أسامة أنور عكاشة أو صاحب الروائع أو ملك الأجزاء أو شيخ الكتاب أو عميد كتاب الدراما، الأول اسمه والباقية ألقابه والتي استحق أن يحملها عن جدارة. أسامة أنور عكاشة هو الاسم المُسجلة به أشهر وأبرز الأعمال الدرامية في تاريخ التلفزيون العربي، والتي لا تزال حتى يومنا هذا تحقق أعلى نسب المشاهدة كلما أعيد عرضها من خلال القنوات الفضائية.
أسامة أنور عكاشة .. من هذا ؟
أسامة أنور عكاشة هو ملك الدراما المتوج المتربع على عرشها الذي لم يقو أحد على إزاحته عنه لأكثر من ثلاثين عاماً. فما سيرته؟ وكيف تمكن من تحقيق هذا المجد وبلوغ تلك المكانة؟
الميلاد :
وُلِد أسامة أنور عكاشة في مدينة طنطا بمحافظة الغربية المصرية في السابع والعشرين من يوليو عام 1941م. فقد والدته في وقت مبكر جداً من عمره فتولت رعايته زوجة أبيته، والتي تعلق بها بشدة وساهمت في تشكيل وعيه وشخصيته، وذلك يظهر من أعماله الدرامية التي قدمها فيما بعد، إذ كان يُظهر دائماً شخصية زوجة الأب في صورة مثالية، فهي عنده دائماً المرأة الطيبة التي ترعى ابناء زوجها بل وأحياناً تفضلهم على ابنائها، وظهر هذا بوضوح في مسلسلات زيزنيا وأرابيسك وليالي الحلمية بمختلف أجزائه.
الدراسة والعمل :
تلقى أسامة أنور عكاشة تعليمه الأساسي بمختلف مراحله في مدراس مدينة طنطا، وبعد إتمامه للدراسة الثانوية انتقل إلى القاهرة حيث التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس وتخصص في الدراسات النفسية والاجتماعية، و بعد تخرجه التحق بأكثر من وظيفة في قطاع العمل الحكومي سواء كمعلم أو كأخصائي اجتماعي، وسافر في إحدى الفترات إلى دولة خليجية سعياً وراء فرصة عمل مناسبة، ولكنه لم يحتمل الحياة هناك فقرر العودة إلى مصر بعدما تيقن من إنه لا يصلح إلا أن يكون أديباً، وقرر أن يصحح مساره ويسعى وراء حلم طفولته بدلاً من الوظيفة.
أسامة بين الأدب والدراما :
كانت فكرة كتابة السيناريو مستبعدة في نظر أسامة أنور عكاشة ولم يفكر يوماً في أن يصبح كاتب سيناريو، إنما كان هدفه الأول أن يصير أديباً، وبالفعل تمكن من إقناع أحد الناشرين بموهبته فتولى نشر مجموعته القصصية (خارج الدنيا)، ولكن بسبب ركود سوق الكتاب بتلك الفترة وحداثة اسمه لم يلتفت إليها أحد، ولكن شاءت الأقدار أن يطلع على المجموعة أحد المخرجين على المجموعة وينتقي إحدى قصصها لتحويلها إلى سهرة درامية تعرض على التلفزيون، وبالصباح التالي لعرضها فوجىء عكاشة بالشارع يتحدث عنها والصفحات الفنية بالجرائد تذكرها وتمتدحها، وهنا قرر أن يتجه إلى الدراما التلفزيونية باعتبارها الوسيلة المثلى للوصول بأفكاره إلى القطاع الأكبر من الجماهير، وبالفعل بعد أشهر قليلة كان عكاشة قد بدأ في كتابة أولى سيناريوهاته ليصبح فيما بعد أشهر وأعظم مؤلف درامي في تاريخ الفن العربي.
