فرج فودة هو المفكر العربي الأكثر إثارة للجدل خلال القرن الماضي، وكانت حياته هي الثمن الذي دفعه لتمسكه بأفكاره ومبادئه، والأهم إنه قد دفع ذلك الثمن عن طيب خاطر، فـ فرج فودة لم يكن يخشى الموت، حتى إنه حين أبلغوه بأن اسمه يأتي بالمرتبة الثانية ضمن قوائم اغتيالات الجماعة الإسلامية، أجاب بتهكم وهدوء: وفيما قصرت حتى لا أكون بالمرتبة الأولى؟!
فرج فودة .. من هذا ؟
فرج فودة هو المقتول والقاتل في ذات الوقت، اغتاله أنصار تيار الإسلام السياسي في أوائل التسعينات، لكنهم لم يستطيعوا اغتيال أفكاره، بل إنهم بجريمتهم هذه روجوا لها وساهموا في نشرها، فصار فودة بذلك ألد أعدائهم حياً وميتاً.. فما سيرته؟ وما سر عداء اليمين المتطرف له؟
الميلاد والأسرة :
ولد فرج فودة في العشرين من أغسطس عام 1945م، وكان ذلك في قرية تدعى الزرقا بالقرب من محافظة دمياط المصرية، تزوج والده ثلاث مرات وكان هو أحد ابنائه من الزوجة الثانية، التي تنتمي إلى عائلة العيشي وهي واحدة من العائلات العريقة بشربين. كان لـ فرج فودة خمسة أخوات، أربعة أشقاء هم محي ورواية وشمس وشادية، بجانب أخته غير الشقيقة ليلى التي كانت قد أنجبها والده من زواجه الأول، وبعد وفاة أمهم انتقل الأب إلى القاهرة ليعمل بالمصانع الحربية، وترك جميع الابناء في عهدة الجد كي يتولى تربيتهم ورعايتهم.
الصدمات :
شهدت حياة فرج فودة المبكرة العديد من التقلبات والصدمات، والتي أثرت به وساهمت بشكل أو بآخر في تشكيل وعيه وشخصيته، فقد فقد والدته في عمر مبكر، ثم رحل والده إلى القاهرة وتركه في عهدة جده، ثم افتتح الأب مضرباً للأرز فتيسرت حالتهم المادية، ثم تدهور الحال فجأة إلى أن حجز البنك على المضرب وفاءً لديون الأب، فتدهورت أحوال الأسرة مجدداً وعادت مرة أخرى لحياة الفقر، ولكن الضربة القاصمة تمثل في فقدانه لشقيقه الأكبر محي، والذي استشهد في نكسة 1967م ولم يتم العثور على جثمانه، وكان ذلك بعد تخرجه من الكلية الحربية بأقل من أسبوع.
الدراسة :
تلقى فرج فودة تعليمه الأول في المدارس الحكومية بالبنادر القريبة من قرية الزرقا، وبعد إنهاء تعليمه بالمرحلة الثانوية التحق بكلية الزراعة، وتخصص في دراسة الاقتصاد الزراعي وحصل على درجة البكالوريوس في 1967م، وهو نفس العام الذي فقد فيه شقيقه، ورغم تغير الأوضاع المالية ومرور الأسرة بضائقة نتيجة حجز البنك على ممتلكات الأب، إلا إن فودة قرر أن يستكمل دراساته العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس.
مواقفه السياسية :
مارس فرج فودة العمل السياسي بشكل فعلي، ولم تقتصر مشاركته السياسية على طرحه لأفكاره من خلال مقالاته وكتاباته فقط، بل إنه كان حزبياً وشارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، وكان من أشد المتحمسين له والمؤمنين بأفكاره، وخاض الانتخابات البرلمانية أكثر من مرة، ولكنه تخلى عن عضويته بالوفد احتجاجاً على تعاون الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، وفي سنواته الأخيرة سعي لتأسيس حزب سياسي أسماه المستقبل، وخاض معارك عديدة مع لجنة شئون الأحزاب بمجلس الشورى كي تقبله وتقره، ولكنه اغتيل قبل أن تُحسم تلك الصراعات ويُحدد مصير الحزب.
