جوستاف إيفل هو اسم يرتبط في الذاكرة بأحد أهم المعالم السياحية حول العالم والأهم على الإطلاق بالنسبة لدولة فرنسا وهو برج إيفل. كذلك ارتبط اسم جوستاف إيفل بالعديد من الأعمال الهندسية والإنشائية والمعمارية الشهيرة في فرنسا وخارجها، مثل تمثال الحرية ومرصد نيس الفلكي وجسر نهر كيوني بفنزويلا وقناة بنما وجسر إيفل في إونجيني وغيرهم من المشاريع العملاقة، وهذا كله كان في زمن لم تبلغ فيه التقنيات الهندسية أو المعمارية درجة كبيرة من التطور.. بناء على كل ذلك فقد استحق جوستاف إيفل أن يوصف بإنه عبقرية هندسية فذة من الصعب أن تتكرر. تحظى أعمال إيفل باهتمام بالغ وهناك حملات تدعو للحفاظ عليها باعتبارها إرث عالمي، يأتي ذلك بعد أن تعرضت بعض أعماله للتدمير وخاصة الأعمال التي نفذها في فيتنام.
جوستاف إيفل .. من هذا ؟
ارتبط اسم جوستاف إيفل بالعديد من الأعمال الهندسية العظيمة.. فكيف كانت مسيرته وكيف تمكن من تحقيق تلك الإنجازات حتى أصبح المهندس الأشهر على الإطلاق في العصر الحديث؟
الميلاد والأسرة :
يندرج جوستاف إيفل من سلالة جان رينيه الألماني الذي هاجر إلى باريس في أوائل القرن الثامن عاشر، وهو الابن الأكبر للزوجين ألكسندر بونخاوسن إيفل وكاثرين ميلاني، وقد وُلِد في كوت دور بفرنسا في الخامس عشر من ديسمبر لعام 1832م. جدير بالذكر إن إيفل ليس اسم العائلة الحقيقي لجوستاف، ولكنه كان ينعت به لصعوبة نطق الاسم الأصلي (بونخاوسن) خاصة بالنسبة للأجانب، وقد تم اعتماد اسم جوستاف إيفل رسمياً في 1880م.
التعليم :
تلقى جوستاف إيفل تعليمه الأول على يد عمه جان باتيست الذي كان قد ابتكر آلية تقطير الخل، وهو أول من انتبه إلى الذكاء الحاد الذي يتمتع به جوستاف، فعمل على تطوير مهاراته هو ومجموعة من رفاقه المهتمين بالعلم، ومن خلالهم تعرف على علم الكيمياء والتعدين بجانب اهتمامهم بتلقينه بعضاً من علوم الفلسفة والدين. في وقت لاحق اتخذ جوستاف إيفيل قراره بأن يصبح مهندساً، وبناء على ذلك فقد توجه إلى باريس حيث التحق بمدارس سانت بارب ليحصل على دورة إعداد تؤهله لخوض امتحانات القبول بكلية الهندسة، ثم تمكن من الانضمام إلى المدرسة المركزية للفنون والمصنوعات في العاصمة باريس والتي تخرج منها.
تأسيس شركة إيفل :
بدأ جوستاف إيفل حياته العملية من خلال العمل كسكرتير خاص للمهندس تشارلز نيفيو مهندس السكك الحديدية، ولكن بفضل ما أظهره إيفل من براعة وتفوق وقدرة فائقة على الابتكار، فقد شغل فيما بعد منصب المهندس الرئيسي بشركة نيفيو بعدما تم دمجها مع شركة أخرى بلجيكية.
رغم ما حققه جوستاف إيفل من نجاحات إلا إنه كان يطمح إلى أن يمتلك عمله الخاص، وفي عام 1866م اتخذ أولى خطواته الحقيقية على هذا الطريق، بحصوله على قرض من أحد البنوك وإقامة ورشة العمل الخاصة به في شارك فوكيه، ومن خلالها قام تولى عِدة مشروعات متعلقة بمد خطوط السكك الحديدية، وخلال عامين فقط كان قد ذاع صيتة حتى إن عدد من الشركات وأصحاب الورش الأخرى سعوا إلى مشاركته، وكانت تلك هي النواة الأولى لمؤسسة إيفل التي تعد واحدة من أهم وأشهر المؤسسات الهندسية في التاريخ، والتي أشرفت ونفذت فيما بعد عدد غير قليل من المشروعات الهندسية العملاقة داخل فرنسا وخارجها.
حياته الخاصة :
تزو جوستاف إيفل من الفرنسية مارجرت جاودليت وعاش معها حياة هادئة ومستقرة، وقدمت له الدعم والمساندة خلال مسيرته المهنية، واستمر زواجهما إلى أن توفي في عام 1923م. وقد رُزِق الزوجان بخمسة من الابناء ثلاث بنات وولدين.