أ) أسامة أنور عكاشة والمسرح :
عشق أسامة أنور عكاشة فن المسرح ورغم انشغاله الدائم بكتابة سيناريوهات الأعمال التي يقدمها للتلفزيون، إلا إنه كان شديد الحرص على زيارة المسرح من آن لآخر، وكانت النصوص المسرحية التي كتبها تتسم بالكوميديا الخفيفة والعمق في الموضوع، مما يعني إنه من كتاب المسرح القلائل الذين تمكنوا من إحداث اتزان ما بين المسرح الترفيهي والمسرح الثقافي، ورصيد عكاشة الفني يضم ثلاث مسرحيات فقط هم:
- القانون وسيادته
- البحر بيضحك ليه؟
- الناس اللي في التالت
ب) أسامة أنور عكاسة والسينما :
السينما أيضاً كان لها نصيب من إبداعات قلم أسامة أنور عكاشة وقدم على مدار سنوات نشاطه الفني ستة أفلام، تعاون فيهم مع كبار المخرجين وعلى رأسهم المخرج عاطف الطيب، وكذا تعاون مع ألمع الاسماء في عالم السينما آنذاك مثل نور الشريف وليلى علوي ومعالي زايد وغيرهم، وأفلامه الست هم:
- كتيبة الإعدام
- تحت الصفر
- الهجامة
- دماء على الأسفلت
- الطُعم والسنارة
- الإسكندراني
ج) أسامة أنور عكاشة والرواية :
بدأ أسامة أنور عكاشة مسيرته الفنية قاصاً وروائياً وكان ذلك في عام 1967م حين طرح أولى مجموعاته القصصية والتي حملت عنوان (خارج الدنيا)، ورغم ما حققه من نجاح وشهرة في عالم السيناريو أو الأدب المرئي كما كان يفضل تسميته في حواراته، فإنه الرواية ظل لها مكانة خاصة في قلبه وكان يحرص على العودة إليها بين الحين والآخر، وقدم عكاشة في ذلك الفرع الفني ستة مؤلفات تنوعت ما بين الرواية والقصة القصيرة وهم:
- خارج الدنيا : مجموعة قصصية
- رواية أحلام في برج بابل
- مقاطع من أغنية قديمة : مجموعة قصصية
- رواية منخفض الهند الموسمي : تم تحويلها لمسلسل تلفزيوني بعنوان موجة حارة وكتبت السيناريو لها الكاتبة مريم نعوم
- رواية وهج الصيف
- رواية سوناتا لتشرين
جدير بالذكر إن آخر أعمال أسامة أنور عكاشة السينمائية صدرت في عام 2010م وهو نفس عام وفاته، وكان الكاتب الكبير قد أعلن في وقته سابق عن نيته في اعتزال الدراما بعد إكمال أجزاء مسلسل المصراوية وأن يتفرغ إلى الكتابة الروائية بشكل كامل، لكن القدر لم يتيح له الفرصة لتنفيذ رغبته.
ء) أسامة أنور عكاشة والدراما التلفزيونية :
يقول أسامة أنور عكاشة إن الدراما التلفزيونية سحرته وجذبته إليها، فكان من الطبيعي أن تكون هي صاحبة نصيب الأسد من الرصيد الفني للكاتب الراحل؛ فقد اقترب عدد المسلسلات الدرامية التي كتبها من الـ 25 مسلسلاً دون احتساب الأعمال متعددة الأجزاء، وتعد أعمال أسامة أنور عكاشة هي الأشهر على الإطلاق في تاريخ الدراما المصرية والعربية، ولازالت حتى يومنا هذا تحقق نسب مشاهدة مرتفعة جداً كلما أعيد عرضها، ومن أبرز وأشهر تلك الأعمال ما يلي :
- ليالي الحلمية
- أرابيسك
- عصفور النار
- زيزنيا
- أنا وأنت وبابا في المشمش
- أهالينا
- الشهد والدموع
- كناريا وشركاه
- الراية البيضا
ملحمة ليالي الحلمية :
بدأ عرض الجزء الأول من مسلسل ليالي الحلمية في 1987م وحقق آنذاك نجاحاً كبيراً، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن أي مسلسل عربي من تحقيق نجاح يقترب من درجة نجاح ليالي الحلمية، الذي يعد المسلسل الأبرز والأكثر مشاهدة على الإطلاق في تاريخ الدراما العربية. المسلسل يدور حول الصراع الدائر بين سليم البدري وسليمان غانم الذي ورثاه عن آبائهما، ومن خلال ذلك الصراع يسجل أسامة أنور عكاشة التاريخ المصري الحديث ابتداءً من فترة حكم الملك فاروق الأول ووصولاص إلى أوائل التسعينات. كان مقرراً في البداية أن يكون المسلسل من ثلاثة أجزاء ولكن نظراً لنجاحه ولأن قصته تحتمل المزيد تم تمديده إلى خمسة أجزاء، أخرج المسلسل إسماعيل عبدالحافظ وشارك به حوالي 300 ممثل على رأسهم يحيي الفخراني وصلاح السعدني وصفية العمري.
مُعيد النجوم الكبار.. مكتشف النجوم الشباب :
يُحسب ضمن إنجازات أسامة أنور عكاشة وتأثيره في المجال الفني العربي بشكل عام، إنه كان سبباً مباشراً في إعادة الكثيرين من النجوم الكبار إلى الظهور مجدداً، وفي أحيان أخرى كان سبباً في تغير مسيرة بعضهم، وعلى رأس هؤلاء تأتي فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية والتي قدمت أول مسلسل تلفزيوني في مسيرتها من تأليف أسامة أنور عكاشة وهو مسلسل ضمير أبلة حكمت في 1991م، أما سميرة أحمد فبعد غياب عشر سنوات عن الساحة الفنية عادت بمسلسل بعنوان ضد التيار حقق نجاحاً متوسطاً في 1997م، وبالعام التالي تعاونت مع أسامة أنور عكاشة الذي أعادها إلى الصدارة بمسلسل امرأة من زمن الحب 1998م ثم أميرة في عابدين 2002م.