مؤلفاته :
الغالبية العظمى من مؤلفات المفكر الراحل فرج فودة ،كانت تتمحور حول الفكر التفكيري المتطرف، ودراسات عن نشأة تلك الجماعات ومعتقداتها وجرائمها التي يسمونها جهاداً، بجانب عدد آخر من المؤلفات التي ناقش فيها الفتنة الطائفية ودافع من خلالها عن حقوق الأقليات، ومن أهم وأشهر مؤلفاته ما يلي :
الحقيقة الغائبة
- الملعوب : قصة شركات توظيف الأموال
- حتى لا يكون كلاماً في الهواء
- قبل السقوط
- الطائفية إلى أين؟
- الإرهاب
- نكون أو لا نكون
تنبؤاته :
إنجاز فرج فودة الحقيقي يكمن في إرثه المكون من كم هائل من الكتابات، وأهمية كتاباته تنبع من النبؤات التي تضمنتها، وهو بالتأكيد لم يكن كاشفاً للغيب، ولكنه الشخص الوحيد الذي كشف حقيقة الجماعات الإسلامية في وقت مبكر، ودرس واقعهم وأفكارهم وعقائدهم فتمكن من التكهن بالمستقبل إذا ما تصدروا الصورة، وبلغوا سدة الحكم، وأثبتت الأيام صدق كل كلمة كتبها فودة أو قالها في حقهم، بعدما عانت الدول العربية مؤخراً من تصدرهم للمشهد السياسي.
حملات التشويه :
لم يتم اغتيال فرج فودة مرة واحدة فقط، فقبل اغتياله بالرصاصة تم اغتياله عدة مرات بالترويج للأكاذيب والشائعات، التي تمس سمعته وسمعة أسرته، وبالطبع كان الهدف الوحيد منها هو أن يتم إقصاء ذلك المفكر عن الساحة، خاصة في كل مرة كان يعلن فودة فيها نيته في خوض الانتخابات البرلمانية، ومن أمثلة ذلك القول بأن كتاب قبل السقوط لفودة يحث على الفواحش ويبيح الزنا، كما قيل بإنه غير حاصل على درجة الدكتوراه وإنه يدعي ذلك، وفي وقت ما أشاعت بعض جماعات الإسلام السياسي خبر أحمق وغير منطقي، مفاده إن ابنة فودة متزوجة من السفير الإسرائيلي بالقاهرة.
حياته الخاصة :
لم يتزوج فرج فودة في حياته إلا مرة واحدة فقط كانت في عام 1970م، ورُزِق من تلك الزيجة بأربعة ابناء، ولكنه كان يحرص على جعل حياته الشخصية بعيدة عن الأضواء، والبعض يرجع السبب في ذلك إلى الهجمات الشرسة التي كان يتعرض لها من حين لآخر، علاوة على إنه كان معرضاً للخطر دائماً، وكان يتلقى تهديدات بالقتل بصفة مستمرة.
التكفير ومناظرة الغزالي :
رأى علماء الأزهر الشريف إن الأفكار التي تروج لها كتابات فرج فودة تخالف الشريعة الإسلامية، وقالوا بإنه تجاوز كل الحدود، واجتمع مجموعة منهم في الثالث من يونيو 1992م، ثم أصدروا بياناً أدانوا فيه فودة بشكل رسمي ووصفوه بـ(الكافر)، وبالأيام القليلة التالية خاض فرج فودة مناظرة في مواجهة الشيخ الغزالي، ضمن فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، واتهمه الغزالي خلال المناظرة بالكفر ووصفه بالمُرتد، وأعلن موافقته وتضامنه مع البيان الذي أصدره مجموعة الأزهريين في حق فودة قبل أيام قليلة.
الاغتيال :
في الثامن من يونيو عام 1992م، أي بعد مرور خمسة أيام فقط على الفتوى القاضية بتكفير وارتداد فرج فودة ،تم الهجوم عليه من قبل ثلاث أشخاص ينتمون إلى الجماعة الإسلامية، يقودهم شخص يدعى أبو العلا عبد ربه، وتربصوا به أمام الجمعية المصرية للتنوير التي كان قد قام بتأسيسها، وأثناء مغادرته لها أمطروه بوابل من الرصاص.. تم نقل فرج فودة إلى المستشفى واستمرت محاولات إسعافه حوالي ست ساعات، ولكن كانت طلقات الرصاص قد نفذت إلى الكبد والأمعاء وأصابتهما بتهتكات عديدة، فتوفي متأثراً بجراحه ونزفه.
محاكمة القاتل :
ألقت قوات الشرطة على أبو العلا عبد ربه ورفاقه لاتهامهم بقتل فرج فودة ،ولم ينكر أي منهم التهمة بل اعتبروا ذلك مدعاة للفخر، خاصة وإن حادث الاغتيال لم يثن أي من علماء الأزهر -الذين سبق لهم مهاجمة فودة- عن موقفه، بما فيهم الشيخ الغزالي الذي أصر على موقفه معتبراً فودة مرتد، وقد استند محامي المتهمين إلى تلك الشهادات في دفاعه عنهم، فتمكن من أن ينجيهم من حبل المشنقة، وحُكم على أبو العلا عبد ربه عضو الجماعة الإسلامية بالسجن المشدد لمدة 55 عاماً، ولكنه حصل على عفو رئاسي في 2015م بعد تولي الإخواني محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية في مصر.
أضف تعليق