محمد خان ليس مجرد مخرج شهير وأحد أهم الرموز السينمائية المصرية والعربية، بل إن ما حققه من إنجاز وما تركه من أثر يضعه في مكانة أكبر من هذا وذاك، فقد كان محمد خان من المخرجين المتفردين أصحاب النظرة الخاصة والمدرسة المستقلة، فيعتبر خان أحد أعمدة السينما الواقعية في مصر والوطن العربي. ويشهد النقاد له بإنه من المخرجين القلائل الذين كانت لهم نظرة مختلفة إلى السينما بشكل عام، فقد اعتاد خان على أن يغرد خارج السرب وأن يفكر خارج الصندوق وأن يتحدث بلغة سينمائية سلسة وبسيطة وسهلة ولكن لا يعرف مفرداتها سواه..
محمد خان .. من هذا :
محمد خان -لا جدال- هو أحد قامات السينما المصرية ويعد أحد أفضل عشرة مخرجين في تاريخها الذي يتجاوز قرناً من الزمان. فكيف كانت مسيرته؟ وما أبرز ما قدمه خلال سنوات نشاطه الفني؟
الميلاد والنشأة :
وُلِد محمد خان في العاصمة المصرية القاهرة في السادس والعشرين من أكتوبر 1942م، لوالد بكستاني الجنسية وأم مصرية ولهذا فقد كان حاملاً في البداية للجنسية الباكستانية. كان منزله مجاور لسينما ولكنه زاوية رؤيته لم تكن تمكنه من رؤية شاشاتها، فاعتاد على مشاهدة الفيلم مرة في دار العرض ومراجعة شريط الصوت عشرات المرات، ومنذ طفولته أظهر اهتمام شديد بالفن السينمائي.
الدراسة :
تلقى محمد خان تعليمه في مدارس القاهرة المختلفة، ورغم عشقه لفن السينما إلا إن كان حلم طفولته أن يصبح مهندساً معمارياً، وقد سافر إلى لندن لدراسة هذا المجال، ولكنه هناك التقى بشاب سويسري لديه ميول فنية وجمعتهما هوايتهما وعشقهما للفن، وذلك الصديق لعب دور محوري في حياة خان إذ وجهه إلى تنمية موهبته والتخصص في دراسة فن السينما. بالفعل ترك محمد خان دراسة الهندسة والتحق بمعهد السينما في لندن، ولكن دراسته الأكاديمية اقتصرت على التعرف على الآلات والتقنيات المستخدمة في تصوير الأفلام السينمائية ومراحل إعدادها، أما مدرسة محمد خان الحقيقية فهي متمثلة في خبرته التي كونها من خلال الكم الهائل من الأفلام التي شاهدها، خاصة وإنه كان بفترة الستينات لديه شغف كبير بمتابعة السينما من مختلف الجنسيات، وعاصر موجة الأفلام الفرنسية الجديدة وشهد نهضة السينما التشيكية والهولندية وبطبيعة الحال الأمريكية، وكان يشاهد تلك الأعمال بنظرة المحلل والناقد ليتعلم منها.
مخرج لأول مرة :
بعد سبعة أعوام قضاهم محمد خان في إنجلترا لإتمام دراسته في معهد السينما، عاد إلى القاهرة ليعمل بشركة فيلمنتاج والتي كان يديرها المخرج الكبير صلاح أبو سيف، ولكن كان عمل خان إداري فلم يحتمل الاستمرار به لأكثر من عام واحد، سافر بعده إلى لندن مرة أخرى ليعمل هناك كمساعد مخرج، وخلال تلك الفترة أصدر كتابين عن الفن السينمائي بجانب كتابته للعديد من المقالات السينمائية، ثم عاد إلى مصر في 1977م وقام بإخراج أول فيلم قصير في حياته. وبالعام التالي مباشرة قدم أول أفلامه الطويلة وهو ضربة شمس من بطولة نور الشريف ونورا، وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً على المستويين الجماهيري والنقدي وهو ما كفل له الاستمرار، وتوالت أعماله إلى أن أصبح واحد من أبرز واشهر المخرجين في تاريخ السينما المصرية، وتجاوز عدد الأعمال التي قدمها العشرين فيلماً شارك في كتابة قصة 12 منهم، وأغلب أعماله تعد من العلامات في تاريخ السينما المصرية ومنها:
- خرج ولم يعد
- الحريف
- موعد على العشاء
- فارس المدينة
- زوجة رجل مهم
- أحلام هند وكاميليا
- عودة مواطن
- أيام السادات
- فتاة المصنع
تأسيس جماعة السينما :
كان محمد خان أحد الأعضاء المؤسسين للكيان السينمائي الذي أطلق عليه اسم (جماعة أفلام الصحبة)، وقد شارك خان في تأسيسها مجموعة من قامات صناعة السينما المصرية على رأسهم المخرجين عاطف الطيب وخيري بشارة وداوود عبد السيد والكاتب بشير الديك والمصور السينمائي سعيد الشيمي، وكان يسعى محمد خان ورفاقه من خلال هذه الرابطة أو الجامعة إلى إنتاج أفلام سينمائية مصرية ذات مستوى جيد من حيث الصورة والمضمون، ورغم إن الهدف الأهم من تلك تأسيس تلك الجماعة لم يتحقق إذ إنها لم تنتج إلا فيماً واحداً هو فيلم الحريف من إخراج خان ومن بطولة عادل إمام وفردوس عبدالحميد، لكن في النهاية يحسب لتلك الجماعة حرصها على الارتقاء بمستوى الأفلام السينمائية المصرية والتعامل معها باعتبارها سلعة ثقافية في المقام الأول ووسيلة لنشر الوعي ومناقشة أهم القضايا المطروحة على الساحة.
