غابرييل غارسيا ماركيز هو اسم بمجرد ذكره تتقافز إلى الأذهان العديد من عناوين الروايات والأعمال الأدبية، مثل مائة عام من العزلة، خريف البطريك، الحب في زمن الكوليرا، عن الحب وشياطين أخرى وغيرهم.. فكل تلك الأعمال ذيلت بتوقيع غابرييل غارسيا ماركيز ومن خلالها صُنع تاريخه وتحققت شهرته.
غابرييل غارسيا ماركيز .. من هذا؟
غابرييل غارسيا ماركيز هو روائي وصحفي وناشر ومفكر سياسي كولومبي الجنسية، ويعد ماركيز أحد أهم أدباء القرن الماضي وأوسعهم انتشاراً على الإطلاق، فقد ترجمت أعماله لأكثر من عشرين لغة وبيعت منها ملايين النسخ بمختلف دول العالم. فكيف كانت مسيرته الأدبية؟ وكيف ومتى حقق ذلك النجاح منقطع النظير؟
الحب في زمن الكوليرا :
السيرة الذاتية لـ غابرييل غارسيا ماركيز تبدأ قبل مولده ببضع سنوات، وذلك لأن تأثره بقصة حب وزواج أبويه لا تقل أهمية عن تأثر نشأته بهما. وقد بدأت علاقة والدين في عام 1925م تقريباً حين وصل غابرييل إيليخيو إلى المقاطعة التي تسكنها لويسا سانتياجا ماركيز ابنه العقيد ريكاردو ماركيز، وأعجب بها ونشأت بينهما قصة حب وحين تقدم لطلب الزواج منها رفضه الأب، بسبب تدني مستواه الاجتماعي كما عرف عنه تعدد علاقاته النسائية، لكنهما لم يستسلما وناضلا من أجل حبهما وفي عام 1926م تمكنت لويسا من إقناع والدها بقبول غابرييل وحصلت على تصريح بالزواج، وفي السادس من مارس 1927م استقبلا طفلهما الأول الذي سُمي باسم والده وحمل لقب عائلة أمه فصار غابرييل غارسيا ماركيز الذي استوحى قصة حب والديه فيما بعد وخلدها من خلال رائعته (الحب في زمن الكوليرا)، وكان ميلاد ماركيز في مدينة ماجدالينا الكولومبية.
الدراسة :
تنقل غابرييل غارسيا ماركيز كثيراً في طفولته بسبب تنقل عائلته الدائم، وحين بلغ سن الالتحاق بالمدرسة كانت الأسرة قد استقرت أخيراً بمقاطعة سوكر، وتم إلحاقه بمدرسة بارانكويلا الداخلية حيث تلقى بها تعليمه الأساسي، ورغم حداثة سن غابرييل غارسيا ماركيز إلا إنه كان شديد الاهتمام بالمطالعة والرسم، وكان يرفض إهدار وقته في اللهو مع أطفاله وذلك لإدراكه قيمة الوقت وكذا لإنه كان طفلاً خجولاً، وكان شديد الجدية والالتزام في كل شىء حتى إن زملائه بالمدرسة أطلقوا عليه لقب (غابرييل العجوز).
استكمل ماركيز دراسته فيما بعد بمدرسة اليسوعية الثانوية، ونظراً لتفوقه العلمي والدراسي بسنته الدراسية الأولى بتلك المدرسة تلقى منحة حكومية لاستكمال دراسته بمدرسة أرقى في بلدية ثيباكيرا بالقرب من العاصمة، وبعد إتمامه للدراسة الثانوية في 1947م انتقل إلى مدينة بوغاتا حيث التحق هناك بجامعة كولومبيا الوطنية حيث تخصص في دراسة القانون.
حلم الكتابة والأسلوب المميز :
تأثر غابرييل غارسيا ماركيز كثيراً برواية المسخ للكاتب فرانتس كافكا، وكانت تلك الرواية بمثابة إلهاماً له خاصة وإنه في الأساس كان لديه شغف كبير بفكرة الكتابة، ولكنه كان لديه رغبة كبيرة في الابتعاد عن أوجه الأدب التقليدي والذي إما يتبع نمطاً واقعياً أو أن يكون خيالي تماماً، فقد كان غابرييل غارسيا ماركيز راغب في أن يكون أسلوبه الأدبي شبيه بأسلوب حكايات الجدة التي كان يستمتع بها في طفولته، والتي كانت دائماً ما تدمج ما بين الواقع الملومس وبين الأحداث الغريبة ويتداخل المنطق مع الخيال أو ما يعرف باسم الواقعية السحرية، وعلى الفور بدأ ماركيز في كتابة قصته الأولى والتي حملت عنوان: الإذعان الثالث ونشرت بصحيفة الإسبكاتدور.
