمها والانتقال إلى القاهرة، بحثاً عن حياة آدمية كريمة، وكان لتحية شقيقة واحدة تكبرها عمراً تدعى مريم محمد علي.
البداية :
عرفت بدوية منذ انتقالها إلى القاهرة باسم تحية محمد ومارست الرقص والغناء وهي في سن صغيرة بعدما اكتشفتها راقصة تدعى محاسن، ولكن بدايتها الحقيقية كانت في عام 1940م بانضمامها إلى كازينو بديعة مصابني، والذي كان بمثابة مصنع للنجوم وكان من بين زملائها -الفنانين الشباب آنذاك- المطرب فريد الأطرش والمونولجست إسماعيل يس وغيرهم. خلال تلك الفترة برعت تحية في تقديم رقصة كاريوكا الإسبانية حتى إن اسمها التصق بها وصارت منذ ذلك الحين تعرف باسم تحية كاريوكا
تحية في السينما :
جذبت تحية كاريوكا أنظار صناع السينما وعلى رأسهم سليمان بك نجيب والفنان نجيب الريحاني، فقدماها في العديد من الأعمال السينمائية، وقد برعت كاريوكا في التمثيل وحققت شعبية كبيرة في زمن قياسي، وحين قررت اعتزال الرقص الشرقي في منتصف الخمسينات استمرت في عملها كممثلة، وقدمت على مدار مسيرتها عدد كبير من الأعمال المصنفة ضمن كلاسيكيات السينما المصرية ومنها:
- لعبة الست
- شباب امرأة
- أم العروسة
- سمارة
- خلي بالك من زوزو
- إسكندرية كمان وكمان
تحية في السينما والمسرح :
استثمرت تحية كاريوكا ما حققته من نجاح كممثلة سينمائية فقدمت العديد من الأعمال للمسرح والتلفزيون، ومن أبرز المسلسلات الدرامية التي شاركت بها أهل الطريق ومتى تبتسم الدموع ومخلوق اسمه امرأة ومسلسل هو وهي أمام سعاد حسني وأحمد زكي. أما في المسرح فقد قدمت كاريوكا خمسة عروض مسرحية خلال الفترة ما بين منتصف الستينات وحتى أوائل السبعينات من أبرزها روبابكيا وحضرة صاحب العمارة وكل الرجالة كدة.
نضالها ضد الاحتلال الانجليزي :
لم تحظ تحية كاريوكا بقدر وافر من التعليم ولكنها كانت على درجة عالية من الوعي، وكانت تحضر مجالس كبار الفنانيين والمثقفين وتصغ السمع بغرض التعلم وفهم ما يدور حولها على الساحة السياسية، علاوة على أن كاريوكا لم تكن يوماً بمعزل عن الجماهير، كانت دائمة الانخراط بهم تستشعر مشاكلهم وتحمل معهم همومهم.
كانت تحية كاريوكا من أصحاب الرؤى السياسية ولم تكن تخشى من مهاجمة رموز النظام الحاكم بما في ذلك رأس الدولة ممثلاً في الملك فاروق الأول، وابتداءً من عام 1948م ومع صحوة الحركات الفدائية رأت كاريوكا إن دورها كمواطنة مصرية يجب ألا يقتصر على الشجب والإدانة ومهاجمة الحاكم، فسعت إلى مساندة الجماعات الفدائية التي تهاجم مخازن ومعسكرات الاحتلال البريطاني المتمركزة في مدينة الإسماعيلية، ولأنها تنتمي إلى هذه المدينة كان من الطبيعي أن تتردد عليها بصفة مستمرة دون أن يثير ذلك ريبة أو شك، وكانت تحمل السلاح في سيارتها الخاصة وتعبر به نقاط التفتيش وتسلمه للفدائيين على الجانب الآخر لينفذوا عملياتهم، مع علمها التام بأن سيتم إعدامها إذا تم كشفها.
علاقتها بالسادات :
ربطت علاقة صداقة بين تحية كاريوكا والرئيس المصري الراحل أنور السادات ولكن تلك الصداقة قد بدأت قبل توليه منصب الرئاسة، وتحديداً في فترة الأربعينات بعدما قام السادات باغتيال أمين عثمان الموالي للانجليز، فقامت تحية باصطحابه إلى الإسماعيلية واستضافته بمنزل شقيقتها بدعوى إنه أحد عمال مزرعتها، وظل السادات مختبئاً بالإسماعيلية لمدة عامين كاملين.
