فيودور دوستويفسكي ليس مجرد قامة أدبية مرموقة أثرى الحياة الثقفية بالعديد من الأعمال الخالدة، بل إن أعماله تعد بمثابة مرجع لكل كاتب وأسلوبه السردي يُدرس. اختصاراً استحق فيودور دوستويفسكي أن يكون أحد أبرز الاسماء في تاريخ الأدب العالمي والأبرز على الإطلاق في تاريخ الأدب الروسي.
فيودور دوستويفسكي .. من هذا ؟
فيودور دوستويفسكي هو أحد رموز الثقافة الروسية، هو الأديب الذي لم يساوم على أفكاره أو مبادئه فاستحقت أعماله أن تُخلد في ذاكرة القراء.
الميلاد والأبوين :
في الحادي عشر من نوفمبر عام 1821م وُلِد الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي وذلك في العاصمة الروسية موسكو، اسمه بالكامل هو فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي، وقد نشأ في كنف أسرة ميسورة ومرموقة في المجتمع الروسي، فقد كانت والدته فقد كانت منتمية لعائلة من كبار التجار، أما والده فقد كان طبيب عسكري حامل للقب نبيل.
كانت ميول والديه متباينة وطباعهم مختلفة وقد تأثر فيودور دوستويفسكي بكلاهما، فقد كان والده صعب المراس حاد الطباع بسبب تأثره بالحياة العسكرية، بجانب إنه كان مريضاً بالصرع، وقد تأثرت شخصية دوستويفسكي به رغم إن علاقته به لم تكن قوية، أما أمه فقد كانت هي مصدر العطف والحنان في حياته وهي من غرست فيه المشاعر النبيلة والمفاهيم والقيم الدينية العميقة، وكان لدوستويفسكي شقيقان هما ميخائيل وأندريا.
دوستويفسكي بين الدراسة والأدب :
في صباه وشبابه كان فيودور دوستويفسكي مولع بالقراءة والاطلاع، وانبهر بكتابات الألماني شيلر وروايات الانجليزي تشارلز ديكنز وكذلك أعمال بلزاك. في وقت لاحق انتقل دوستويفسكي إلى مدينة بطرسبورغ لاستكمال دراسته الجامعية حيث تخصص في دراسة الهندسة، ورغم تفوقه الدراسي إلا إنه لم يعمل في مجال الهندسة بل إنه حتى لم يكمل دراسته وترك الكلية وهو في العام الدراسي الثاني، إذ إنه في تلك المرحلة كان قد آمن بإنه قد وُلِد ليكون أديباً.
البداية الأدبية :
جمعت فيودور دوستويفسكي علاقة صداقة قوية بالناقد الأدبي الروسي فيساريون بلنسكي والذي كان آنذاك يتبنى مجموعة من المواهب الشابة، التي تنتمي إلى الاتجاه الواقعي في الأدب أو ما كان يطلق عليه آنذاك اسم المدرسة الطبيعية، وكان فيودور دوستويفسكي في تلك الفترة قد بدأ مسيرته الأدبية بالفعل بإصداره رواية المساكين عام 1846م بجانب ترجمته للعديد من الروايات العالمية، ثم توالت أعماله مثل ربة المنزل ورواية الليالي البيضاء، ورغم إن تلك الأعمال أكسبته الخبرة وكشفت عن جوانب أخرى في موهبته، إلا إنها لم تحقق شعبية كبيرة ولم تلق النجاح الجماهيري المتوقع لحظة نشرها، ولكنها حققت نجاحاً وانتشاراً غير مسبوقين في وقت لاحق.
النشاط السياسي وحكم الإعدام :
صار اسم فيودور دوستويفسكي معروفاً في الوسط الأدبي الروسي، وتقرب من دائرة المثقفين المحيطة بالمفكر الروسي ميخائيل بيتراشيفسكي، وهم جماعة سرية تؤمن بالفكر الاشتراكي والقواعد التي أرساها الفيلسوف الفرنسي شارل فورييه الداعية إلى تغيير المجتمع وكانت تعرف تلك الجماعة باسم زملاء بيتراشيفسكي.
لكن الشرطة الروسية تتبعت المقر الذي يجتمعون به واعتبرتهم يمارسون نشاطاً سياسياً محظوراً، وبناء على ذلك هاجمتهم في 1849م وألقت القبض على الجميع، وكان من بينهم فيودور دوستويفسكي الذي تم الحكم عليه بالإعدام شنقاً، ولكن في اللحظة الأخيرة وبعد صعوده إلى منصة الإعادم صدر مرسوم قيصري باستبدال حكم الإعدام بالسجن أربع سنوات مع الأشغال الشاقة في سيبريا.