مسيرته الصحفية :
رغم إن غابرييل غارسيا ماركيز بدأ مسيرته ككاتب أثناء دراسته الجامعية، إلا إن ذلك لم يثنه عن مواصلة دراساته العليا القانون التي استكملها إرضاءً لوالده، ولكن عقب اغتيال الزعيم الكلومبي خورخي إلييثير جايتان شهدت البلاد أعمال شغب أغلقت على إثرها الجامعة، وبتلك الفترة انتقل ماركيز إلى جامعة قرطاجنة وبذات الوقت بدأ عمله كمراسل صحفي لجريدة اليونيفرسال، وفي 1950م اتخذ قراره باعتزال العمل بمجال المحاماة بصفة نهائية ليتفرغ للعمل الصحفي، خاصة بعدما جاءته فرصته الكبرى بالانضمام لجريدة إل هيرالدو التي كان يكتب عمود ثابت بها.
عالمية ماركيز :
نقطة التحول الأبرز في حياة غابرييل غارسيا ماركيز كانت في عام 1967م، حين قدم عمله الروائي الأشهر على الإطلاق : مائة عام من العزلة، وحققت الرواية نجاحاً ساحقاً عند نشرها ولاقت رواج كبير بين القراء، وخلال أسبوع واحد من طرحها بيعت منها حوالي ثمانية آلاف نسخة، ونتيجة لهذا النجاح غير المسبوق كانت تطبع منها طبعة جديدة بصفة أسبوعية تقريباً، وخلال ثلاث سنوات فقط كانت قد بيعت نصف مليون نسخة من مائة عام من العزلة، وتمت ترجمة هذه الرواية لأكثر من 20 لغة وبيعت منها ملايين النسخ بكافة أرجاء العالم.
حياته الخاصة :
التقى غابرييل غارسيا ماركيز بزوجته ميرثيديس بارشا وهو لا يزال طالب بالجامعة حين تمت دعوته لحضور حفل راقص للطلاب، ومنذ اللقاء الأول قرر ماركيز أن تكون بارشا هي زوجته المستقبلية، وبالفعل كان التقدم بطلب الزواج منها أول ما فعله بعد إتمامه لدراسته، ويقول ماركيز إن زوجته كانت خير رفيق لرحلته ولم تتوقف عن دعمه في مسيرته يوماً واحداً. ورُزِق غابرييل غارسيا ماركيز وزوجته بثلاثة ابناء هم: جونثالو وماركيز الابن ورودريجو.
تأثيره :
رغم إن النجاح الحقيقي لم يحققه غابرييل غارسيا ماركيز إلا بعد تجاوزه سن الأربعين، إلا إنه استطاع أن يُخلد اسمه في تاريخ الفنون والآداب بحروف من النور، وأثر ماركيز الفني لا يقاس فقط بما أبدعه من أعمال أدبية، بل يقاس كذلك بمدى تأثيره في الأجيال التي تلته من الأدباء، وتأتي على رأسهم التشيلية إيزابيل الليندي والتي رُشحت للفوز بجائزة نوبل في الأدب.
الجوائز والتكريمات :
يعد غابرييل غارسيا ماركيز هو أحد الكتاب في تاريخ الأدب العالمي، وما حققه من شهرة ونجاح لم يحققه سوى قلة قليلة من الأدباء، وبناء عليه كان من الطبيعي أن يترجم ذلك النجاح الكبير في صورة جوائز وتكريمات، ومن أهم ما حصل عليه ماركيز من جوائز خلال مسيرته:
- جائزة نوبل في الآداب عام 1982م.
- جائزة رومولو جايجوس عن مائة عام من العزل
- وسام جوقة الشرف الفرنسي
- وسام النسر من المكسيك
- كرم ضمن فاعليات الاحتفال بمرور 40 عاماً على تأسيس مجموعة بارانكويلا للصحفيين
- نال أكثر من درجة دكتوراة فخرية في الآداب من عِدة جامعات أشهرها الجامعة الكولومبية في نيويورك.
الوفاة :
رحل غابرييل غارسيا ماركيز عن كولومبيا في آوائل السبعينات وعاش فترة من حياته بمدينة برشلونة الإسبانية، ثم توجه إلى المكسيك برفقة أسرته، وبسنوات عمره الأخيرة عانى ماركيز من مرض ألزهيمر وهو ما تسبب في ابتعاده عن الأضواء والحياة العامة، وفي السابع عشر من أبريل 2014م تناقلت وسائل الأنباء خبر وفاة غابرييل غارسيا ماركيز الذي أصاب الملايين من محبيه حول العالم بالإحباط، وقيل إنه قد توفي متأثراً بمرض الالتهاب الرئوي الحاد.
ماركيز .. الرمز الكولومبي :
يعد غابرييل غارسيا ماركيز رمزاً لدولة كولومبيا وقد احتفت به حكومتها وخلدت ذكراه بعِدة صور، أهمها إعادة بناء المنزل الذي شهد مولده وطفولته، وتخصيصه كمتحفاً خاصاً به مكون من 14 قاعة تضم أعمال ماركيز ومتعلقاته الشخصية وتجسد البيئة التي نشأ فيها. كذلك تم تكريم ماركيز من خلال دول أخرى وذلك بإطلاق اسمه على شوارعها، ومنها مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية ومدينة مدريد الإسبانية، وفي المكسيك تم إطلاق اسم ماركيز على أحد المراكز الثقافية في عام 2008م.
أضف تعليق