أما عن النجوم الشباب فحدث ولا حرج فالنسبة الغالبة من النجوم المعاصرين عرفتهم الجماهير للمرة الأولى من خلال أعمال أسامة أنور عكاشة وعلى رأسهم نجمي السينما الأبرز حالياً أحمد السقا وكريم عبدالعزيز، حيث قدم الأول من خلال مسلسل النوة أما الثاني فقد خاض ثاني تجاربه التمثيلية من خلال مسلسل امرأة من زمن الحب، أيضاً مسلسل ليالي الحلمية كان سبباً في تغيير وجه الساحة الفنية حيث كان البوابة التي عبر منها جيل كامل من الوجوه الشبابة، الذين صاروا فيما بعد النجوم الأبرز خلال فترة التسعينات وأوائل الألفية الحالية، ومنهم هشام سليم وممدوح عبدالعليم ومحمد رياض وشريف منير وحنان شوقي ودينا عبدالله ومنى زكي وغيرهم، وكذلك كل عمل من أعمال أسامة أنور عكاشة كان لابد أن يُخرج نجوماً جدد خاصة إن أعماله كانت تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة جداً ومن هؤلاء النجوم: خالد زكي ونسرين وعبدالعزيز مخيون وريهام عبدالغفور وطارق لطفي وبسمة وزينة ومحمد إمام وغيرهم..
تأثيره الأكبر :
أسامة أنور عكاشة ليس مجرد كاتب بل هو حالة فرضت سيطرتها على الساحة الفنية في مصر، حتى إن بعض المحللين الفنيين يشيرون إلى فترة التسعينات بمصطلح (الدراما العكاشية)، ليس لإنه صاحب الإنتاج الأغزر بتلك المرحلة ولكن لإن كافة كتاب السيناريو بتلك الفترة تأثروا بأسلوبه بدرجة كبيرة، كما إنه يعد مثل أعلى لكل كاتب معاصر سواء كان كاتب سيناريو أو كاتب روائي.
رفضه جائزة مبارك للفنون :
نال أسامة أنور عكاشة خلال سنوات نشاطه الفني العديد والعديد من الجوائز والتكريمات، لكنه كان يقول دائماً إن جائزة الدولة التقديرية هي الأقرب إلى قلبه والأكثر اعتزازاً بها، إذ إنها تشعره بإن الدولة تُقدِر قيمة جهوده التي بذلها في خدمة الفن والثقافة ونشر الوعي المجتمعي. لكن الواقعة الأغرب والأشهر في مسيرة الراحل أسامة أنور عكاشة تتمثل في رفضه الحصول على جائزة مبارك للفنون، معللاً ذلك بإنه قبل الجائزة التي تحمل اسم بلده التي ينتمي إليها لكنه يرفض تماماً أن ينال أي جائزة تحمل اسم رئيس أو ملك أو صاحب سلطة كون ذلك يتعارض مع مبادئه، ويعد ذلك موقفاً شجاعاً من عكاشة في زمن عج بالكثير من المنافقين المتغنون باسم حسني مبارك.
حياته الخاصة :
كانت حياة أسامة أنور عكاشة الخاصة دائماً بعيدة عن الأضواء وكان يحرص على ذلك بشدة، فلم يكن يتطرق في حواراته الصحفية إلى حياته الشخصية إلا نادراً، لكن المعلوم لنا إنه قد خاض تجربة الزواج مرتين في حياته، الأولى كانت من سيدة تدعى سُهير هي والدة ابنائه هشام وأمل ونسرين، أما الثانية فقد كانت من الممثلة عبير عبدالمجيد والتي تزوجها رسمياً ولكنه لم يُعلن الأمر إعلامياً ولم يتم كشفه إلا بعد وفاته.
الرحيل :
في مايو 2010م أصيب الكاتب أسامة أنور عكاشة بهبوط حاد في الدورة الدموية، نقل على إثره إلى مستشفى وادي النيل بالقاهرة، والتي حظي بها بالرعاية الطبية لعدة أيام ولكن المرض اشتد عليه، وفي الثامن والعشرين من مايو أعلن خبر وفاة الكاتب الكبير، والذي شكل صدمة بالنسبة للوسط الفني وجماهيره ومحبيه، وتم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة حضرها أغلب رموز المجتمع المصري، كما رثاه عدد كبير من الشخصيات الفنية والعامة.
أضف تعليق