تجربة السجن :
كانت تجربة السجن والنفي إلى سيبريا قاسية بالنسبة لـ فيودور دوستويفسكي لكنه استفاد منها أدبياً بدرجة كبيرة، فقد استوحى منها العديد من الروايات والأعمال الأدبية التي قدمها فيما بعد، والتي تعد من أبرز الأعمال في تاريخ الأدب الروسي والأدب العالمي بصفة عامة. وأبرزها لحظة صعوده إلى منصة الإعدام ورؤيته حبل المشنقة يتدلى فوق رأسه، فقد عرف فيودور دوستويفسكي كيف يكون شعور الشخص المقبل على الموت وما الذي يدور في خلده في تلك اللحظة، وهو المشهد الذي نقله ببراعة فيما بعد ضمن أحداث رواية الأبله.
مواصلة النشاط الأدبي :
تم الإفراج عن فيودور دوستويفسكي بعد وفاة القيصر نيكولاي الأول عام 1859م لكنه ظل تحت المراقبة حتى عام 1870م. خلال تلك الفترة عاود دوستويفسكي نشاطه الأدبي مرة أخرى ولكن من خلال مجلاته الخاصة التي قام بتمويلها بمشاركة شقيقه ميخائيل دوستويفسكي والتي صدرت بعنوان الزمان، ولكن تم إغلاق المجلة وإيقاف إصدارها من قبل السلطات، فقام الأخوين بعد فترة وجيزة بإصدار مجلة أخرى بعنوان العصر.
من خلال المجلتين قام فيودور دوستويفسكي بنشر كتاباته في تلك الفترة ومنها ذكريات في منزل الأموات و مذلون ومهانون و رسائل من القبو السري وغيرها، ولكن إصدار هذه المجلة هي الأخرى توقف ولكن هذه المرة بسبب وفاة شريكه ميخائيل، ولم يستطع دوستويفسكي تمويلها وإدارتها بمفرده خاصة وإنه كان مدمناً على لعب القمار بتلك الفترة.
الجريمة والعقاب :
من أسباب عدم محاولة فيودور دوستويفسكي إلى تمويل الجريدة وإعادة إصدارها مرة أخرى بعد توقفها، هو رغبته في عدم تشيت تركيزه بين عمله الأدبي وإدارة المجلة، خاصة وإنه كان يعمل في تلك الفترة على كتابة رواية الجريمة والعقاب، التي يصنفها النقاد على إنها أهم أعمال دوستويفسكي من حيث المضمون والشكل الفني على السواء. وحين صدرت الرواية أحدثت ضجة في الأوساط الثقافية، وتوالت بعدها روائع فيودور دوستويفسكي الأشهر على الإطلاق.
ذروة النشاط الفني :
ذاع صيت فيودور دوستويفسكي في روسيا بالكامل خلال السنوات الثمانية الأخيرة من عمره، والتي قضاها في غرب روسيا وتحديداً بمدينة ستارايا روزا، وشهدت تلك الفترة ذروة الإنتاج الأدبي لدوستويفسكي، حيث قدم خلالها المجموعة الأشهر من أعماله الأدبية وعلى رأسها روايتي الشياطين والمراهق، بجانب رواية الأخوة كارامازوف والتي صدرت في 1880م وتعد واحدة من أشهر الأعمال الأدبية في التاريخ، وتم تحويلها إلى العديد من الأعمال السينمائية حول العالم، وفي الوطن عربي قدمت على الشاشة الكبيرة من خلال فيلم بعنوان الأخوة الأعداء بطولة نور الشريف وحسين فهمي وسمير صبري، وأعيد تقديمها عربياً مؤخراً في صورة مسلسل تلفزيوني بطولة صلاح السعدني وفتحي عبدالوهاب وأحمد رزق.
حياته الخاصة :
تزوج فيودور دوستويفسكي مرتين، الأولى من السيدة ماريا والتي انجب منها ابنته الكبرى سونيا، ولكن زواجهما لم يستمر ليكرر دوستويفسكي التجربة بالزواج من مساعدته الكاتبة آنا دوستويفسكي والتي قامت بتدوين مذكراته وكتبت سيرته الذاتية بعد وفاته، ورزق منها بابنائه الثلاثة ليوبوف وفيودور وألكسي.
تأثيره :
يعد فيودور دوستويفسكي أحد أبرز من أمسكوا القلم في تاريخ الرواية العالمية، وأعماله الأدبية لا تعد فقط من أهم وأبرز الأعمال في التاريخ، بل هي مرجع لكل الكتاب أصحاب الاتجاه الواقعي، حتى إن هناك العديد من الدراسات قد تناولت أدب دوستويفسكي بالبحث.
الوداع الحاشد :
تدهورت الحالة الصحية لـ فيودور دوستويفسكي في أوائل عام 1881م، وفي التاسع من فبراير من نفس العام رحل عن عالمنا، وقد اغتم الشعب الروسي بأكمله بنبأ وفاة دوستويفسكي، وقد تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة، احتشد بها حوالي ثلاثون ألف شخص تقريباً من محبي الأديب العالمي، كما تم إعلان حالة الحداد في كامل ربوع الدولة الروسية.
أضف تعليق