مصري .. بقرار جمهوري :
كان صراع محمد خان الأكبر والأهم والأطول في حياته هو صراعه من أجل الحصول على الجنسية المصرية، جنسية الوطن الذي وُلد على أرضه وعاش به وينتمي إليه ولا يعرف لنفسه وطن سواه، حتى أفلامه كانت تظهر دائماً مدى تعلقه بالوطن وإلى أي مدى هو مهموم بقضاياه. لكن كون والده باكستاني ظل هذا عائقاً يحول دون حصوله على الجنسية المصرية بشكل رسمي. وبعد قيام ثورة 25 يناير المجيدة تقدمت نقابة المهن السينمائية بمذكرة موقعة من عدد كبير من المبدعين والمفكرين المصريين، تطالب المجلس العسكري الذي كان يدير البلاد آنذاك بمنح محمد خان الجنسية المصرية، ولكن الصراع استمر ثلاثة أعوام أخرى لينهيه الرئيس المؤقت عدلي منصور خلال فترة توليه شؤون البلاد عقب ثورة 30 يونيه، حيث أصدر قراراً جمهورياً بمنح الجنسية المصرية للمخرج محمد خان
حياته الخاصة :
كان محمد خان يضع سوراً فاصلاً ما بين حياته العامة تحت الأضواء بصفته واحد من أشهر وأبرع المخرجين، وبين حياته الشخصية كزوج وأب، فلم يكن يتطرق كثيراً إلى حياته الخاصة بالحوارات الصحفية والتلفزيونية التي تجرى معه، وذلك على الرغم من إن أفراد عائلته يعملون في مجال الفن أيضاً، فزوجته هي الكاتبة المصرية وسام سليمان والتي كتبت السيناريو للحوار لأكثر من فيلم، تولى محمد خان إخراج بعضهم مثل: بنات وسط البلد وفي شقة مصر الجديدة وفتاة المصنع، أما ابنته نادين خان فقد ورثت عنه حب السينما وخاصة الإخراج وهي تعمل بنفس مجال والدها.
بنات روز .. حلم أخير لم يتحقق :
لم يُمهل القدر المخرج المصري محمد خان فرصة لتحقيق حلمه والمتمثل في تنفيذ الفيلم الذي كان يحمل عنوان عزيز الأستاذ حسن ثم تم استبداله بعنوان بنات روز، الفيلم تحدث عنه خان منذ أكثر من خمسة أعوام وفي كل مرة يشرع في العمل عليه كان يتم تأجيله لأسباب مختلفة، ومؤخراً وبعد عرض آخر أعماله قبل زحمة الصيف قرر البدء في التحضير للفيلم المؤجل، حتى إنه كان قد استقر على بعض الممثلين ممن سيؤدون به دور البطولة وعلى رأسهم الممثلة غادة عادل، ولكن وفاته حالت دون ذلك وكأن هذا الفيلم على وجه الخصوص غير مُقدر له أن يرى النور.
خان .. صائد الجوائز :
كان يُلقب محمد خان في الوسط الفني باسم صائد الجوائز، إذ إن الأفلام التي كان يتولى إخراجها كانت عادة ما تكون الحصان الأسود في مختلف المهرجانات السينمائية المحلية والعالمية، وأغلبها فاز بجائزة أفضل فيلم كما إن عدد كبير من الممثلين وفناني خلف الكاميرا الذين تعاونوا معه بأفلامه نالوا عنها عِدة جوائز، ومن أبرز الجوائز التي نالها هو نفسه كمخرج ما يلي:
- جائزة تقديرية من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن فيلم ضربة شمس
- جائزة لجنة التحكيم من مهرجان نانت الفرنسي عن فيلم طائر على الطريق
- أفضل مخرج من جمعية الفيلم عن فيلم الحريف
- أفضل مخرج من المركز الكاثوليكي للسينما عن فيلم في شقة مصر الجديدة
الوفاة :
استيقظت مصر في السادس والعشرين من يوليو 2016م على فاجعة وفاة المخرج محمد خان المفاجئة،الذي كان قد تعرض إلى أزمة قلبية توفي على إثرها، وفور إعلان الخبر قام عدد من مشاهير الفن والشخصيات العامة برثاء المخرج الكبير على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وشُيع جثمانه من مسجد الكويتي بمنطقة المعادي وسط حضور كثيف من زملائه وتلاميذه من الفنانيين.
أضف تعليق