أهم أعماله الهندسية :
تولى جوستاف إيفل خلال حياته الإشراف على العديد من المشروعات الإنشائية والمعمارية الكبرى، والتي يعد أغلبها من أعظم وأبرز الأعمال الهندسية في التاريخ الحديث، ولكن أشهر هذه الأعمال وأكثرها تميزاً ما يلي :
- برج إيفل : أشهر المعالم السياحية في فرنسا والمشروع الأبرز في تاريخ جوستاف إيفل الهندسي والذي أُطلِق عليه اسمه. هو برج حديدي يبلغ ارتفاعه حوالي 324متراً بحديقة شامي دي مارس في باريس، وكان هذا البرج هو البناء الأكثر ارتفاعاً في زمنه وظل محتلاً للصدارة طيلة 41 عاماً.
- تمثال الحرية : أحد أبرز الأعمال النحتية في التاريخ والذي تم إهدائه من الفرنسيين إلى الولايات المتحدة في 1886م، تولى نحت التمثال الفرنسي الشهير فريدريك بارتولدي، أما الهيكل الإنشائي له والإشراف على أعمال وضعه فوق المنصة فقد أسندت إلى جوستاف إيفل ،ويعد ذلك التمثال رمزاً لولاية نيويورك خاصة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة عامة.
- مبنى لاروش : في عام 1900م أسس إيفل مبنى لاروش بالمعرض الدولي المقام بباريس بذلك العام، وهو مبنى من ثلاث طوابق كان من المقرر أن يكون مخزناً مؤقتاً للخمر، ولكن روعة البناء والتصميم الذي أعده ونفذه جوستاف إيفل كان سبباً في تحويله إلى مبنى دائم، وهو اليوم يعد من أبرز المعالم الأثرية بالمدينة.
- مرصد نيس الفلكي : هو مرصد فلكي أقيم في مدينة نيس الفرنسية علىقمة جبل مونت جروس، وقد اقتصر عمل جوستاف إيفل بهذا البناء على تصميم القبة العلوية فقط، بينما المبنى نفسه فقد تولى مهمة تصميمه المهندس تشارلز جارنييه.
أثره وإنجازه :
جوستاف إيفل هو دليل حي على أن الإبداع ليس له حدود وقادر على تخطي كافة العقبات، فإيفل لديه تاريخ حافل من الإنجازات الهندسية غير المسبوقة، والتي كان تنفيذها بالتقنينات المتوفرة في عصره أمر شبه مستحيل، الأمر الذي يجعل من جوستاف إيفل أحد رواد المجال الهندسي، كما كان مُلهماً بالنسبة لأجيال من المهندسين والمعماريين.
قناة بنما وخلافه مع دى لسيبس :
شارك جوستاف إيفل في أعمال حفر قناة بنما الواصلة ما بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، والتي تعد واحدة من أهم وأعظم الإنجازات الهندسية في التاريخ، وقد تم اقتتاحها رسمياً في عام 1914م. لكن جوستاف إيفل لم يتم عمله بتلك القناة إلى النهاية، وذلك بسبب الخلاف الذي نشب بينه وبين المهندس الفرنسي فرديناند دى لسيبس، حيث اتهمه الأخير بالفساد المالي وعدم الالتزام بمخططات مشروع قناة بنما أو أن أعماله غير مطابقة للشروط والمواصفات. أجريت تحقيقات موسعة في ذلك الأمر انتهت بتبرأة إيفل من ادعاءات دى لسيبس، لكن على الرغم من ذلك اتخذ جوستاف إيفل قراراً بتصفية أعماله ومغادرة المشروع بلا رجعة بعدما تسبب له في فضيحة أضرت بسمعة شركته.
السنوات الأخيرة :
بعد الخلاف الذي نشب بين جوستاف إيفل ومواطنه فرديناند دى لسيبس بسبب مشروع قناة بنما، لم يقرر إيفل ترك المشروع فحسب بل قرر التخلي عن العمل في المجال الهندسي بصفة عامة، وابتداءً من عام 1889م قرر إيفل أن يتفرغ بشكل كامل وتام إلى البحث العلمي، وبالفعل لم يتراجع عن ذلك القرار حتى وفاته، حيث قضى الثلاثون عاماً الأخيرة من حياته في العمل على أبحاثه المتعلقة بالتوصل إلى أساليب تزيد من قدرة المباني الإنشائية على مقاومة الرياح وعوامل التعرية، وفي السابع والعشرين من ديسمبر عام 1923م توفي جوستاف إيفل داخل منزله بالعاصمة الفرنسية باريس عن عمر يناهز 91 عاماً.
أضف تعليق