تجربة الاعتقال :
في عام 1953م تعرضت تحية كاريوكا وزوجها آنذاك ضابط الجيش السابق مصطفى كمال صدقي بتهمة الترويج لأفكار هدامة والسعي إلى قلب نظام الحكم, نفت كاريوكا علاقتها بذلك التنظيم أو أن يكون لها علم بوجوده من الأساس، وأكد أقوالها مصطفى كمال صدقي الذي قدم وثيقة تثبت زواجه منها، وقال بأن الكتب والوثائق التي تم العثور عليها في بيتها تخصه ولم تكن تعلم بشأنها. رغم ذلك بقيت كاريوكا رهن الاعتقال لعدة أسابيع قبل أن يتم إسقاط التهم والإفراج عنها، وأشيع إن أنور السادات قد تدخل ليُسرع إجراءات الإفراج عنها شكراً وعرفاناً لما فعلته من أجله في السابق.
دورها في تسليح الجيش :
استمر دور تحية كاريوكا الوطني بعد قيام ثورة يوليو وإعلان الجمهورية المصرية، وفي عام 1955م رفض الغرب منح مصر أية أسلحة قبل أن تعترف رسمياً بقيام دولة إسرائيل المزعومة، وهنا أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تحوله إلى المعسكر الشرقي لإعادة بناء الجيش وتسليحه، فخرج جموع الفنانيين المصريين في احتفالية سميت بأسبوع تسليح الجيش، كانت تهدف تلك الاحتفالية التي جابت جميع محافظات مصر إلى جمع التبرعات لتسليح الجيش، وجاءت تحية كاريوكا في المركز الثاني بقائمة الفنانات الأكثر جمعاً للتبرعات بعد كوكب الشرق أم كلثوم التي تصدرت القائمة، بجانب إن كاريوكا قد تبرعت بجزء من مجهوراتها وتبرعت بأجرها لذات الهدف.
تأثيرها الفني :
يعتبر النقاد تحية كاريوكا راقصة من طراز فريد حيث إنها لم تكن مجرد مؤدية، بل إنها عملت على صنع اسلوبها الخاص القائم على إعادة إنتاج الهرمونية الشرقية القديمة، وهو الأسلوب الذي تحول فيما بعد إلى مدرسة مستقلة من مدارس الرقص الشرقي، وكانت منافستها الوحيدة في ذلك هي سامية جمال، التي أسست مدرستها الخاصة القائمة على المزج بين الرقصات الشرقية والغربية، إلا إن مدرسة كاريوكا في النهاية تبقى هي الأروع والأبرز والأقوى بحسب تصنيف النقاد.
حياتها الخاصة :
تحية كاريوكا هي صاحبة أكبر عدد من الزيجات في الوسط الفني، حيث بلغ عدد أزواجها أربعة عشر زوجاً، والسر في ذل يعود إلى أن تلك الزيجات لم تكن تدوم لفترات طويلة، وكانت عادة ما تنتهي إما باكتشافها خيانة الزوج أو بطلبه اعتزالها الفن وهو ما كانت ترفضه تحية بشدة، ومن أشهر أزواجها الفنان رشدي أباظة ومحمد سلطان باشا والمخرج فطين عبد الوهاب وحسين عاكف الطيار الخاص بالمل فاروق وآخر أزواجها كان المخرج حسن عبدالسلام الذي دام زواجها منه حتى وفاتها في آواخر التسعينات.
الأعوام الأخيرة :
حين بلغت تحية كاريوكا سن السبعين قررت أن تتبنى إحدى اليتيمات، وقد أحسنت تربيتها ورعايتها وكانت تعاملها كابنة حقيقية، حتى إنها خلال اللقاءات التلفزيونية التي ظهرت بها خلال تلك الفترة كانت تمازح المذيعين بقولها إنها أول امرأة تنجب وهي في عمر السبعين، وحين استشعرت كاريوكا اقتراب الأجل أوصت إحدى صديقاتها المقربات برعاية الصغيرة حال وفاتها، وفي العشرين من سبتمبر لعام 1999م توفيت تحية كاريوكا عن عمر يناهر 80 عاماً متأثرة بالجلطة الرئوية التي أصابتها.
أضف تعليق